القاهرة (زمان التركية)- لقد ذكرنا في الجزء السابق من الحوار المشار إليه؛ أن الجزء الثالث سيكون هو الجزء الأخير في سلسلة الحوارات التي قدمنا من خلالها مع اللواء الدكتور/شوقي صلاح الخبير الأمني وأستاذ القانون، رؤية تحليلية لمستجدات أحداث حرب «طوفان الأقصى»، هذا واستجابة لرغبة كثير من قُرَّاء الجريدة، وبناء على التنسيق بين هيئة تحرير جريدة زمان وضيفنا الذي حاورناه، فقد انتهى الرأي على استئناف أجزاء الحوار، خاصة في ظل تطورات مهمة للأحداث، وبناء عليه سألنا اللواء د.

شوقي صلاح بالآتي وأجاب:

* دكتور شوقي، ما سبب اعتراض روسيا والصين على مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن حول مواجهة فصائل المقاومة؟

أعتقد أن الرفض يرجع إلى ما تضمنه مشروع القرار من «الإفراج الفوري عن كافة المحتجزين»، دون تمييز بين الرهائن وأسرى الحرب.. وجدير بالذكر أن الرهائن نقصد بهم المدنيين الإسرائيليين الذين تم اختطافهم يوم السابع من أكتوبر 2023 من قبل المهاجمين من فصائل المقاومة وغيرهم، وأكدنا مرارًا، أن هذا الفعل يمثل جريمة حرب –راجع المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية-  ونؤكد في هذا السياق أن الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم الإبادة الجماعية في حق المدنيين من سكان القطاع وهي أخطر الجرائم الجنائية الدولية على الإطلاق، كما ارتكب هذا الجيش النازي أيضًا جرائم حرب من خلال «أخذ رهائن» بالآلاف من المدنيين من سكان القطاع واحتجازهم في معتقلاته. ولهذا فإن روسيا والصين رفضتا مشروع القرار الأمريكي لعدم عدالته.

* د. شوقي، لماذا لم يتضمن قرار مجلس الأمن الأخير ما يشير إلى ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة للسكان المدنيين في غزة؟

– قرار مجلس الأمن الأخير لم يشر لإدخال المساعدات، مكتفيًا في هذا بقرار المجلس السابق رقم ٢٧٢٠ (الصادر في ديسمبر ٢٠٢٣، وبأغلبية ١٣ عضوًا، وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت) بإدخال المساعدات، وتم تعيين مشرف عام من الأمم المتحدة في هذا الشأن، وللأسف لم يغير هذا في الوضع كثيرًا.

* د. شوقي، صدر بالفعل أمس قرار مجلس الأمن الدولي بإيقاف إطلاق النار خلال ما تبقى من شهر رمضان، فما تقييمك لهذا القرار؟

– بالفعل قرر مجلس الأمن الدولي وقفًا فوريًّا لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، فيما صوت الأعضاء الأربعة عشر الآخرون لصالح القرار، الذي اقترحه الأعضاء العشرة المنتخبون بالمجلس. وبهذا فإن بايدن يرد عمليًّا على تحدي نتنياهو باقتحام رفح، ولكنه كان إلى حد كبير متوازنًا؛ فقد أوقف القرار إطلاق النار لفترة لا تتجاوز الأسبوعين، وهي المدة المتبقية من شهر رمضان، مع تحقيق جزء مهم من هدف نتنياهو الإستراتيجي، ألا وهو إطلاق سراح الرهائن، ومن جانب آخر تحتفظ فصائل المقاومة بأسرى الحرب كورقة ضغط لتحقيق الهدف النهائي للمقاومة.

– ولعل في عدم اعتراض الولايات المتحدة على القرار، فيه محاولة لكسب الوقت لصالح إسرائيل مع تحسين صورتها أمام الرأي العام الأمريكي الداخلي، خاصة وقد بدت القيادة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة لإسرائيل في جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها الحكومة النازية الإسرائيلية… هذا على الرغم من محاولات واشنطن الظهور بمظهر المعارض لهذه الإبادة في حق السكان المدنيين في غزة. وتشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة إلى رفض نسبة كبيرة من الشباب والأقليات لسياسات بايدن تجاه جرائم الجيش الإسرائيلي في حق المدنيين، بجانب رفضهم ما يتحمله دافع الضرائب الأمريكي من أموال تذهب لصالح حكومة متطرفة تتعارض بعض سياساتها مع اعتبارات الأمن القومي الأمريكي، ويرون أن نتنياهو يبدو في المشهد هو المايسترو.. وأن القرار الأمريكي مرهونٌ بإرادته، حيث يستغل سيطرة اللوبي اليهودي على صانع القرار الأمريكي.

د. شوقي، هل لديك تصور خاص لمشروع قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي في مرحلة ما بعد رمضان الجاري؟

– نعم؛ لدينا مقترح للقرار التالي لمجلس الأمن الدولي، مضمونه على النحو الآتي:

«أولًا: يتم إيقاف إطلاق النار أو أية أعمال عدائية أخرى بشكل دائم بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية بغزة وخارجها، حيث تتوقف أيضًا أي أعمال عسكرية تقوم بها فصائل أو حركات مثل: حزب الله، الحوثيين، أي فصيل مقاوم في سوريا أو العراق، أو في أي مكان آخر، كما يشمل هذا القرار منع قيام أي دولة أخرى بالتدخل عسكريًّا في هذه الحرب.

ثانيًا: تتولى الأمم المتحدة مهام إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة للفلسطينيين بكافة الأراضي المحتلة، ويشرف على أعمال الإدخال هذه مراقبون من الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.

ثالثًا: تلتزم إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بالدخول في مفاوضات مباشرة لحل الدولتين، بحيث تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك برعاية من الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي.

رابعًا: تتفاوض إسرائيل من خلال وسطاء دوليين مع قادة المقاومة على تبادل المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة، بمحتجزين من الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية، وذلك خلال ثلاثة أسابيع من تاريخ نفاذ هذا القرار، فإن لم تتوصل الأطراف للوصول لحل تفاوضي، فيسند الأمر للمحكمة الجنائية الدولية لتفصل بحكم بات في أمر تبادل المحتجزين.

خامسًا: يعتبر هذا القرار نافذًا اعتبارًا من تاريخ … … ……».

* يلوح في الأفق بوادر شقاق أمريكي، أوروبي، عربي من ناحية، وإسرائيلي من ناحية أخرى، بشأن اقتحام رفح بريًّا من قبل الجيش الإسرائيلي في ظل وضع المدنيين الفلسطينيين الراهن برفح، فمن في رأيك مايسترو هذه الحرب: بايدن أم نتنياهو؟ وهل سينفذ نتنياهو قراره باقتحام رفح؟

إن اقتحام نتنياهو لرفح بريًّا دون إخلاء آمن للمدنيين الفلسطينيين، سيترتب على هذا الاقتحام غالبًا وبنسبة 99% اتساع دائرة الحرب، وهذا خط أحمر من قبل الإدارة الأمريكية، فالأخيرة لا تريد أن يتم استنزافها بقوة في مستنقع تلك الحرب، وأكد بلينكن في زيارته الأخيرة لمصر ولقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن هناك إجماعًا أمريكيًّا عربيًّا على منع عملية برية في رفح، ومع هذا ربط بلينكن الأمر بتحرير المحتجزين الإسرائيليين جميعهم!!! هذا وحذر الرئيس المصري من هذا الاقتحام لارتباطه بجرائم الإبادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين من ناحية، ولما يحمله من تهديد للأمن القومي المصري، وخرق لمعاهدة دولية بين مصر وإسرائيل من ناحية أخرى.

– كما أن اتساع نطاق الحرب لن يوفر من ناحية أخرى للمواطن الإسرائيلي الأمن.. فالحرب في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية وحدها ترتب عليها هجرة حوالي نصف مليون إسرائيلي، وذلك اعتبارًا من السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن، وذلك وفقًا لتقارير صادرة عن الإعلام الإسرائيلي، فكم سيصل العدد حال اتساع نطاق الصراع؟! ستكون التبعات ممثلة فيما يمكن أن نطلق عليه «هجرة جماعية» حيث سينعدم الإحساس بالأمن لدى المواطن الإسرائيلي؛ كما نؤكد بأن هجمات الذئاب المنفردة سواء داخل إسرائيل أم خارجها، والتي لاحت بوادرها في الأفق.. سيكون لها بالغ الأثر على صانع القرار الإسرائيلي.

– هذا ومن ناحية أخرى، فإن نتنياهو يستغل ظروف الانتخابات الرئاسية الأمريكية باعتبارها نقطة ضعف بايدن في الوقت الراهن، ويتصور أن اقتحام رفح بريًّا سيتحقق به «النصر المبين» على حماس كما وعد به سابقًا، لذا فقد صرح علانية في مؤتمر صحفي جمعه ووزير الخارجية الأمريكية بلينكن في زيارته الأخيرة لإسرائيل، أنه سيقتحم رفح بريًّا حتى لو اقتضى الأمر الاستغناء عن الدعم الأمريكي لهذا القرار، وما يترتب على هذا من نتائج، ومن عجائب الأمور أن وزير الدفاع الإسرائيلي في هذا التوقيت يرأس وفدًا إسرائيليًّا للتفاوض مع وزارة الدفاع الأمريكية، ويحمل قوائم كبيرة لاحتياجات إسرائيل من الأسلحة والذخائر في حربها ضد فصائل المقاومة، ونحن في الشهر السادس من الحرب!!!

– وعود على بدء، نؤكد أن المايسترو في هذه الأحداث هو البيت الأبيض، وأن تصريحات نتنياهو هي من قبيل الرسائل التي يُصَدِّرها للداخل الإسرائيلي، وأن فصائل المقاومة الفلسطينية تعي هذا تمامًا، بل قد اختبره حزب الله منذ أيام عندما أطلق على الشمال الإسرائيلي حوالي مائة صاروخ، وكان الرد الإسرائيلي باهتًا ولا يتناسب مع هذا الهجوم الخطير، كما أن قصف إسرائيل لبعلبك ليس هو الرد المناسب، وأتبعه حزب الله برشقات صاروخية مؤثرة بحوالي 60 صاروخًا «كاتيوشا» مستهدفًا قوة من لواء غولاني، لتؤكد هذه الهجمات أن نتنياهو يدرك خطورة خروجه عن بيت الطاعة الأمريكي.    

* اللواء/ شوقي صلاح، لقد نجحت إسرائيل في تصفية العديد من قادة المقاومة الفلسطينية، ولعلها من خلال اقتحام رفح بريًّا ستنجح في استهداف قيادات وعناصر المقاومة، وهو هدف من أهم الأهداف الإستراتيجية للحكومة الإسرائيلية، فكيف ترى الأمر من وجهة نظر تحليلية موضوعية؟

جدير بالذكر أن المقاومة الفلسطينية في غزة حريصة على أن يكون موقع كل قائد من قادتها في الأنفاق بالقرب منه مجموعة من الأسرى الإسرائيليين.. وأنه بمجرد أن تعلن إسرائيل تصفية أحد قادة المقاومة، فعليها أن تعي بأن عمليتها ترتب عليها في المقابل وفاة جانب من الأسرى نتيجة الهجوم.. لذا فإنه فور الإعلان عن هذا الأمر فإن الرأي العام الإسرائيلي سينفجر في وجه حكومة الحرب، بل ربما تظهر انشقاقات في صفوف جيش الاحتلال.. هذا، وأعلنت كتائب القسام مؤخرًا وفاة أسير من جنود الاحتلال بسبب نقص الدواء والأغذية.

* كلمة أخيرة في الحوار نترك لكم اختيار مضمونها لك..:

أتنبأ بأن تكون رسالة الإدارة الأمريكية لوزير الدفاع الإسرائيلي -الذي رأس وفدًا تشاوريًّا حول حرب غزة عقد بواشنطن- مضمونها كالآتي: «الحرب الإسرائيلية الحالية في منطقة الشرق الأوسط يجب أن تتوقف الآن، للاستعداد لحرب محتملة أكبر وأهم بكثير؛ ألا وهي حرب الناتو/ روسيا، وإسرائيل ستلتزم بالقيام بمهام في هذه المواجهة المرتقبة.. وأن الحرب الإسرائيلية الراهنة جرح يجب أن يُغلق في أقرب وقت ممكن بجراحة تجميلية.. قضي الأمر «

Tags: الحرب الإسراييليةاللواء شوقي صلاحغزة

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: غزة المقاومة الفلسطینیة مجلس الأمن الدولی الولایات المتحدة القرار الأمریکی فصائل المقاومة من ناحیة أخرى إطلاق النار هذا القرار اقتحام رفح القرار ا رفح بری من خلال فی هذا

إقرأ أيضاً:

تأملات في أبرز محطات معركة “طوفان الأقصى”.. من ساعة الصفر حتى إعلان الانتصار

يمانيون../
كان ذلك في صباح الـ 7 من أكتوبر 2023م، اليوم الأصعب والأطول على كيان الاحتلال الإسرائيلي، بدايته كانت من قطاع غزة، حيث أعلن رئيس أركان كتائب القسام؛ المجاهد “محمد الضيف” عن بدء معركة “طوفان الأقصى” البطولية، وقتها دق الفلسطينيون جدران الخزان السميك الذي حوصروا فيه أكثر من 17 عامًا.

اقتحم مجاهدو المقاومة القطع العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات في غلاف غزة، تزامنًا مع رشقاتٍ صاروخية وتحليق أسطوري بالطائرات الشراعية، نحو مناطق مختلفة من الأرض الفلسطينية المغتصبة، عندها انهار جيش الاحتلال الإسرائيلي في محيط القطاع، وكان جنوده ومواقعهم العسكرية صيدًا سهلًا للمجاهدين الذين قتلوا واسروا المئات منهم، في مشهدٍ حفر عميقًا في الذاكرة الجمعية للإسرائيليين وللعالم أجمع.

بعد أربعٍ وعشرين ساعة من الاغماء الصهيوني لهول الصدمة والفاجعة، أعلنت حكومة المجرم “نتنياهو” حالة الحرب على حركة حماس وقطاع غزة، وأطلقت عملية أسمتها “السيوف الحديدية” وكان الرد الإسرائيلي الأولي شن هجمات جوية وضربات مدفعية على مختلف مناطق القطاع.

وعلى الرغم من أن تلك الهجمات خلفت مئات الشهداء وآلاف المصابين، ولم تميز بين مقاتلين أو مدنيين، نساءً كانوا أو أطفالًا أو شيوخًا، وفرضت “إسرائيل” حصارًا على قطاع غزة، وقطعت الكهرباء والمياه والوقود وأعلنت إغلاق المعابر، وفي الـ 8 من أكتوبر، بدأ جيش الكيان هجومًا بريًا بغطاءٍ جوي ومدفعي كثيف، غير أنهُ ومع نهاية شهر نوفمبر 2023م، نجحت الوساطات في تحقيق هدنة فصيرة تبادل فيها الطرفان الأسرى، قبل أن تنتهي أيامها الهادئة، ويعود القتال مرةً أخرى، لتبدأ المعارك البرية في محافظتي غزة وشمالها.

هذه المعارك التي استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، مارس فيها جيش الاحتلال القتل وليس القتال، ولم يتمكن خلالها من الدخول إلى كثيرٍ من المناطق كمخيم “جباليا” وأحياء من مدينة غزة، عقب ذلك بدأ جيش الاحتلال هجومًا في المحافظات الوسطى من القطاع وشهدت “البريج والمغازي” معارك ضارية وقصفاً رفع حصيلة الشهداء والمصابين من المدنيين، وفي هذه المرحلة وبعد مرور أشهر على الحرب لم تتمكن حكومة الاحتلال من استعادة أي أسيرٍ بالقوة، وفقًا لما كان يريده ويصرح به القادة الإسرائيليون السياسيون منهم والعسكريون.

ومع اشتداد الحصار وبدء تخييم شبح المجاعة على مناطق في قطاع غزة بدأت المساعدات الانسانية الدولية تلقى من الجو إلى القطاع، ومع ذلك ارتكب الاحتلال مجازر بحق الفلسطينيين الجياع المحاصرين “كمجزرة الطحين” وغيرها، وفي إبريل 2024م، اقتحم جيش الاحتلال مستشفى “الشفاء” بعد اسبوعين من حصاره، واسفرت تلك العملية وقتها عن مئات الشهداء وعن دمارٍ واسع.

هذا النهج في استهداف مستشفيات غزة وحصارها وقطع الامدادات عنها لم يتغير منذ بدء العدوان وحتى توقفها، ففي الـ 6 من مايو 2024م، هاجم جيش الاحتلال مدينة “رفح” التي تحولت إلى ملجأ للنازحين، وكان فيها أكثر من مليون مدني فلسطيني، وسيطرت قواته على “معبر رفح” البوابة الوحيدة للقطاع، نحو العالم الخارجي في يوليو 2024م.

أعلن وزير حرب الكيان آنذاك الصهيوني “غالانت”، عن الانتقال إلى المرحلة الثالثة والاخيرة من الحرب، ووصفت تلك المرحلة بأنها انتقال من القصف الكثيف إلى عمليات عسكرية دقيقة ومحددة وكان جيش الاحتلال يبسط سيطرته وقتها على محور “نتساريم” الفاصل بين شمال القطاع وجنوبه، وعلى محور “فلاديلفيا”، وهو الشريط الحدودي لغزة مع مصر والبالغ طوله نحو 14 كيلومترًا.

لم تتوقف عمليات المقاومة البطولية سواءً بالتصدي لمحاولات التوغل أو بالكمائن، واستهداف المغتصبات الصهيونية في غلاف غزة، وأبعد منها نفذ الاحتلال أكثر من مرة وفي أكثر من منطقة توغلًا ثم ينسحب ثم يعود لينفذ توغلًا آخر، مقسمًا القطاع إلى مناطق لا يخرج من أكثرها إلا وقد تحولت إلى خراب لا يصلح للعيش البشري.

وفي مسار المفاوضات بين الجانبين كان متعثرًا خلال هذه المراحل في حين كان عداد الشهداء يتسارع ويرتفع كل ساعة، وخلال العدوان نفذ الكيان الإسرائيلي اغتيالات لقادة من حركة حماس: “صالح العاروري واسماعيل هنية”، واستشهد رئيس الحركة “يحيى السنوار” وهو يقاتل حتى الرمق الاخير في رفح.

حربٌ هي الأطول التي خاضتها فصائل الجهاد والمقاومة ضد كيان الاحتلال، والأطول أيضًا التي خاضها الكيان في تاريخه، اثخنته المقاومة في ضباط جيشه وجنوده وآلياته قتلًا واصابةً وأسرًا وتدميرًا، بالتزامن مع استهداف الاحتلال للحياة ودمر في قطاع غزة البشر والشجر والحجر.

وفي سياق طي صفحة الحرب الإسرائيلية الأكثر دموية على قطاع غزة، لتفتح صفحات حساب التقييم والمقارنات، إذ واجهت “إسرائيل” وجيشها وحلفائها في هذه الحرب فصائل مقاومة محاصرة وحاضنة شعبية من المدنيين لا جيوشًا نظامية، كالتي واجهتها مرارًا على مدار العقود الماضية.

في هذه الجولة خسر الكيان المؤقت في هذه الحرب نحو “900” مقاتل، وفق أرقامه الرسمية، التي تلقى تشكيكًا واسعًا منذ بدء الحرب، وبينما تحدثت نفس الاحصائية لوزارة الحرب الإسرائيلية عن “5643” مصابًا، قالت إذاعة جيش الكيان في الثاني من يناير الجاري، أن “28” جنديًا إسرائيليًا انتحروا منذ بدء الحرب على قطاع غزة، وأوردت مصادر عبرية أن 60% من جنودها ممن استقبلتهم مراكز التأهيل يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة.

ورأت تقديرات في جيش الاحتلال أن حوالي 15% من المقاتلين النظاميين الذين غادروا غزة وعولجوا عقليًا لم يتمكنوا من العودة إلى القتال، وتؤكد تقارير عبرية أن “الجيش الإسرائيلي” استقدم الآلاف من المرتزقة ومزدوجي الجنسية للقتال، ولم تدرجهم احصاءات وزارة الحرب الصهيونية ضمن الخسائر، فضلًا عما تتكتم عنه وتكشفه بالمقابل تقديرات عديدة رفعت أرقام الضحايا الحقيقية إلى الآلاف بأضعاف ما نشر رسميًا.

وأياً كانت النتائج إلا أن غزة انتصرت لمظلوميتها، لهويتها، لشرفها، انتزعت نصرها من عدو أوغل فيها بدعمٍ عسكري وسياسي غير محدودٍ من قبل أقوى دول العالم، في مقابل تخلٍ رسمي عربي وإسلامي وعالمي شبه مطلق عن حق البقعة الجغرافية الضيقة المسماة قطاع غزة، في الحياة الحرة الكريمة بعد صيرت الأسلحة الفتاكة أرضها وفضائها وبحرها جحيمًا يحترق فيه مئات الآلاف من البشر دون ما رحمة.

انتصرت غزة لشهدائها الأبطال الذين ارتقوا في معركة “طوفان الأقصى”، فما كان على فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية إلا أن تلحق هزيمة ساحقة ماحقة بتحالفٍ دولي يمتد من “تل أبيب إلى واشنطن” مرورًا بعواصم أوروبا، ليس ليقال إنها انتصرت، فحسب؛ بل يكفيها الخروج من رماد هذه الحرب شبه العالمية ورجالها يمتشقون بنادقهم ويواصلون القتال رافضين رفع الرايات البيض، ليقال أيضًا لأصحاب خطط القضاء عليها قد هزموا.

إذ جاء وقف إطلاق النار بين غزة وعالم الاستكبار، ليحاجج القائلون بخروج الفلسطينيين منتصرين من الحرب الأطول والأقدس في تاريخ الصراع العربي مع “إسرائيل”، ومن دون أن يغفلوا عن التنويه بالجروح عميقه الأثر التي خلفها هجوم السابع من أكتوبر في جبين نرجسية التفوق الإسرائيلي.

ليخلصوا إلى القول بحاجه الشعب الفلسطيني إلى تقييم التجربة التي تكبد فيها خسارة بشرية هي الأفظع منذ النكبة، ورغم ذلك كله يظل الثابت الأهم في الحرب التي دامت 471 يومًا؛ هو أن فلسطينيي قطاع غزة قدموا للعالم أمثلةً تاريخيةً مذهلةً في الإيمان والصمود على أرض وطنهم حتى بعدما حولها القصف الوحشي الصهيوني إلى خرابٍ عميم.

انتصرت غزة وسنعود أهلها إلى الشمال إلى الشجاعية وحي الزيتون وغزة، وغدًا بإذن الله سيعود المهجرون في الخارج إلى كل شبرٍ من أرض فلسطين، بعد أن قدمت غزة ومعها قادتها ومقاومتها دروس في شجاعةٍ لا تضاهي شجاعة فرسان الأساطير، وهذا المنهج قد لا يكون للعالم خيار ازاءه سوى الاقتناع، بأن هؤلاء قوم أصعب مراسًا من أن يقبلوا مصيرًا كمصير الهنود الحمر في أمريكا، وهم لن يتراجعوا عن حقهم المشروع في وطنٍ حر مستقل مهما تكالب عليهم الأعداء واستبدت بهم الخطوب.

عبد القوي السباعي| المسيرة

مقالات مشابهة

  • رسائل طوفان الأقصى تتجاوز الزمان والمكان
  • مسير لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في مديرية بلاد الروس بصنعاء
  • رئيس الأركان الإسرائيلي يعترف بفشله في مواجهة "طوفان الأقصى" ويعلن استقالته
  • رئيس الأركان الإسرائيلي يعترف بفشله في مواجهة طوفان الأقصى
  • رئيس الأركان الإسرائيلي يعترف بفشله في مواجهة طوفان الأقصى «فيديو»
  • بدء الحساب في الداخل الصهيوني:طوفان الأقصى يطيح برئيس أركان جيش الاحتلال وقائد «المنطقة الجنوبية».. ومطالبات باستقالة نتنياهو وحكومته
  • مفكرون عرب: تجربة اليمن في “طوفان الأقصى” نموذج يُحتذى به للأمة وقواها الحية
  • تأملات في أبرز محطات معركة “طوفان الأقصى”.. من ساعة الصفر حتى إعلان الانتصار
  • مؤشرات النصر الفلسطيني وما قد تحمله المرحلة الثانية من طوفان الأقصى
  • سخرية وحزن في إسرائيل من وعد نتنياهو بالنصر المطلق في غزة