الاقتصاد نيوز - بغداد

الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق/ آوكي لوتسما

شهدت منطقة بلاد ما بين النهرين الكبرى العديد من الصراعات على الموارد المائية عبر التاريخ. ويعود أحد الأمثلة البارزة إلى عام 1720 قبل الميلاد عندما قام أبيش، حفيد حمورابي، ببناء سد على نهر دجلة في محاولة لعرقلة انسحاب المتمردين.

لا شك أن العالم قد تغير كثيراً منذ ذلك الوقت.

واليوم، وصل الضغط على الموارد الطبيعية مثل المياه العذبة إلى مستويات غير مسبوقة. ويتجلى هذا بشكل واضح في العراق، حيث شهدت البلاد في السنوات الأخيرة موجات جفاف عديدة وارتفاعاً في درجات الحرارة وصل إلى 52 درجة مئوية، نتيجة لأزمة مناخية واسعة النطاق وقد تراجع منسوب تدفق نهري دجلة والفرات بشكل كبير. فبعد أن كان تدفق نهر الفرات نحو 30 مليار متر مكعب في عام 1933 أصبح 7 مليارات متر مكعب فقط اليوم، وانخفض تدفق نهر دجلة من نحو 21 مليار متر مكعب الى 9 مليارات متر مكعب ما عدا الروافد الداخلية. ما يؤكد على أزمة توافر مياه تلوح في الأفق. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد في العراق من المياه المتاحة إلى 479 متراً مكعباً، وهو أقل بكثير من المستوى الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية وهو 1500 متر مكعب سنوياً للفرد الواحد.

وتمتد آثار أزمة ندرة المياه إلى ما هو أبعد من الحقول والأنهار الجافة حيث أدت حالات الجفاف الشديدة في المناطق الزراعية في جنوب العراق إلى تدمير المحاصيل وسبل العيش، ما دفع الناس الى ترك أراضي أجدادهم والانتقال إلى المدن القريبة. وقد أدى هذا النزوح بدوره إلى زيادة عدد السكان في المناطق الحضرية، حيث البنية التحتية للمياه متوترة بالفعل وبالكاد تكفي لتلبية الطلب المتزايد، ما يرفع من احتمال نشوب نزاعات محلية حول تخصيص المياه. لم تفرق هذه الأزمة في تأثيرها سواء على حياة المجتمعات الحضرية أو الريفية وتواجه كل مجموعة منهما تحديات فريدة من نوعها، بدءاً من الأسر الحضرية التي تعاني من انقطاع إمدادات المياه، وصولاً إلى المجتمعات الريفية التي تتعرض سبل عيشها للتهديد بسبب التصحر، لذلك من المهم إعطاء الأولوية للإدارة الفعالة لموارد المياه المحدودة في العراق لضمان الوصول إلى المياه النظيفة لغرض الشرب والصرف الصحي والتنمية المستدامة، وبالتالي تحسين مستويات المعيشة للسكان وتمكين المجتمع ككل والحفاظ على السلام.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تلوث المياه، كزيادة مستويات الملوحة، وخاصة في نهر شط العرب، يهدد صحة الناس وأهوار بلاد ما بين النهرين الشهيرة - وهي مركز مهم للتنوع البيولوجي له أهمية عالمية. علاوة على ذلك، فإن حركة مغادرة السكان لأراضيهم بسبب شح المياه في العراق لا تقتصر على حدوده؛ فالأزمة ذاتها تؤثر في الدول المجاورة أيضاً. ويؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على موارد المياه المشتركة، ما يزيد من تعقيد حساسية ملف تقاسم المياه بين هذه الدول. فعلى سبيل المثال، سيؤدي (النزوح) المتزايد حتماً إلى زيادة الحاجة الى مياه نهري دجلة والفرات، وهما محط مفاوضات حساسة بين العراق ودول أخرى مثل تركيا وسوريا وإيران. ونستطيع أن نرى من السوابق التاريخية لمثل هذه النزاعات، كالنزاعات حول (سد إليسو) في تركيا، كيف يمكن لهذه الضغوط أن تؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية بين الدول المتشاطئة.

منذ العام 1964، يعمل العراق مع الدول المجاورة لحل التوترات المتعلقة بالمياه، وتم التوصل إلى اتفاق بين تركيا والعراق في عام 2021 يحدد التزام أنقرة بالتدفق العادل للمياه إلى دول المصب. ومع ذلك، لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق على مستوى حوض الفرات-دجلة. يعد مثل هذا الاتفاق خطوة تالية حاسمة في النهج القائم على الحلول من أجل التقاسم العادل للمياه. وإلى جانب المياه السطحية المشتركة، يستخدم العراق بشكل مشترك ما لا يقل عن خمس طبقات من المياه الجوفية مع الدول المجاورة دون اتفاقيات استخدام المياه.

تعتبر الأمم المتحدة المياه والصرف الصحي حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، وهما شرطان للصحة، والرخاء، والسلام. ولذلك، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بجد مع الحكومة العراقية للمساعدة في منع تزايد ندرة المياه وتدهور نوعية المياه. وبدعم من الشركاء الدوليين، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المائية وتحسين الإدارة المتكاملة للموارد المائية. أحد الأمثلة على ذلك هو من خلال مشروع (تحفيز العمل المناخي في العراق)، حيث ساهمت كندا من خلال إنشاء نظام مراقبة لحوض نهري دجلة والفرات بإقامة منصة تعمل على شبكة الإنترنت ونظام المعلومات الجغرافية. ومن ناحية أخرى، كانت مشاركة المملكة المتحدة في هذا المشروع تهدف إلى تعزيز الإدارة المتكاملة للمياه في العراق، مع التركيز على تنقية إمدادات المياه وجودتها وسهولة الوصول إليها، إلى جانب تعزيز الإدارة المستدامة لأحواض الأنهار.

بالإضافة إلى ذلك يعمل برنامج (الاستجابة للأزمات وتعزيز الصمود) التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، على إعادة تأهيل سبع محطات رئيسية لمعالجة المياه ستوفر لأكثر من 100,000 شخص في البصرة إمكانية الحصول على مياه صالحة للشرب. وسيتمكن نحو 960,000 شخص أيضاً من الحصول على مياه الشرب النظيفة من خلال مرافق المياه التي تمت إعادة تأهيلها من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع اليونيسف، وبدعم من هولندا. علاوة على ذلك، يدعم برنامج (العمل المناخي من أجل الأمن البشري في أهوار العراق) المجتمعات المتضررة من الأزمة المناخية لتعزيز وصولهم إلى المياه النظيفة من خلال تنقية المياه بالطاقة الشمسية الكهروضوئية.

يعد الأمن المائي ركناً رئيسياً في سعي العراق لتحقيق السلام نظراً لدوره الأساسي في الأمن الغذائي والصحي، وصحة النظام البيئي، والاستقرار الاجتماعي، وسبل العيش، ومنع الصراعات، والتنمية الاقتصادية، والاستدامة البيئية. وإن أزمة المياه في العراق هي تذكير واضح بالتحديات العالمية الأوسع التي يفرضها علينا التغير المناخي وندرة الموارد. وتؤكد هذه الأزمة على ضرورة وجود ستراتيجيات الإدارة المتكاملة وضرورة التعاون الدولي والعمل المشترك نحو التنمية المستدامة كطريق وحيد لوضع أسس سلامٍ دائم في عالمٍ يتمتع بالأمن المائي.

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار برنامج الأمم المتحدة الإنمائی فی العراق متر مکعب من خلال

إقرأ أيضاً:

363.2 مليون برميل إنتاج النفط العُماني و56.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي بنهاية 2024

شهد إنتاج سلطنة عُمان من النفط انخفاضا بنسبة 5.1% مسجلًا 363.2 مليون برميل نهاية عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023م والبالغة 382.7 مليون برميل، في حين قفز الإنتاج من الغاز الطبيعي نهاية ديسمبر 2024م أكثر من 56.5 مليار متر مكعب وبنسبة 4.9% مقارنة بـ53.9 مليار متر مكعب للفترة المماثلة من عام 2023م.

ووفقًا لبيانات نشرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن إنتاج النفط الخام بلغ 278 مليون برميل نهاية ديسمبر 2024م متراجعا بنسبة 6.5% مقارنة بـ297.2 مليون برميل للفترة نفسها من عام 2023م، كما شهدت المكثفات النفطية تراجعًا لتصل إلى 85.2 مليون برميل مقارنة بنهاية العام الذي سبقه، وسجّل متوسط الإنتاج اليومي من النفط 992.6 ألف برميل بنهاية ديسمبر 2024م مقابل أكثر من مليون برميل للفترة ذاتها من عام 2023م، وبلغ متوسط السعر 81.2 دولار للبرميل مقابل 82.3 دولار للبرميل في ديسمبر من عام 2023م.

وتراجع إجمالي الصادرات من النفط بنسبة 0.6% لتصل إلى أكثر من 308.4 مليون برميل مقارنة للفترة ذاتها من عام 2023م والبالغة 310.3 مليون برميل، إذ تصدرت جمهورية الصين الدول المستوردة للنفط العُماني نهاية ديسمبر 2023م مسجلة 289.2 مليون برميل، تلتها كوريا الجنوبية لتسجل أكثر من 5.7 مليون برميل، ثم اليابان مسجلة 5.6 مليون برميل، والهند 3 ملايين برميل.

وأوضحت البيانات أن إنتاج الغاز المصاحب ارتفع بنسبة 5.8% نهاية العام الماضي مسجلًا 11.6 مليار متر مكعب مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023 والبالغة 10.9 مليار متر مكعب، كما ارتفع إنتاج الغاز غير المصاحب مع الاستيراد بنسبة 4.6% ليصل إلى 44.9 مليار متر مكعب مقارنة بـ42.9 مليار متر مكعب للفترة نفسها من عام 2023م.

وأوضحت بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن الغاز المستخدم في محطات توليد الطاقة ارتفع بنهاية ديسمبر الفائت من عام 2024 بنسبة 72.2% ليبلغ أكثر من 15.1 مليار متر مكعب مقارنة للفترة المماثلة من عام 2023م والبالغة 8.7 مليار متر مكعب، فيما سجّل الغاز المستخدم في المشروعات الصناعية انخفاضا بنسبة 8.2% ليسجل 29 مليار متر مكعب مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2023م والبالغة 31.6 مليار متر مكعب، كما شهد الغاز المستخدم في حقول النفط تراجعا بنسبة 8.5% مسجلًا 12.1 مليار متر مكعب مقارنة بـ13.2 مليار متر مكعب للفترة ذاتها من عام 2023م.

مقالات مشابهة

  • 13 قتيلاً من قوات حفظ السلام الدولية في اشتباكات عنيفة في شرق الكونغو الديمقراطية
  •  الأمم المتحدة: المياه الجوفية تدمّر المنازل والبنية التحتية في زليتن
  • خالد شكشك يتابع ميدانياً مشروع حل أزمة المياه الجوفية في زليتن
  • وزير الخارجية التركي: الاستقرار في العراق سينعكس إيجابًا على السلام في تركيا
  • 363.2 مليون برميل إنتاج النفط العُماني و56.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي بنهاية 2024
  • مقتل 9 جنود من قوات حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية
  • رشيد:(39%) نسبة التصحر في العراق جراء قطع المياه عنه من قبل إيران وتخفيضه من قبل تركيا
  • الأمم المتحدة: الهجمات تسببت في انقطاع الكهرباء وإمدادات المياه، وحرمان السودانيين من الوصول إلى الخدمات الأساسية
  • برنامج الأمم المتحدة يدرس حلولاً لأزمة المياه الجوفية في زليتن
  • شركات العمالة الأجنبية تعمق أزمة البطالة في العراق (صور)