أكد الدكتور محمد نصار مدير عام شئون المساجد بوزارة الأوقاف، أن الأمم العظيمة والشعوب العريقة تولد بعقيدتها وتحيا بذاكرتها، فالذاكرة هي الروح التي تسري في جسد الأمة فيطول بقاؤها، وهي الدماء التي تتدفق في عروقها فتشتد عافيتها، وبالذاكرة تتذكر الشعوب أحداث ماضيها وتتفهمها وتتدبر معانيها، وتستخلص الدروس والعبر التي فيها، وبالذاكرة تتذكر الأمم عناصر قوتها وأسباب رفعتها فيما مضى من تاريخها فتبني حاضرها ومستقبلها على نهجها.

وزير الأوقاف: نعيش أفضل فترة تاريخية في تحقيق المواطنة

وأضاف نصار خلال فعاليات احتفال وزارة الأوقاف مساء اليوم الثلاثاء، بذكرى يوم بدر من مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها بمحافظة القاهرة عقب صلاة التراويح، أن في مثل هذا اليوم من شهر مضان في السنة الثانية من هجرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كانت معركة بدر الكبرى، والتي كانت حدًا فاصلا بين الحق والباطل، وقد أطلق عليها القرآن الكريم (يوم الفرقان)، يوم التقى الجمعان على غير موعد منهما: "وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا"، فعلى قانون الأسباب والمسببات تأتي معركة بدر لتوثق الفكر الاجتهادي الذي يتميز به الإسلام، لا سيما في أمور السلم والحرب والأمن والأمان من أجل مصالح الأديان والأوطان. 

وتابع: ففي سياق أحداث هذه المعركة يقول الحق سبحانه وتعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ"، ويقول سبحانه وتعالى: "لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ"، ويقول سبحانه وتعالى في شأن الأسرى: "لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، فالآية الأولى أشارت إلى ضرورة الاستنباط والنظر والفهم الصحيح، والآية الثانية أشارت إلى أهمية البينة الواضحة، والآية الثالثة أشارت إلى الكتاب الذي سبق، كل ذلك في القضايا والمسائل الظنية المحتملة الصواب مالم يوجد جزم بتحريمها، تأكيدًا على أهمية الاجتهاد الشامل ودوره في مصلحة الأديان والأوطان، وأنَّ "مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان ".

معركة بدر ترسخ لمبدأ التوكل على الله والثقة فيه 

كما أكد مدير عام شئون المساجد بوزارة الأوقاف، أن معركة بدر ترسخ لمبدأ التوكل على الله والثقة فيه مع ضرورة الأخذ بالأسباب، وقد جمع النبي (صلى الله عليه وسلم) بين هذين الأصلين العظيمين في الحديث الصحيح الذي يقول فيه: "احْرِصٌ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجزْ"، فأمر بالحرص على الأسباب والاستعانة بمسبب الأسباب وهو الله سبحانه وتعالى.

وبين أن هذا ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحداث المعركة في يوم بدر من أولها إلى آخرها، حين استشار النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه بين الخروج أو البقاء، فانتهى الأمر إلى الخروج إجماعًا من المهاجرين والأنصار، ومن ذلك أيضًا اختيار الموقع ليحولوا بين جيش قريش وماء بدر، فنزل النبي بالعدوة الدنيا من بدر، وهي الجانب القريب من المدينة، كما كان النبي شديد الحرص على كتمان أمره على الناس حتى لا يقف على حقيقتهم أحد، ولا يعرف مقصدهم أحد، كما بنى المسلمون للنبي (صلى الله عليه وسلم) عريشًا يجلس عليه، يدير منه ساحة المعركة، ليكون مطلعًا على ما يجري من أحداث وأمور.

وقال إن في معركة بدر تضافر الأخذ بالأسباب والاجتهاد مع توفيق الله تعالى وتأييده، ثم جاء تأييد الله سبحانه وتعالى بأمور غيبية وأسباب قاهرة مما لا تدركها القدرة البشرية؛ فكان المطر الذي طيب قلوب المؤمنين، والنعاس الذي أمنهم، ونزول الملائكة الذي ثبت قلوب المؤمنين وأثار الرعب في قلوب الكافرين، حيث يقول سبحانه وتعالى: "إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ"، ويقول الحق سبحانه وتعالى: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"، هنا أنجزَ النبي (صلى الله عليه وسلم) مهمتَه، وأقام دولته بعد هذا النصر العظيم، هنا تبددت الغيوم، وتحول الظلام إلى نور، والفوضى إلى نظام، والضياع صار منعه، والمهانة أصبحت عظمة، والجهالة أضحت معرفة، والعدم صار وفرة، إن جميع الأشواك تحولت إلى أزاهير يانعة لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن معه كرسوا حياتهم لطريق الحق والخير والعدل والجمال.

حضر الاحتفال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، واللواء خالد عبد الغفار محافظ القاهرة، والدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر نائبًا عن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، والدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور محمد محمود أبو هاشم وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب، والدكتور عبد الله حسن عبد القوي مساعد الوزير لشئون المتابعة، والدكتور محمود عبد الخالق الفخراني مساعد الوزير لشئون الامتحانات والتدريب، والدكتور هشام عبد العزيز علي رئيس القطاع الديني، والدكتور نوح عبد الحليم العيسوي مدير الإدارة المركزية لشئون مكتب الوزير، والشيخ صبري ياسين دويدار مسئول مجموعة الاتصال السياسي بوزارة الأوقاف.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأوقاف وزارة الأوقاف محمد نصار الأمم مسجد السيدة نفيسة صلاة التراويح معركة بدر صلى الله علیه وسلم سبحانه وتعالى

إقرأ أيضاً:

أهلاً وسهلاً بشهر رمضان

بلوغ وإدراك وصيام شهر رمضان من نِعَم الله العظيمة على المسلمين ؛ لأن رمضان من مواسم الخيرات الذي تفتح فيها أبواب الجنان، وتُغلق فيها أبواب النيران، وهو شهر القرآن، والتوبة والغفران، والصدقات والإحسان ، وإجابة الدعاء، والعتق من النار، ومن السنة الفرح والسرور والابتهاج بقدوم الشهر المبارك.

قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). يونس/58.

شهر رمضان نهاره صيام، وليله تهجُّد وقيام؛ فيجمع بين سببين من أسباب المغفرة؛ قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، وقال: (مَنْ قامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).

في شهر رمضان يقبل الإنسان على كلام الرحمن، على ختمات القرآن، ولك أن تتخيَّل كم ختمة تختم في رمضان؟ إنه شهر القرآن؛ فيجمع الصائم بين الشفيعين يوم القيامة؛ قال صلى الله عليه وسلم:(الصيامُ والقرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِ، يقولُ الصيامُ: أَيْ رَبِّ، إني مَنَعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ، فشَفِّعْنِي فيه، ويقولُ القرآنُ: مَنَعْتُهُ النومَ بالليلِ، فشَفِّعْنِي فيه؛ فيَشْفَعَانِ).

شهر رمضان تتآلف فيه القلوب، وتتوحَّد الصفوف، وتجتمع كلمة أهل الإيمان؛ شهر واحد، ورؤية واحدة، وهلال واحد، وفيه تفطير للصائمين، وعطف على الفقراء والمساكين، وفيه لين كلام، وبر وجود وإحسان؛ كل ذلك في رمضان؛ فيجمع الصائم مؤهلات الحصول على غرف الجنة التي أعدَّها الرحمن لأصحاب هذه الأعمال الصالحة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلَانَ الْكَلَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بالليل وَالنَّاسُ نِيَامٌ).

يأتي شهر رمضان فتتغيَّر الأحوال إلى أفضلها وأعدلها؛ فتتحسَّن الأخلاق، وتنزل الرحمات والبركات، وتصفد فيه الشياطين، وتتهذَّب السلوك والتصرُّفات؛ ولذا نفقه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تهنئة الصحابة والأُمَّة بقدوم هذا الشهر الكريم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ).[صحيح الترغيب والترهيب].

قال العلماء: وذلك لأمرين: لكي يلفت انتباههم لفضله ومنزلته، ولكي يُعلي من الهِمَم ويحفزهم على عمارة أوقاته.
قال ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا بهذا الشهر الكريم.

إنه شهر مبارك، ومن بركته: إقبال النفوس على الطاعات، مغفرة الذنوب والسيئات، مضاعفة الأجور والحسنات.

فاغتنموا مواسم الخيرات بالمسارعة إلى الطاعات، والمسابقة إلى الخيرات لتفوزوا بدخول الجنات.

مقالات مشابهة

  • قصة هجرة إبراهيم عليه السلام ومعجزة ماء زمزم
  • تهنئة رمضانية من أبو تريكة إلى أهل غزة أفضل بشر على كوكب الأرض
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام
  • “فليصمه”
  • بالفيديو.. عصام الروبي: صلاح البال منحة ربانية للمؤمنين الصادقين
  • أهلاً وسهلاً بشهر رمضان
  • دعاء اليوم الثاني من رمضان.. تعرف عليه
  • افتقدناك في هذا الشهر الكريم أخانا وشيخنا وابننا ووالدنا يوسف فضل الله
  • كيف نستقبل رمضان؟ 10 نصائح تجعلك تفوز بالشهر الكريم لا تفوّتها
  • ليه أكتر أهل النار النساء؟ طالبة تسأل والدكتور علي جمعة يجيب