بوابة الوفد:
2024-11-27@01:21:39 GMT

ليلة رمضانية فى حضرة جامع عمرو بن العاص

تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT

تدلك معالم الطريق الوعر بين حوارى حى زينهم وعُطُف منطقة أرض يعقوب إلى حيث يقبع أقدم مسجد بُنى فى مصر، تشق السيارات دربًا حلزونيًا لتبلغ مقصدها، بين صخب سوق عين الصيرة، المكتظ بالمارة تحت أشعة الغسق، فى حركة دوؤب يشهدها الحى فى مثل هذه الأيام المباركة، تصفعك رائحة الذبائح النفاذة المتدلية من الشوادر على كل جانب، مارًا بالمدبح القديم، قبل أن يودعك مشهد الجلود المدبوغة، وأكوام القمامة المتراصة؛ مرتعًا للحيوانات، لتجتاز طريقًا كان يومًا مجرى لماء النيل، حيث يستقبلك حى الفسطاط العتيق، ويلوح جامع «عمرو بن العاص» بالأفق فى حُلته المُبتكرة حديثًا.

تدلف من سياج الجامع الحديدى، ويتلقفك «عمرو» من دهاليز مصر القديمة، فاتحًا بابه المزخرف بالأبلق أمام الوافدين، رحابة صحنه الفسيح، على امتداد البصر، تأسر القلوب، تلفه أيونات شاهقة من كل جانب، تحدها أعمدة رخامية تقف شامخة كجنود حارسة، يتوسط الصحن عقد ضخمة ترتكز على أعمدة تكللها تيجان عتيقة من زمن بائد، تعود إلى قرون قبل بناء الجامع، يقع أسفلها سبيل يجود بالماء الوفير، موضعًا للشرب وإسباغ الوضوء.

يفرش السجاد التركى والمحلى أرضية الجامع، والمشربة بدفء العصارى الآخاذ، الذى يسرى بين الأجساد الممددة والمتكئة عن جنب، طمعًا فى قسط من الراحة يعيد إليهم نشاطهم المفقود مع ذيول النهار الراحلة، فيما يجوب القائمون عليه الأروقة مشمرين عن سواعدهم، يصحبهم طالبو الأجر من الزوار، يوزعون الهبات من طعام وماء من دون فتور، تكلل جباههم زخات من العرق، لا يتوانون عن بذل المزيد، فى سبيل إدراك جزاء أول ما يقع بجوف الصائمين.

يتحلق آخرون فى دوائر للذكر، تتماوج مع آهات التواشيح فى وجد، تعاند رطوبة الجو اللافحة التى تسربت إلى الأعمدة وأسرت إلى القناديل المتدلية بلمعان ساحر، بينما تنعكس الشمس الآفلة على صفحة أرضية الجامع الرقراقة، فينجلى آخر ما يثقل النفس من هم، وتحال الغُمّ إلى حدائق غناء.

يتصاعد حفيف الخيام إلى عباب السماء، تقوم كمنصات للخير مترامية الأطراف، تنطلق منها مواكب الإحسان بكل ما تشتهى الأعين وتطيب الأنفس من ألوان الطعام الوافر، يخرج منها الصائمون محملين بجزيل العطايا من الزاد يرافقهم الصبيان، يحكمون قبضتهم الصغيرة على زجاجات الماء، كأنما يقبضون على غنيمة من ذهب، أو فضة لإحدى غزوات القائد المغوار «عمرو». 

«عمرو»، الاسم الأثير لأهل المنطقة، تطرب الآذان لسماعه، ويكاد يجمع السكان إطلاقه على صبيانهم، تبركًا بالانتساب لأبى عبدالله، متخذون الجامع إرثًا للنفحات العطرة، التى بثتها أوردة وابتهالات السابقين بين أروقته، ومما حملته نواصى خيول الصحابة والتابعين من خيرات مع الفتح.

الدفء يلف المكان، وتستدعى الألفة بين الزوار الطيور المغردة واللقالق التى تقف منتصبة القامة تمسح الساحة بعيونها اللامعة من أعلى مأذنة الجامع المخروطية، كأنها تتفقد سلامة الوافدين المصلين، تسعى كذلك لنيل حصتها من فتات الطعام بعد رفع آذان المغرب، وقبل أن يبادر القائمون على تنظيف المكان استعدادًا لاستقبال أمواج من الوفود الغامرة لأداء صلاة العشاء والقيام.

ومن خلف حجاب تتوارى النساء بأريحية فى مصلاهن، لا تحدهن سوى السماء، آمنات فى حضرة «عمرو»، يتلون آيات الذكر الحكيم، يصلهن المدد عبر ساتر يرتفع بين الجناح الشرقى المخصص للرجال، والغربى المعد للنساء، فلا تمتد إليهن الأعين، فيما يصل سرب من الوافدات الجدد للجامع يحملن أوانى ضخمة تمتلئ إلى فاهها بالهبات، تطهيرًا للأنفس ووقاية من الشح، يتبارى الوفود على توزيع أطباق اللحوم والأرز على المتعففات ممن يجدن حرجًا فى السؤال، سعيًا لنيل نصيبهن من الأجر فى هذه الليلة المباركة.

وفى ركن آخر تصيح إحدى القائمات على الجامع بنبرة يعلوها الوعيد لإعادة الانضباط للمكان، وتنظيم جموع النساء اللواتى تكالبن للحصول على نصيبهن من الطعام، قبل أن تنطوى الشمس عن صفحة السماء، ملوحة بتهديدها «النظام وإلا لن تحصلن على إفطار مسجد «عمرو» حتى يرفع الأذان»، تقع المهابة فى النفوس مع وقع الاسم «ابن العاص»، جلال يمتزج بالصبا، وتطيب ذكراه بعزة أودعها الأولون تلك الأرض الطيبة، فلا يلبث إلا وينجلى المشهد عن صفوف تتقدم فى ثبات.

فى الناحية الشرقية، تطوف الأقدام هنا وهناك فى خطوات وئيدة، حاملة أبدان أنهكها الجوع ويعزّها الوصل، تبسط الأيادى بما تجود به من التمور الرطبة والفاكهة الناضجة، يؤثرون نيل الثواب على الركون للراحة، تحوم قوافل الخير بين أروقة الجامع يرافقها الأطفال ليشاركوا فى موكب الأجر، تحمل أياديهم الصغيرة أضعاف ما تتسع من الطعام وزجاجات من ألوان العصائر.

بينما تنتظم النساء متشحات بالألوان كقوارير تتلألأ تحت الشمس الراحلة فى صفوف أحكمت بنيانها، يتأهبن لتحية «عمرو» بركعتين قبيل الغروب، فيما تتراءى زمرة من ركن قصى تتجلى هويتهن الخليجية من خلف عباءاتهن السوداء، التى لا يعكر سمرتها لون، بينما تقبع طائفة من نساء الريف فى دائرة يدنين أحبارهن السمراء إلى الأرض، وتتناثر سيدات الريف فى شلال هنا وهناك يتخذن من أعمدة المسجد مسندًا، كخلايا نحل دؤوب لا تخلو جلساتهن من الطنين، تتمسك العجائز منهن بالملس حفظًا لتراثهن، بينما تفضل المحدثات الأردية الرائجة، فى لوحة فنية بديعة من نسيج شتى يشع بهجة بين الناظرين.

لحظات من الصمت المهيب تسبق وقع دوى مدفع الإفطار، تسرى معه الحيوية بين أوردة الصائمين، بعد أن رطبت الأوراد والتلاوات حناجرهم الجافة، التى تطرق باب الكريم بفيض من الدعاء قبل أن يُروى ظمأ الأفواه، يرفع الشيح الآذان فيتصاعد صوته نديًا، تتأرجح على وقعه الشجى القلوب بأقفاصها، ينسحب الطنين حتى تبتلعه الحناجر، سوى من صوت الأفواه التى تلوك التمور تعجيلًا للصلاة، لحظات يتعالى فيها دوى صلصلة الأوانى والملاعق المتسابقة لمد الأفواه الجائعة بمدد لا ينقطع إلا مع إعلان إقامة الصلاة، حيث يسارع الضيوف لحجز أماكنهم بالصفوف الأولى لنيل نفحة ملائكية، فلا تلبث إلا وتطأطئ الرؤوس وتطلع الوجوه إلى الأرض فى خشوع، فيتسرب فيض من الطمأنينة بين عوج ثنايا الروح، فلا يكاد يغشاها حتى يطيب أثرها، وتستقيم.

وقبيل رفع آذان العشاء تهوى المزيد من القلوب إلى الجامع، رجالًا ونساءً، أسهدتهم المطالب وطول التمنى، مُد الحصر الأخضر متجاوزًا جدران المسجد إلى رحابة شارع «أهل الراية»، حيث تصطف آلاف من أفواج المصلين كتفًا بكتف كالبنيان المرصوص، إحياءً لليلة السابع والعشرين، فى صمت مهيب لا يقطعه سوى هدير الأميين، تدب الحياة فى الأحجار العتيقة فترجع صدى الدعاء، الذى يتردد فى هيام كدوامات متصلة، فتنتكس الجذوع فى الركوع لأن تستقيم القلوب، ترتفع كفوف الحامدين راجية الفضل، قبل أن تُقبل الجباه الأرض، ويبث الساجدون أمانيهم، ودائع يصطحبها هواء «القيام» العليل إلى السماء فما يلبث إلا وينقشع الغمام وتتكشف السبل، فيهدأ الصخب المعتمر بالصدور وينفض الموكب، كلًا محملًا بغنائم المنح الربانية.

تطل صفحة السماء كبساط من التل الأسود المرصع بقطع من الألماس المتناثر، وتصطبغ ساحة الجامع بصفار الإضاءة الليلية، التى تنعكس على وجوه المعتكفين، فتشع نورًا، يعم الهدوء الأروقة فى الثلث الأخير من الليل، لا يخالطه سوى همسات الداعين وأنين الابتهالات، ينطوى تدريجًا مع عودة طوفان الحياة من جديد فى ساعة السحور، حيث تتسلل جلبة الأوانى والأكواب معلنة وصول آخر لقيمات تقيم الأصلاب وتروى الظمأ، قبل أن ينقشع الظلام ليزف ميلاد فجر يوم جديد من مجابهة الأنفس، مانحًا الروح فرصة جديدة لترويض شهواتها لتألف وتركن إلى الزهد وتصبو لبارئها مطهرة من قيد ما تعلق بها من حب الدنيا.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ليلة رمضانية عمرو بن العاص قبل أن

إقرأ أيضاً:

«قاعدة عائلية في حضرة حبيب القلب الكينج».. أنغام تشارك صورة من زيارتها لـ محمد منير

شاركت الفنانة أنغام متابعيها عبر حسابها بموقع تبادل الصور والفيديوهات «إنستجرام» صورة من زيارتها لـ منزل الفنان محمد منير برفقه نجليها عمر وعبد الرحمن، وذلك للاطمئنان على حالته الصحية.

وعلقت أنغام على الصورة قائلة: ««قاعدة عائلية ماتتعوضش وليلة لا تُنسى في حضرة حبيب القلب الكينج محمد منير.. ربنا يحفظك ويبارك لنا فيك يا غالي».

View this post on Instagram

A post shared by Angham (@anghamofficial)

ومن جانبه علق الفنان محمد منير على زيارة أنغام لمنزله، وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «سعدت بزيارة الفنانة الرقيقة الحبيبة أنغام، وبصحبتها نجليها عمر وعبد الرحمن. شكرًا من قلبي يا أنغام».

لتتفاعل أنغام مع المنشور من خلال التعليقات قائلة: «أنا وأولادي عشاقك يا حبيبي وأنت يا منير غالي على قلوبنا وقلوب كل المصريين، ربنا يبارك لنا فيك ويبارك في عمرك ويخليك لي».

آخر تطورات الحالة الصحية لـ محمد منير

وفي وقت سابق كشف الدكتور أحمد أبو المجد، سكرتير عام نقابة المهن الموسيقية، حقيقة ما يتم تداوله من تدهور الحالة الصحية للنجم الكبير محمد منير وإعادة نقله للمستشفى، واصفًا الأخبار المتداولة عن تدهور الحالة الصحية للكينج محمد منير بأنها "فبركة".

وأضاف «أبو المجد»، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية كريمة عوض، ببرنامج «حديث القاهرة»، المذاع عبر قناة «القاهرة والناس»، أنه بعد انتشار الأخبار بشأن نقل الكينج للمستشفى توجه نقيب الموسيقيين الفنان مصطفى كامل ووكيل النقابة للاطمئنان على حالته الصحية، موضحًا أنه تم اكتشاف أنه لم يدخل العناية المركزية أو أنه يعاني من أي أزمة أو وعكة صحية، والأمر لا يتخطى إجراء الفحوصات الطبية للاطمئنان على حالته الصحية.

وأشار إلى أن الفنان محمد منير حاليًا في منزله بعد إجراء الفحوصات الطبية بالمستشفى، مضيفًا: "الكينج تواجد في المستشفى لمدة 48 ساعة للفحص الطبي الشامل ولم يكن يعاني من أي أزمات صحية كما تداولت المواقع والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي"، مؤكدا أن ما حدث هو متابعة دورية وهو بخير الآن.

مقالات مشابهة

  • «قاعدة عائلية في حضرة حبيب القلب الكينج».. أنغام تشارك صورة من زيارتها لـ محمد منير
  • قوة امنية تقتحم جامع أم الطبول
  • أوامر باعتقال المخالف للقرار.. قوة امنية تداهم جامع ام الطبول في بغداد لإخلائه
  • أوامر باعتقال المخالف للقرار.. قوة امنية تداهم جامع الطبول في بغداد لإخلائه
  • قوة أمنية تداهم جامع الطبول في بغداد وتنفذ واجب إخلائه
  • الجامع الأزهر يستضيف الملتقى الأول للتفسير ووجوه الإعجاز
  • نزول المطر: لحظة استجابة وفرصة للتقرب من الله
  • مكتب المبعوث الأممي يلتقي بمؤتمر مأرب الجامع ويؤكد حرص الأمم المتحدة الاستماع إلى الأطراف الفاعلة
  • ليلة محمد رحيم.. عمرو مصطفى يعلن عن مفاجأة برعاية تركي آل الشيخ (تفاصيل)
  • تكريمًا لروح محمد رحيم.. عمرو مصطفى يعلن عن إقامة ليلة موسيقية بالتعاون مع تركي آل الشيخ