هو الصحابي الجليل القادم من بلاد فارس الباحث عن الحق، هو المُكنّى بأبي عبدالله القادم من أصفهان، تنقّل بين المدن بحثًا عن الدين حتّى خدعه قوم وباعوه لرجل يهودي في المدينة المنورة إلى أن ساعده الرسول صلّى الله عليه وسلّم وصحابته رضوان الله عليهم على التحرر، حيث أسلم رضي الله عنه مع قدوم النبي إلى المدينة، غاب سلمان الفارسي عن غزوتي بدر وأحد بسبب العبودية، ولكنه حضر غزوة الخندق والتي كان له دور كبير فيها بنصر المسلمين، ولّاه الفاروق رضي الله عنه على المدائن، كان من السبّاقين للإسلام من غير العرب، فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (السُّبَّاقُ أربعةٌ أنا سابقُ العربِ وصُهيبٌ سابِقُ الرُّومِ وسلمانُ سابِقُ الفرسِ وبلالٌ سابقُ الحبشِ)

إسلام سلمان الفارسي

تُعتبر قصة إسلام سلمان الفارسي من القصص المليئة بالعبر والسعي الحقيقي وراء فطرة الإنسان، فكما روى رضي الله عنه أنّه خرج في طلب الدين وتنقّل من كنيسة إلى أُخرى بعد أن ترك دين أجداده المجوسية، حتّى وصل عند رجل في عمورية، فأعلمه أنّه سيخرج نبي في أرض العرب وأعطاه ثلاث علامات في النبي، فخرج رضي الله عنه باحثًا حتّى وصل إلى المدينة المنورة بعد بيعه لرجل يهودي، وعندما جاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم مهاجرًا من مكة المكرمة راح سلمان الفارسي يتبعه حتّى تأكد من علامات النبوّة والتي علمها في عمورية، حيث إنّ النبي لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية وعلى كتفه خاتم النبوّة، فأقبل رضي الله عنه يقبّل الرسول ويبكي وأعلن إسلامه.

سلمان الفارسي وغزوة الخندق

باغتت قريش المسلمين في المدينة المنورة بعد أن أقنعهم بعض زُعماء اليهود بأن تقوم قريش وغطفان بالهجوم على المدينة من الخارج ويهود بني قُريضة من الداخل ووضع المسلمين بين جيشين والقضاء عليهم نهائيًا، أصبح المسلمون في موقف صعب حتّى جاءهم الصحابي سلمان بتلك الفكرة العبقرية التي كانت عاملًا فاصلًا في غزوة الخندق، حيث نفّذ المسلمون الفكرة بحفر خندق في المناطق المكشوفة حول المدينة المنورة، فعجز المشركون في اقتحام المدينة لمدّة شهر كامل حتّى عادوا من حيث أتوا بعد أن اقتلعت الرياح خيامهم، فكان لسلمان الفارسي رضي الله عنه فضل كبير في حماية المسلمين من تكاتف المشركين وغدر اليهود.

وفاة سلمان الفارسي
توفِّي سلمان الفارسي في عهد خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وكان عنده صرَّة من المسك، فجاء ببعض الماء ووضع المسك فوق الماء ثمَّ أمر زوجته أن تنثره حوله، وطلب منها أن تتركه وحيدًا في الغرفة وتخرج، وعندما عادت إليه كانت روحه قد صعدت إلى بارئها، وتروي زوجته قصة سلمان الفارسي يوم موته فتقول: "لَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ دَعَانِي، وَهُوَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، فَقَالَ: "افْتَحِي هَذِهِ الأَبْوَابَ، فَإِنَّ لِي اليَوْمَ زُوَّارًا لاَ أَدْرِي مِنْ أَيِّ هَذِهِ الأَبْوَابِ يَدْخُلُوْنَ عَلَيَّ"، ثُمَّ دَعَا بِمِسْكٍ، فَقَالَ: أَدِيْفِيْهِ فِي تَوْرٍ، ثُمَّ انْضَحِيْهِ حَوْلَ فِرَاشِي، فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أُخِذَ رُوْحُهُ، فَكَأَنَّهُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ ".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سلمان الفارسي غزوة الخندق المدینة المنورة رضی الله عنه

إقرأ أيضاً:

رحل الباقر العفيف و تبقى الفكرة

تعرفت على الدكتور الباقر العفيف في النصف الثاني من عقد تسعينات القرن الماضي بالقاهرة، في ذلك الوقت كنت اقرأ للعفيف و لم التق به شخصيا، إلا في يوم اتصل بي الراحل الخات عدلان و سألني أين أنت الآن..؟ قلت في المركز.. قال سوف أحضر اليك بعد ساعة.. جاء الخاتم و معه شخص لأول مرة أقابله.. لكن اعرفته من خلال صوره التي ترافق بعض كتاباته " الدكتور الباقر العفيف" في ذلك الوقت؛ كان الخاتم عدلان قد حسم موقفه السياسي، و غادر موقعه في الحزب الشيوعي، و شرع في تكوين تنظيمهم الجديد " حق" عرفني الخاتم بالدكتور العفيف و قال أنه أحد قيادات التنظيم الجديد " حق" و طلبا مني أن أقيم لهم ندوة سياسية حوارية في المركز.. و قال الخاتم يجب أن تبلغ بها الزملاء يهمنا حضورهم.. ضحك العفيف و علق على قول الخاتم.. هل تريدها مناظرة مع الزملاء، أم أنها ندوة نطرح فيها أفكارنا التي من المفترض أن تفتح بابا للحوار مع التيارات الفكرية الأخرى، و من ضمنهم الزملاء..
تحدث الباقر عن تصوره للندوة، كان هادئا، يعرف كيف يوصل رسالته عبر هذا الهدوء، و هو سمة في شخصيته، مرتب في حديثه، و الفكرة عنده واضحة، لذلك يجبرك بالإنصات و التعقل حتى تستطيع أن تفرق بين الفكرة العامة و بين حواشيها، من خلال ساعة في الحوار يتبين لأية مستمع أن إشكالية " الهوية" تشكل ركنا أساسيا في فكر الباقر العفيف، و يفصل بين قضيتين التأسيس التأصيلي للفكر الديني و بين موجبات الأفرازات الاجتماعية التي تجبر الشخص المهتم أن يقدم اجتهاده على ضوء الفكرتين " الدين و الاجتهاد الإنساني" ربما يكون أنتماءه الأول للفكر "الجمهوري" قد منحه خاصيتين الأولى الهدوء في سماع الأخر، و الثاني أن يبحث عن المدخل الأفضل لنقد الفكرة دون أن يترك لمحاوره انطباع أن النقد خلافا بل البحث عن نقاط توصل إلي توافق عليها.. و هذه خاصية أن الرجل متمكن من أدواته، و قادر أن يوصل رسالته..
عندما بدأت البحث في قضية " مؤتمر الطلاب المستقلين و المحايدين و لجان المقاومة و أثرهم على العملية السياسية" و من خلال الاستماع لعدد من الذين عاصروا تكوين "مؤتمر الطلاب المستقلين" في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي كان البعض يخلط بين دور الطلاب المستقلين، و بين الجمهوريين الذين كانوا نشطين في ذلك الوقت، خاصة في جامعة الخرطوم، و قد ورد أسم الباقر باعتباره جزء من تنظيم " المستقلين" و البعض الأخر يعتبره من ناشطي الجمهوريين في تلك الحقبة.. أن تعدد الانتماءات تبين حالة المثابرة التي تجعله قادر على تعديل أفتراضاته إذا تبين له أن الأفتراضات الأولى لا تقود إلي النتائج المطلوبة، و تتبين من خلال الدراسة العلمية الجادة، و ليس التعصبية في الانتماء..
ظلت صلتي متواصلة بالدكتور العفيف من خلال التعليق على بعض كتاباتي في الخاص، و رغم أختلافي معه في بعض القضايا لكن لا يمنع من أحترم رؤيته.. و الباقر العفيف ليس كثير الحديث و التعليق في كل القضايا، كان يستمع و يكتفي بالاستماع فقط.. عقدنا في " مركز أبحاث الديمقراطية و الدراسات الإستراتيجية" العديد من الحوارات عبر خدمة " Zoom " أستضفنا فيها عدد من الشخصيات التي تنتمي لتيارات فكرية متعددة منهم " الدكتور الشفيع خضر و الدكتور صديق الزيلعي و عبد العزيز حسين الصاوي و المحبوب عبد السلام و الدكتور مضوي إبراهيم و الدكتورة أماني الطويل و غيرهم.. كان الباقر حضورا بالاستماع..
عندما كتب الأربعة مسودة الدعوة للقوى المدنية " الباقر العفيف و نور الدين ساتي و عبد الرحمن الأمين و بكري الجاك" كتبت " مقالا" أشير فيه أن الفكرة تتماشى مع الفكرة الأم التي قادت للحرب " الإتفاق الإطاري" لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي - مولي في" وجدت منه تعليقا في الخاص يقول فيه ( يا زين عاوز تحرمنا حتى من التفكير) الباقر تحترم فيه الهدوء و الخلاف معه يقوم على الفكرة، و ليس على قضايا شخصية، لذلك العفيف يتوقف عن الحديث في ظل الهياج أو الانفعالات باعتبارها تخرج الشخص من الموضوعية.. و أيضا لا يتردد في طرح رؤيته بشجاعة و ينتظر ردود الفعل عنها بهدوء العارف..
الحقيقة التي يجب الإقرار بها أن الدكتور الباقر العفيف قد رحل بهدوء عن الدنيا، بذات الهدوء الفكري الذي عاشه متصالحا مع أفكاره.. و تظل فكرة الهوية تشكل القاعدة الأساسية التي بنى عليها رؤاه الفكرية، و هي تمثل حجر الزاوية في الأزمة السودانية، و أيضا قضية التآصيل و التآويل " للأستاذ محمود محمد طه" تمثل حجر الزاوية في الرؤى السياسية الأخرى للباقر و تساعده في التفكير على غيجاد حلول ل " قضية الدولة المدنية" فالباقر لم يكن شارحا لمتون - أقوال و اجتهادات " الأستاذ محمود محمد طه" و لكن هذه الأقوال كانت تساعده في رؤيته الخاصة عن الدولة المدنية ممزوجة بقراءات أخرى هذا التعدد في الأفكار هو الذي جعله متعدد الانتماءات.. تنظيم " حق" كانت محطة حاول أن يقدم من خلالها رؤيته لقضية الديمقراطية بعد أنتهاء عصر الحرب الباردة ..
رحم الله الباقر العفيف، و نسأل الله له الرحمة و المغفرة و القبول الحسن، و خالص العزاء لأسرته الصغيرة و الكبيرة و أصدقائه و محبيه.. سوف يغيب الباقر جسدا و لكن ستظل أفكاره هي الباقية مهما كان الاختلاف لا يمنعنا ذلك من القول أنه كان مفكرا و مثقفا صاحبة رؤية و رسالة.. و ستظل فكرته تشكل ركن أساسيا في أية حوار جاد بين السودانيين.. و نسأل الله الهداية لنا و لسوانا...

zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • رحل الباقر العفيف و تبقى الفكرة
  • اكتمال وصول الدفعة الثالثة من ضيوف “برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة” إلى المدينة المنورة
  • رد الشبهات.. هل كان معراج الرسول بالروح أم بالجسد؟
  • 1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة
  • ماذا شاهد الرسول في رحلة الإسراء والمعراج؟.. منها نهر الكوثر
  • كيف صعد الرسول إلى السماء هل بالروح والجسد معا؟ تفاصيل قصة الإسراء والمعراج
  • قصة الإسراء والمعراج مختصرة وماذا رأى الرسول في ليلة 27 رجب بالتفصيل؟
  • مواطنة تهدي الأمير سلطان بن سلمان ترمس شاي يعود لعام 1985.. فيديو
  • المدينة المنورة.. بدء الحركة في نفق طريق الأمير عبدالمجيد مع "سلطانة"
  • معجزة الرسول الكريم.. قصة الإسراء والمعراج وأفضل دعاء في هذه الليلة