دُرُوب السودان الحديث ، ألفُ دربٍ وألفُ درسٍ والخلاصةُ واحدة
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
هنالك مقولةُُ سارية تقول أنّ أفضل ما فعله السودانيون في تاريخهم هو ما فعلوهُ وهم متوحدّون ، وهذه مقولةٌ سطحية تفسّر سطحية تحرّكات من أطلقوها باحثين عن تحالفات كبيرة الأحجام مشتتّة الإرادة، في الحقيقة فإن أفضلَ ما فعلهُ السودانيون طوال تاريخهم الحديث فعلوهُ عندما توّحدت إرادتهم ، كانت تلك الإرادةُ إحساساً جماعياً لا تحالفاً سياسياً ولا قبلياً ولا إجتماعياً ، إرادةٌ بدأت بالثورة المهدية عندما أحسّت مجتمعاتُ السودان الغُبن والكراهية ضدّ المستعمر التركي ، فترجموا إحساس القهر لقوّةِ خارقة إلتفت حول الإمام المهدي لا في شخصه ، وإنّما حول إرادته التي كانت مطلب الجميع ، فنتج عن ذلك حركة المقاومة الإجتماعية الأشرس في المستعمرات التركية في ذلك الوقت فسالَ فيها دمُُ لا زالت تتحدّث عنه الحبّوبات في أحاجي المساءات في مُدن السودان وأريافه، كانت مُكافأةُ السودانيين التي أخذوها لمقاومتهم هي التحرّر والإنعتاق .
في أبريل إتّحدت إرادةُ السودانين في دربٍ آخر ، ودرسٍ ربما ليس الأخير ولكنّه الأعمق لإجتثاثِ المستعمرين الجُدد ، وقد تُرجم إحساسُ القهر لإنتاج المقاومة الشعبية التي إلتفّت حول هدفٍ واحد وهو سيتحقّقُ لامحالة .. لكن هنا لابدّ من الرأفةِ على الكثيرين الذين ظلّوا تحت تأثير الخدرِ اللذيذ للجماعات السياسية النَشاز ، فبعد سنةٍ من كلمة التاريخ الفصل بأنّ مليشيا الدعم السريع لا مكان لها لا عسكرياً ولا سياسياً في مستقبل السودان بسبب ما فعلت وما زالت تفعل ، ظلّ الكثيرون في مواقع أهل الأعرافِ خوفاً من التأثيرات النفسية الصبيانية من عناصر التحالف السياسي النَشاز أو خجلاً من تغير مواقفهم بعد أن إستبان النّصحُ أو غروراً ..
أمام كُلِّ مَنْ كان جزءاً من إرادة السودانين في التحرُّر في شتاء ديسمبر قبل خمسة أعوام فرصةُ أن يتحرّر هو نفسه ويفكّ وثاقه بيديه فما مشيناها من دروبٍ وما أُعيدت على مسامعنا من دروسٍ لم تعُد تحتملُ مزيداً من اللامبالاة والكسل والإنقياد الاعمي وراء كلّ من شكّل تحالف ، لأنّ ما كنّا نراهُ مجرّد مهرجاناتِ فرحٍ في ذلك الشتاء العظيم ، تفتّق عن جراحٍ شديدةِ الغور ومتناقضاتٍ لا حصر لها ، ونارُُ عظيمةُُ كلّما غفلنا عنها زاد أشتعالها ، سودانُ متماسكُُ في سطحه لكن بداخله ندوبُُ كثيرةُُ ، غُبنُُ وتربّصُُ وخيانة ، ولا يداوي ذلك إلّا إرادةُ ضحايا حربِ أبريل لإجتثاث الشرّ من جذوره وبناء سودان يشبه أهله بكلّ سحناتهم وألوانهم وثقافاتهم ، سودانُُ لا مجال فيه لرفض الآخر إلّا في إطارِ تنافسٍ سياسي عادل بعد إقامةِ مؤسساتِ العدالة على هُدى الشعبِ ووفق إرادته ، سودانُُ تجزّ فيه كلّ الأجسامِ الضارّة التي تنمو وفق عمليةٍ إستهباليةٍ سياسية كانت أم إجتماعية .. سودان البقاءُ فيه للأرض وأمانُ الديار ، والحُكم فيه للقانون الخارج من صميم شعوبه .. سودانٌ لا مكان فيه لإرادة المُنظمات والأجسام المشبوهة وقوى الإستعمار الحديث .. سودانُُ روحه من أهله وخيره لأهله والسلام .
رُبّما وأقول ُربّما أنّ هذه هي الرسالة التي أراد أن يوصلها لنا أوبريت الدُرُوب، إذْ أنها – أي الدُرُوب – في جوهرها أطروحةٌ نقدية تاريخية لتُفْهَم وليست كلمات ملحّنة ومغنّاة لتُسمع، أتت تلك الأطروحة لتقوم بإستعراضٍ لتاريخ السودان حتى تصل إلى خُلاصةٍ واحدة وهي أن ليس ثمَّ مخرجٌ من سودان ما بعد الاستعمار لا يُعرِّف الأزمة كأزمة مُمتدة في حدها الأدنى من 1956 وفي حدها الأقصى من 1821 رُفعت الأقلام وجفّت الصحف.
الشُكر كُلُّ الشُكر ِلكل مَن ساهم وشارك في إخراج هذه التُحفة الفنية العظيمة لتبقى هاديةً للأجيال.
كلمات الأوبريت :
قُول لي يا سُودان عليك عَرَق الغَلابة و همّهم
إنتَ بتمِشْ فُوق الدُرُوب أمْ هي بتمِشْ فُوقك تجرِّب حظّها
و كُلُّ مرة هِي بِتَحرِقْ دمّهم
قُول لي يا سودان عليك دَمع الثَكالى و نخْجتِن
سايل على خدَّك سِنين
إنتَ البتذرف للدُموع أمْ هِي بتسوقَك خلفها
لِجْمَات حُزُن طُول الزَمن
شِقِيش يسيل دَمعك تَمِشْ
وين ما يكون حُزنَك تكون كل ما تَنَاديك أنّتِن
واقِف أظنِّك لِيك زَمن كُل ما سِمِع عنَّك طريق
جَا وجرَّبك أو خرَّبك يِمشِيك يدُوسك ما بِخاف فزْعة وِلاد واقفِين حِداك ولعلَّهم ماشِین سِنين درب الجمُر
تِعِب الجمُر من تِحتهم يِدفِن خُطى الأحلام هَشيم الأُمنيات تذرّو الرياح آثارهم تاه الطريق مِن خلفهم لا هو استبان لا وصلوا هُم
يا وطني مَلْطشَة الدُرُوب حتّى الدُرُوب مَلَّت خلاص
ملَّت رمَادك تِحتهم ما بحسِّو هُم
من روسيا جابو لَك طريق تَمْلاو رِفاق
كَسوك مِن لبسَاتا صوف صِيفك بيضَحك اخْتِناق
عرَّاقي بَسْ بِقضي الغَرَض يا اولادي ما هذا الطريق
الكُلُّو ضيق الحَرْ نَضمْ و الحُرْ وهِمْ والثورة تاكل في جَنَاك
والأمر أبسط من كدا
من مصر جابو لَك زُقاق قالو بتمُرْ
أخوان مِنو؟ أخوانَّا أم أخوان بعض؟
صالِح منو العام في الفساد هل نِحنا هُم؟
هُم مِنو؟ یاخْ هُم منو؟
و الأمر أبسط من كدا
ما بين مصر والرُوس دِريبَات من وهَمْ
خمُّونا خَمْ باسم الذي ما أرسلُمْ
أسياد نهم هل دِیل ولادَك يا وطن هل كُنتَ عَاق؟
لا أبداً وحَاتَك لَم تكُنْ
لم تكن إلا النِسِيمات في الصباح
تَمْلا القُلوب وتفِيض سَماح
إلا البِسِيمات في وُجُوه أطفَالنا
كم علمَّتها الحُب في كِفاح
إلا المعالِم في الدُرُوب
أشجَارك أحجَارك و أنفاس المُلاح
تحكِيك بدون ما تقُول فللطِيب افتضاح
تحكِيك تنادينا وتقول الفَجْر لاحْ
ما قُلت ليك الأمر أبْسَط مِن كِدا
سودان وبَسْ سودان کَفی
الكُل غلَط وإنتَ اللي صاح
آخر سُؤال ليك يا وطَن
قول لي سألتك بالقِبيل
رفعوا العلم رفعوهو ليه؟
وفَضلْ الألم في كُل شِبِر
دَمْعات ودمْ فرحتنا هل كانت وهَمْ؟
قُول لي يا سُودان مِتِين تِختَار طريقَكْ بي فَهَمْ
تَختاها مَلْطشة الدُرُوب تَخّتى الوهَمْ
شان الغَلابة وهمّهم شان الثَكالي وأنّتِن
قِدّام هِناك شايل مَزامير الفَرح
نَبْراك نِحنا وحُلمهم نَبْراك ِنحنا وضحكتِن
في كُل قلِب تلْقى الدَرِب
تبْقى الدَرِب نبْرى الوطن
#أوبريت_الدروب
شادي علي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الد ر وب
إقرأ أيضاً:
ما الذي كان ينوي النائب عوني الزعبي الحديث عنه ومنعه الصفدي؟
#سواليف
منع رئيس مجلس النواب #أحمد_الصفدي اعضاء المجلس من الحديث عن أي أمر من خارج جدول أعمال الجلسة المقرر لليوم الاثنين، والتي تناقش مشروع قانون التعاون، ومشروع معدل لقانون #العقوبات.
جاء ذلك في بداية جلسة النواب اليوم، بعد أن حاول النائب #عوني_الزعبي الحديث عن #الوزراء وعدم تعاون وزراء مع اعضاء #مجلس_النواب.
ومباشرة قاطع الصفدي النائب الزعبي طالبا منه الالتزام بالحديث عن القانون وفقا لجدول اعمال الجلسة فقط.
مقالات ذات صلة انخفاض أسعار الذهب 80 قرشا في الأردن الاثنين 2025/04/28وقال الصفدي: “في الجلسة الرقابية تحدث بما شئت، اما الآن الجلسة تشريعية”، ورفض الصفدي أي كلمة من الزعبي لاقناعه مقررا اغلاق الصوت عليه.
وآتيا نص كلمة الزعبي
سعادة الرئيس
بعض الوزراء تجاوز الاحترام الدستوري وانقلبوا على مفهوم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
نحن لا نقبل أن يتحول بعض الوزراء إلى متعالين على ممثلي الشعب، ولا نقبل أن يُنظر إلى هذا المجلس وكأنه هيئة استشارية هامشية.
يبدو اننا اصبحنا بأمس الحاجة لتفعيل نص المادة 53 /1 من الدستور والمتعلقة بحجب الثقة عن الوزارة أو عن أي وزير منها وهذه الصلاحية الدستورية ليست حبراً على ورق، بل أمانة في أعناقنا سنستخدمها إذا استمر بعض الوزراء في هذا النهج المتغطرس وهذا التغوّل والتمرد على دورنا الدستوري.
إننا نوجه اليوم رسالة واضحة لا لبس فيها: احترام مجلس النواب واجب دستوري لا خيار فيه، وأي وزير يتمادى في التنمر أو الإخلال بأدب التعامل مع ممثلي الشعب، فسيجد نفسه أمام استحقاق دستوري لا رجعة فيه، وهو حجب الثقة ومحاسبته أمام الأمة.
نحن دعاة تعاون، ولكننا أيضاً حمَلة أمانة، ولن نسمح لأحد أن ينتقص من هيبتنا أو من مكانة مجلسنا.