لم تشغل الإنسان فى علاقته بالله منذ بدء الخليقة قضية أكثر من مسألة الجبر والاختيار، وهل الإنسان مُسَيَّرٌ أم مُخَيَّرٌ؟
وذلك فى ظل شمولية القدرة الإلهية وإطلاقها ونفوذها على كل الخلائق والموجودات، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهو: (خالق كل شىء)، ومشيئته فوق كل مشيئة: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله)، وبيده الأمر كله فى الهداية والضلال: (يضل من يشاء ويهدى من يشاء)، وبيده العذاب والمغفرة: (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء).
مما قد يتبادر إلى الأفهام أن الإنسان مُجبَر أو مُسيَّر.
لكنّ ذلك الفهم تقطع بعدم صوابه آيات بينات تُقرِّر بوضوح وحسم حرية الإنسان التامة فى الاختيار بين السبيلين ؛ سبيل الهدى والثواب العظيم، أو سبيل الضلالة والعذاب الأليم: (إنّا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)، (وهديناه النجدين)، (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها).
لأن تلك الحرية الإنسانية فى الاختيار بين الطريقين والسير فى أحدهما والعمل بمقتضاه هى وحدها التى يتحقق بها العدل الإلهى فى ثواب الطائع وعقاب المذنب، وبها وحدها ينتفى الظلم عن الله سواء الظلم النوعى: (ولا يظلم ربك أحدا)، أو الكمى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة).
أما الفهم الخاطى وراء الاعتقاد بأن الإنسان مجبر فيرجع إلى عدم إدراك أمرين:
الأول: أن الإرادة الإلهية نوعان: ١. إرادة كونية عامة لا يحدث شىء فى الكون خارجها أو رغما عنها، وهى التى سمحت بوجود الهدى والضلال والتقوى والفجور، وذلك لأجل اختبار الإنسان، فالله قد: (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا).
٢. إرادة دينية تتمثل فيما يحبه الله ويرضاه لنا، فهو يحب منا الهدى والتقوى ويكره الضلال والمعصية.
الثانى: أن الهداية ثلاث مراتب:
١. الهداية التكوينية، وهى هداية عامة لكل مخلوق بحسب احتياج وظيفته، فالله قد: (أعطى كل شىء خلْقه ثم هدى)، وبالنسبة للإنسان الحرية للاختيار ومعها الفطرة السليمة والعقل المفكر والحواس للتأمل.
٢. الهداية الدلالية وهى هداية إرشاد وبيان خاصة للمُكلَّفين من خلال إنزال الكتب السماوية وإرسال الرسل والأنبياء: (رُسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حُجة بعد الرسل)، (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً).
٣. الهداية التوفيقية، وهى هداية خاصة لمن اختار طريق الهدى والصلاح واجتهد فى العمل به: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، (والذين اهتدوا زادهم هدى).
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
خالد الجندي: السنة النبوية تقدم أحكامًا لم يذكرها القرآن (فيديو)
أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على وجود تكامل بين القرآن الكريم والسنة النبوية في تفسير الأحكام الشرعية.
وخلال حلقة من برنامج "لعلهم يفقهون" الذي يُبث على قناة "dmc" اليوم الخميس، أوضح الجندي أن "القرآن الكريم يحدد العناوين العامة، بينما السنة النبوية تفسر التفاصيل وتوضح الأحكام من خلال النصوص القرآنية".
خالد الجندي: الإيمان وحده لا يكفي دون العمل لحمايته خالد الجندي: صرف البلاء من نعم الله الخفية التى تحميناوأشار إلى أن هناك من يعتقد أن القرآن يكفي بمفرده دون الحاجة إلى السنة، واصفًا هذا الاعتقاد بأنه غير صحيح، حيث أن السنة ليست مجرد تفسير للقرآن، بل تقدم أحيانًا أحكامًا جديدة لم ترد في القرآن.
وأوضح الجندي أن السنة تنقسم إلى نوعين: "السنة المبينة" التي تفسر ما غمض من ألفاظ القرآن، و"السنة المنشئة" التي تقدم أحكامًا لم تذكر في القرآن الكريم.
كمثال على ذلك، ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحرم زواج الرجل من امرأة وعمتها أو خالتها في نفس الوقت، وهو حكم لم يُذكر في القرآن ولكنه ورد في السنة النبوية.
وأكد أن هذا التوازن بين القرآن والسنة يعكس حكمة الشريعة الإسلامية، حيث تساهم السنة في توضيح وتفصيل معاني القرآن، بل وتأتي أحيانًا بأحكام جديدة، مما يجعلها مصدرًا أساسيًا لفهم الشريعة وتطبيقها بشكل صحيح.
كما تناول الجندي الفرق بين التسبيح والتقديس، موضحًا أن كلمة "سبح" تأتي من الجذر "سَبَحَ"، وتعني الابتعاد عن شيء. وبالتالي، فإن تسبيح الله يعني الابتعاد عن كل صفات النقص، حيث لا يمكن أن يكون لله أي نقص في صفاته.
وأشار إلى أن تسبيح الله يتضمن نفي أي شيء غير لائق عنه، مثل نفي الولادة أو النوم أو النسيان، وهذه هي الفكرة الأساسية في التسبيح؛ نفي الصفات السلبية عن الله. بينما يُعتبر إثبات صفات الكمال لله تقديسًا.
وأضاف أن كلمة "سبحان" في اللغة تعني التنزيه المطلق، مما يعني أنه لا يمكن لأحد أن يشارك الله في قدرته أو صفاته. وعندما نقول "سبحان الله"، فإننا نؤكد على أن الله تعالى بعيد عن كل نقص أو عيب، وأنه لا شريك له في قدرته أو صفاته الكاملة.
كما أشار إلى أن الملائكة في القرآن تقول: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك"، موضحًا أن "التسبيح" هنا يعني نفي الصفات السلبية عن الله، بينما "التقديس" هو إثبات صفاته الكاملة.