لجريدة عمان:
2024-12-20@08:58:43 GMT

إسرائيل عبء استراتيجي على الولايات المتحدة

تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT

أعلن الرئيس الأمريكي أخيرًا أنه «لا رجوع بالشرق الأوسط إلى الوضع القائم الذي كان في السادس من أكتوبر». لكن الحقيقة هي أن بايدن يرفض التخلي عن الوضع القائم، وبخاصة في ما يتعلق بما يعرف بعلاقة واشنطن الخاصة بإسرائيل.

لقد كان الدعم الأمريكي الراسخ لإسرائيل ولم يزل عنصرًا دائمًا في سياسة الشرق الأوسط الأمريكية منذ إقامة دولة إسرائيل سنة 1948.

ولقد صاغ الرئيس جون كينيدي عبارة «العلاقة الخاصة» في عام 1962 موضِّحًا أن روابط واشنطن بالدولة «لا تقارن إلا بعلاقاتها مع بريطانيا في نطاق واسع من الشؤون العالمية». وبحلول عام 2013 قال نائب الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن: إنها «ليست محض التزام أخلاقي قديم، وإنما التزام استراتيجي».

ووفقًا لبايدن «لو لم يكن لإسرائيل من وجود لكان علينا أن نخترعها». في عام 2020، قال الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب مزيلا شيئا من الغموض «إننا غير مضطرين إلى الوجود في الشرق الأوسط، إلا لحماية إسرائيل».

وإن جوهر علاقة الأمريكية-الإسرائيلية يتمثل في كمٍ لا نظير له من المساعدات تغدقه واشنطن على حليفتها. فإسرائيل هي أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية، إذ تلقت أكثر من ثلاثمائة مليار دولار (بحساب التضخم) من الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

وتستمر واشنطن في إمداد إسرائيل بقرابة 3.8 مليار دولار سنويا فضلًا عن صفقات الأسلحة والمزايا الأمنية. ولإسرائيل وأنصارها نفوذ هائل في واشنطن ويحظون باهتمام من كلا جانبي الطيف السياسي من خلال مختلف أشكال التأثير المباشر وغير المباشر.

أما ما تحصل عليه الولايات المتحدة في مقابل هذه العلاقة أحادية الاتجاه فيبقى غير واضح.

يذهب أنصار هذا الدعم الثابت إلى أنه حيوي لتعزيز مصالح للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فقد أشار السيناتور ليندسي جراهام على سبيل المثال ذات مرة إلى إسرائيل باعتبارها «عيني الولايات المتحدة وأذنيها» في المنطقة. وفي حين أن تبادل المعلومات الاستخباراتية قد يكون له شيء من القيمة الاستراتيجية، فقد أوضحت أشهر حرب غزة الخمسة الماضية الآثار السلبية الغفيرة للعلاقة، وأهمها أن احتضان واشنطن الأكيد لإسرائيل قد قوّض وضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط وأضار بصورتها العالمية. وأبرزت الحرب بوضوح الإخفاقات الأساسية في سياسة الشرق الأوسط الأمريكية.

لقد حان الوقت لإعادة تقييم جوهرية لعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل.

***

لقد كانت حملة العقاب الجماعي التي شنتها إسرائيل في غزة تاريخية الحجم. فقد بلغ عدد القتلى في القطاع حتى الآن -بحسب تقديرات السلطات الصحية في غزة- قرابة اثنين وثلاثين ألفا، غالبيتهم الكاسحة من النساء والأطفال. وقد زعم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أخيرًا أن خمسة وعشرين ألف امرأة وطفلا فقط قد تعرضوا للقتل نتيجة لحرب غزة. وفي حين أعرب البعض، ومنهم بايدن نفسه، عن القلق من احتمال المغالاة في أرقام الضحايا الواردة من غزة، يذهب البعض إلى أن عدد القتلى على الأرجح أكبر؛ لأن العمليات العدائية المستمرة تحول دون إحصاء الباحثين لآلاف البشر مجهولي المصير والمكان.

وفي عموم القطاع، تعرضت البنية الأساسية لتدمير ممنهج، وينتشر الجوع والمرض انتشارًا سريعًا. ويبلغ الوضع في غزة من السوء أن الحكومة الأمريكية -فضلًا عن بلاد أخرى من قبيل فرنسا والأردن ومصر- تقوم الآن بنقل المساعدات جوًا إلى القطاع، وتنشر الولايات المتحدة ألفًا من قواتها لإقامة مرفأ قبالة ساحل القطاع لكسر الحصار الذي ترفض حليفتها المفترضة -وباستعمال أسلحة أمريكية- رفعه.

برغم هذا، تستمر إدارة بايدن في إمداد إسرائيل بأسلحة متقدمة -منها القنابل الذكية و«الغبية» وكذلك ذخيرة الدبابات المدفعية- وتقر أكثر من مائة صفقة أسلحة أجنبية لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر من عام 2023، وتفعّل قواعد الطوارئ في واقعتين مختلفتين للالتفاف على الكونجرس. واستعملت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة ثالث فيتو في مجلس الأمن الأممي منذ أن بدأ الصراع لتكون البلد الوحيد الذي يعوق قرارًا داعيًا إلى هدنة إنسانية فورية. وهذا فضلًا عن أربعة عشر مليار دولار أخرى من المساعدات العسكرية لإسرائيل أجازها مجلس الشيوخ في الفترة الأخيرة.

من الصعب أن نتصور سبيلًا تزداد به هذه الحرب سوءًا، لكن جميع المؤشرات تصب في ذلك الاتجاه، في ظل إصرار إسرائيل على أنها سوف تستمر في التقدم إلى مدينة رفح جنوب غزة، برغم الاعتراضات الأمريكية، حيث يعيش أكثر من مليون ونصف المليون من الفلسطينيين -أي ما يفوق نصف أهل غزة- بعد فرارهم.

لقد قالت إدارة بايدن: إنها تعارض غزو رفح «دونما خطة مضمونة قابلة للتنفيذ لضمان أمن المدنيين ودعمهم». في لقاء مع (إم إس إن بي سي)، تكلم بايدن عن «خط أحمر» ردا على سؤال حول تعاون عسكري محتمل في غزة قائلا: «إننا لا نستطيع أن نشهد مصرع ثلاثين ألف فلسطيني آخرين» لكنه عاد فأكد على الفور أن «الدفاع عن إسرائيل لا يزال حيويًا، وإذن فما من خط أحمر». ولا ينفي هذا التناقض نفوذ بايدن وحسب، ولكنه يربط واشنطن أيضا بأي سياسات تقرر حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة تبنّيها في نهاية المطاف.

وليس بمفاجئ أن نتنياهو يظل مصرًا في عناد على أنه لن يخضع لخط بايدن الأحمر الأثيري فيوقف خطته للغزو البري لرفح. إذ أكد نتنياهو أخيرا بوضوح أنه «أوضح دونما لبس» لبايدن أنه «عازم على إكمال القضاء على تلك الكتائب الموجودة في رفح، وأنه ما من سبيل إلى ذلك إلا بالذهاب برا».

لم توضح إسرائيل استراتيجيتها بعيدة المدى في غزة في ما يتجاوز التدمير الممنهج للقطاع وقتل سكانه. ويبدو أن نتنياهو -الذي تدنَّى دعمه إلى أحط مستوياته على الإطلاق ويواجه احتجاجات متزايدة داعية إلى انتخابات مبكرة- يعلم أنه ما أن ينتهي هذا حتى يكون بقاؤه في السلطة قد بلغ نهايته.

غير أن بايدن إما عاجز أو عازف عن ممارسة نفوذه على العلاقة الخاصة بإسرائيل أو التأثير على نتنياهو الذي تباهى من قبل بمقدرته على التلاعب بالولايات المتحدة.

ولقد بدأ البيت الأبيض استراتيجيًّا في تسريب أخبار عن «إحباط» بايدن المتزايد من نتنياهو، وتزداد الإدارة جهرًا بدعمها لإيقاف مؤقت للقتال. وقد وجَّه زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شامر خطاب إدانة غير مسبوق لنتنياهو في الرابع عشر من ديسمبر قال فيه: إنه «ضلَّ الطريق» ودعا أيضًا إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل.

غير أن الكلام الأجوف دونما تغيير في السياسة لا يحقق شيئًا.

***

إن الأفعال الرمزية -من قبيل الأمر التنفيذي الأمريكي أخيرًا بمعاقبة موقعين استيطانيين إسرائيليين في الضفة الغربية أو قرار بايدن بترسيخ الموقف القائل بأن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي «يتعارض مع القانون الدولي»- لن توقف المذبحة الجارية في غزة، ولن تبرئ واشنطن من تواطؤها ولن تسهم في استقرار مستقبلي.

فالأرجح أن إسرائيل -على سبيل الرد المباشر على هذه الأفعال- قد سمحت بإقامة ثلاثة آلاف وأربعمائة منزل جديد في مستوطنات الضفة الغربية في غمار مستويات تاريخية من العنف ضد الفلسطينيين، ولم تفعل الولايات المتحدة شيئًا يذكر لعقاب أو إيقاف تلك الخطوة.

وكشف نتنياهو للتو عن خطة لما بعد الحرب لا تكاد تحتوي أكثر من خطة لإطالة الاحتلال العسكري لغزة والضفة الغربية بما يضمن الاضطراب في المستقبل. لقد تباهى نتنياهو منذ السابع من أكتوبر بأنه «فخور» بمنعه نشوء دولة فلسطينية، متعهدا بأنه الوحيد القادر على مواصلة ذلك المنع.

وعلى النقيض من خطة نتنياهو، فإن مخطط إدارة بايدن لليوم التالي يتضمن رؤية لـ«طريق» نحو دولة فلسطينية. غير أنه يجدر الذكر بأنه ما من خطط ملموسة، ناهيكم عن نية، للتنفيذ من جانب الولايات المتحدة أو من جانب إسرائيل.

يجب أن تبين لنا حرب غزة أن محاولة التغاضي عن مستقبل الشعب الفلسطيني استراتيجية حمقاء. لكنها بالنسبة لنتنياهو -وبايدن بالتبعية- قد أدت بصورة شاذة إلى تعميق الالتزام بالوضع الراهن.

ولدعم واشنطن الراسخ لإسرائيل في حرب غزة تداعيات إقليمية كارثية أيضًا. فمن شرق المتوسط إلى البحر الأحمر، ثمة سلسلة من نقاط التوتر المختلفة التي تهدد بجر المنطقة كلها -والولايات المتحدة- إلى حرب كاملة النطاق، فضلًا عن ذلك، فإن دعم واشنطن المستمر لحملة إسرائيل الوحشية في غزة - قد لوث صورة واشنطن بوصفها راية للقيم الليبرالية وأحاط بالسخرية دعاوى «النظام العالمي الليبرالي» ذي القيادة الليبرالية.

إن من شأن حرب إقليمية أن تكون وبالا على الشرق الأوسط وعلى المصالح الأمريكية. فهي لن تكون حربا تتعلق ببقاء إسرائيل. فما من دولة -حتى إيران- بموشكة على إلقاء إسرائيل في البحر. فتفوق إسرائيل العسكري، وترسانتها النووية، وتحالفها الاستراتيجي مع غالبية حكومات المنطقة، تضمن أمنها في مواجهة التحديات الوجودية.

ويتيح موقف واشنطن لإسرائيل أن تتصرف آمنة ومحصنة بينما تحرف سياسة أمريكا الخارجية في الشرق الأوسط لتحقق أهدافا تتجاوز مصالح واشنطن. وتشمل مصالح الولايات المتحدة في المنطقة حماية أمن ورخاء الشعب الأمريكي ومنع نشوء قوة إقليمية مهيمنة مع الحفاظ على القيم التي تزعم أمريكا أنها تدافع عنها. والدعم غير المحسوب لإسرائيل لا يؤدي إلى تقدم أي من هذه الأمور.

لقد أعاقت علل العلاقة الخاصة مع إسرائيل قدرة واشنطن الاستراتيجية على التحرك في الشرق الأوسط وأعجزت قدرة القادة الأمريكيين على التفكير الواضح في المنطقة. وفي أواخر عام 2023 على سبيل المثال أساء بايدن إلى بلده حينما أعلن أنه «لولا وجود إسرائيل، لما كان يهودي آمنا في العالم».

مثل هذا التفكير يجعل ممارسة شؤون الدولة ممارسة سليمة من قبيل المستحيلات.

***

فعلاقة الولايات المتحدة غير المتكافئة بإسرائيل تعوق على سبيل المثال قدرة واشنطن على الاشتباك دبلوماسيا مع إيران وتدفعها دفعًا إلى استعمال القوة العسكرية.

فعلى مدار الأشهر الخمسة الماضية سعت إسرائيل مرارًا للضغط على الولايات المتحدة من أجل مواجهة إيران مباشرة، برغم أن تلك لعنة على المصالح الأمريكية والاستقرار في المنطقة. والتدريبات العسكرية رفيعة المستوى بين إسرائيل والولايات المتحدة، والهجوم الإسرائيلي الأخير على خطوط أنابيب الغاز الرئيسية في إيران، والتصعيد المستمر بين الجماعات المدعومة من إيران والولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تهدد جميعا بإشعال كارثة على مستوى المنطقة.

يجب أن تكون علاقة واشنطن بإسرائيل -شأن أي بلد آخر- مدفوعة بالسعي إلى مصالح أمريكية ملموسة. فحتى العلاقات الأمريكية مع حلفاء متعاهدين من قبيل فرنسا أو كوريا الجنوبية تشهد جدالات، وخلافات، والمعتاد في الدبلوماسية من شد وجذب. وعلى النقيض، تغذي العلاقة الخاصة بإسرائيل بعض أسوأ العناصر في السياسة الإسرائيلية وتشجع على سياسات تخريبية وتتسبب عموما في الإضرار بمصالح البلدين بعيدة المدى.

لقد أدى دعم واشنطن لسياسات إسرائيلية إلى إعفاء إسرائيل من أثمان تلك السياسات. فما الحافز الذي تواجهه إسرائيل من أجل تغيير مسارها حين ترفض أقوى دولة في العالم أن تضع شروطا على مستوياتها العميقة من الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري؟ لو كانت إسرائيل تحملت أثمان سياساتها كاملة في الضفة الغربية على سبيل المثال، لصعب عليها أن تستمر في اتباع سياستها الاستيطانية.

ولا تجدي العلاقة الخاصة بإسرائيل نفعا من أي نوع تقريبًا للولايات المتحدة بل هي ماضية في تقويض مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية وكثيرا ما تضير بقيم تزعم واشنطن أنها تمثلها وتناصرها.

لقد حان الوقت لـ«تطبيع» علاقة للولايات المتحدة بإسرائيل. وهذا لا يعني أن نجعل إسرائيل عدوًا للولايات المتحدة، بل يعني التعامل مع إسرائيل بمثل تعامل واشنطن مع أي بلد أجنبي آخر، أي عبر مسافة.

فلا تعود قرارات المساعدات العسكرية وصفقات السلاح أو الغطاء الدبلوماسي ضاربة بجذورها في ميراث تاريخي أو في حكم العادة، وإنما في تصورات المسؤولين لمصالح الولايات المتحدة القابلة للتأثر. وبدلا من تمكين وحماية ودعم سياسة إسرائيل، ينبغي أن تعيد الولايات المتحدة توجيه علاقتها بإسرائيل على أساس المصالح الأمريكية الجوهرية.

من شأن هذا أن يستوجب عزم واشنطن على إنهاء تعاميها عن إساءات إسرائيل للمصالح الأمريكية، بإمدادها بكميات هائلة من المساعدات، وأن يستوجب دفعها إلى إنهاء سريع لهذه الحرب الكارثية وإلى حل سياسي دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وإدارة بايدن الآن في مواجهة اختيار: إما مواصلة اتباع حكومة نتنياهو إلى الهاوية، أو الضغط بقوة عليها لتغيير مسارها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی للولایات المتحدة فی الشرق الأوسط على سبیل المثال العلاقة الخاصة فی المنطقة إسرائیل من فضل ا عن حرب غزة أکثر من من قبیل فی غزة

إقرأ أيضاً:

FT: نتنياهو وأردوغان يتنافسان بعد سقوط الأسد.. من الأقوى في الشرق الأوسط؟

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا تحليليا للكاتب الإسرائيلي جدعون راشمان، تحدث فيه عن المنافسة بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على تزعم الشرق الأوسط بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

وقال راشمان إن حديث أردوغان الأسبوع الماضي بأنه ونظيره الروسي فلاديمير بوتين "لا يوجد سواهما أحد"، قد يعترضه علي الرئيس الصيني شي جين بينغ، أو الأمريكي دونالد ترامب.

واستدرك "لكن على المستوى الإقليمي، يملك أردوغان حقاً أن يكون واحداً من اثنين من القادة الأقوياء الذين يعيدون تشكيل الشرق الأوسط. منافسه المكروه، بنيامين نتنياهو من إسرائيل، هو الآخر".

وتاليا الترجمة الكاملة لمقالة جدعون راشمان في فايننشال تايمز:
تأتي غطرسة أردوغان الحالية من دوره في سوريا. كانت تركيا القوة الإقليمية الوحيدة التي وضعت ثقلها بالكامل خلف هيئة تحرير الشام، الجماعة الإسلامية التي أطاحت بنظام الأسد. زار إبراهيم كالين، رئيس جهاز المخابرات التركي، دمشق بعد أيام من تولي الهيئة السلطة.

كان أردوغان يطمح منذ وقت طويل إلى إعادة بناء القوة التركية عبر أراضي الإمبراطورية العثمانية القديمة. بالنسبة له، فإن الإطاحة بالأسد تفتح طريقاً جديداً نحو النفوذ الإقليمي. كما أن هذا قد يحقق عائداً داخلياً — من خلال إضعاف الأكراد في سوريا، وتخفيف مشكلة اللاجئين في تركيا، ومساعدته في مساعيه للبقاء رئيساً بعد عام 2028.

تعتبر تحالفات تركيا مع الجماعات الإسلامية مثل هيئة تحرير الشام وجماعة الإخوان المسلمين تهديداً خطيراً لإسرائيل والممالك الخليجية المحافظة. تحركت إسرائيل لتدمير القدرة العسكرية لسوريا، حيث قصفت بحرية وسلاح الجو السوري واستولت على أراضٍ خارج مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967.

صورت الحكومة الإسرائيلية تحركاتها على أنها وقائية ودفاعية. لكن نتنياهو، مثل أردوغان، يرى الفرص أمامه. ففي حديثه الأسبوع الماضي، صرح قائلاً: "حدث شيء دراماتيكي هنا، زلزال لم يحدث منذ مئة عام منذ اتفاقية سايكس-بيكو". يبدو أن هذه الإشارة إلى الاتفاقية البريطانية-الفرنسية لعام 1916 التي قسمت الإمبراطورية العثمانية لها دلالة كبيرة. مع الفوضى التي تعمّ الشرق الأوسط، يرى مؤيدو "إسرائيل الكبرى" فرصة لإعادة رسم حدود المنطقة من جديد. كتب ألف بين من هآرتس أن نتنياهو "يبدو أنه يتطلع إلى إرث كقائد وسع حدود إسرائيل بعد 50 عاماً من التراجع".

يدفع حركة المستوطنين، التي تمثل بقوة في حكومة نتنياهو الائتلافية، لإعادة احتلال أجزاء من غزة. قد تعطي إدارة ترامب القادمة الضوء الأخضر لإسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة بشكل رسمي. وقد يثبت أن "الاحتلال المؤقت" للأراضي السورية سيكون دائماً.

بعيداً، يرى نتنياهو فرصة لتصفية الحساب النهائي مع إيران. فقد أصبحت الجمهورية الإسلامية في أضعف وضع لها منذ عقود. تواجه معارضة داخلية وستكون مضطربة بسبب سقوط الاستبداد في سوريا. لقد فقدت طهران حلفاءها — حماس، حزب الله والآن الأسد — وهم في حالة دمار.

قد ترد إيران على فقدان وكلائها الإقليميين بتسريع مساعيها للحصول على الأسلحة النووية. ولكن ذلك قد يدعو إلى هجوم من إسرائيل. بعد الهجوم الناجح لحكومة نتنياهو ضد حزب الله في لبنان — الحملة التي حذرت إدارة بايدن من القيام بها — أصبح الإسرائيليون في حالة من الثقة والمزاج الراديكالي.

على مدار العام الماضي، أظهرت إسرائيل قدرتها على القتال على جبهات متعددة في وقت واحد — بما في ذلك غزة، والضفة الغربية، ولبنان، واليمن، وإيران، والآن سوريا. كما أن الإسرائيليين هم القوة النووية الوحيدة في المنطقة، ولديهم حتى الآن دعم شبه كامل من الولايات المتحدة.

كانت فرص نتنياهو في أن يُسجل في التاريخ كقائد ناجح ضئيلة بعد كارثة هجمات 7 أكتوبر من حماس. فهو مثير للجدل بشدة داخل إسرائيل وخارجها، وهو حالياً في محاكمة بتهم فساد في إسرائيل.

مثل أردوغان، يعد نتنياهو لاعبا سياسيًا لا يرحم. كل منهما وصل إلى السلطة منذ عقود ويعتبر نفسه رجلاً مقدراً. ومع ذلك، فإن أحلامهم في الهيمنة الإقليمية تعاني من ضعف مشابه. فإسرائيل وتركيا هما قوى غير عربية في منطقة ذات أغلبية عربية. ولا يوجد في العالم العربي رغبة في إعادة إنشاء الإمبراطورية العثمانية. تظل إسرائيل قوة منبوذة في الشرق الأوسط، تُخشى وتُشك في أمرها وغالبًا ما تُكره.

كما أن تركيا وإسرائيل لديهما قاعدة اقتصادية ضعيفة للغاية لا تسمح لهما حقاً بالطموح لتحقيق الهيمنة الإقليمية. الاقتصاد التركي مدمر بسبب التضخم. ورغم قوتها التكنولوجية والعسكرية، فإن إسرائيل هي دولة صغيرة بعدد سكان أقل من 10 ملايين نسمة.



قد تتصادم طموحات أردوغان ونتنياهو المتنافسة بسهولة في سوريا. وقد تصبح ساحة معركة للقوى الإقليمية المتنافسة لأن السعودية ودول الخليج أيضاً لها مصالح هناك.

في الأسبوع الماضي، بينما كان الأتراك يحتفلون بسقوط دمشق والإسرائيليون يدمرون الجيش السوري، احتفلت السعودية بإنجاز أكثر سلمية، حيث تم اختيارها لاستضافة كأس العالم 2034.

ربما يشعر السعوديون ودول الخليج بتهديد أكبر من تحالفات تركيا الإسلامية أكثر من الطموحات الإقليمية لإسرائيل. لكن الرياض تعلم أن الهجوم الإسرائيلي على غزة قد صدم جزءًا كبيرًا من العالم العربي. سيكون الاقتراب من نتنياهو لإعاقة أردوغان مثيرًا للجدل، خصوصًا إذا كانت إسرائيل في الوقت نفسه تدفن أي احتمال لحل الدولتين مع الفلسطينيين.

تمتلك إسرائيل وتركيا جيوشًا قوية. لكن السعوديين وقطر والإمارات لديهم القوة المالية. وأي مسار تختاره الرياض قد يشكل الشرق الأوسط بشكل أكثر جوهرية من أفعال أردوغان ونتنياهو.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

مقالات مشابهة

  • حدث ليلا.. واشنطن في مأزق كبير وتستعد للإغلاق وخطة إيرانية جديدة لغزو مستوطنات إسرائيل وأمريكا تقابل «الشرع»
  • "واشنطن بوست": عمليات ترحيل المهاجرين في الولايات المتحدة تسجل رقما قياسيا
  • صحيفة عبرية: الولايات المتحدة لن تفرض عقوبات على سموتريتش وبن جفير
  • خبير استراتيجي: مصر "شايلة طين" الشرق الأوسط منذ 1948
  • يديعوت أحرونوت: وثائق سرية تكشف متى علمت واشنطن بنووي إسرائيل
  • بلينكن: الولايات المتحدة ملتزمة بالعملية الانتقالية في سوريا
  • الولايات المتحدة تعلن القضاء على الدبور القاتل
  • كوريا الشمالية: التحالف مع روسيا فعال جدا في ردع الولايات المتحدة
  • الوضع السوري بين إدارة بايدن وترامب.. خلافات حول مستقبل القوات الأمريكية
  • FT: نتنياهو وأردوغان يتنافسان بعد سقوط الأسد.. من الأقوى في الشرق الأوسط؟