بعد مرور عام على توقف خط أنابيب النفط بين العراق وتركيا، وهو القناة الحيوية المسؤولة عن ما يقرب من 0.5% من إمدادات النفط العالمية، يظل الطريق نحو استئنافه غارقا في التعقيدات القانونية والمالية. وتوقف تدفق النفط عبر خط الأنابيب بعد أن قضت غرفة التجارة الدولية، ومقرها باريس، بأن تركيا انتهكت بنود اتفاقية 1973 من خلال تسهيل صادرات النفط من إقليم كردستان العراق دون موافقة الحكومة الاتحادية العراقية في بغداد.

وقد ترك هذا المأزق، الذي يُعزى إلى النزاعات القانونية والعقبات المالية، أصحاب المصلحة في حالة من عدم اليقين، مع تداعيات اقتصادية كبيرة على كيانات العراق وحكومة إقليم كردستان.

خسائر مالية

وبعد تسهيل تدفق حوالي 450 ألف برميل يوميا من النفط الخام، تسبب إغلاق طريق تصدير النفط الشمالي عبر تركيا في خسائر اقتصادية كبيرة. وبحسب وزارة النفط العراقية، فقد أدى التوقف إلى خسارة تقدر بما يتراوح بين 11 و12 مليار دولار. فيما شدد اتحاد صناعة النفط في كردستان على مسؤولية الشركات الأجنبية في حكومة إقليم كردستان، مؤكدا فشلها في تقديم العقود المعدلة كعامل محوري في تأخير استئناف صادرات النفط الخام.

ولا يزال خط أنابيب كركوك-جيهان، الذي توقف عن العمل منذ مارس/آذار2023 بعد تعليق أنقرة التدفقات ردا على حكم التحكيم الصادر عن غرفة التجارة الدولية، نقطة خلاف محورية. كلفت المحكمة الجنائية الدولية تركيا بدفع تعويضات لبغداد تصل إلى 1.5 مليار دولار بسبب الصادرات غير المصرح بها من قبل حكومة إقليم كردستان بين عامي 2014 و2018.

المحكمة الجنائية الدولية أمرت تركيا بدفع تعويضات لبغداد تصل إلى 1.5 مليار دولار (رويترز) معوقات تنظيمية وقانونية

وتقول وزارة النفط العراقية إن الشركات الأجنبية العاملة في إقليم كردستان العراق تتحمل جزءا من المسؤولية عن تأخر استئناف صادرات الخام من المنطقة لعدم تقديم عقودها إلى الحكومة لمراجعتها، وهو شرط أساسي لاستئناف العمليات. وذكرت الوزارة في بيان أن الشركات الأجنبية بالإضافة إلى السلطات الكردية العراقية لم تقدم حتى الآن عقودها إلى وزارة النفط الاتحادية لمراجعتها وإصدار عقود جديدة تتوافق مع الدستور والقانون.

وقالت الحكومة ردا على بيان صدر يوم السبت الماضي عن رابطة صناعة النفط في كردستان (أبيكور) إنها تسعى إلى مراجعة تلك العقود بعد أن قضت محكمة ببطلان الاتفاقات الموقعة مع حكومة إقليم كردستان.

ويلتزم العراق بحد أدنى من المدفوعات المتفق عليها مع تركيا طالما أن خط الأنابيب يعمل من الناحية الفنية، وهو ما قدرته وود ماكنزي للاستشارات بنحو 25 مليون دولار شهريا.

وأشارت أبيكور إلى تقديرات مماثلة قائلة إن العراق يتعين عليه دفع 800 ألف دولار غرامات يومية.

من ناحية أخرى، نقلت صحيفة ديلي صباح التركية عن وزارة الطاقة التركية قولها إن المحكمة الجنائية الدولية اعترفت بمعظم مطالب أنقرة. وقالت وزارة الطاقة إن الغرفة أمرت العراق بتعويض تركيا عن عدة انتهاكات تتعلق بالقضية.

خسائر وتعويضات

ووفقا لديلي صباح فإنه وعلى الرغم من المعاهدة التي تلزم العراق بدفع الحد الأدنى من المدفوعات لتركيا طالما بقي خط الأنابيب عاملا من الناحية الفنية، والذي يقدر بنحو 25 مليون دولار شهريا، فإن العوامل الاقتصادية الأوسع تطغى على التوقعات المباشرة لاستئناف التدفقات. ومع التزام العراق بتخفيضات صادرات النفط التي فرضتها أوبك بلس، وإعطاء الأولوية لاستقرار السوق على التدفقات الإقليمية، فإن احتمال استعادة الصادرات الشمالية لا يزال بعيد المنال وفقا للصحيفة.

ردود فعل

وانتقدت أبيكور الحكومة العراقية التي لم "تتخذ الإجراءات المطلوبة" لإعادة تشغيل خط الأنابيب، مضيفة أنه "لم يكن هناك تقدم حقيقي" في إعادة تشغيل الخط رغم اجتماعات عقدت في بغداد في يناير/كانون الثاني بين ممثلي الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان وشركات النفط العالمية.

وأضاف البيان أنه يجب "الحفاظ على الشروط التجارية الحالية والنموذج الاقتصادي" للشركات الأعضاء، داعيا إلى تقديم ضمانات تتعلق بدفع مستحقات صادرات النفط السابقة والمستقبلية.

أبيكور انتقدت الحكومة العراقية التي لم "تتخذ الإجراءات المطلوبة" لإعادة تشغيل خط الأنابيب (رويترز) حقائق تجارية ومخاوف صناعية

وتتصارع شركات النفط الدولية، وهي صاحبة المصلحة الأساسية في أي إعادة تشغيل محتملة، مع الخسائر المالية والشكوك التعاقدية. ومع وجود أكثر من مليار دولار من المدفوعات المتأخرة وخسائر الإيرادات الجماعية التي تتجاوز 1.5 مليار دولار منذ الإغلاق، تدعو هذه الشركات إلى تعويض يتماشى مع الالتزامات التعاقدية. ورغم ذلك، فإن المقترحات أو الاتفاقيات الرسمية من المسؤولين العراقيين أو المسؤولين في حكومة إقليم كردستان لا تزال بعيدة المنال، مما يؤدي إلى إطالة أمد عدم اليقين داخل الصناعة.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لرويترز إن واشنطن "تشجع جميع الأطراف على التوصل إلى اتفاق لاستئناف تدفق النفط عبر خط الأنابيب بين العراق وتركيا في أقرب وقت ممكن".

وقال المتحدث إن "استئناف تصدير النفط عبر خط الأنابيب بين العراق وتركيا سيعود بالنفع على جميع الأطراف".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات حکومة إقلیم کردستان بین العراق وترکیا صادرات النفط خط الأنابیب ملیار دولار

إقرأ أيضاً:

صراع النفوذ.. هل تتخلى الفصائل العراقية عن سلاحها؟

بغدادـ جدل واسع شهدته الساحة العراقية بعد الإعلان عن مساعي الحكومة لإقناع الفصائل المسلحة في البلاد بـ"تسليم السلاح أو الانضمام للجيش"، وذلك بعد تصريحات وزير الخارجية فؤاد حسين التي أكد فيها ضرورة دمج هذه الفصائل في المؤسسة الأمنية.

ونقلت وكالة رويترز عن وزير الخارجية العراقي قوله -الخميس الماضي- إن الحكومة العراقية تحاول إقناع الفصائل المسلحة في البلاد بإلقاء السلاح أو الانضمام للجيش والقوات الأمنية الرسمية، مشيرا خلال زيارة رسمية إلى لندن إلى أنه "منذ عامين أو 3 أعوام كان من المستحيل مناقشة هذا الموضوع في مجتمعنا.. لكن الآن أصبح من غير المقبول وجود مجموعات مسلحة تعمل خارج إطار الدولة".

تصريحات وزير الخارجية العراقي قوبلت برفض مطلق من قبل بعض الفصائل التي اعتبرت أن التوقيت غير مناسب لمثل حوارات كهذه.

تصريحات وزير الخارجية العراقي قوبلت برفض من بعض الفصائل (رويترز) نفي وجود محادثات

المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء كاظم الفرطوسي نفى بشكل قاطع وجود أي محادثات بينهم وبين الحكومة بشأن نزع سلاح الفصائل.

وأكد الفرطوسي، في حديثه للجزيرة نت، أنهم لم يتلقوا أي اتصالات أو عروض بهذا الشأن، ولم يفتح أي طرف حكومي هذا الموضوع معهم بشكل رسمي، مضيفا أنهم علموا بهذه الأنباء من خلال وسائل الإعلام، وأنها قد تكون محادثات تجري مع فصائل أخرى، إلا أنهم في كتائب "سيد الشهداء" لم يُطرح لديهم هذا الموضوع مطلقا ولم يناقشوا أي تفاصيل متعلقة به.

وأشار الفرطوسي إلى أن أي مشروع يتعلق بهذا الأمر يتطلب دراسة متأنية وشاملة، وأنهم لن يقبلوا بأي مشروع يمس بسيادة العراق أو هيبته، مؤكدا أنهم يدعمون أي مبادرة تخدم مصلحة البلاد.

إعلان

كذلك نفت حركة النجباء -على لسان المتحدث باسمها حسين الموسوي- بشكل قاطع وجود أي حوارات بين الحكومة العراقية والفصائل المسلحة، مؤكدا أن هذا الكلام عارٍ من الصحة ولا أساس له.

وقال الموسوي -في حديث للجزيرة نت- إن الظروف الحالية في العراق لا تسمح بإجراء مثل هذه الحوارات "بسبب حجم التحديات الكبيرة التي يواجهها البلد في ظل الانفلات الأمني والتخبط في السياسة الخارجية والصعوبات والمخاطر التي تواجه المنطقة بأسرها".

وخلص الموسوي إلى أن مثل هذه الحوارات غير واردة في الوقت الحالي، كما أن هذا الكلام غير واقعي ولا يمكن البناء أو التعويل عليه.

عقدت لقاءً مثمراً مع السيد @DavidLammy، وزير خارجية بريطانيا، حيث تباحثنا في سبل تعزيز علاقاتنا الثنائية، وتبادلنا وجهات النظر حول الأوضاع الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى التطورات السياسية في سوريا.نجدد تأكيد عزم العراق على بناء علاقات متينة مع المملكة المتحدة في مختلف المجالات. pic.twitter.com/FqqAsocDBO

— Fuad Hussein | فؤاد حسين (@Fuad_Husseein) January 15, 2025

شرط وحيد

وبدوره، أكد علي الفتلاوي المقرب من الفصائل أن الفصائل المسلحة تعتبر نفسها موجودة لمواجهة أي تهديد خارجي على العراق، سواء كان من الولايات المتحدة أو غيرها.

وقال الفتلاوي -في حديث للجزيرة نت- إن الاتفاقية الإطارية الإستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة نصت على انسحاب القوات الأميركية بنهاية عام 2025، وتساءل عن دور الفصائل المسلحة في حال عدم تنفيذ هذا الاتفاق.

وأكد الفتلاوي أن الدعوات لحل هذه الفصائل تأتي في سياق الضغوط الدولية التي تسعى إلى إضعاف محور المقاومة في المنطقة، معتبرا أن حل هذه الفصائل ليس أمرا واقعيا في الوقت الحالي، خاصة في ظل استمرار التهديدات الخارجية التي تواجه العراق، مثل وجود قوات أميركية وقوات تركية في شمال العراق، ووجود تنظيم داعش.

إعلان

وأوضح الفتلاوي أن الفصائل مستعدة لحل نفسها إذا زال التهديد الخارجي عن العراق، أي بعد انسحاب القوات الأميركية والتركية، والقضاء على تنظيم داعش، مشيرا إلى أن هذه الفصائل لم تشكل تهديدا على البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق، وأن الفترة الأخيرة شهدت حالة من الهدوء النسبي.

لم تأتِ من فراغ

من ناحيته، أكد الخبير في شؤون الفصائل علاء النشوع أن تصريحات وزير الخارجية العراقية الأخيرة لم تكن من فراغ أو وليدة اللحظة، بل جاءت في سياق ضغوط دولية وإقليمية متزايدة، فضلا عن تحذيرات محلية.

هذه الضغوط، كما يرى النشوع خلال حديثه للجزيرة نت، تهدف إلى حل الفصائل المسلحة وإنهاء وجودها العسكري، وذلك لما تشكله من تهديد خطير على الأمن القومي العراقي، موضحا أن الحكومة العراقية، رغم ادعائها امتلاكها للأجهزة الأمنية والعسكرية القادرة على التعامل مع هذه الفصائل، فإنها عاجزة عن حلها، سواء سياسيا أو عسكريا.

ويرجع ذلك، حسب رأيه، إلى عدة أسباب أبرزها أن هذه الفصائل تمتلك قدرات عسكرية كبيرة تفوق قدرات الجيش والشرطة الاتحادية، مما يجعل من الصعب مواجهتها وإجبارها على التخلي عن سلاحها، إضافة إلى أن أجهزة الاستخبارات العسكرية العراقية تخضع لسيطرة أمن الفصائل، مما سمح لها بتشكيل أجهزة أمنية خاصة بها قادرة على اختراق الأجهزة الأمنية الأخرى للدولة.

وأشار إلى أن إسرائيل تمارس ضغوطا كبيرة على العراق، خاصة في ظل قرب عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، الذي يتوقع أن يكون أكثر صرامة تجاه إيران وحلفائها.

صراعات الداخل والخارج

وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية علي غوان إن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية العراقي تأتي في سياق ضغوطات خارجية شديدة تمارسها الولايات المتحدة ودول أخرى، موضحا أن هذه الضغوط تهدف إلى الحد من أنشطة الجماعات المسلحة العراقية في المنطقة، خاصة تلك التي تستهدف حلفاء الولايات المتحدة.

إعلان

وأشار غوان -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هذه الضغوط ليست جديدة، بل بدأت منذ فترة من خلال رسائل ومبادرات من مبعوث الأمم المتحدة زيارات لمسؤولين أميركيين وبريطانيين، وحتى خلال الزيارات الإقليمية لرئيس الوزراء العراقي، وكل هذه الجهود تهدف إلى تهدئة التوترات الناجمة عن أنشطة هذه الجماعات.

وأكد غوان أن هناك حوارا جادا يجري حاليا لإعادة توجيه سلوك هذه الجماعات، وأن هناك قرارا داخليا بالحد من أنشطتها خارج الحدود العراقية، ومع ذلك، أشار إلى وجود تحديات كبيرة، منها التباين بين توجهات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وبين توجهات المرجعية الدينية الشيعية في العراق، التي تدعو إلى سيادة الدولة على السلاح.

وشدد غوان على أن الحكومة العراقية الحالية، التي تضم شخصيات من هذه الفصائل، تواجه صعوبة في اتخاذ إجراءات حاسمة لنزع سلاحها، وذلك بسبب الظروف التي تشكلت فيها الحكومة ودور هذه الفصائل في تحرير مناطق من سيطرة داعش.

وأضاف أن الحكومة تفضل في المرحلة الحالية احتواء الوضع وتجنب التصعيد، ولكنها في الوقت نفسه تدرك أن صبر الولايات المتحدة قد ينفد إذا استمرت هذه الجماعات في تهديد المصالح الأميركية وحلفائها.

وحذر غوان من أن استمرار الوضع على هذا النحو قد يؤدي إلى تكرار سيناريوهات مماثلة لما حدث في لبنان وسوريا، حيث تعرضت الجماعات المسلحة لضغوط شديدة أدت إلى تغييرات سياسية واسعة، مؤكدا أن الضغوط الأميركية على العراق تأتي في سياق محاولة تغيير التوازن السياسي في المنطقة، وتأمين مصالحها الإستراتيجية.

مقالات مشابهة

  • صراع النفوذ.. هل تتخلى الفصائل العراقية عن سلاحها؟
  • العاهل الأردني يبحث مع رئيس حكومة إقليم كردستان العراق التطورات الإقليمية الراهنة
  • رئيس دولة الإمارات يستقبل رئيس حكومة إقليم كردستان العراق
  • رئيس الدولة يبحث ورئيس حكومة إقليم كردستان العراق العلاقات المشتركة
  • رئيس الدولة يبحث العلاقات مع رئيس حكومة إقليم كردستان العراق
  • إيديتا المصرية تستحوذ على شركة "طعمة جبر" العراقية
  • رئيس الدولة يستقبل رئيس حكومة إقليم كردستان العراق
  • وزيرة المالية طيف سامي: أرقام دقيقة تدحض ادعاءات إقليم كردستان
  • اتحاد الصناعات العراقية: منع دخول بضائع إقليم كردستان سببه عدم تسجيل المصانع في بغداد
  • رشيد: إيران وتركيا وراء أزمة المياه في العراق