سودانايل:
2024-11-23@03:41:05 GMT

الهامش المأزوم تاريخيا!!

تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT

بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

●لقد كتب الكثيرون عن الأزمة السودانية وجذورها التأريخية منذ قبل إعلان ميلاد "الدولة الحديثة" في الفاتح من يناير 1956م ، وكيف عملت صفوة سياسية صغيرة على هندسة السودان وفق رؤى ومشاريع أحادية في وطن متعدد ومتنوع ثقافياً وعرقياً ودينياً ، حيث عملت على فرض مشروع إسلاموعروبي وحددت هوية غير واقعية للبلاد، واستغلت جهاز الدولة ومواردها في الهيمنة وبسط نفوذها ومقاومة أي تغيير يقود إلى بناء دولة مواطنة متساوية ، وهمشت الغالبية العظمى من أطراف السودان ثقافياً وإقتصادياً وإجتماعياً وتنموياً، إلا أن الأقاليم السودانية لم تستكن لهذه الهيمنة وقاومت سلمياً عبر تكوين تنظيمات مطلبية ولاحقاً أجبرت على حمل السلاح بعد عجز الوسائل السلمية، فكان تمرد توريت 1955 أول حركة مقاومة مسلحة في السودان ومن بعد حركة الأنانيا الأولى والثانية ظهرت حركات الكفاح الثوري المسلح ومن أبرزها الحركة الشعبية لتحرير السودان 1983 وحركة/جيش تحرير السودان 2002.



●من المفارقات أن أكثر المناطق والمجموعات الإجتماعية تهميشاً في السودان (حزام البقارة) الممتد من الجبلين إلى أم دافوق قد وقف أغلبه ضد حركات التحرر التي تنادي بالعدالة والمساواة ودولة المواطنة المتساوية ، وأصبح مسرحاً للتجنيد والتمليش وحائط الصد الأول لمنع توغل قوات الحركة الشعبية شمالاً، وقد كان السبب المباشر في تأخير التغيير في السودان على (نموذج شرق إفريقيا)، ونفس هذه المجموعات قد تم تمليش بعضها إبان إنطلاق الثورة المسلحة في دارفور فيما عرف بمليشيات الجنجويد التي إرتكبت بإشراف وأوامر من قادة الحكومة والجيش السوداني جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية التي بموجبها أصبح عمر البشير وقائمة خمسين من أركان نظامه مطلوبين لدي المحكمة الجنائية الدولية.

●لولا وقوف هؤلاء المهمشين في الجانب الخاطيء من التأريخ لما تأخرت عملية التغيير في السودان ولما وصلت بلادنا إلى هذه الحالة التي وصلت إليها اليوم، ويجب التذكير بأن هنالك عدة أسباب قد جعلت هؤلاء المهمشين يقفون ضد التغيير الذين هم أول المستفيدين منه وضد خلاصهم وتحريرهم من التهميش المتعمد ، منها الجهل وعدم الوعي، وقصور إعلام الحركات الثورية والدعاية الحكومية وسيطرتها على وسائل الإعلام، وسياسة فرق تسد واللعب على التناقضات في المجتمعات وتسييس صراعاتها حول الماء والكلأ والأرض، فأستغلت الحكومة الدين في صراع جنوب السودان وصورت الحرب على أساس إنها جهاد مسلمين ضد كفار وأغلب غرب السودان شارك وفق هذا المنطق المعوج، أما في حالة دارفور فقد إستغلت الحكومة عامل العرق لجهة أن "الجميع مسلمين" وقسمت المجتمعات إلى عرب وزرقة وزرعت بينهم الفتن والغبينة ، رغم أن كل هذه الحروب لا علاقة لها بالدين أو العرق إنما نتاج للظلم والتهميش وعدم العدالة والمساواة بين بنات وأبناء الوطن الواحد.

●إن حرب 15 أبريل 2023م ورغم إختلاف السودانيين حولها إلا إنها بطبيعة الحال إمتداداً للصراعات السابقة بكل ما تحمل من أبعاد عرقية وسياسية وثقافية وإجتماعية، ومع إختلاف الفاعلين في مسرحها الآن إلا أن الخصم والعدو واحد وهو "الجيش المؤدلج" الذي قام على حماية ونفوذ وإمتيازات الصفوة السياسية التي ورثت الحكم من المستعمر ، وهو الذي قاتل كل حركات التحرر الثوري في السودان ، وهو من قام بتكوين كل المليشيات المساندة ذات الطابع العرقي والديني والجهوي والمناطقي، منها: مليشيا القوات الصديقة، مليشيا التوم النور دلدوم، مليشيا فاولينو ماتيب، مليشيا المراحيل ، مليشيا كافي طيار البدين ، مليشيا الجاو، مليشيا الجنجويد ، مليشيا أبو طيرة، مليشيا الشرطة الظاعنة ، مليشيا حرس الحدود ثم قوات الدعم السريع التي قالوا عنها "خرجت من رحم القوات المسلحة" وتم تقنينها عبر قانون تم أجازه برلمان نظام البشير وعندما إختلفت معهم وقاتلتهم وصفوها ب"عرب الشتات" والأجانب والمرتزقة وهلمجرا..فإذا كانوا كذلك فمن الذي جلبهم للسودان ومنحهم الجنسية حتى يريدون منا تصديق هكذا ترهات أو نكون في خانة العملاء والمأجورين؟!

●إن الحرب وبكل بشاعتها وأهوالها وتشريدها للملايين وقتلها لعشرات الآلاف من الأنفس البريئة إلا إنها قد وضعت السودانيين أمام الحقيقة التي لا مفر منها، وهي أن الدولة السودانية (تركة الإستعمار) لا يمكن أن تستمر، وأن التغيير وبناء دولة مواطنة متساوية بين جميع السودانيين أمر حتمي للمحافظة على ما تبقى من السودان، وواجب الجميع السعي نحو وقف وإنهاء الحرب بأسرع ما يكون عوضاً أن يكونوا أطرافاً فيها بدعم هذا الطرف أو ذاك، لجهة أن هكذا أفعال ستعقد من الأزمة وتطيل أمد الحرب، ولا حسم عسكري يلوح في الأفق ، وإن تحقق فسيكون بكلفة مادية وبشرية باهظة وربما يكون الثمن وحدة السودان.

●في ظل سيادة خطاب الكراهية والعنصرية والعرقية والجهوية والتحشيد المتهور الذي نراه وتأدية فروض الولاء والطاعة لمن كانوا سبباً في شقاء السودان، والحج إلى "وادي سيدنا" لإظهار الدعم والمساندة ل"جيش الفلول" بلا شك سيقود السودان نحو حرب أهلية شاملة (حرب الكل ضد الكل)، ويتوقع دخول أطراف جديدة إلى حلبة الصراع سواء من داخل أو خارج السودان مما سيعقد المشهد أكثر، وحينها سيكون الحل عبر التفاوض والحوار حلماً بعيد المنال، لأنه من الصعوبة بمكان أن تتفاوض وتتحاور مع أطراف عديدة تختلف في الرؤاي والأهداف ومبررات دخولها للحرب، كما أن المستنفرين من الولايات المختلفة سيكونوا مليشيات مسلحة جديدة وبالتالي ستكون لديهم مطامع وأهداف سياسية ومشاركة في السلطة وهندسة السودان أو اللجوء إلى قتالهم ومحاربتهم.

●لا أستطيع إستيعاب وهضم مسألة فئة من المهمشين كانت تنادي بالتغيير وبناء "سودان جديد" وقاتلت وقدمت أرتالاً من الشهداء والجرحي والملايين من المشردين ، أن تضع يدها مع من كانت تقاتلهم، وهم كانوا حماة للدولة المركزية القابضة ومشروعها الأحادي، ويدها الباطشة التي ظلت تقتل وتسحق كل أطراف السودان التي نادت بحريتها وحقوقها، وتفعل نفس ما فعلته مجموعات المهمشين في "حزام البقارة" التي أشرت إليها في صدر المقال، مما يؤكد أن أزمة الهامش والمهمشين مركبة، ويعانون من عطب في التفكير والتحليل وتحديد الأولويات ومعرفة العدو الإستراتيجي والخصم التكتيكي، ويعاني بعضهم من نفسية تأبى الخروج من قوقع العبودية إلى رحاب الحرية، وتنطبق عليهم مقولة: (لو أمطرت السماء حرية، لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات).

26 مارس 2024م

elnairson@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

الغريب.. والأغرب

بدد الروس فرصة كانت مواتية فى مجلس الأمن لوقف الحرب فى السودان، واستخدم المندوب الروسى فى المجلس سلاح الڤيتو فقتل مشروع قرار وقف الحرب فى المهد. 

مشروع القرار كان مقدمًا فى مجلس الأمن من جانب بريطانيا وسيراليون، وكان أمل الذين قدموه أن تتوقف نار هذه الحرب التى دخلت عامها الثانى فى الخامس عشر من أبريل من هذه السنة، وكان من بين نتائجها حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة أن ٢٥ مليون سودانى صاروا فى عداد الذين ينتظرون المساعدات الإنسانية! 

الغريب أن جميع أعضاء المجلس صوتوا لصالح تمرير مشروع القرار، إلا روسيا التى شرعت سلاح الڤيتو فى وجه المصوتين لتواصل الحرب طريقها فى تدمير السودان.. وكان وزير الخارجية البريطانى قد وصف الڤيتو الروسى بأنه «وضيع»، وأضاف أنه من العار على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن يواصل الحرب على أوكرانيا، وأن يقف حجر عثرة فى طريق وقف الحرب فى السودان. 

ولم يوضح المندوب الروسى الأسباب التى دعت بلاده إلى اتخاذ هذا الموقف الغريب والعجيب، وكان كل ما فعله أنه ألمح إلى «استعمار بريطانى جديد» يقف وراء مشروع القرار.. وهذا كلام غامض كما ترى لأنه لا يشرح كيف ولا لماذا؟ 

وليس أغرب من الموقف الروسى إلا موقف الحكومة السودانية التى رحبت بما فعلته موسكو فى المجلس، وبغير أن تقول لنا هى الأخرى كيف ولماذا؟.. كيف ترحب بتعطيل مشروع قرار يوقف الحرب وينقذ السودان؟ ولماذا تتخذ هذا الموقف وهى أدرى الناس بما ألحقته الحرب بالبلاد من خراب، ومن تدمير، ومن تبديد للثروات العامة والخاصة؟ 

وقد اكتملت المأساة عندما نقلت وسائل الإعلام خبرًا عن قيادى فى قوات الدعم السريع بالتوازى مع ما جرى فى المجلس يقول فيه، إنهم فى قوات الدعم السريع التى تقاتل الجيش يفكرون فى الإعلان عن تشكيل حكومة فى المناطق التى يتواجدون فيها! 

وحين يحصل هذا فسوف يكون وبالًا على كل سودانى، لأن معناه أن يلحق السودان بليبيا التى تعرف حكومتين إحداهما فى الشرق والأخرى فى الغرب.. وهكذا يتكاثر على السودانيين ما تكاثر من قبل على الليبيين، ويدفع الشعبان فى البلدين ثمن صراع على السلطة مرة وعلى الثروة مرةً ثانية! 

 

مقالات مشابهة

  • المتحدث باسم القوة المشتركة: نجحنا بقطع طريق إمدادات عسكرية ولوجستية ضخمة كانت متجهة إلى مليشيا الدعم السريع
  • تصفيات أمم أفريقيا تسجل حدثاً تاريخياً
  • في شهرها العشرين وقف الحرب واستدامةالديمقراطية؟
  • حسن الجوار… مبدأ وسياسة
  • إدارة التوحش من داعش إلیٰ مليشيا آل دقلو!!
  • الحكومة العراقية تشيد بقرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالاتت وتعده تاريخياً
  • مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
  • الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
  • المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
  • الغريب.. والأغرب