عبد العزيز قريش عجبا لمن زعم يوما ما المقاومة والنضال والكفاح والثورة ضد الصهاينة نازيي العصر؛ فألف من حوله القلوب والعقول الملتهبة بنار الانعتاق من قيود الاستعمار وغياهب سجونه المظلمة. حملت السلاح وواجهت المغتصب للأرض والعرض، والقاتل للأرواح والعزائم، القاهر للإرادات، السافك، السافح للدماء على طرقات الوطن المسروق.

من زرع الخوف في الجهات الأربع لفاشيته ونازيته المتعطشة للقتل. التي لا ترتوي إلا بدماء الضعفاء. لا لشجاعته وقوته، وإنما لضعفه وجبنه الذي يستره بالاسقواء على الضعفاء والجبناء مثله. لينسج من حوله هالة كاذبة وسحابة صيف عابرة بأنه لا يقهر. فالقوي يواجه الأقوياء مثله لا الضعفاء والخائفين. القوي الشجاع من يتصدى للقوي رديفه في الإقدام والمقاومة. هؤلاء الجبناء والضعفاء الذين كانوا في وقت ما بالنسبة للمقهورين المتخلفين عقليا وحضاريا وإرادة أقوياء لا يقهرون، عرى على جبنهم وخوفهم وضعفهم رجال الله في المقاومة الإسلامية وغير الإسلامية، حين اتكلوا على ربهم واعتمدوا على أنفسهم، وفعّلوا عقولهم قبل عضلاتهم، واقتحموا عالم التكنولوجيا والمعرفة والتفكير، فصاروا أندادا لهؤلاء النازيين الفاشيين. أخذوا حقوقهم بأيديهم وبدمائهم، وحصنوا البلاد والعباد بقوة إرادتهم وبأدمغتهم لا بأرصدة أموالهم وممتلكاتهم وزيف حياتهم. فصار هؤلاء الصهاينة النازيين الفاشيين يخشونهم ويهابونهم، ولا يجرؤون عليهم. فالعزة بالله وبهم. حين غدا الجيش الذي لا يقهر يقهر، وانحصرت دولة الجيش عن التمدد إلى التقلص، وانتكست في حروبها تجاه المقاومة الإسلامية والشعبية في غزة، فانسحبت منها مهزومة ومن الجنوب اللبناني، فكرت جيدا تحت سقف تفكير سيدها ومشغلها ومالك زمام أمرها الأمريكي؛ فبحثت عن وهم تبيعه وتسوقه لمن سمى نفسه يوما ” مناضلا محاربا مقاوما “، فتبضع منها اتفاقيات فارغة من كل معنى، جعلته صاحب سلطة موهومة. تلهيه وتشغله عن واجب المقاومة والنضال والكفاح من أجل تحرير فلسطين الأبية.  شكلت له أجهزة قمع لا تجرأ على مواجهة المغتصبين للأرض والعرض فضلا عن تحصيل حق منتهك منهك أمام أعينها! ترى قتل مواطنيها يوميا بأم اعينها، ولا ترفع صوتها بالرفض. أيه سلطة هذه التي ما عادت تؤمن بالثورة؟ وأضحت إلى الثروة طالبة، غارقة في نعيمها المبلول بدماء مواطنيهم وروث النظام الصهيوني العنصري! سلطة تندد بالعمليات الفدائية باسم المدنيين؛ وما كان الصهاينة النازيين الفاشيين الجدد إلا عسكر بلباس مدني حين يكون في استراحة محارب. أي استخفاف بالعقول؟! السلطة مكانها الطبيعي محاربة ومقاتلة العدو الصهيوني العنصري. سلطة وكلها الصهاينة والأمريكان عنها في رصد المقاومين والمجاهدين والمناضلين في اعتقالهم وتسليمهم للغاصبين المجرمين أو الزج بهم في غياهب سجونها المحصنة! حتى خلت فلسطين الحبيبة منهم، وأصبحنا نرى ونعيش في زمن مسيرات الشموع حين يهجم النازيون والفاشيون الجدد على غزة العزة؟! سلطة استلذ لها المقام في رفاهية مزيفة خادعة، لا تأخذ بلب العقلاء والشرفاء والنزهاء ورجال الله، وإنما تزيدهم إصرارا وعزيمة على قتال المحتل الصهيوني المجرم. هذه السلطة المترهلة التي عفا عن صلاحيتها مداد اتفاقيات تكوينها وتشييدها، ورصاص وعبوات المقاومين والمجاهدين الحرار الذين لم يبدلوا ما عاهدوا الله عليها تبديلا؛ الأعزاء الكرماء في زمن الذل والهوان، زمن من يسجن المجاهدين بحجج واهية وبأساليب رخيصة، وهم مازالوا تحت القصف في مخيم ” جنين”، لم تجف دماء شهدائهم الطاهرة النقية الصفية بعد! زمن من اصطف بجانب العدو يحارب أخاه ورفيق دربه في النضال! بدل أن يمده بالعون والسلاح أو الدعاء على أقل تقدير … سلطة تحمي مستعمرها المنكل بها برموش عيونها بل بمهج قلوبها من أجل بطاقة ملونة تسمح بالثروة. البارحة قتل المناضل “نزار بنات” وذهبت روحه فداء للوطن والحق دون محاسبة وعقاب الفاعل ـ لكن ليكن ف علم الفاعل أنه ينتظره عند رب العالمين ليقاضيه؛ فمهما طال زمن الانتظار لابد من الوصول، وعليه أن يقيم الدليل والحجة الدامغة على شرعية قتله رحمه الله. ومن بعده أزهقت روح الصحفية الطاهرة “شيرين أبو عاقلة” رحمها الله على يد المجرم النازي الفاشي الصهيوني، ولم تحصل السلطة حقها، واكتفت باحتفالية جنائزية فقط، ولم تدافع عن مراسيم دفنها المنتهكة من الصهاينة العنصريين، واليوم مجاهدي الجهاد الإسلامي في جنين يعتقلون لأتفه الأسباب بدل تكريمهم والاعتزاز بهم، حيث هم تيجان واوسمة ونياشين فلسطين الحرة لا فلسطين المنبطحة! بحث في التاريخ عن ظاهرة معقدة مثل ظاهرة السلطة في فلسطين ما وجدت إلا شواذ الأحداث والوقائع المشابهة على قلتها؛ ففي التاريخ من الممكن أن نجد أمثلة عن سلطة محلية قامت بحماية عدوها الذي احتلها، وهي حالات نادرة ومعقدة. تنجم في بعض الأحيان عن عوامل مختلفة، من قبيل التحالفات الاستراتيجية، والمصالح الاقتصادية، والمنافسات الدولية، والضغوط الدبلوماسية أو الاعتبارات السياسية. فمن الأمثلة التاريخية لحماية السلطة المحلية لعدوها المستعمر مملكة ريوكيو (أوكيناوا الحالية، اليابان) خلال عصر مملكة ريوكيو، الذي دام ما بين 1429 و1879، حين كانت مملكة ريوكيو تابعة لإمبراطورية الصين؛ حيث كان للصين تأثير كبير على الشؤون السياسية والدبلوماسية لريوكيو. وعند غزو اليابان لجزر ريوكيو في عام 1609، قرر ملك ريوكيو التفاوض والتحالف مع اليابان بدل محاربتها، مما سمح لمملكته بالحفاظ على استقلاليتها رغم تأثير الصين. وهناك مثال آخر يتعلق ببعض زعماء السكان الأصليين في الأمريكتين خلال فترة الاستعمار الأوروبي. اختار بعض زعماء السكان الأصليين التعاون مع المستعمرين الأوروبيين اعتقادا منهم أن ذلك سيفيد مجتمعاتهم من حيث التجارة، أو حمايتهم من القبائل المعادية الأخرى، أو ظنا منهم أن ذلك سيحافظ على ثقافاتهم وتقاليدهم بتكيفهم مع ظروفهم الجديدة. وتاريخيا رغم هذه الحالات الخاصة، يظل في معظم حالات الاستعمار التاريخي، السكان المحليون يقاومون ويحاربون أعدائهم المستعمرين الغزاة. لأن الاستعمار يتسم ويتصف بعلاقات قوة غير متكافئة وانتهاكات مع المستعمَر، مما يجعل التعاون بين السلطة المحلية والعدو المستعمر أمرا غير طبيعي وغير معتاد مطلقا. ومن خلاله أجد الثورة الفلسطينية ارتكبت تاريخيا خطأ استراتيجيا قاتلا حين دخلت في متاهات الاتفاقيات مع الصهاينة النازيين الفاشيين الجدد، وهي تعلم أنها ضعيفة أمامهم وأمام راعيهم الأمريكي، ولن تجني من هذه الاتفاقيات سوى الإملاءات والأوامر التي لا تنتهي. والصهاينة العنصريين يعرفون مبادئ ترهل الثورات، ومنها: تحول الثورة إلى الثروة. فمقتل النفس البشرية واسترخاؤها وهوانها وإذلالها هو الثروة بدل الثورة. وإيمانا مني بأن السلطة ـ ومنها الكثير من القادة المحاربين ـ قادرة على مراجعة موقفها من اتفاقيات أوسلو، أرجوها أن تراجع موقفها من منظومة المقاومة ومن دورها السلبي في سيرورتها، وأن تعيد النظر في هذه الاتفاقيات التي لن يحصل منها الفلسطيني دولته المستقلة ولن يحصل منها كرامة وعزة وفخرا، وإنما سيحصل تسويف الزمن وضياعه والندم عليه، ومحاسبة الله له عن العدول عن المقاومة. كاتب فلسطيني

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

السلطة الفلسطينية وخيار سموتريتش الثالث

 

 

من منطلق الصلف والغرور، والثقة بأن أرض فلسطين العربية هي أرض إسرائيل التوراتية، طرح وزير المالية الإسرائيلي الإرهابي سموتريتش ثلاثة خيارات أمام الشعب الفلسطيني، وهي كالتالي: الخيار الأول: الرحيل عما يسميها أرض إسرائيل التوراتية، والخروج الآمن من هذه البلاد إلى أي مكان في العالم، ويختص بهذا الرحيل كل فلسطيني يطالب بحقوق سياسية أو حتى حقوق مدنية، أو يحلم بقيام الدولة، ويفكر أن يعترض على العيش تحت رحمة السلاح الإسرائيلي، والأوامر الإسرائيلية، مثل هؤلاء الفلسطينيين لا مكان على هذه الأرض التي يجب أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. وأزعم أن هذا الخيار مرفوض من قبل السلطة الفلسطينية، فالسلطة تعارض الرحيل عن أرض فلسطين، وتشجع الناس على البقاء فوق تراب الوطن، دون خلق أي مبرر للصهاينة كي يمارسوا الإرهاب العنيف ضد الشعب الفلسطيني. الخيار الثاني الذي طرحه سموتريتش، يتمثل في الموت أو السجن لكل فلسطيني يعترض على الوجود الإسرائيلي، ويرفض التسليم بحق إسرائيل في الوجود فوق كامل تراب فلسطين، والموت لكل من يفكر في مقاومة المحتلين، أو الاعتراض على إرهاب المستوطنين، خيار الموت أو السجن هذا يلاحق كل من يتبنى فكر المقاومة. وأزعم ثانية أن هذا الخيار الإرهابي ترفضه السلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه تتصدى لكل فلسطيني يلجأ إلى حمل السلاح لمقاومة المحتلين، أو المس بأمن المستوطنين، أو الاعتراض على قرارات جيش المحتلين. بقى الخيار الثالث: وهذا الخيار يشترط حياة الفلسطينيين تحت الحذاء الإسرائيلي، والعمل في المصانع والشركات الإسرائيلية خدماً وعمالٌاً وعبيداً، وعدم البحث عن هوية أو حرية مع عدم المطالبة بالحقوق المدنية وحتى الشخصية، والمقابل لهذا الخنوع الاستسلام رغيف خبز معجون بالذلة، وقطعة سكر مغمسة بالمهانة. الخيار الثالث الذي طرحه سموتريتش هو الخيار الذي تتعايش معه السلطة الفلسطينية بسياستها حتى اللحظة، فمنذ التوقيع على اتفاقية أوسلو 1993م، الاتفاقية التي سمحت لبعض المقاتلين الفلسطينيين بالعودة إلى الضفة الغربية وغزة دون سلاح الفدائيين، والقبول بحمل السلاح الذي زودهم به الجيش الإسرائيلي، والمشروط بتطبيق بنود الاتفاقية، ولا سيما البند المتعلق بالتنسيق والتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، مقابل حصول السلطة الفلسطينية على أموال المقاصة، دون ربط ذلك الاستقرار الأمني بالحصول على الحقوق السياسية التي ينشدها الشعب الفلسطيني. لقد مرَّ أكثر من 30 سنة على اتفاقية أوسلو المشؤومة، 30 سنة رسمت معالم المرحلة القادمة من العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتي تشير إلى أن القادم على الفلسطينيين أسوأ بكثير من الذي مر عليهم، فالمخطط الإسرائيلي الاستيطاني تجاوز مرحلة الخنوع والتذلل، وبدأ يخطط لمرحلة الترحيل والتهجير، والسيطرة التامة على أرض إسرائيل التوراتية ـ كما يزعمون ـ والتي لا تقبل القسمة مع الفلسطينيين، ولا تقبل أن يتنازع على ملكيتها أي عربي مهما كان عاشقاً لخيار سموتريتش الثالث والقائم على الرضا بالأوامر الإسرائيلية، والقبول بحياة الخنوع والذلة.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

مقالات مشابهة

  • هل أصبح المقاومون مرتزقة ودواعش؟!
  • السلطة الفلسطينية وخيار سموتريتش الثالث
  • المقاومة تحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن محاصرة مخيم جنين
  • حماس للسلطة الفلسطينية: سلاح المقاومة موجه للاحتلال أوقفوا التصعيد الأمني في جنين
  • المقاومة الفلسطينية تشيد باستهداف الحوثيين تل أبيب وتصفه بـاختراق نوعي
  • اشتباكات عنيفة بين المقاومة وأمن السلطة بمخيم جنين
  • استمرار الاشتباكات بين عناصر السلطة الفلسطينية وكتيبة جنين.. عباس مطية للعدو الصهيوني
  • إحداها بالاشتراك مع المقاومة العراقية.. القوات المسلحة تنفذ عمليتين ضد أهداف للعدو الإسرائيلي في يافا وجنوب فلسطين المحتلة
  • حشود مليونية بالعاصمة صنعاء تعلن التحدي للعدو الصهيوني وتؤكد ثباتها في نصرة فلسطين
  • لماذا تصعّد السلطة الفلسطينية حملتها في جنين؟