الصراع في غرب القارة.. زيادة العداء تجاه فرنسا في المنطقة.. وأمريكا تسعى لتكون بديلا للسلام .. والإرهاب العابر للحدود يهدد المنطقة
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
دخلت القارة الأفريقية في صراعات داخلية بعد إعلان بعض من الدول استقلالها، ولكن أخذ الصراع شكلا جديداً لمواصلة السيطرة على الدول التي رحل عنها، بنشر الأفكار الانفصالية من ناحية، وزيادة وتيرة الحروب الأهلية من ناحية أخرى، ففي عام 1957 بدأت الاضطرابات تجتاح عددا من دول القارة، فمثلا اندلعت في السودان حرب أهلية استمرت لأكثر من نصف قرن وكانت المحصلة انفصال جنوب السودان، بينما شهدت نيجيريا نزاعات مسلحة عُرفت باسم حرب بيافرا في عام 1967 استمرت لـ أربع سنوات راح ضحيتها مليوني شخص، وكان من نتائجها تواصل النزاعات الدينية والثقافية، والتي تعاني منها نيجيريا حتى الوقت الحالي.
ولم يختلف الأمر كثيرا في الكونغو الديمقراطية، والتي كانت تُعرف باسم زائير، ورواند وليبيريا والصومال، والتي تركتها من خلفها ملايين الضحايا من الأبرياء، بالإضافة لتعطيل حركة التنمية في الداخل، وانتشار الفقر.
زيادة العداء تجاه فرنسا في المنطقةوفي إثيوبيا تستمر النزاعات بين الحكومة الفيدرالية ومجموعة فانو الانفصالية، مع زيادة حدة التوترات في إقليم آمهر، وشعورهم بالتهميش بعد اتفاقية السلام بين إقليم التيجراي والحكومة الإثيوبية بعد حرب راح ضحيتها في عامين فقط 300 ألف شخص.
غرب أفريقيا بؤرة الإرهاب العابر للحدود:
تُعد منطقة غرب أفريقيا من أكثر المناطق التي تشهد صراعات للعنف المسلح، كما أنها الأعلى من حيث عدد الوفيات التي كانت نتيجة للنزاعات والحروب الأهلية، والتي حولت المنطقة لأكثر المناطق معاناة من الفوضى والاضطرابات الداخلية، حتى أن الأمر تخطى الحدود السياسية، وتسبب في خراب الاقتصاديات، وتدفق العديد من اللاجئين في الدول الأفريقية والغربية، كل ذلك يرجع للاستعمار الأوربي للقارة، والانقسامات الإثنية وما تركه الاستعمار القديم من تخلف وفقر، وزاد الأمر الاستعمار بمفهومه الجديد والذي تسبب في الصراعات الداخلية وتدهور العلاقات بين المدنيين والعسكريين في دول القارة.
وتفاقمت الأوضاع بعد ظهور الإرهاب داخليا، أو الإرهاب العابر للحدود، وهو بؤرة انتشار العنف المسلح والذي تخطى الحدود المحلية لينتقل لدول مجاورة، وهو أشد عنفا من غيره، والذى حول منطقة غرب أفريقيا لمركز عالمي للإرهاب، وتسبب في أزمات انعدم الأمن وانتشار القرصنة، حسب رؤية الدكتور أحمد إبراهيم محمود في كتابه غرب أفريقيا: تحولات الصراع والعنف المسلح في بيئة مضطربة.
تُعد منطقة غرب أفريقيا من أكثر المناطق التي تشهد صراعات للعنف المسلحوكانت منطقة غرب أفريقيا صاحبة النصيب الأكبر لعودة الانقلابات العسكرية، ففي يوليو 2023 شهدت النيجر انقلابا عسكريا، ثم الجابون في أغسطس من نفس العام، بعدما نجحت هذه الانقلابات في غينيا ومالي خلال الأعوام السابقة، وهو ما يُعيق عمليات التحول الديمقراطي، ومع تهديدات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "الإيكوس" يرى أحمد إبراهيم في تحولات الصراع والعنف المسلح أن المنطقة كانت على حافة الهاوية خاصة بمحاولة التدخل العسكري من قبل نيجيريا ورغبتها في إعادة الحكم المدني في النيجر، وهو ما رفضته النيجر وقتها، وتضامن معها عدة دول، وكان ذلك جرس إنذار يهدد المنطقة بحرب إقليمية ربما تشتعل في القريب، بالإضافة للتدخلات الخارجية التي تٌعاني منها منطقة غرب أفريقيا، وأبرزت هذه الأزمة زيادة العداء من قبل دول غرب القارة تجاه فرنسا، مع تزايد العدوان تجاه فرنسا لتراكمات قديمة من أسبابها استمرار استغلال فرنسا لمقدرات دول غرب القارة ومن أهمها قامت به الدولة الأوربية في نهب ثروات النيجر، والإجراءات التعسفية التي وضعتها فرنسا لقبول المهاجرين من دول غرب أفريقيا، والتي كانت على أساس ديني، وزيادة التدخلات الفرنسية في النيجر وغيرها من الأمور التي مارستها فرنسا.
الدور الأمريكي في غرب أفريقيا:
بعد زيادة العداء تجاه الدور الفرنسي من قبل دول غرب أفريقيا، استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الموقف وبدأت فى ممارسة دورها في إدارة الصراعات في غرب القارة، وخاصة بعد تراجع المصالح الأوربية في المنطقة، وتقوم وجهة النظر الأمريكية على أن منطقة غرب أفريقيا منطقة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط للثروات التي تمتلكها دول المنطقة، ولكن لأنها تعتبر أحد أهم المناطق التي تتواجد فيها أوروبا متمثلة في فرنسا، وغياب الدور الأمريكي خلال الفترة الماضية يمهد لها الدخول تحت زعم أنها صاحبة السلام وتعمل على إنقاذ دول غرب أفريقيا من الهيمنة الأوربية التي ساهمت في اشتعال المنطقة، وزيادة الانقلابات العسكرية، ونهب ثروات ومقدرات شعوب دول غرب أفريقية، وأنها تمتلك العصا السحرية لحل أزمات المنطقة، كما أنها تنشر من خلال وسائلها الإعلامية أنها لديها تصور جديد للمنطقة الأفريقية لإيقاف نزوح الأرواح والمقدرات، وأنها تمتلك مقدرات كبرى سوف تسخرها لخدمة دول غرب أفريقيا حتى تتعافى من أزماتها، وهو الدور الذي يلعبه منذ شهور القادة الأمريكيون في الترويج لقدوم الولايات المتحدة إلى المنطقة، ومن الناحية الداخلية يعمل صناع القرار بإقناع الكونجرس بضرورة هيمنة الدور الأمريكي في غرب أفريقيا، لمواجهة الإرهاب من ناحية ومواجهة النفوذ الغير أمريكي من ناحية أخرى، ورغم عدم صدق النوايا الأمريكية إلا أن الأمر يلقى دعما أوروبيا وأفريقيا، ودوليا أيضا بعدما عجزت دول الإيكوس في حل الأزمات والصراعات، بسبب الانقسامات الداخلية، ورفض بعض الدول دخول دولة أخرى أفريقية في حل الخلافات والصراعات، بالإضافة أن الجماعة الاقتصادية ذاتها تتلقى دعما خارجيا، وهو أحد أسباب ضعفها، كما ذُكر في تحولات الصراع والعنف المسلح في بيئة مضطربة، أما الحل الأمثل هو تكاتف دول القارة مع مساندة إقليمية ودوليةن ووضع خطة زمنية لإنهاء الصراع في غرب أفريقيا وضمان عدم التدخلات خارجيا أو إقليميا بعد الوصول للسلام.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: القارة الأفريقية السودان الكونغو الديمقراطية إثيوبيا منطقة غرب أفریقیا دول غرب أفریقیا غرب أفریقیا من تجاه فرنسا غرب القارة من ناحیة فی غرب التی ت
إقرأ أيضاً:
الذهب في غرب أفريقيا.. الثروة المنهوبة
عبر مئات الآلاف من السنين ظلت منطقة غرب أفريقيا مركزا للكثير من المعادن النفيسة على أديم صحرائها الكبرى وفي باطن أرضها المتنوعة.
توجد العديد من مناجم الذهب التي اشتهرت بها تلك المنطقة منذ تاريخ إمبراطورية غانا القديمة، ومملكة مالي المعروفة بـ"مملكة الذهب" والمشهورة بقصص منسى بن موسى (ملك الذهب) الذي أحدثت رحلته إلى الحج قصصا غريبة من عالم الروايات والسرد، بسبب ما كان يملك من المعدن النفيس.
ومنذ تلك القرون البعيدة، ظلت المنطقة عنوانا للتنقيب عن الذهب، ومركزا لتجارته عبر طرق القوافل السالكة لطريق الصحراء الكبرى.
وفي العصر الحالي تحتوي منطقة غرب أفريقيا على مخزون كبير من احتياطات الذهب، ويصل إنتاجها إلى 10% من مجموع الإنتاج العالمي.
كيف وجد الذهب بالمنطقة؟
في إجابة له على سؤال لموقع "محادثة أفريقيا" حول كيفية وجود الذهب، يقول الجيولوجي رايموند كازابوي إن هذا المعدن مثل جميع العناصر تشكل من خلال تفاعلات طاقة شديدة وقعت في بيئات كونية وفضائية مختلفة مع بداية تشكل الكون قبل 13 مليار سنة.
ويقول رايموند إنه توجد نظريتان لتشكل المعدن الأصفر وبداية وجوده، إحداهما تسمى التكتونيات التراكمية، وتقتضي أن كميات كبيرة من الذهب ترسبت في أماكن معينة حيث كانت القارات تتوسع ويتغير نمطها قبل 3 مليارات سنة.
إعلانوالنظرية الأخرى تشير إلى أنه تشكل مع بداية عصر الفانروزويك عندما امتلأت الأرض بالأوكسجين، وخلال هذه المرحلة تسببت العمليات الجيولوجية والتغيرات في الحرارة والضغط إلى تشكيل رواسب من الذهب يمكن استخراجها.
وفي منطقة غرب أفريقيا تكونت رواسب الذهب في مناطق "كراتون" الذي يتألف من أجزاء ثابتة من داخل الأرض ويضم الصخور ومنصات الدروع الموجودة على سطح اليابسة.
وتشكلت رواسب الذهب في صخور"كراتون" الواقعة في غرب أفريقيا من حوالي 2.3 إلى 2.4 مليار سنة، وذلك عبر درجات الحرارة والظروف التكتونية.
ويوجد الذهب الواقع في غرب أفريقيا وخاصة غانا ومالي وموريتانيا والسنغال وساحل العاج وبوركينافاسو، ومعظم هذه الدول، تشكل 50% من أرضها مكانا لرواسب هذا المعدن.
وتعد مالي وغانا من أكثر دول غرب أفريقيا ثراء بالذهب، إذ يشكل إنتاجهما حوالي 57% من مجموع الإنتاج والموارد للمنطقة.
ويعتقد أن غانا تمتلك احتياطا من الذهب يصل إلى 1000 طن متري، وتنتج منه سنويا ما مجموعه 90 طنا متريا.
أما مالي فإن إنتاجها لسنة 2023 وصل إلى 67.7 طنا، لكنه تراجع في عام 2024 إلى 51 طنا بسبب الخلاف مع الشركات الأجنبية، وتقدر احتياطاتها بحوالي 800 طن.
وتبقى أرقام الإنتاج هذه متواضعة مقارنة مع ما تنتجه الصين وأستراليا المصنفتان في طليعة الدول المنتجة للذهب على مستوى العالم.
فقد وصل إنتاج جمهورية الصين الشعبية عام 2023 إلى 370 طنا متريا، كما وصلت عتبة الإنتاج في أستراليا إلى 310 أطنان.
التنقيب البدائيقديما، كانت الوسيلة الأشهر في العثور على الذهب هي التنقيب عن طريق مجاري الأنهار والسيول وآثار المياه قرب سفوح الجبال للحصول على جزئيات صغيرة.
وقد أدى التقدم العلمي والتكنولوجي إلى تبسيط عمليات التنقيب وخفض الكلفة الإنتاجية والزمنية في عمليات الاستخراج.
إعلان
ورغم التطور الكبير في وسائل الإنتاج، فإن مجموع دول منطقة غرب أفريقيا ما زالت تعتمد على وسائل تنقيب قديمة وبدائية، حيث يمارس المواطنون عمليات الحفر وصهر الحجارة لاستخراج الذهب، وغالبا ما تتسبب هذه الطرق التقليدية في حدوث كوارث بيئية وإنسانية.
وفي مالي وموريتانيا وغينيا تكثر حوادث انهيار آبار التنقيب التي تتسبب في مقتل وإصابة العديد من الناس، ولم تتخذ الحكومات إجراءات صارمة في منع التنقيب الأهلي، كما أنها لم تؤسس شركات تنقيب وطنية تمتلك وسائل حديثة لاستخراج الثروة.
الثروة المنهوبةوفي المناجم الكبيرة والغنية بالذهب، تلجأ الحكومات إلى الاستعانة بشركات أجنبية غالبا ما تكون العقود معها مجحفة إلى حد كبير.
ففي موريتانيا التي أصبحت واحدة من مصدري الذهب، لا تتجاوز حصة الدولة 6.5% من منجم تازيازت الذي أنتج 622 ألفا و394 أونصة في عام 2024، وهو الأمر الذي تسبب سابقا في سجال كبير في الساحة السياسية، واتهمت فيه المعارضة النظام بإجراء صفقات فساد وعقود من تحت الطاولة.
وفي سنة 2020 ارتفعت أصوات من داخل البرلمان الموريتاني تطالب بتأميم منجم تازيازت الذي تديره شركة "كينروس غولد" الكندية، معتبرين أنها تنهب ثروة البلاد دون مقابل.
أما في منطقة الساحل التي حكمتها مؤخرا مجالس عسكرية، فإنها بدأت في التفاوض من أجل رفع نسبها مع الشركات الأجنبية، وهو الأمر الذي أثار أزمة بين الحكومة المالية وشركة "باريك غولد".
وأقرت الحكومة في باماكو سنة 2023 قانونا للتعدين يقضي برفع نسبة الدولة إلى 30% في كل عمليات الاستخراج الجديد، كما ألغت قانون رفع الضرائب التي كانت تستفيد منه شركات تعدين الذهب.
وفي السياق ذاته، أممت السلطات في مالي بداية 2024 منجم ياتيلا في منطقة كايس التي كانت تديره شركتان من جنوب أفريقيا وكندا، وأصبح خاصا بالدولة.
إعلانومع بداية 2024 أعلن رئيس المرحلة الانتقالية في بوركينافاسو النقيب إبراهيم تراوري إلغاء بعض الرخص الممنوحة لشركات تعدين الذهب في بلاده، كما قامت حكومته بمصادرة 200 كيلوغرام من شركة تابعة لمجموعة "إندفور ماينينغ" الكندية بحجة البحث عن مصالح الدولة.
وفي طريق العمل على استعادة ثروة الذهب، قامت الحكومة في بوركينافاسو في فبراير/شباط 2024 بالاستحواذ على مخزون شركة "سيمافو بوركينافاسو لتعدين الذهب".
وتهدف الحكومات العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي من ضغوطها على شركات التعدين الأجنبية إلى أن تجد توزيعا عادلا لثروة الذهب لتسهم في التخفيف من معاناة السكان.