الحردلو صائد الجمال (8): قعدت قلبي تطوي.. وكل ساعه تفرّو !!
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
مرتضى الغالي
أشعار الحردلو "الرومانسية" كما يسميها مترجمها "عادل بابكر" دارت واستدارت عبر سهل البطانة والسودان بمجمله منذ تأليفها في بواكير القرن العشرين، وانتقلت شفاهة من جيل إلى جيل..! بعضها دخل في نسيج الأغاني الشعبية..ووجد انتشاراً واسعاً على لهاة وأوتار عبد الكريم الكابلي (وأيضاً بعض المغنيات والمطربين الآخرين).
وبعيداً عن جمال وروعة الاستعارات والتشبيهات الآسرة تقدّم مربعاته الشعرية صورة امرأة حرّك جمالها قارع الطبل..فهو يسارع من إيقاع ضرباته لمسايرة عنفوان الرقص..هذه هي مقاطع (قلبي المِن نشوهو للبنات هوّاي) وقد مرّت بنا آنفاً.!.
هناك مقطوعة أخرى أخضعها الكابلي لموسيقاه وهي تصور ظبية فتيّة تتجوّل وتتثنى بشعرها الأثيث الذي يزاحم خصرها، وبجمالها اللاهب الذي لا يغادر أحداً من غير أن يسلب لبّه..هنا أيضاً تتجلى الرمزية التي لا تخطئها عين..
راهوِيتاً علي قوز ود حرير مسدارك
تاتي المشيه قودي الحزمّك لا قصارك
حَسس الغادي منك وا أذى الفي جوارك
والله يكافي محنك يا المتلعبه نارك..!
المتلعبة بمعنى الموقدة المضطرمة نارها..!
..والتي لا يسلم منها القريب أو البعيد:
A close range or far beyond,
from her flames no one is spared..!
أما الفنان (محمد الأمين) فقد أمتع معجبيه أيما إمتاع بهذه المقطوعة للحردلو:
يا خالق الوجود أنا قلبي كاتم سرّو
ما لقيت من يدرك المعنى بيهو أبرّو
بهمة منصح الوادي المخدّر دِرّو
قعدت قلبي تطوي..وكل ساعه تفرّو
The young oryx at the heart of the green valley,
has been playing havoc with my heart,
folding and spreading
**
المعنى الكبير يُضن به على مَنْ لا يرتقي إلى فهمه وينال استحقاق اطلاعه عليه..وإلا فالأفضل أن يظل قيد الكتمان..!!
**
الصور والتمثيلات العجيبة والغنائية الخصبة المتدفقة جعلت مقاطع الحردلو تغزو قلوب محبي الشعر على مختلف الأجيال..! كما إن توظيفه الماهر للاستعارات يُكسب صوره الشعرية حيوية وقوة آسرة:
البارع أنا وقصبة مدالق السيل
في ونسه وبَسط.. لامن قسمنا الليل
وكتين النعام اشقلبنبو الخيل
لا جادت ولا بِخلت عليّ بلحيل...!!
هذا إبداع متناهٍ وتصوير بديع بليغ لخبير بالحب وشؤون النساء..! ولكن الأعجب أن يتم تصوير وتجسيد درجة التلاقي العاطفي والحسّي بين الرجل والمرأة بهذه البراعة...! وصف عجيب لحالات الشد والجذب الأزلية في عالم الحب وفوران الرغائب بين المرأة والرجل..! "ديالكتيك" التواصل والتمنع وفوران الرغائب وأحابيل الصدود الحقيقي والمتصنّع..ومقدار النوال..!
في أي محطة كانت (حدود التماس) وإلى أي مرحلة ودرجة وصلت؟ وعلى أي مدى توقّفت..!! إنها منزلة دقيقة تحتاج إلى موازين ذهب؛ بين الجود والبخل وبين التمنّع والمنح..!!
she was not responsive enough,
but was not entirely tough
**
لكن ينبغي أن نعلم انه عندما يذكر الحردلو (النعام والخيل) إنما يتحدث عن منازل النجوم في تحديد الوقت والساعة التي يعنيها من ساعات الليل والسحر..وهي أمور يعلمها أهل البادية ويصوّرونها في أوضاع متحركة ومتخيلة وذات صراع عندما يحتل نجم مكان نجم..وعندما يظهر احدهما أو يختفي الآخر..ويضيفون إليها استعارات من حيوانات البيئة المحيطة.. ففي الساعات المتأخرة من الليل تشكل النجوم كما يبدو وكأنها نعامة تسقط من ظهر حصان..! وهذه التشكيلة النجمية من الأبراج (constellations) تظهر لهم كعلامة لقرب انبلاج الفجر..!!
**
هذه اللمحة من لوامع الحردلو تعيد إلى الذاكرة الشاعر الفخم في الفترة السابقة للإسلام (أمرؤ القيس)..وهو أيضاً عاش فترة من حياته خليّاً لاهياً..وكانت له مغامراته الصاخبة مع النساء..وهو يصوّر في بعض مقاطع معلقته لحظات المتعة مع محظيته (عنيزة):
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة
فقالت لك الويلات انك مُرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معاً
عقرت بعيري يا أمرأ القيس فانزلِ
فقلت لها سيري وأرخي زمامه
ولا تبعديني من جناك المُعللِ
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعٍاً
فألهيتها عن ذي تمائم مُحوِلِ
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له..
بشقٍ وتحتي شِقها لم يحوّلِ
لا حول ولا قوة..!!
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
إزمير.. أمطار طوال الليل تُحول الطرق إلى بحيرات
تركيا الآن
اقرأ أيضاالفستق السوري في الطريق إلى تركيا
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024بعد تحذير المديرية العامة للأرصاد الجوية من العواصف الرعدية، تزايد هطول الأمطار على إزمير ليلاً. وتحولت العديد من الطرق في وسط المدينة إلى بحيرات، مما أدى إلى صعوبة حركة السير.
مشكلات السائقين وتأخر الحركة
واجه السائقون أوقاتاً عصيبة نتيجة المياه المتراكمة، حيث أبطأ بعضهم سرعتهم واحتجزوا في أماكنهم.