تأخير الهدنة يرجِّح ضرورات الحوار الرئاسي.. ميقاتي يطالب المعيبين على الحكومة انتخاب الرئيس
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
لعل ما اثار موجة مخاوف جديدة من التصعيد الحربي والميداني على ميدان الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية واتساعها تكرارا امس، ان هذه الجبهة بدت كأنها تسابق جبهات الحرب في غزة غداة صدور اول قرار عن مجلس الأمن الدولي بوقف اطلاق نار فوري في غزة منذ اندلاع الحرب هناك والتي تلاها في اليوم الثاني بعد اندلاعها تفجر الجبهة الحدودية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل.
وبحسب" النهار" فقد استندت هذه المخاوف الى مؤشرات استباقية حيال استبعاد "جبهة الشمال" كما يسميها الإسرائيليون من أي اثر محتمل لوقف النار في غزة على غرار ما كان هدد بذلك وزير الدفاع الإسرائيلي يؤآف غالانت من واشنطن، مهولاً بان وقف النار اذا حصل في غزة قد يعجل بالمواجهة الكبيرة مع لبنان واقترن ذلك برفض إسرائيل أصلا التزام قرار وقف النار. كما ان عامل تمدد الجبهة امس مجددا في اتجاه البقاع الشمالي، بحيث طاولت موجتان من الغارات الإسرائيلية الهرمل أولا ومن ثم سهل ايعات في بعلبك لاحقا، رسم دلالات لا يمكن التقليل منها لجهة اتساع ميدان تبادل الضربات في العمق إلى أقاصي البقاع الشمالي وتحويل هذه المنطقة كالجنوب ساحة استهداف دائم للطيران الحربي الإسرائيلي. علما ان الاستهدافات تطاول مرات أهدافا تصنف بانها استراتيجية كالهدف الذي شنت الغارة الإسرائيلية مساء امس في سهل أيعات في بعلبك وتبين وفق معلومات بانه مطار ميداني ل" حزب الله".
ومن الدلالات أيضا ان التصعيد الواسع على المشهد اللبناني امس رسم حيزا من تهاوي قرار مجلس الأمن بوقف النار في غزة لجهة الارتباط التصعيدي اقله بين المشهدين. وكل هذا لم يحجب تطورا سلبيا اخترق التطورات الميدانية وتمثل في مواجهة بين أهالي رميش وعناصر من "حزب الله" على خلفية رفض الرميشيين توريطهم في استعمال ارضهم منصة اطلاق للصواريخ وترددات هذا الواقع ميدانيا وسياسيا.
وافادت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أنه مع انتهاء الشهر الحالي، تبقى صورة التطورات الجنوبية على حالها من التصعيد، لا بل ما من شيء يوحي بأن الواقع الميداني مقبل على وضع مستقر نوعا ما، في حين ان المشهد الرئاسي عاد إلى نقطة الصفر حتى وإن سجلت جولات لبعض المعنيين، فهي لا تخرق هذا المشهد، مشيرة إلى أن تأجيل الإستحقاقات إلى ما بعد الأعياد لا يعني أن هناك إمكانية لإحداث تغيير في المعطيات الرئاسية على صعيد توجهات فريقي المعارضة والممانعة والموقف من التشاور أو الحوار.
ما تزال القوى السياسية والكتل النيابية تتحرك باتجاه ايجاد حل للعقدة الرئيسية التي تؤزم الوضع اللبناني، عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وحسب قيادي بارز في «الثنائي الشيعي» فإنه قبل الحوار لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية وقبل الحوار لا يمكن ان تمر اية مبادرات لا خماسية ولا داخلية، داعياً الى «أن نتحاور ونتفق على رئيس».
وشرح القيادي طرحه كالتالي: ان الثنائي الوطني ابلغ كل القوى والموفدين الدوليين فوق الطاولة وتحتها تمسكه برئيس تيار المردة سليمان فرنجية وما زال حتى اللحظة متمسكا به، ولكن لنفترض ان كل القوى وافقت على الحوار وكل ادلى بدلوه وسمى مرشحه ووصلنا الى اقتناع باستحالة فوز اي من المرشحين المطروحين، حينها كنتيجة طبيعية للحوار يمكن بل من المؤكد ان يذهب جميع الافرقاء الى البحث بخيار المرشح الثالث.
وسط هذه الأجواء تناول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في كلمة القاها في حفل إفطار مؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان - دار الأيتام الإسلامية وضع الحكومة فقال "لن نضيّع مزيدا من الوقت بل سنظل نؤكد في الممارسة اننا ماضون في تحمل مسؤولياتنا كاملة لما فيه خير لبنان وشعبه كله، بعيدا عن الاعتبارات الفئوية التي يستخدمها البعض لتحقيق أهداف وغايات لم تشبه يوما سلوكنا الوطني الجامع والحاضن لكل ابناء الوطن". وقال "أولويتنا الحالية العمل على إيجاد الحلول المناسبة المقبولة للقضايا الإجتماعية المطروحة وهموم الناس آخذين في الاعتبار الحفاظ على الحد الأدنى من التوازن في إيرادات الدولة ومصاريفها. لن ننجر يوما الى المهاترات، وسنظل نعمل فوق الحسابات الضيقة والاعتبارات الشخصية للحفاظ على كيان الدولة ومؤسساتها، أما من يعيب على الحكومة أنها ماضية في عملها، فعليه أن يبادر الى القيام بواجباته في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، لاكتمال عقد المؤسسات الدستورية وتلاقيها في ورشة واحدة للنهوض بالوطن. إنتخاب فخامة الرئيس هو المهمة الاساسية للسادة النواب، لا التصويب المجاني على حكومة يعلم الجميع بأنها تواجه التحديات الواحدة تلو الاخرى بروح المسؤولية".
على خط امني آخر، أكّد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي أن "لا مؤشرات لأيّ حدث أمنيّ ولكن يجب أن يكون الأمن استباقيًّا"، مطالبًا الأجهزة الأمنية بأن تساعد وبأن تكون على الأرض لضمان أمن المواطنين خلال الأعياد. وقال بعد اجتماع مجلس الأمن المركزي "بحثنا في التدابير المتّخذة لمناسبة الأعياد واطلعنا على التدابير التي بدأت القوى الأمنيّة بتطبيقها" وشدّد على "ضرورة مواكبة العمل على الأرض بعمل استخباراتي لتلافي أي حدث".
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الإدارةُ الأمريكية ولُعبةُ وقف النار
د/ عبد الرحمن المختار
رَوَّجت القوى الاستعماريةُ الغربيةُ -وعلى رأسها الإدارةُ الأمريكية- ولا تزالُ تروِّجُ لجهود كبيرة يبذُلُها موفَدوها إلى المنطقة، تنصَّبُ تلك الجهودُ الوهمية الزائفة والمخادعة -حسبَ زعم الإدارة الأمريكية- إلى وقف إطلاق النار على طول الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
كما رَوَّجت الإدارة الأمريكية أن هناك تقدُّمًا كبيرًا في مفاوضات وقف النار وأن اتّفاقًا بهذا الشأن بات وشيكًا بين لبنان و”إسرائيل”، وهذا الترويج الزائف المخادع لا يختلف أبدًا عما سبق لهذه الإدارة أن رَوَّجت له خلال الجولات السابقة لموفديها بشأن وقف إطلاق النار وإنهاء ما يحلو لها تسميته (حالة الحرب) في قطاع غزة، والإدارة الأمريكية مُستمرّة في لعبة هذه الأدوار القذرة في لبنان، كما كانت تفعل تمامًا منذ أكثر من عام بالنسبة لقطاع غزة، وهي تعتمد أساليبَ زائفةً ومخادعة للإيهام بوجود فرص حقيقية لوقف إطلاق النار، وتعمد على رفع سقف التوقعات والآمال عند بداية كُـلّ جولة لموفديها في المنطقة وتتبخّر هذه الآمال شيئًا فشيئًا، لتنتهي بإعلان فشل الجهود التي سبق لها الترويج لها بأن نتائجَها إيجابية بعد أن تطرح الإدارة الأمريكية خيارات مذلة ومهينة، وتجعل من رفضها من جانب فصائل المقاومة ذريعةً وسببًا لانهيار جهود الوسطاء الوهمية، وظل الحال هكذا وعلى مدى أكثر من عام تجاوزت خلالها زيارات وزير خارجيتها عدد أشهر العام تحت عناوين جولات المفاوضات بمشاركة الوسيطَينِ القطري والمصري.
وكل جولة من جولات المفاوضات الوهمية تبدأ بشَدِّ الانتباه إلى ما اعتادت الإدارةُ الأمريكية على إطلاقه من مزاعمَ بهذا الشأن تحت عناوينَ براقة منها (حان الوقتُ لوقف إطلاق النار في غزة) و(الفرصة مواتية لإنجاز صفقة تبادل) و(تخفيف معاناة المدنيين في غزة) و(لا بديلَ عن إنهاء الحرب في غزة) وغيرها من العناوين الخادعة والزائفة والمضللة، لتنتهي الجولة التفاوضية بإعلان فشل الجهود التي بذلها الوسطاء، وهكذا دائمًا كُـلّ جولة، وتحمّل المقاومة مسؤولية فشل تلك الجهود، وفي حالات متعددة حمّلت المجاهد القائد الشهيد يحيى السنور مسؤولية إفشال ما سمّته جهود الوسطاء!؛ بسَببِ تصلب مواقفه، حسب زعمها! وبعد استشهاده لم تعدم الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية -الشريكة في جريمة الإبادة الجماعية- الوسيلةَ للخداع والتضليل والإيهامِ بوجود فرص حقيقية لوقف إطلاق النار ثم تعلن تحميل المقاومة مسؤوليةَ فشل جهود الوسطاء!
محاولةُ فصل جبهة لبنان عن غزة:
وفيما يتعلق بامتداد جريمة الإبادة الجماعية إلى لبنان وكل ما ارتبط بها من أفعال إجرامية، ابتداءً بتفجير أجهزة البيجر والأجهزة اللاسلكية وجريمة اغتيال أمين عام حزب الله سماحة السيد/ حسن نصر الله –رضوان الله عليه- وجريمة اغتيال رئيس المكتب التنفيذي للحزب السيد الشهيد هاشم صفي الدين، وعدد من القيادات الجهادية -رضوان الله عليهم أجمعين- وما ألحقته آلة الحرب الصهيوغربية من دمار شمل ببنية وبنيان الضاحية الجنوبية ومناطق الجنوب اللبناني واستهداف آلاف المواطنين في مساكنهم، وكل ذلك؛ بسَببِ موقف المقاومة الإسلامية اللبنانية المساند لمظلومية أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقد رفعت الإدارة الأمريكية سقف توقعاتها التي رَوَّجت لها على نطاق واسع بقرب التوصل لاتّفاق لوقف إطلاق النار على طول الحدود بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلّة ووقف عمليات القصف المتبادل بين كيان الاحتلال الوظيفي الصهيوني والمقاومة اللبنانية، وصدر الإعلان الأمريكي الفرنسي المشترك حول وقف إطلاق النار في لبنان، وبالتزامن معه صدر إعلان عن تشكيل تحالف دولي عربي أُورُوبي لحل القضية الفلسطينية، وتردّدت في وسائل الإعلام أصداء هذا التوجّـه الذي يحمل في ظاهره إيجابياتٍ كبيرةً لكن باطنه يحمل المزيد من الإجرام الصهيوغربي الذي فاق في وحشيته وهمجيته ما سبق خلال عام في قطاع غزة!
وأوفدت الإدارة الأمريكية لهذه المهمة عاموس هوكستين ووزير خارجيتها اليهودي الصهيوني المجرم بلينكن، وساهمت وسائل إعلام الأنظمة الوظيفية العربية ووسائل إعلام كيان الاحتلال الوظيفي الصهيوني في الترويج بشكل واسع لاتّفاق وقف إطلاق النار الوشيك على طول الحدود بين لبنان والأراضي المحتلّة، وبحيث يتم وقف إطلاق النار في لبنان أولًا ثم يصار إلى بحث الأمر في قطاع غزة، ولينتهي ذلك الترويج الزائف كما هو حال سابقه بإعلان فشل جهود موفد الإدارة الأمريكية، وقد عمدت الإدارة الأمريكية في ترويجها لوقف إطلاق النار إلى الربط بينه وبين ما سمَّته بفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، وأن حزب الله قد وافق متأخرًا على ذلك، حسب ما روَّجت له أَيْـضًا وبشكل واسع قنواتُ الحدث والعربية وإم بي سي؛ ولتتخذ الإدارة الأمريكية مما أسمته رفض حزب الله لمبدأ فصل الجبهات ذريعة لإعلان فشل جهود وقف إطلاق النار.
والحقيقة الواضحة والجلية أن الإدارة الأمريكية ومنذ أكثر من عام تستخدم ما تطلق عليه بجهود الوساطة لتوفير المزيد من المساحات الزمنية لكيانها الوظيفي الصهيوني لتنفيذ المزيد من أفعال جريمة الإبادة الجماعية والدمار الشامل، لتفرض من خلال ذلك خيارات استسلامية على المقاومة عبر الوسيطين المصري والقطري بالنسبة لقطاع غزة، وعبر الحكومة اللبنانية بالنسبة لحزب الله، الذي سبق لأمينه العام المنتخب سماحة الشيخ نعيم قاسم التأكيد عقب انتخابه أمينًا عامًّا للحزب أنه لا قيمة لما يجري من حراك سياسي؛ باعتبَار أن ذلك الحراك لا يعدو عن كونه مظهرًا من مظاهر الزيف والخداع والتضليل الذي اعتادت الإدارةُ الأمريكية على الترويج له وتفنَّنت فيه على مدى أكثر من عام وأكثر من إحدى عشرةَ جولة وهمية تفاوضية تروِّجُ في بدايتها لآمال كبيرة ثم تعلنُ انهيارَها في نهاية المطاف.
ومع إدراك الإدارةِ الأمريكية أن حزبَ الله لا يمكن أن يوقفَ إسنادَ غزة، لكنها مع ذلك روَّجت لحَــلٍّ يؤدِّي لوقف إطلاق النار قائمٍ على الفصل بين الجبهات وتم الترويج لذلك بشكل واسع كما ذكرنا آنفًا من قبل وسائل الأنظمة الوظيفية العربية إلى جانب وسائل إعلام كيان الاحتلال الوظيفي الصهيوني، والإدارة الأمريكية وهي تصر على طلبها فصلَ الجبهات كأَسَاس لاتّفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية؛ بمعنى أن يتخلى حزب الله عن إسناد غزة، كانت هذه الإدارة المجرمة هي ذاتها وقبل دخول جبهات محور المقاومة على خط الإسناد قد عملت على حشد قواتها وقوات غيرها من القوى الاستعمارية الغربية إلى شرق البحر المتوسط؛ لإسناد كيانها الوظيفي الإجرامي الصهيوني؛ فالإدارة الأمريكية شكلت جبهة واسعة في مواجهة حركة المقاومة الإسلامية حماس بمفردها، وفي المقابل لا تقبل هذه الإدارة المجرمة بإسناد أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة حشود قوى الإجرام الصهيوغربية! ولو أن القوى الاستعمارية تركت كيان الاحتلال الصهيوني لمواجهة حركة حماس بمفرده لَما كان هناك تمدُّدٌ لجبهات الإسناد، وكانت جبهة غزة كفيلة بمواجهة هذا الكيان المجرم؛ لكن ولأنه لا يمثل دولة وإنما هو كيان وظيفي للقوى الاستعمارية الصهيوغربية؛ لذلك فقد سارعت هذه القوى لحماية كيانها الوظيفي، ومن المعلوم أن الدولة المستقلة ذات السيادة الأصل أن تملك كافة المقومات اللازمة لحماية مواطنيها وأمنها من أية مخاطرَ، وَإذَا لم تتوافر لها هذه الإمْكَانيةُ فَــإنَّه لا ينطبقُ عليها وصفُ الدولة، وَإذَا كانت تحتاج إلى حماية دول أُخرى فهي ليست دولة!
كيانٌ وظيفي جزءٌ من القوى الاستعمارية:
ويؤكّـد هذه الحقيقة إعلانُ الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية بشكل متكرّر الالتزامَ بأمن ما يسمى (دولة إسرائيل) فكيف يمكن وصفُها بأنها دولة طالما وهي تحتاج لحماية أمنها من جانب دول أُخرى؟؛ ولأن هذا الكيان المجرم جزء لا يتجزأ من القوى الاستعمارية الغربية وفرعٌ لها في المنطقة العربية، فَــإنَّ هذه القوى قد استشعرت الألم الذي تسببت به لها عملية السابع من أُكتوبر من العام الماضي بشكل مباشر؛ ولذلك حشدت جحافلَ جيوشها لتثأر لسُمعتها التي مرَّغتها المقاومة الإسلامية في وحل غزة، وسبيلُ هذه القوى الإجرامية في الانتقام تجسد في اقترافها جريمةَ إبادة جماعية تتابعت أفعالُها واستمرت على مدى أكثر من عام، وامتدت أفعالُ هذه الجريمة إلى الضفة الغربية والضاحية الجنوبية بل وكل لبنان، وارتبط بها دمار شامل للبنية والبنيان، ومع كُـلّ ذلك لم تفلح هذه القوى الإجرامية بكل همجيتها ووحشيتها في فرض خياراتها الانهزامية الاستسلامية على المقاومة الإسلامية، فتلجأ عقب كُـلّ إخفاق من إخفاقاتها إلى إعلان جولات تفاوضية لإيجاد حلول سلمية، وهي بذلك تتقمص أدوارًا مكشوفة ومفضوحة، لكنها لا تقيم وزنًا لذلك؛ بسَببِ سقوطها القيمي وانحطاطها الأخلاقي والإنساني.
ورغم انكشاف وانفضاح هذه القوى الإجرامية؛ فهي مع ذلك تستمر في استخفافها بشعوب الأُمَّــة العربية والإسلامية حين تتبجح بالمطالبة بوقف إسناد أبناء الشعب الفلسطيني، والمطالبة بفصل الجبهات ليتسنى لها الاستفراد بغزة أولًا ثم لبنان ثانيًا وهكذا، وتصر الإدارة الأمريكية على تمرير زيفها وخداعها وتضليلها حين تقدم نفسها وسيطًا يجتهد بالبحث عن حلول لوقف النار، وهي بكل وضوح من عمل ويعمل على إشعالها وتأجيجها، وبلعبها أدوار متعددة ومكشوفة إنما تستخفُّ وتسخرُ من الشعوب العربية، ومثلما تفنَّنت القوى الاستعمارية الصهيوغربية -وعلى رأسها الإدارة الأمريكية- في أساليب الإبادة الجماعية للصغار والكبار للنساء والرجال، تفنَّنت كذلك في لعب أدوار متعددة في مسرح الجريمة وخارجه؛ فعندما امتدت جريمة كيانها الوظيفي الإجرامي إلى نطاقات جغرافية خارج مسرح الجريمة ارتدت هذه القوى ثوبَ الناصحين وطلبت من الآخرين عدمَ الرد على عدوانها وإجرامها؛ تجنُّبًا للتصعيد وتجنُّبًا للحرب الإقليمية الشاملة في المنطقة، لكنها في المقابل لا تنصح نفسها أَو كيانها الوظيفي الإجرامي بعدم الرد على استخدام الآخرين لحقهم في الدفاع عن النفس!
وهي بذلك وكما أرادت من الآخرين أن يكونوا مُجَـرّدَ متابعين ومتفرجين لوحشيتها وهمجيتها وإجرامها بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، هي كذلك تريدُ الآخرين أن يكونوا متلقِّين فقط لضربات كيانها الصهيوني الإجرامي ودون أن يكونَ لهم استخدامُ حق الدفاع عن النفس ورد عدوانها بمثله، كما سبق لها أن أصَّلت وروَّجت لذلك عقب عملية السابع من أُكتوبر، بل إنها تطلُبُ بكل بجاحة إذَا كان لا بد من الرد أن يكونَ غيرَ مؤثر وفي مناطقَ مفتوحة!
وما كان لجريمة الكيان الوظيفي الصهيوغربي أن تمتدَّ لكل هذا الزمن، وما كان لها أن تمتدَّ جغرافيًّا خارج مسرحها في قطاع غزة، بل ما كان لها أن تبدأَ لولا كُـلُّ ذلك التحشيد غير المسبوق للقوات العسكرية لقوى الاستعمار الصهيوغربية، كُـلُّ تلك الحشود التي لا تتناسب بحال من الأحوال مع عملية السابع من أُكتوبر، وهو ما يؤكّـدُ أن لهذه القوى مشاريعَ استعماريةً يتطلب تنفيذُها القضاءَ على أيةِ قوى مناهِضة لهذه المشاريع، وما جرائمُ الإبادة الجماعية والتدمير الشامل الذي اقترفته وتقترفُه هذه القوى في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان كل لبنان، إلَّا دليل قاطع على إصرارها على تنفيذ مشاريعها بالدمار والدم؛ لإزالة كافة العوائق التي تحول دون تنفيذ تلك المشاريع على أرض الواقع.