من أبشع ما يواجه أى إنجاز حضارى ونجاح اقتصادى هو تقييم القشور اللامعة، دون تفنيد النتائج الحقيقية بعمق وحياد، ولعلى فندت فى مقال الأسبوع الماضى هذا العوار الذى شاب النهضة الصناعية التى حاول الضابط الألبانى محمد على تحقيقها فى مصر ما بين عامى 1805: 1848، وكان السلطان العثمانى قد أرسله على رأس جيش لمصر تحت زعم مساعدة المصريين فى طرد قوات نابليون بونابرت، فإذا به يستوطن مصر ويستولى على السلطة.
تعامل محمد على مع مصر كأنها «عزبة» خاصة به، وهو خطأ بشع يقع فيه أى والٍ أو حاكم فى العالم، فهذا التصور جعله يتصرف فى شئون مصر بصورة منفردة تعود على شخصه بالعظمة والشهرة أمام العالم، دونما النظر إلى مصلحة مصر نفسها أو الشعب الذى أصبح يئن تحت وطأة الفقر والحاجة، رغم المشروعات الضخمة التى نفذها بأموال الدولة حتى أفرغ خزانتها، فقد كانت تلك المشروعات احتكارية وغير ربحية للخزانة ولا للشعب، لأن كل هدفه هو أن يلتصق اسمه فقط بتلك المشروعات الضخمة، وبهذا لم ينجح فى توطين الصناعات فى مصر، فلم تلعب الصناعة المصرية الخالصة دورًا فعالًا فى تحقيق التنمية بتوافر المنتج الوطنى ودفع عجلة الاقتصاد بما يسد باب الاستيراد، ويزيد من معدلات الصادرات ويفتح مجالات العمل للقضاء على الفقر والبطالة، واستقطاب المستثمر الأجنبى بما يحقق أرباحًا للناتج القومى.
لهذا عندما تولى بعده الخديو إسماعيل ولاية مصر، وجد خزانة الدولة فارغة، والمشروعات الصناعية البراقة لا تعود بربحية على الخزانة ولا الشعب، فسلك طريق الاستدانة، وجر مصر إلى الديون الخارجية.
وأسرف بدوره فى إقامة مشروعات ضخمة تتسم بمظاهر العظمة، وأقام لها الاحتفالات ببذخ وسفه ليشهد العالم على قشور إنجازاته، وأغرق مصر فى القروض، مما أدّى إلى تدخّل الأجانب فى الشأن المصرى اقتصادياً وسياسياً، فيما ازداد الشعب فقرًا.
فى الواقع تجربة محمد على ومن بعده إسماعيل، يختلف فى تقييمها المؤرخون، لكن خبراء الاقتصاد المحايدون يعتبرونها فاشلة بالمعايير الربحية ومعايير التنمية المستدامة، ومعايير توطين الصناعة عن حق فى مصر، ولو قارنا مشروع محمد على، بمشروعات تبنتها دول أخرى فى العالم فى أزمنة لاحقة، على غرار الصين مثلا، اليابان، سنغافورة، وكلها دول آسيوية كانت تعانى أوضاعاً اقتصادية قاسية قبل أن تنفذ خطط الانطلاق الاقتصادى فى الخمسينات، حيث اعتمدت أولاً على المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة، لمعالجة مشاكل الفقر والبطالة.
وكانت هذه المشروعات حجر الزاوية فى بناء ودعم المشروعات الكبرى التى لا أقول سارت على التوازى، ولكن جاءت فى فترة لاحقة وبصورة سريعة من إرساء الأساس للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقدمت البنوك الوطنية فى تلك الدول قروضًا ومساعدات مالية للمشروعات الصغيرة بفائدة بسيطة تشجيعًا لأصحاب هذه المشروعات، كما نشطت بيوت المال والخبرة فى دعم أصحاب المشروعات بالخبرات اللازمة وتقديم التدريب لإنجاح المشروعات حتى تحقق الربحية وتعود بالخير على أصحابها، وتبنت الحكومات فى نفس الوقت إنشاء مراكز وطنية لتنشيط التجارة والصادرات لمنتجات تلك المشروعات، بجانب عمل دراسات للأسواق العالمية لتوجيه أصحاب المشروعات لهذه الأسواق، أى أعطت المواطن «سنارة» وعلمته الصيد، وفتحت أمامه الأسواق لترويج منتجه، ولم تلقى به فى بحر القروض وتركته يسبح وحده ضد ألف تيار حتى يغرق أو يكل فيتوقف ويفشل.
وفى ظل تنفيذ تلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة بتلك الدول، كان هناك الإعفاءات الضريبية وتيسير الإجراءات، والرقابة الإدارية الصارمة العقوبات لمواجهة أى فساد إدارى يحول دون نجاح تلك المشروعات، إجمالا للقول، نجحت تلك الدول لتصبح من عمالقة الدول الصناعية ذات التنمية الاقتصادية المستدامة انطلاقا من مشروعات صغيرة، ثم مشروعات كبرى، وليس العكس، وتم التركيز على تنمية البشر قبل الحجر، فانعكس ذلك بالإيجاب على الشعب وخزانة الدولة، هنا يمكننا القول انهم حققوا نهضة صناعية واقتصادية حقيقية وليس مجرد قشور لمشروعات عملاقة لمجرد أن ترتبط باسم الحاكم دون جدوى ملموسة فيما الشعب مطحون بالفقر والبطالة واللا أمل فى المستقبل.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فكرية أحمد النهضة الصناعية مصلحة مصر تلک المشروعات محمد على
إقرأ أيضاً:
مركز النيل للإعلام بالسويس ينظم دورة تدريبية حول ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عقد مركز النيل للإعلام بالسويس ، دورة تدريبية حول ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ، اليوم الأحد ، بكلية التجارة بجامعة السويس ، فى إطار المبادرة الرئاسية " بداية " لبناء الانسان .
يأتي ذلك فى إطار دعم الهيئة العامة للاستعلامات للمبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الإنسان، من خلال عقد لقاءات جماهيرية تستمر حتى نهاية نوفمبر ٢٠٢٤، تنفذها قطاع الإعلام الداخلى عبر مراكزه المنتشرة بكافة أنحاء الجمهورية لتوعية المواطنين والتى تنفذ تحت إشراف الدكتور أحمد يحيى رئيس القطاع .
حاضر فيها دكتور نجوى ابراهيم مدير الخدمات الغير مالية بجهاز تنمية المشروعات ودكتور عبير الهادى مدير الاقراض المباشر بجهاز تنمية المشروعات بالسويس ودكتور محمد الخشاب باحث دكتوراة فى إدارة الأعمال ومحاضر ومدرب دولى معتمد فى إدارة الأعمال وتنسيق وحضور دكتور هبة السيد البدوى وكيل كلية التجارة لشئون البيئة وخدمة المجتمع .
وافتتحت الدورة الدكتورة هبه السيد ورحبت بالضيوف وتحدثت أيضا عن أهمية ريادة الأعمال فى ظل الجمهورية الجديدة لبناء الإنسان المصرى.
ثم تحدثت ماجدة عشماوي عن المبادرة الرئاسية وعن أهتمام الهيئة العامة للاستعلامات بالمبادرات الرئاسية وترسيخ ثقافة العمل الحر وريادة الأعمال بين الشباب .
وتحدثت الدكتورة عبير عن دعم جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في ريادة الأعمال بأنها أسلوب منظم يجمع بين الدراسة النظرية والتطبيق العملى لإقامة المشروعات وإنجاحها. ويوفر هذا الأسلوب بيئة تنظيمية يستطيع من خلالها رائد الأعمال المرتقب أن ينمى مداركه ومعارفه ويطور مهاراته وقدراته الشخصية والمهنية حتى يستطيع أن يطرح ليس فقط فكرة مشروع متميز ذات جدوى وقابلة للتنفيذ، بل يحولها إلى مشروع ناجح متبنياً أسلوبا ابتكاريا في التنفيذ.
وعرضت السمات الشخصية لرائد ورائدة الأعمال من حيث روح الابتكار واختلاق الفرص والبحث عن الموارد والمبادرة بتحمل المخاطرة، وتشمل التدريب والتمويل بأساليب مبتكرة والمساعدة في تسويق المنتج النهائي. وتحدثت الدكتورة نجوى ابراهيم عن مفهوم العمل الحر وأهميته وعناصره، وكيفية تقييم الذات فى مجالات العمل الحر والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، خاصة بين شباب الجامعات وحديثي التخرج.
وتشجيع الخوض فى المجالات المختلفة للعمل الحر والخدمات المتاحة لرواد الأعمال للدخول فى تلك المجالات، بالإضافة الى تحديد البرامج المطلوبة لرفع القدرات وتنمية المهارات بالتنسيق مع مختلف الجهات العاملة في هذا المجال.
وتحدث الدكتور محمد الخشاب عن ريادة الأعمال وكيفية إنشاء وتطوير مشروع جديد بهدف تحقيق الربح وتقديم قيمة مضافة للمجتمع. وتعتبر ريادة الأعمال من العوامل الأساسية في تعزيز الاقتصاد وخلق فرص العمل، وتتطلب ريادة الأعمال مجموعة من المهارات والخبرات.
وأشار الخشاب عن كيفية توليد الأفكار وتبدأ ريادة الأعمال بفكرة مبتكرة تلبي حاجة معينة في السوق أو تحل مشكلة معينة. يمكن توليد الأفكار من خلال الملاحظة والتعلم والإلهام.
واضاف الخشاب، كيفية إعداد خطة العمل من خلال تحدد كيفية تنفيذ الفكرة وتحقيق الأهداف المحددة. تشمل خطة العمل وملخص تنفيذى وتحليل السوق و الاستراتيجية التسويقية .
وتحدث الخشاب، على ان ريادة الأعمال هي رحلة مليئة بالتحديات والفرص، وتتطلب مرونة وإصرارًا لتحقيق النجاح. من خلال اتباع الخطوات الأساسية وتحقيق التوازن بين الابتكار والتخطيط الجيد، يمكن لرواد الأعمال تحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة تحقق القيمة والربح.
8b20b5e4-d855-4fa1-a7be-eb7cb62e00cf 9c757440-6030-4afb-98a9-7b7720dfe202 14d136fd-04fc-4ed1-a878-2be7fecf3014 29b6238c-a12f-4fd7-89ac-f1a9fc0c5425 9153529d-0bf8-4d3d-a5bc-7588a86cee06