سودانايل:
2024-09-17@17:13:23 GMT

الهامش المأزوم تاريخيا!!

تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT

بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

●لقد كتب الكثيرون عن الأزمة السودانية وجذورها التأريخية منذ قبل إعلان ميلاد "الدولة الحديثة" في الفاتح من يناير 1956م ، وكيف عملت صفوة سياسية صغيرة على هندسة السودان وفق رؤى ومشاريع أحادية في وطن متعدد ومتنوع ثقافياً وعرقياً ودينياً ، حيث عملت على فرض مشروع إسلاموعروبي وحددت هوية غير واقعية للبلاد، واستغلت جهاز الدولة ومواردها في الهيمنة وبسط نفوذها ومقاومة أي تغيير يقود إلى بناء دولة مواطنة متساوية ، وهمشت الغالبية العظمى من أطراف السودان ثقافياً وإقتصادياً وإجتماعياً وتنموياً، إلا أن الأقاليم السودانية لم تستكن لهذه الهيمنة وقاومت سلمياً عبر تكوين تنظيمات مطلبية ولاحقاً أجبرت على حمل السلاح بعد عجز الوسائل السلمية، فكان تمرد توريت 1955 أول حركة مقاومة مسلحة في السودان ومن بعد حركة الأنانيا الأولى والثانية ظهرت حركات الكفاح الثوري المسلح ومن أبرزها الحركة الشعبية لتحرير السودان 1983 وحركة/جيش تحرير السودان 2002.



●من المفارقات أن أكثر المناطق والمجموعات الإجتماعية تهميشاً في السودان (حزام البقارة) الممتد من الجبلين إلى أم دافوق قد وقف أغلبه ضد حركات التحرر التي تنادي بالعدالة والمساواة ودولة المواطنة المتساوية ، وأصبح مسرحاً للتجنيد والتمليش وحائط الصد الأول لمنع توغل قوات الحركة الشعبية شمالاً، وقد كان السبب المباشر في تأخير التغيير في السودان على (نموذج شرق إفريقيا)، ونفس هذه المجموعات قد تم تمليش بعضها إبان إنطلاق الثورة المسلحة في دارفور فيما عرف بمليشيات الجنجويد التي إرتكبت بإشراف وأوامر من قادة الحكومة والجيش السوداني جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية التي بموجبها أصبح عمر البشير وقائمة خمسين من أركان نظامه مطلوبين لدي المحكمة الجنائية الدولية.

●لولا وقوف هؤلاء المهمشين في الجانب الخاطيء من التأريخ لما تأخرت عملية التغيير في السودان ولما وصلت بلادنا إلى هذه الحالة التي وصلت إليها اليوم، ويجب التذكير بأن هنالك عدة أسباب قد جعلت هؤلاء المهمشين يقفون ضد التغيير الذين هم أول المستفيدين منه وضد خلاصهم وتحريرهم من التهميش المتعمد ، منها الجهل وعدم الوعي، وقصور إعلام الحركات الثورية والدعاية الحكومية وسيطرتها على وسائل الإعلام، وسياسة فرق تسد واللعب على التناقضات في المجتمعات وتسييس صراعاتها حول الماء والكلأ والأرض، فأستغلت الحكومة الدين في صراع جنوب السودان وصورت الحرب على أساس إنها جهاد مسلمين ضد كفار وأغلب غرب السودان شارك وفق هذا المنطق المعوج، أما في حالة دارفور فقد إستغلت الحكومة عامل العرق لجهة أن "الجميع مسلمين" وقسمت المجتمعات إلى عرب وزرقة وزرعت بينهم الفتن والغبينة ، رغم أن كل هذه الحروب لا علاقة لها بالدين أو العرق إنما نتاج للظلم والتهميش وعدم العدالة والمساواة بين بنات وأبناء الوطن الواحد.

●إن حرب 15 أبريل 2023م ورغم إختلاف السودانيين حولها إلا إنها بطبيعة الحال إمتداداً للصراعات السابقة بكل ما تحمل من أبعاد عرقية وسياسية وثقافية وإجتماعية، ومع إختلاف الفاعلين في مسرحها الآن إلا أن الخصم والعدو واحد وهو "الجيش المؤدلج" الذي قام على حماية ونفوذ وإمتيازات الصفوة السياسية التي ورثت الحكم من المستعمر ، وهو الذي قاتل كل حركات التحرر الثوري في السودان ، وهو من قام بتكوين كل المليشيات المساندة ذات الطابع العرقي والديني والجهوي والمناطقي، منها: مليشيا القوات الصديقة، مليشيا التوم النور دلدوم، مليشيا فاولينو ماتيب، مليشيا المراحيل ، مليشيا كافي طيار البدين ، مليشيا الجاو، مليشيا الجنجويد ، مليشيا أبو طيرة، مليشيا الشرطة الظاعنة ، مليشيا حرس الحدود ثم قوات الدعم السريع التي قالوا عنها "خرجت من رحم القوات المسلحة" وتم تقنينها عبر قانون تم أجازه برلمان نظام البشير وعندما إختلفت معهم وقاتلتهم وصفوها ب"عرب الشتات" والأجانب والمرتزقة وهلمجرا..فإذا كانوا كذلك فمن الذي جلبهم للسودان ومنحهم الجنسية حتى يريدون منا تصديق هكذا ترهات أو نكون في خانة العملاء والمأجورين؟!

●إن الحرب وبكل بشاعتها وأهوالها وتشريدها للملايين وقتلها لعشرات الآلاف من الأنفس البريئة إلا إنها قد وضعت السودانيين أمام الحقيقة التي لا مفر منها، وهي أن الدولة السودانية (تركة الإستعمار) لا يمكن أن تستمر، وأن التغيير وبناء دولة مواطنة متساوية بين جميع السودانيين أمر حتمي للمحافظة على ما تبقى من السودان، وواجب الجميع السعي نحو وقف وإنهاء الحرب بأسرع ما يكون عوضاً أن يكونوا أطرافاً فيها بدعم هذا الطرف أو ذاك، لجهة أن هكذا أفعال ستعقد من الأزمة وتطيل أمد الحرب، ولا حسم عسكري يلوح في الأفق ، وإن تحقق فسيكون بكلفة مادية وبشرية باهظة وربما يكون الثمن وحدة السودان.

●في ظل سيادة خطاب الكراهية والعنصرية والعرقية والجهوية والتحشيد المتهور الذي نراه وتأدية فروض الولاء والطاعة لمن كانوا سبباً في شقاء السودان، والحج إلى "وادي سيدنا" لإظهار الدعم والمساندة ل"جيش الفلول" بلا شك سيقود السودان نحو حرب أهلية شاملة (حرب الكل ضد الكل)، ويتوقع دخول أطراف جديدة إلى حلبة الصراع سواء من داخل أو خارج السودان مما سيعقد المشهد أكثر، وحينها سيكون الحل عبر التفاوض والحوار حلماً بعيد المنال، لأنه من الصعوبة بمكان أن تتفاوض وتتحاور مع أطراف عديدة تختلف في الرؤاي والأهداف ومبررات دخولها للحرب، كما أن المستنفرين من الولايات المختلفة سيكونوا مليشيات مسلحة جديدة وبالتالي ستكون لديهم مطامع وأهداف سياسية ومشاركة في السلطة وهندسة السودان أو اللجوء إلى قتالهم ومحاربتهم.

●لا أستطيع إستيعاب وهضم مسألة فئة من المهمشين كانت تنادي بالتغيير وبناء "سودان جديد" وقاتلت وقدمت أرتالاً من الشهداء والجرحي والملايين من المشردين ، أن تضع يدها مع من كانت تقاتلهم، وهم كانوا حماة للدولة المركزية القابضة ومشروعها الأحادي، ويدها الباطشة التي ظلت تقتل وتسحق كل أطراف السودان التي نادت بحريتها وحقوقها، وتفعل نفس ما فعلته مجموعات المهمشين في "حزام البقارة" التي أشرت إليها في صدر المقال، مما يؤكد أن أزمة الهامش والمهمشين مركبة، ويعانون من عطب في التفكير والتحليل وتحديد الأولويات ومعرفة العدو الإستراتيجي والخصم التكتيكي، ويعاني بعضهم من نفسية تأبى الخروج من قوقع العبودية إلى رحاب الحرية، وتنطبق عليهم مقولة: (لو أمطرت السماء حرية، لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات).

26 مارس 2024م

elnairson@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

حوار حول الجهود الدولية لوقف حرب السودان

في منتصف الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، وضمن مجموعة من القيادات السياسية وقيادات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة، شاركت في جلسة حوار حول جهود الوساطة الدولية والإقليمية لوقف الحرب في السودان. ناقشت الجلسة أوجه التقدم والقصور في هذه الجهود، والعوامل المتسببة في ذلك، كما ركزت على الاستراتيجيات التي تمنح الأولوية للملكية السودانية لعملية السلام ولمعالجة الأسباب الجذرية للحرب. توافق المشاركون على عدة نقاط تمت مشاركتها مع الوسطاء الدوليين عبر لقاء إسفيري تلى الجلسة مباشرة. ولقد رأيت من الواجب ومن المفيد أن أشارك القارئ في مقال اليوم أهم ما جاء في هذه النقاط.
أكد المشاركون أن الدور الأساسي لايقاف الحرب يقع على عاتق القوى السياسية والمدنية السودانية. لذلك، لا يمكن الوصول لوقف إطلاق النار بدون توافق هذه القوى على رؤية، أو إعلان مبادئ لأسس إنهاء الحرب، تخاطب جذور الأزمة السودانية، وتجيب على الأسئلة المرتبطة بمستقبل قوات الدعم السريع وبقيادة القوات المسلحة الحالية، والمحاسبة على جريمة إشعال الحرب وما تبعها من انتهاكات، وتتضمن تصميم العملية السياسية والفترة الانتقالية بعد توقف الحرب على أساس العودة إلى مسار ثورة ديسمبر/كانون الأول، والمحافظة على وحدة البلاد ضمن نظام فيدرالي ديمقراطي يعبر عن التعدد والتنوع، وبناء جيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة والنشاط الاقتصادي، وتفكيك البنية الشمولية لنظام الإنقاذ، وأن تتسم العملية السياسية بالشمول ولا تستثني سوى حزب المؤتمر الوطني المحلول وواجهاته.
أكد المشاركون على أهمية أن تسبق جهود الوساطة الدولية والإقليمية مشاورات واسعة مع الأطراف السودانية، وأن تتلافى ما شاب الجهود السابقة من قصور بتنسيق وتكامل الجهود المختلفة وتوحيدها في منبر واحد وتفعيل وإحكام آليات العمل المشترك، توسيع المنبر الموحد بضم دول ذات علاقة مباشرة بالنزاع في السودان، بما في ذلك دول الجوار، البناء على ما تم التوافق عليه في المنابر السابقة حول وقف العدائيات وحماية المدنيين، مراجعة منهج التعاطي مع الطرفين بتكثيف الضغوط عليهما وعدم شرعنة أي منهما، وكذلك عدم التساهل مع الطرف الذي يعرقل الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار، اتخاذ تدابير قوية وحازمة لمنع تمويل الطرفين وإمدادهما بالسلاح من خارج البلاد وتجميد أرصدتهما المالية في الخارج، وذلك بما يستدعي تطوير وتنفيذ قرارات لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة وفقا للقرار 1591، تبنى آليات فعالة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه وكذلك آليات للرقابة على الأرض، وهي الآليات التي أفتقرتها اتفاقيات جدة وجنيف، وأن تعمل هذه الآليات لفرض حقوق أسرى الحرب وفقا للقوانين الدولية، ووقف الأحكام الجزافية ضد المدنيين.

ضرورة معالجة الأزمة المتفاقمة للاجئين والفارين من الحرب إلى دول الجوار وتقنين أوضاعهم القانونية في هذه الدول، وتوفير الحماية والخدمات الضرورية من سكن وعلاج وتعليم وعمل

وبالنسبة للقضايا الإنسانية، حث المشاركون الأمم المتحدة على القيام بالدور الرئيسي في تنسيق عمليات إمداد العون الإنساني، وأن تنشئ آلية إقليمية لهذا الغرض، والعمل على إنشاء مناطق آمنة داخل البلاد كمراكز لاستىلام وتأمين وتوزيع المساعدات الإنسانية، وأن تكون نواة لاستعادة الأنشطة الممكنة والتي تساهم في تخفيف معاناة المواطنين، كالزراعة ومراكز خدمات الاتصالات والإنترنت. كذلك العمل على فتح مسارات آمنة لوصول وتأمين ومراقبة توزيع المساعدات الإنسانية، كأولوية قصوى، بالاستفادة من تجارب السودان السابقة في توصيلها عبر الحدود وعبر خطوط النار، وعدم ربط ذلك بوقف إطلاق النار، وأن تشمل المسارات الآمنة لضحايا الحرب في مناطق المدنيين كافة التي تقع تحت سيطرة الجيش أو الدعم السريع أو الحركة الشعبية لتحرير السودان/الحلو وحركة تحرير السودان/عبد الواحد محمد نور والحركات المسلحة الأخرى. كذلك أوصى المشاركون بضرورة البناء على ما ورد من توصيات في تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في السودان، وأن يتم كذلك الدفع بخيارات تفعيل الإطار القانوني الدولي الخاص بمسؤولية الحماية، وذلك في مجالات حماية المدنيين والممرات الآمنة في ظل الحرب، بما في ذلك حماية الأطفال والنساء وكبار السن والعاملين في المجال الإنساني، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحماية النساء، وعلى رأسها القرار رقم 1325. كذلك نادى المشاركون بضرورة تشجيع المبادرات المحلية والمجتمعية ودعمها من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، وذلك للمشاركة في عمليات توصيل وتوزيع المساعدات الإنسانية، وتفعيل المراقبة لدرء الفساد في توزيع المساعدات ومنع استخدامها لأغراض سياسية. كما نادى المشاركون بضرورة معالجة الأزمة المتفاقمة للاجئين والفارين من الحرب إلى دول الجوار وتقنين أوضاعهم القانونية في هذه الدول، وتوفير الحماية والخدمات الضرورية من سكن وعلاج وتعليم وعمل.
أشاد المشاركون بتأسيس التحالف الدولي لمتابعة تحقيق السلام وإنقاذ الشعب السودان، عقب محادثات جنيف الأخيرة، ودعوا إلى تعزيزها وإحكام التنسيق بين مكوناتها وتوسيعها بإضافة أطراف دولية وإقليمية إليها كالترويكا والإيقاد والاتحاد الأوروبي. كما دعا المشاركون إلى إحكام التنسيق مع دول الجوار في قضية وقف الحرب والدعم الإنساني، وناشدوا الاتحاد الأفريقي باستمرار تعليق عضوية السودان في الاتحاد، كما نادوا بإعطاء الآلية الخماسية الرئاسية الأفريقية دورا قياديا في ملف السودان بالتنسيق مع الآلية الإفريقية رفيعة المستوى. أيضا رأى المشاركون أهمية وجود بعثة في السودان لحماية المدنيين برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. وأشاد المشاركون بمنهج التشاور الواسع مع الأطراف السودانية الذي اتبعته القيادة المصرية للتحضير لمؤتمر القاهرة للقوى المدنية والسياسية السودانية المنعقد في يوليو/تموز الماضي، مما لعب دورا رئيسيا في نجاح المؤتمر، وشددوا على متابعة ما تحقق فيه. أيضا طالب المشاركون المجتمع الدولي باتخاذ تدابير صارمة ضد دعاة خطابات الكراهية والعنصرية، ودعاة استمرار الحرب وتأجيجها. كما نادوا بتطوير منهج متكامل لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، بما يشمل تسليم المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية.
أخيرا، فإن توافق المشاركين من مختلف المشارب السياسية والثقافية والجيلية في جلسة العصف الذهني هذه، يؤكد قدرة المدنيين السودانيين على تطوير مواقفهم وصولا إلى الرؤية المشتركة وخلق جبهة مدنية واسعة وموحدة ضد الحرب.

نقلا عن القدس العربي  

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تدعو أطراف الصراع في السودان إلى الامتناع عن استهداف المدنيين
  • تحدثوا عن واقع السودان
  • الحرب الحالية قد تطمس “ذاكرة” السودان التاريخية والحضارية
  • أبرز جهود إنهاء الحرب في السودان
  • حوار حول الجهود الدولية لوقف حرب السودان
  • الكتلة الديمقراطية: ندين القصف العشوائي الذي تمارسه مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين في الفاشر
  • مليشيا الدعم السريع تبيع الآثار السودانية المنهوبة على الإنترنت
  • منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ
  • السودان؛ الأسئلة المُحرَّمة!
  • صمود الفاشر: ملحمة بطولية في مواجهة مليشيا الجنجويد والمؤامرات الدولية