إسرائيل عبء استراتيجي على الولايات المتحدة
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
أعلن الرئيس الأمريكي أخيرًا أنه «لا رجوع بالشرق الأوسط إلى الوضع القائم الذي كان في السادس من أكتوبر». لكن الحقيقة هي أن بايدن يرفض التخلي عن الوضع القائم، وبخاصة في ما يتعلق بما يعرف بعلاقة واشنطن الخاصة بإسرائيل.
لقد كان الدعم الأمريكي الراسخ لإسرائيل ولم يزل عنصرًا دائمًا في سياسة الشرق الأوسط الأمريكية منذ إقامة دولة إسرائيل سنة 1948.
ووفقًا لبايدن «لو لم يكن لإسرائيل من وجود لكان علينا أن نخترعها». في عام 2020، قال الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب مزيلا شيئا من الغموض «إننا غير مضطرين إلى الوجود في الشرق الأوسط، إلا لحماية إسرائيل».
وإن جوهر علاقة الأمريكية-الإسرائيلية يتمثل في كمٍ لا نظير له من المساعدات تغدقه واشنطن على حليفتها. فإسرائيل هي أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية، إذ تلقت أكثر من ثلاثمائة مليار دولار (بحساب التضخم) من الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
وتستمر واشنطن في إمداد إسرائيل بقرابة 3.8 مليار دولار سنويا فضلًا عن صفقات الأسلحة والمزايا الأمنية. ولإسرائيل وأنصارها نفوذ هائل في واشنطن ويحظون باهتمام من كلا جانبي الطيف السياسي من خلال مختلف أشكال التأثير المباشر وغير المباشر.
أما ما تحصل عليه الولايات المتحدة في مقابل هذه العلاقة أحادية الاتجاه فيبقى غير واضح.
يذهب أنصار هذا الدعم الثابت إلى أنه حيوي لتعزيز مصالح للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فقد أشار السيناتور ليندسي جراهام على سبيل المثال ذات مرة إلى إسرائيل باعتبارها «عيني الولايات المتحدة وأذنيها» في المنطقة. وفي حين أن تبادل المعلومات الاستخباراتية قد يكون له شيء من القيمة الاستراتيجية، فقد أوضحت أشهر حرب غزة الخمسة الماضية الآثار السلبية الغفيرة للعلاقة، وأهمها أن احتضان واشنطن الأكيد لإسرائيل قد قوّض وضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط وأضار بصورتها العالمية. وأبرزت الحرب بوضوح الإخفاقات الأساسية في سياسة الشرق الأوسط الأمريكية.
لقد حان الوقت لإعادة تقييم جوهرية لعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل.
***
لقد كانت حملة العقاب الجماعي التي شنتها إسرائيل في غزة تاريخية الحجم. فقد بلغ عدد القتلى في القطاع حتى الآن -بحسب تقديرات السلطات الصحية في غزة- قرابة اثنين وثلاثين ألفا، غالبيتهم الكاسحة من النساء والأطفال. وقد زعم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أخيرًا أن خمسة وعشرين ألف امرأة وطفلا فقط قد تعرضوا للقتل نتيجة لحرب غزة. وفي حين أعرب البعض، ومنهم بايدن نفسه، عن القلق من احتمال المغالاة في أرقام الضحايا الواردة من غزة، يذهب البعض إلى أن عدد القتلى على الأرجح أكبر؛ لأن العمليات العدائية المستمرة تحول دون إحصاء الباحثين لآلاف البشر مجهولي المصير والمكان.
وفي عموم القطاع، تعرضت البنية الأساسية لتدمير ممنهج، وينتشر الجوع والمرض انتشارًا سريعًا. ويبلغ الوضع في غزة من السوء أن الحكومة الأمريكية -فضلًا عن بلاد أخرى من قبيل فرنسا والأردن ومصر- تقوم الآن بنقل المساعدات جوًا إلى القطاع، وتنشر الولايات المتحدة ألفًا من قواتها لإقامة مرفأ قبالة ساحل القطاع لكسر الحصار الذي ترفض حليفتها المفترضة -وباستعمال أسلحة أمريكية- رفعه.
برغم هذا، تستمر إدارة بايدن في إمداد إسرائيل بأسلحة متقدمة -منها القنابل الذكية و«الغبية» وكذلك ذخيرة الدبابات المدفعية- وتقر أكثر من مائة صفقة أسلحة أجنبية لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر من عام 2023، وتفعّل قواعد الطوارئ في واقعتين مختلفتين للالتفاف على الكونجرس. واستعملت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة ثالث فيتو في مجلس الأمن الأممي منذ أن بدأ الصراع لتكون البلد الوحيد الذي يعوق قرارًا داعيًا إلى هدنة إنسانية فورية. وهذا فضلًا عن أربعة عشر مليار دولار أخرى من المساعدات العسكرية لإسرائيل أجازها مجلس الشيوخ في الفترة الأخيرة.
من الصعب أن نتصور سبيلًا تزداد به هذه الحرب سوءًا، لكن جميع المؤشرات تصب في ذلك الاتجاه، في ظل إصرار إسرائيل على أنها سوف تستمر في التقدم إلى مدينة رفح جنوب غزة، برغم الاعتراضات الأمريكية، حيث يعيش أكثر من مليون ونصف المليون من الفلسطينيين -أي ما يفوق نصف أهل غزة- بعد فرارهم.
لقد قالت إدارة بايدن: إنها تعارض غزو رفح «دونما خطة مضمونة قابلة للتنفيذ لضمان أمن المدنيين ودعمهم». في لقاء مع (إم إس إن بي سي)، تكلم بايدن عن «خط أحمر» ردا على سؤال حول تعاون عسكري محتمل في غزة قائلا: «إننا لا نستطيع أن نشهد مصرع ثلاثين ألف فلسطيني آخرين» لكنه عاد فأكد على الفور أن «الدفاع عن إسرائيل لا يزال حيويًا، وإذن فما من خط أحمر». ولا ينفي هذا التناقض نفوذ بايدن وحسب، ولكنه يربط واشنطن أيضا بأي سياسات تقرر حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة تبنّيها في نهاية المطاف.
وليس بمفاجئ أن نتنياهو يظل مصرًا في عناد على أنه لن يخضع لخط بايدن الأحمر الأثيري فيوقف خطته للغزو البري لرفح. إذ أكد نتنياهو أخيرا بوضوح أنه «أوضح دونما لبس» لبايدن أنه «عازم على إكمال القضاء على تلك الكتائب الموجودة في رفح، وأنه ما من سبيل إلى ذلك إلا بالذهاب برا».
لم توضح إسرائيل استراتيجيتها بعيدة المدى في غزة في ما يتجاوز التدمير الممنهج للقطاع وقتل سكانه. ويبدو أن نتنياهو -الذي تدنَّى دعمه إلى أحط مستوياته على الإطلاق ويواجه احتجاجات متزايدة داعية إلى انتخابات مبكرة- يعلم أنه ما أن ينتهي هذا حتى يكون بقاؤه في السلطة قد بلغ نهايته.
غير أن بايدن إما عاجز أو عازف عن ممارسة نفوذه على العلاقة الخاصة بإسرائيل أو التأثير على نتنياهو الذي تباهى من قبل بمقدرته على التلاعب بالولايات المتحدة.
ولقد بدأ البيت الأبيض استراتيجيًّا في تسريب أخبار عن «إحباط» بايدن المتزايد من نتنياهو، وتزداد الإدارة جهرًا بدعمها لإيقاف مؤقت للقتال. وقد وجَّه زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شامر خطاب إدانة غير مسبوق لنتنياهو في الرابع عشر من ديسمبر قال فيه: إنه «ضلَّ الطريق» ودعا أيضًا إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل.
غير أن الكلام الأجوف دونما تغيير في السياسة لا يحقق شيئًا.
***
إن الأفعال الرمزية -من قبيل الأمر التنفيذي الأمريكي أخيرًا بمعاقبة موقعين استيطانيين إسرائيليين في الضفة الغربية أو قرار بايدن بترسيخ الموقف القائل بأن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي «يتعارض مع القانون الدولي»- لن توقف المذبحة الجارية في غزة، ولن تبرئ واشنطن من تواطؤها ولن تسهم في استقرار مستقبلي.
فالأرجح أن إسرائيل -على سبيل الرد المباشر على هذه الأفعال- قد سمحت بإقامة ثلاثة آلاف وأربعمائة منزل جديد في مستوطنات الضفة الغربية في غمار مستويات تاريخية من العنف ضد الفلسطينيين، ولم تفعل الولايات المتحدة شيئًا يذكر لعقاب أو إيقاف تلك الخطوة.
وكشف نتنياهو للتو عن خطة لما بعد الحرب لا تكاد تحتوي أكثر من خطة لإطالة الاحتلال العسكري لغزة والضفة الغربية بما يضمن الاضطراب في المستقبل. لقد تباهى نتنياهو منذ السابع من أكتوبر بأنه «فخور» بمنعه نشوء دولة فلسطينية، متعهدا بأنه الوحيد القادر على مواصلة ذلك المنع.
وعلى النقيض من خطة نتنياهو، فإن مخطط إدارة بايدن لليوم التالي يتضمن رؤية لـ«طريق» نحو دولة فلسطينية. غير أنه يجدر الذكر بأنه ما من خطط ملموسة، ناهيكم عن نية، للتنفيذ من جانب الولايات المتحدة أو من جانب إسرائيل.
يجب أن تبين لنا حرب غزة أن محاولة التغاضي عن مستقبل الشعب الفلسطيني استراتيجية حمقاء. لكنها بالنسبة لنتنياهو -وبايدن بالتبعية- قد أدت بصورة شاذة إلى تعميق الالتزام بالوضع الراهن.
ولدعم واشنطن الراسخ لإسرائيل في حرب غزة تداعيات إقليمية كارثية أيضًا. فمن شرق المتوسط إلى البحر الأحمر، ثمة سلسلة من نقاط التوتر المختلفة التي تهدد بجر المنطقة كلها -والولايات المتحدة- إلى حرب كاملة النطاق، فضلًا عن ذلك، فإن دعم واشنطن المستمر لحملة إسرائيل الوحشية في غزة - قد لوث صورة واشنطن بوصفها راية للقيم الليبرالية وأحاط بالسخرية دعاوى «النظام العالمي الليبرالي» ذي القيادة الليبرالية.
إن من شأن حرب إقليمية أن تكون وبالا على الشرق الأوسط وعلى المصالح الأمريكية. فهي لن تكون حربا تتعلق ببقاء إسرائيل. فما من دولة -حتى إيران- بموشكة على إلقاء إسرائيل في البحر. فتفوق إسرائيل العسكري، وترسانتها النووية، وتحالفها الاستراتيجي مع غالبية حكومات المنطقة، تضمن أمنها في مواجهة التحديات الوجودية.
ويتيح موقف واشنطن لإسرائيل أن تتصرف آمنة ومحصنة بينما تحرف سياسة أمريكا الخارجية في الشرق الأوسط لتحقق أهدافا تتجاوز مصالح واشنطن. وتشمل مصالح الولايات المتحدة في المنطقة حماية أمن ورخاء الشعب الأمريكي ومنع نشوء قوة إقليمية مهيمنة مع الحفاظ على القيم التي تزعم أمريكا أنها تدافع عنها. والدعم غير المحسوب لإسرائيل لا يؤدي إلى تقدم أي من هذه الأمور.
لقد أعاقت علل العلاقة الخاصة مع إسرائيل قدرة واشنطن الاستراتيجية على التحرك في الشرق الأوسط وأعجزت قدرة القادة الأمريكيين على التفكير الواضح في المنطقة. وفي أواخر عام 2023 على سبيل المثال أساء بايدن إلى بلده حينما أعلن أنه «لولا وجود إسرائيل، لما كان يهودي آمنا في العالم».
مثل هذا التفكير يجعل ممارسة شؤون الدولة ممارسة سليمة من قبيل المستحيلات.
***
فعلاقة الولايات المتحدة غير المتكافئة بإسرائيل تعوق على سبيل المثال قدرة واشنطن على الاشتباك دبلوماسيا مع إيران وتدفعها دفعًا إلى استعمال القوة العسكرية.
فعلى مدار الأشهر الخمسة الماضية سعت إسرائيل مرارًا للضغط على الولايات المتحدة من أجل مواجهة إيران مباشرة، برغم أن تلك لعنة على المصالح الأمريكية والاستقرار في المنطقة. والتدريبات العسكرية رفيعة المستوى بين إسرائيل والولايات المتحدة، والهجوم الإسرائيلي الأخير على خطوط أنابيب الغاز الرئيسية في إيران، والتصعيد المستمر بين الجماعات المدعومة من إيران والولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تهدد جميعا بإشعال كارثة على مستوى المنطقة.
يجب أن تكون علاقة واشنطن بإسرائيل -شأن أي بلد آخر- مدفوعة بالسعي إلى مصالح أمريكية ملموسة. فحتى العلاقات الأمريكية مع حلفاء متعاهدين من قبيل فرنسا أو كوريا الجنوبية تشهد جدالات، وخلافات، والمعتاد في الدبلوماسية من شد وجذب. وعلى النقيض، تغذي العلاقة الخاصة بإسرائيل بعض أسوأ العناصر في السياسة الإسرائيلية وتشجع على سياسات تخريبية وتتسبب عموما في الإضرار بمصالح البلدين بعيدة المدى.
لقد أدى دعم واشنطن لسياسات إسرائيلية إلى إعفاء إسرائيل من أثمان تلك السياسات. فما الحافز الذي تواجهه إسرائيل من أجل تغيير مسارها حين ترفض أقوى دولة في العالم أن تضع شروطا على مستوياتها العميقة من الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري؟ لو كانت إسرائيل تحملت أثمان سياساتها كاملة في الضفة الغربية على سبيل المثال، لصعب عليها أن تستمر في اتباع سياستها الاستيطانية.
ولا تجدي العلاقة الخاصة بإسرائيل نفعا من أي نوع تقريبًا للولايات المتحدة بل هي ماضية في تقويض مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية وكثيرا ما تضير بقيم تزعم واشنطن أنها تمثلها وتناصرها.
لقد حان الوقت لـ«تطبيع» علاقة للولايات المتحدة بإسرائيل. وهذا لا يعني أن نجعل إسرائيل عدوًا للولايات المتحدة، بل يعني التعامل مع إسرائيل بمثل تعامل واشنطن مع أي بلد أجنبي آخر، أي عبر مسافة.
فلا تعود قرارات المساعدات العسكرية وصفقات السلاح أو الغطاء الدبلوماسي ضاربة بجذورها في ميراث تاريخي أو في حكم العادة، وإنما في تصورات المسؤولين لمصالح الولايات المتحدة القابلة للتأثر. وبدلا من تمكين وحماية ودعم سياسة إسرائيل، ينبغي أن تعيد الولايات المتحدة توجيه علاقتها بإسرائيل على أساس المصالح الأمريكية الجوهرية.
من شأن هذا أن يستوجب عزم واشنطن على إنهاء تعاميها عن إساءات إسرائيل للمصالح الأمريكية، بإمدادها بكميات هائلة من المساعدات، وأن يستوجب دفعها إلى إنهاء سريع لهذه الحرب الكارثية وإلى حل سياسي دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وإدارة بايدن الآن في مواجهة اختيار: إما مواصلة اتباع حكومة نتنياهو إلى الهاوية، أو الضغط بقوة عليها لتغيير مسارها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی للولایات المتحدة فی الشرق الأوسط على سبیل المثال العلاقة الخاصة فی المنطقة إسرائیل من فضل ا عن حرب غزة أکثر من من قبیل فی غزة
إقرأ أيضاً:
مونيكا وليم تكتب: ترشيحات ترامب.. ما بين ديناميات الشرق الأوسط ومآلات إسرائيل
على الرغم من أن دونالد ترامب ستبدأ مدة إدارته رسمياً في 20 يناير المقبل، وهو تاريخ الانتقال الرسمي للسلطة بينه وبين الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، إلا انه بدأ في وضع رؤية لسياسته الخارجية من خلال الإعلان عن تشكيلة إدارته التي بدأت تتضح ملامحها.
وهو ما آثار العديد من التأويلات حول أولويات ترامب في المرحلة القادمة، حيث ان تعيينات السياسة الخارجية جاءت على أولوية تحرك الرئيس الأمريكي قبل الخوض في الملفات الداخلية والاقتصادية، وهو ما يثبت صحة ما تم تناوله في المقالة السابقة حول هيمنة ملف السياسة الخارجية بالنسبة للرئيس القادم للولايات المتحدة.
وعليه، ستركز هذه المقالة على هذه الترشيحات وانعكاساتها على تعاطي ترامب مع الشرق الأوسط ومدي دعم هذه الإدارة لإسرائيل؟
بدأ دونالد ترامب في الكشف عن بعض أسماء المسؤولين الذين ستوكل لهم مناصب هامة خلال فترة ولايته المقبلة. ومن بين هذه الشخصيات، سوزي وايلز التي بعد أن قادت حملة ترامب الانتخابية تتجه لتشغل منصب كبير الموظفين في البيت الأبيض.
ومن بين الأسماء المرشحة لمنصب مستشار الامن القومي مايك والتز نائب ولاية فلوريدا وكان والتز عنصرا في القوات الخاصة وهو معروف بعدائه للصين فضلا عن توم هومان الذي سيشغل منصب رئيس وكالة الهجرة ومراقبة الحدود وذلك وفقا لما أعلنه ترامب في تغريدة على موقعه الخاص "تروث سوشيال، إلي جانب ماركو روبيو المرشح لوزير الخارجية، الذي يعد من ابرز الداعمين للمشروع الاستيطاني.
اما مايك هاكابي حاكم ولاية أركنساس فقد تم ترشيحه لسفير الولايات المتحدة لدي إسرائيل، وقد طالما شكك في الهوية الفلسطينية ويعارض حل الدولتين وقد طالب في 2015، بالاعتراف بالضفة الغربية بانها إسرائيلية.
كما أعلن ترامب عن تعيين إليز سيتفانيك سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وتعتبر من بين الداعمات لإسرائيل وتعد أبرز المشرعين المؤيدين لإسرائيل في الكونجرس وقد سبق وان استجوبت رؤساء الجامعات خلال جلسة استماع في الكونجرس بسبب الشعارات المعادية لإسرائيل التي رفعها طلاب هذه الجامعات الذين ساندوا فلسطين وهو ما ادي إلى استقالة رؤساء جامعتي بنسيلفانيا وهارفارد، كما ايدت منع تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) وعلي جانب اخر قد استضافها نتنياهو لإلقاء كلمة في الكنيست.
في خضم استقراء الأسماء البارزة في إدارة ترامب، يتعين محاولة تفنيد واستنباط تعاطي الإدارة الامريكية الجديدة مع الشرق الأوسط ، وذلك خلال الإجابة علي تساؤليين ما هي دلالات التعيينات في ظل واقع إقليمي يتسم بتصاعد التوترات في المنطقة وما هي تداعياتها علي مجريات الأمور؟
سوف تنطلق توجهات الرئيس ترامب من موروثات الإدارة السابقة، ومن بين هذه الملفات التركة التي توارثتها عن إدارة بايدن متجسدة في الحروب المتواصلة والمستمرة في الشرق الأوسط وأوروبا بعدما فشلت إدارة بايدن في إيقافها أو تطورها أو التحكم في نسق تغييرها، وأبرزها الحرب الروسية الأوكرانية التي تتسع حالياً خاصة بعد اشتباك كوريا الشمالية في إقليم كورسك.
ناهيك عن ذلك، وفي مقدمة الملفات المشتعلة في المنطقة، يأتي الملف الإيراني، بكل أبعاده وتداعياته، سواء ما هو متعلق بالمركز، أي إيران عينها، أو اذرعها، المتمثلة في وكلائها في المنطقة، من الحوثيين في اليمن، إلى الحشد الشعبي في العراق، مروراً بالخلايا التابعة في سوريا، وصولاً إلى حزب الله في لبنان، وحماس في غزة.
وعلى الرغم من أن سياسات ترامب يُصعب، في كثير من الأحيان التنبؤ بها، إلا أن الواقع سيفرض تغييرات كثيرة على سياساته في الشرق الأوسط الذي تأثر بالحرب الإسرائيلية على غزة وما تلاها من تصاعد للصراع في المنطقة، كما أنه من المؤكد أن هذه التعيينات تعكس رؤية دونالد ترامب وتفاعله مع قضايا المنطقة، خاصة في ضوء الإعلان عن تعيين شخصيات معادية للقضية الفلسطينية بل ومؤيدة لليمين الاسرائيلي وتنتهج سياسته.
وعلي الرغم من إطلاق حملة ترامب للعديد من المبادرات حول إنهاء تلك الحروب بما يخفف من الأعباء عن الاقتصاد الأمريكي وخاصة في الشرق الاوسط ألا ان حلفاء الولايات المتحدة في إسرائيل يحتجون على هذه المساعي بزعم أن الأهداف الإسرائيلية من تلك الحروب لم تتحقق بعد وهو ما يفتح العديد من التأويلات حول شكل وطبيعة المرحلة القادمة.
وبالتالي لعل من المفيد مناقشة ملامح الإدارة الجديدة وتوجهاتها التي يرسيها في ضوء الترشيحات المعلنة حتى الآن وفي حقيقة الأمر تعد سياسات ترامب إزاء الشرق الأوسط واضحة، فبتعيين الفريق المشار إليه، تبرز ملامح المرحلة القادمة والتي ترتكز على مزيد من الدعم لإسرائيل وربما الميل الواضح نحو توسعها على حساب أراضي فلسطينية، فضلا عن ممارسة مزيد من الضغط والتحجيم ضد إيران، وبالتالي فأن وجهة النظر والمألات الإسرائيلية هي التي سوف تهيمن علي المصالح الامريكية في المنطقة، بما يسهم في تقويض تلك المصالح في نهاية الأمر، وذلك علي عكس مقاربات ونهج الرئيس السابق دوايت أيزنهاور الذي منع إسرائيل من احتلال سيناء عام 1956 وأيضا هينري كيسنجر في عهد الرئيس نيكسون حيث طبق كيسنجر حينها سياسة "بناء الجسور" في تطوير علاقات أمريكية أكثر إيجابية مع الدول العربية، وفي الصراع العربي الإسرائيلي، طبق كيسنجر نظرية "التفكيك والتركيب" عبر العمل على تفكيك القضايا والأزمات الكبرى إلى عناصر وتفاصيل أصغر لفهمها ثم إعادة تركيبها بما يتناسب مع المعطيات الجديدة.
ومن ثم، تعد توجهات ترامب نحو الشرق الأوسط من خلال الموازنة بين المصالح الإسرائيلية والعربية غير منطقية في ظل ان الحلول الإسرائيلية تتجه نحو الحلول العسكرية فقط، كما إن خطة ترامب السابقة التي رسم خطوطها عام 2020، عبر تعميق العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية والضغط على إيران، لم تعد مواتية، لا سيما مع تغير المشهد الدولي، وظهور متغيرات متعلقة بقوى دولة صاعدة قادرة وراغبة في التفاعل مع المنطقة وقضاياها
ومن جهة أخري، لم تراعي تلك الرؤية تغيير شكل التحالفات والديناميكيات التي فرضتها القوي المهيمنة في الاقليم حيث أن هناك تحالفات مغايرة في المنطقة باتت تتشكل محاورها ودوائر نفوذها؛ وهو ما يسهم في تغيير شكل التحالفات الامريكية في المنطقة بطبيعة الحال، وثمة مؤشرات عديدة أبرزها، زيارة رئيس الأركان السعودي إلي مقر القوات المسلحة الإيرانية يوم 10 نوفمبر 2024 لعقد مباحثات حول الدبلوماسية الدفاعية وتوسيع التعاون الثنائي وبالتالي لم يتم استخدام المجال الجوي السعودي من قبل الولايات المتحدة لتوجيه ضربات إلي إيران، والتحركات السعودية لعقد اتفاقية امنية مع العراق لتعزيز التعاون العسكري إلي جانب تصاعد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة بشكل اعمق عما كان عليه في فترة ولاية ترامب الأولي.
ختاما، تظهر تعيينات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لأعضاء فريق إدارته بعضا من رؤيته فيما يتعلق بالشرق الأوسط، كما أن التلميحات المتصاعدة التي تشكل الإدارة تشير إلى أنه ثمة محاولة للقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية وتلاشي حل الدولتين، وتشكيل شرق أوسط جديد، ومع ذلك وفي تقديري ولن يدفع ترامب بهذا الحل وستكون تحركاته في هذا الإطار ممنهجة وتدريجية نظراً لأولويات أخرى تتعلق بالصين وإنهاء الحرب في أوكرانيا.