لجريدة عمان:
2024-09-11@05:02:34 GMT

العالم وأزمة القيم والمبادئ

تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT

العالم وأزمة القيم والمبادئ

يعاني العالم اليوم من أزمات كثيرة بعضها بنيوي يهدد العالم في وجوده أو على الأقل في مساره الآمن نحو المستقبل.. ورغم التقدم الهائل الذي يشهده عالم اليوم فإن أخطر أزماته ليست تكنولوجية كما قد يتصور البعض إلا أن أخطر أزمة حقيقية يعيشها العالم اليوم ألا وهي أزمة القيم والمبادئ. وما يجعل أزمة القيم والمبادئ أحد أخطر الأزمات هو أنها مرتبطة بجميع مسارات الحياة لذلك فإن تأثيرها قوي وأساسي على كل الأزمات الأخرى سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

لقد كرّست الأزمة الأخلاقية والقيمية في العالم وجود بيئات تزدهر فيها المعلومات المضللة، كما همّشت بشكل كبير حقوق الإنسان، وسهّلت أمر التشكيك في معايير وأخلاقيات المؤسسات العلمية والطبية. وإذا كانت الثورة التقنية والتكنولوجية التي يشهدها العالم بسبب تطبيقات الذكاء الاصطناعي يفترض أن تشعر العالم بالفخر على هذه الإنجازات نجدها تبث الخوف والتحذيرات والأمر عائد في مجمله إلى الجانب القيمي والأخلاقي الذي قد يتسبب غيابه إلى فناء البشرية نتيجة التطور الهائل للذكاء الاصطناعي.

وتعزى أزمة القيم والمبادئ في مختلف المجتمعات في العالم إلى أسباب كثيرة في مقدمتها تدهور دور الأسرة والنظم التربوية وحدوث تغيرات جوهرية في الكثير من المفاهيم الاجتماعية، إضافة إلى التأثيرات الناتجة عن ثقافة العولمة التي كرست في المجتمعات رغم اختلاف الكثير من المقاييس والمفاهيم، إضافة إلى زراعة ثقافة الاستهلاك في مختلف المجتمعات في العالم.

ورغم أهمية هذه الأسباب إلا أن أحد أسباب أزمة المبادئ في العالم تعود إلى تراجع أو غياب دور النخب المثقفة في العالم، وبشكل خاص العالم العربي. كانت النخب الثقافية تقوم بدور تنويري كبير، وتقوم بصياغة القيم والمبادئ داخل المجتمعات، وكانت مسؤولة عبر التاريخ في توجيه الرأي العام نحو المثل العليا، لكن الكثير من هذه النخب تخلت عن دورها لأسباب كثيرة من بينها التغيرات الثقافية والاجتماعية في المجتمعات وكذلك الضغوطات الاقتصادية والسياسية، ونتج عن هذا التخلي أو تآكل الدور الذي كان للنخب، ضعف في مختلف مفاصل المجتمعات.

إن العالم الذي نعيش فيه في أمس الحاجة إلى بناء فهم أعمق للثقافة والتاريخ والأخلاق حتى نستطيع تجاوز الكثير من التحديات والمنزلقات التي ينزلق العالم نحوها كل يوم.

وعلى النخب الثقافية تحمل مسؤولياتها في مواجهة التحديات المعاصرة، مثل العولمة والتكنولوجيا الجديدة، بروح من النقد البناء والابتكار، مع الحفاظ على الهوية الثقافية والقيم المجتمعية.. وهذا يتطلب مواجهة موجات التضليل والأخبار الزائفة وتعزيز ثقافة النقاش العقلاني والموضوعي.. وهذا بالضرورة يعني أن لا تكون النخب الثقافية متورطة بنفسها في هذه الموجات الزائفة.

ويمكن للنخب الثقافية أن تقوم بدور فعّال في التوسط بين الثقافات المختلفة والمساهمة في بناء جسور الحوار والتفاهم المتبادل تعزيزا لقيم التعايش والسلام.

ومع أن دور النخب الثقافية مهم وأساسي في طريق تجاوز الأزمة الأخلاقية والقيمية التي يعيشها العالم إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن العالم في حاجة ماسة، أيضا، للقيادة الأخلاقية سواء في الدول أو حتى في المنظمات الدولية بهدف نشر القيم المشتركة بدلا من التركيز فقط على قيمة المساهمين.

لقد تآكلت عبر العقود الماضية الكثير من القيم التي كان النظام العالمي يتكئ عليها أو أنه حصل على مشروعيته منها مثل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والسياسة الواقعية المتمثلة في التعامل مع الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية.

وسقطت الكثير من هذه القيم والمبادئ حتى إن النظام الغربي القائم على فكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان أصبح ليس فقط في موضع النقد وإنما في موضع الرفض، وقد تحرض الكثير من الأزمات والحروب التي يشهدها العالم بما في ذلك الحرب على غزة والحرب الروسية الأوكرانية والحرب الأهلية في السودان وانتشار الفكر الشعبوي في العالم الغربي على حركة عالمية كبرى لإسقاط النظام العالمي القائم الآن؛ لأنه يثبت كل يوم فشله الذريع.. وهذا كله بسبب أزمة الأخلاق والقيم في العالم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی العالم الکثیر من

إقرأ أيضاً:

أعطال العقل السياسي السوداني

mugheira88@gmail.com

مهما حاولنا ان ننحاز الي مكاسب التجربة السياسية في السودان , وأن نصفها بالتجربة الريادية , باعتبارها الدولة الأولي الأفريقية جنوب الصحراء التي نالت استقلالها , وتبنت من بعد نظاما سياسيا قائما علي التعددية الحزبية و الانتخابات , فإنها في الحقيقة لا تخلو من أعطال بنيوية واضحة , والأعطال هنا تتصل بآلية النظام السياسي و الاجتماعي و الذي تشرف عليه النخب المتعلمة أو التي اكتسبت حظها من الوجاهة الاجتماعية التي كرسها المستعمر لأغراض تخص إدارة شأن الدولة أبان فترة الحكم البريطاني الكونونيالي (( Colonialism)) .
لقد نشأ العقل السياسي السوداني وتشكلت و تحددت ملامحه وبرزت تجلياته , أينما توزع علي الجغرافيا السودانية , من البني الثقافية و الاجتماعية والنفسية و ظل يتغذى منها و يتزود بمعطياتها حتي تجلت السمات التي تحدد فهم السلطة السياسية و مقاصدها و غاياتها والتي تقوم في الغالب علي الاستحواذ و التملك والارتياب و الطرد . و ظل النسق الاجتماعي الحاكم وفي كل العصور يمثل نسقاً حزبيا أو شموليا ذو طبيعة أيدولوجية قبلية وايدلوجية جهوية . و رغما عن اختلاف طبيعة الهيمنة ,فانهما يقومان علي بنية الاخضاع وتعبران عن اديلوجيتي حكم ترجع الي تواريخ ما قبل الدولة الحديثة والي علاقات من طبيعة اقطاعية مدعمة بالمال و السلاح و السلطة الرمزية , حتي و ان تحالفت مع طبقة الانتجلنسيا .
و من نافلة القول , فإن النخب التي ظلت تحكم البلاد , ومنذ الاستقلال , حتي في ظل الفترات الديمقراطية , هي وحدها من يملك اصدار القرار و تنفيذه , وليس الشعب , اذ لا وجود لإرادة شعبية متحررة تملك قراراها بنفسها , أو ارادت تنظيمية حزبية فاعلة تستطيع أن تغير موازين الحكم لمصلحة ماهو شعبي جماهيري ينأي و ينفك عن تأثير قادته الرمزيين . وإن جل ما يثار في سوح البرلمانات و ميادين السياسة و الاعلام المختلفة , لا يعدو أن يكون مجرد مقولات أدبية شاعرية دعائية يطلقها قادة الأحزاب بغية توجيه العقل الجمعي للتعبية الشعبية , متبعة أساليب التصعيد الهيجاني العرقي الطائفي الحزبي و القبلي و الديني . و هو تصعيد لا يعتبر بالمعرفي التنويري , ولا بالرؤية السياسية المستقبلية الراشدة , وهذا هو السياق السائد رغما عن وجود طبقة من المثقفين المستقلين و رغما عن وجود نتاجات ثقافية مستقلة عن النسق الرسمي العام .
إن مقولات التعددية السياسية والثقافية في البلاد ليست سوي مظهر كاريكاتوري لا يلامس الجوهر الثوري و لا الأساس النظري الذي تقوم عليه التجربة السياسية , وهذا يتطلب , وبصورة ملحة التعديل و العمل علي ترسيخ القيم علي نهج صحيح- و يتطلب من جهة أخري , ظهور نخب سياسية جديدة تحل محل النخب التقليدية , وتعمل علي وضع تصورات حزبية بديلة تتخلي عن المواريث الانشقاقية الماضية والأيدولوجيات الاحادية المتزمتة , تعبر عن ارادة الشعب و تعيد تعريف علاقات الهامش بالمركز و تفعيل المشاركة الشعبية الواسعة وتصحيح تصورات هذا العقل السياسي الشائه.
لقد أضحت القيم التاريخية الحديثة كالتنمية والحرية وسائر حقوق الانسان والديمقراطية و المساواة والتعاون الاجتماعي , موضوعا من مواضيع المقدس , وهذا لن يتحقق الا بتوسيع المواعين السياسية و تعزيزالمشاركة المجتمعية . و لكن , وبازاء ذلك , فان الارادة الشعبية ما تزال مغيبة , وإن من يعمل علي تمثيلها حاليا هم قادة الأحزاب التقليديون و جنرالات الجيش و ثلة المثقفين مجهضي الأجنحة . و من اجل تجاوز ذلك , لا بد من حضور نخب سياسية جديدة , تحمل رؤي و أفكار تستنهض معها منطقا جديدا , و بعقل سياسي سوداني مختلف, يمتلك القدرة على إنتاج فكر سياسي جديد يعيد الأمور إلى نصابها ويعيد تحديد الأولويات السياسية والاقتصادية الفكرية والتربوية تمكنهم من اللحاق بركب الحضارة الإنسانية والتفاعل معها ويحررهم من عقلية القبيلة و التسلط و الغاء الآخر , وتقود لتأسيس مشروع نهضوي سوداني ناظم , متكامل .

   

مقالات مشابهة

  • الاحتفال بالمولد النبوي: تجسيد القيم الإسلامية وتكامل التقاليد الثقافية
  • الخيانة التي سيجني العالم عواقبها
  • بينها منتخبنا الوطني اليمني ...فيفا يُعلن المنتخبات التي فشلت في التأهل لكأس العالم 2026
  • حل أزمة الضريبة 27% على النقد الأجنبي التي اختلقها المحافظ السابق
  • ما هي الدول التي فازت بكأس العالم للسيدات؟
  • أطول برج خشبي في العالم..من المدينة التي ستحتضنه؟
  • مؤسسة شمبات الثقافية الاجتماعية: نواجه أزمة صحية خطيرة
  • الكشف عن أهم الشخصيات في العالم التي من الممكن أن تصل إلى لقب ”تريليونير”.. تعرف عليها
  • أربعة عقود على ظهور أفكار جون قرنق و منتهاها في حرب الكل ضد الكل
  • أعطال العقل السياسي السوداني