البرازيل وإسبانيا.. ليست «ودية» ولكنها كافحت «العنصرية»
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
مدريد (أ ف ب)
عاد المنتخب البرازيلي من بعيد، وقلب تأخره بهدفين أمام إسبانيا إلى تعادل قاتل 3-3 في مباراة دولية ودية في كرة القدم على ملعب سانتياغو برنابيو في العاصمة الإسبانية مدريد، بعد ثلاثة أيام من فوزه على إنجلترا بهدف في ملعب ويمبلي الشهير.
وفرض لاعب وسط مانشستر سيتي رودري نفسه نجماً للمباراة، بتسجيله الهدفين الأول والثالث من ركلتي جزاء في الدقيقتين 12 و87، فيما سجل مهاجم لايبزيج الألماني داني أولمو الثاني (36)، مانحاً «لا روخا» التقدم بهدفين.
ورد «راقصو السامبا» بهدفي مهاجم النادي الملكي رودريجو، إثر خطأ من حارس مرمى أتلتيك بلباو أوناي سيمون (40)، والبديل إندريك (50) الذي كان منح بلاده الفوز على إنجلترا، بعد دخوله أيضاً إلى أرض ملعب النادي الملكي الذي سيدافع عن ألوانه، اعتباراً من الموسم المقبل، قبل أن يعود صانع ألعاب وست هام يونايتد لوكاس باكيتا ويسجل هدف التعادل القاتل في الدقيقة السادسة من الوقت بدل الضائع من ركلة جزاء.
وأقيمت المباراة بين المنتخبين للمساعدة في مكافحة العنصرية، بعد الاساءات المتكررة التي استهدفت جناح ريال مدريد الدولي البرازيلي فينيسيوس جونيور في الملاعب الاسبانية.
ولم يظهر فينيسيوس الذي حمل شارة القيادة لأبطال العالم خمس مرات بصورة متألقة، في حين خطف زميله المستقبلي في فريق «لوس بلانكوس» إندريك الأضواء منه، بينما تألق المغربي الاصل لامين جمال (16 عاماً) لاعب برشلونة مع إسبانيا.
وبعد الخسارة أمام كولومبيا 1-0 ودياً الجمعة، اختار مدرب إسبانيا لويس دي لا فوينتي تشكيلة قوية لمواجهة البرازيل، حيث تألق منتخب «لاروخا» في الشوط الأول، ولم يسمح لأبطال العالم خمس مرات بفرض أسلوب لعبهم في مباراتهم الثانية، بإشراف المدرب الجديد دوريفال جونيور.
وأرهق الجناحان جمال ونيكو وليامس الدفاع البرازيلي، فحصل الأول على ركلة جزاء، بعد التحام مع جواو جوميش، والتي نفذها رودريجو مسجلاً الهدف الأول (12)، وصنع جمال الهدف الثاني إلى أولمو فتلاعب بمدافع باريس سان جرمان الفرنسي لوكاس بيرالدو، وتجاوز الحارس بينتو وسدد في المرمى (36).
وعادت البرازيل إلى أجواء اللقاء قبل نهاية الشوط الأول، عندما مرر الحارس سيمون الكرة بطريقة غريبة إلى رودريجو الذي يعرف جيداً الملعب كونه يدافع عن ألوان ريال، فسددها فوق رأسه وهز الشباك (40).
وزج دوريفال مع بداية الشوط الثاني بالمراهق إندريك ابن الـ17 عاماً في أول ظهور له في عقر دار ناديه المستقبلي ريال مدريد، ولم ينتظر طويلاً لتسجيل هدفه الأول في العاصمة الإسبانية بتسديدة قوية انحرفت قليلاً عن مسارها بعد ركلة ركنية (50).
واعتقدت إسبانيا أنها حسمت نتيجة المباراة،عندما نفذ رودري ركلة الجزاء الثانية له، بعد خطأ من بيرالدو على مدافع النادي المكلي داني كارفاخال، إلا أن البرازيل رفضت الاستسلام، وحصلت بدورها على ركلة جزاء في الوقت بدل الضائع، بعد خطأ من كارفاخال نفسه على البديل جالينو، نفذها باكيتا بنجاح مدركاً التعادل (90+6).
وقال أولمو، «المباراة ضد البرازيل ليست ودية على الإطلاق، خصوصاً أن المنتخبين يريدان الفوز، لقد قدمنا كل شيء على أرض الملعب مع الكرة ومن دونها، في النهاية، لم يحدث ذلك (الفوز)، لكن علينا أن نشعر بالفخر بما فعلناه». أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: منتخب البرازيل منتخب إسبانيا العنصرية في كرة القدم كأس أمم أوروبا
إقرأ أيضاً:
هل العنصرية اضطراب نفسي؟
بدر بن خميس الظفري
@waladjameel
نتابع ما بدأناه من سلسة مقالات تبحث ظاهرة العنصريّة، ونسلط الضوء في هذا المقال على جانب أكثر عمقًا في هذه الظاهرة، وهو ما إذا كانت العنصريّة تندرج ضمن إطار الاضطرابات النفسية التي تستوجب علاجًا نفسيًا أم أنها ظاهرة اجتماعية وثقافية مكتسبة تحتاج إلى معالجة من نوع آخر.
يُثار هذا الموضوع في الأوساط العلمية والنفسية بشكل متكرر، خصوصًا مع ظهور حالات شديدة من التمييز والكراهية التي قد تصل أحيانًا إلى ارتكاب جرائم عنصرية مؤلمة. فقد شهد المجتمع، على سبيل المثال، تعرض الكثير من الفتيات لاعتداء جسدي ونفسي وهجرٍ أبدي من قبل أهلهنّ وذويهنّ عندما قررن الارتباط بالزواج بشخص يزعم المجتمع أنهم متفوقون عليه نسبا وعرقا، وقد وصلت المسألة في بعض الحالات إلى القتل أو على الأقل التهديد بالقتل للرجل والمرأة.
وتكمن حساسية الموضوع في كونه يتجاوز حدود البحث العلمي إلى نطاق المسؤولية القانونية والأخلاقية التي تقع على عاتق العنصريين. بعض علماء النفس اقترحوا أن الحالات الشديدة من العنصرية قد تكون مظهرًا من مظاهر اضطرابات نفسية عميقة، كاضطرابات الشخصية أو الاضطراب الوهامي، الذي يجعل المصاب به يرى العالم من خلال عدسة مشوهة ومضللة، تدفعه إلى الاعتقاد بأن عرقه هو المتفوق وأن بقية الأعراق تشكل تهديدًا وجوديًا له.
في هذا السياق، قدم الدكتور ألفين بوسانت الأستاذ في جامعة هارفارد، رؤية علمية قوية حول هذا الأمر؛ إذ يرى بوسانت أن التحيز العنصري المفرط والمتطرف هو نتاج لأفكار وهامية تستدعي تدخلًا نفسيًا علاجيًا يساعد المصاب بها على مواجهة هذه الأفكار وتصحيحها، وأن مثل هذه الأفكار العنصرية الوهمية ترتبط بشكل وثيق مع اضطرابات نفسية معروفة لدى المختصين النفسيين، مثل الاضطراب الوهامي واضطرابات الشخصية النرجسية والشخصية المعادية للمجتمع. يوضح بوسانت أن الشخص الذي يتبنى معتقدات متطرفة بشأن تفوق عرقه أو الخطر الذي تشكله الأعراق الأخرى عليه، يعاني غالبًا من خلل عميق في إدراكه للواقع، ويعيش في حالة دائمة من القلق والتوتر والخوف من الآخر، الأمر الذي يستوجب تدخلاً علاجيًا نفسيًا من خلال جلسات نفسية مكثفة تساعده على إدراك الأسباب الكامنة وراء معتقداته وتصحيحها تدريجيًا.
إضافة إلى طرح بوسانت، يُشير بعض الباحثين الآخرين إلى أن العنصرية لها جوانب نفسية واضحة، لكنها في الغالب تعكس البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد. إذ تؤكد الدراسات النفسية والسياسية أن العنصرية ترتبط بشكل كبير بسمات الشخصية المتسلطة والمتشددة فكريًا، والتي تنشأ بسبب البيئة الاجتماعية والتربوية والثقافية، وفقًا لما قدمه الباحث حسام الدين فياض في مقالته «العنصرية في ضوء نظريات علم النفس السياسي»، المنشورة على موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود. يرى فياض أن التعصب العنصري هو نتاج تفاعل بين الفرد والبيئة، وأن السمات الشخصية مثل التسلطية والدوغمائية تتشكل وتتطور من خلال السياق الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد.
ومن جانب آخر، أوضحت بعض الدراسات في مجال علم النفس التطوري وعلم الأعصاب أن لدى البشر نزعة طبيعية نحو الانحياز للجماعة التي ينتمون إليها، وأنّ هذه النزعة قد تتحول إلى سلوك عنصري نتيجة عوامل ثقافية واجتماعية محددة. وتوضح الباحثة سحر محمد في مقال «العنصرية من وجهة نظر العلم»، المنشور على موقع منظمة المجتمع العلمي العربي، أن الشعور بالانتماء للجماعة جزء من التكوين البيولوجي والتطوري للبشر، لكن التعبير عن هذا الشعور بصورة عنصرية أو عدائية هو في الواقع سلوك مكتسب من البيئة الاجتماعية والثقافية المحيطة بالفرد.
ورغم أهمية الطروحات السابقة، واجهت فكرة اعتبار العنصرية اضطرابًا نفسيًا انتقادات وتحفظات واسعة من قبل خبراء آخرين. إذ يرى هؤلاء الخبراء أن تصنيف العنصرية كاضطراب نفسي قد يقود بشكل أو بآخر إلى إيجاد حالة من التعاطف أو التساهل القانوني مع مرتكبي الجرائم العنصرية، وإلى التعامل معهم باعتبارهم مرضى يحتاجون للعلاج وليسوا مجرمين يستحقون العقاب. إلّا أنَّ التخوُّف الأساسي هنا هو أن يتحول التشخيص النفسي إلى ذريعة تُستعمل للهروب من العقاب القانوني، مما يؤدي إلى إضعاف المساءلة القانونية وتراخي الجهود المجتمعية في مواجهة العنصرية.
وإضافة إلى ذلك، يؤكد علماء الاجتماع والنفس أن العنصرية في معظم الحالات تُكتسب من خلال البيئة الاجتماعية والتربوية والثقافية التي يعيش فيها الفرد، وبالتالي هي ظاهرة اجتماعية يمكن علاجها من خلال تغيير البيئة التي أنتجتها وتعزيز قيم الحوار والتسامح والتعايش بين مختلف الأعراق والثقافات. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى استراتيجيات تربوية وتوعوية وقانونية لمكافحة هذه الظاهرة، وتصبح المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والإعلام والمجتمع المدني بأكمله.
من جانب آخر، لا ينبغي إغفال الأبعاد النفسية الحقيقية التي تتركها العنصرية على ضحاياها. فتجارب التعرض للعنصرية والتمييز بشكل مستمر تؤدي إلى آثار نفسية عميقة مثل القلق والاكتئاب والشعور بالدونية والإحباط، مما يجعل مكافحة العنصرية ضرورة نفسية ملحة بقدر ما هي مسؤولية اجتماعية وقانونية.
وبالنظر إلى كل هذه الجوانب، فإن العنصرية تُعد من الظواهر الاجتماعية المعقدة التي يصعب اختزالها في إطار واحد فقط، فهي تجمع بين الجوانب النفسية والاجتماعية والقانونية والثقافية بشكل متشابك ومتداخل. والتعامل مع العنصرية كاضطراب نفسي قد يكون مناسبًا في حالات محددة جدًا تتسم بالتطرف والشدة، لكن من الضروري أن يكون هذا التعامل حذرًا ومتوازنًا، كي لا يتحول إلى وسيلة لإعفاء العنصريين من مسؤولية أفعالهم.
إنَّ الحلول الجذرية للعنصرية تكمن في بناء ثقافة مجتمعية متسامحة، تُقدّر التنوع وتحترم الاختلاف، وتسعى لمعالجة أي شكل من أشكال التمييز فور ظهوره، لأن العنصرية ليست مشكلة تخص فئة أو جماعة واحدة فقط، إنما هي قضية مجتمعية عامة تؤثر في حياة الجميع، سواء كانوا ضحايا أم مرتكبين.