السودان: قطع الرؤوس.. فقد فارق الحال دفنها في الرمال
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
محمد بدوي
أشكال الانتهاكات التي حملها سجل الحرب التي انطلقت في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ بالسودان، على سبيل الإشارة وليس الحصر حالات الذبح وقطع الرؤوس والتمثيل وحرق الجثث، وتصوير الحالات وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل الأمر في سوئه وقبحه وامتهانه لكرامة الانسان، ظل يطرح تساؤلات عن الأسباب وراء هذه الأنماط.
في البدء لابد من الاشارة الي أن الاجابة قد تتطلب مباحث كاملة للتناول لكن سيكتفي المقال بمحاولة الإشارات غير المخلة تاركا الأمر لمزيد من البحث التفصيلي، ففي تقديري أن الأشكال التي حملتها الحرب الراهنة ليست جديدة بل هي استدعاء لسجل ممارسات سابقة في فترات مختلفة، وقبل الخوض لابد من الإشارة إلي أن الصراعات ذات الدوافع السياسية في السودان ظلت تشهد هذه الانتهاكات بينما يمثل غياب الدافع السياسي، غياب لهذه الاشكال في الصراعات ذات الطابع القبلي والمرتبطة بملكية الارض أو الموارد، بما يجعل ارتباط هذه الاشكال بالصراعات السياسية دون سواها.
بالنظر إلى قطع الرؤوس فالخلفية التاريخية لفترة المهدية، حملت رأس غردون باشا الحاكم العسكري البريطاني، في معركة تحرير الخرطوم، عقب انتصار الانصار، في تطورات لاحقة فقد شهدت فترة حكم الخليفة عبدالله التعايشي الحبس في شكل يجعل من المحبوس في هيئة لا يستطيع معها الجلوس، او الوقوف، تطورت الحالة الى الحريق الذي تم لإسماعيل باشا من قبل المك نمر بشندي انتقاماً من إهانة وجهها له ، وتوالى سجل الممارسات إلى حادثة قطار الضعين ١٩٨٦، وحرق مجموعة من الدينكا في محطة الضعين من قبل مجموعة من الزريقات، وجاء هذا عقب ثلاث سنوات من بدء تدشين الحركة الشعبية لتحرير السودان لنشاطها، وعامين عقب بدء تأسيس المليشيات الرديفة والتي عرفت بالمراحيل ١ و٢.
في حرب دارفور شهدت مناطق جبل مرة رمي الرجال أحياء في المطامير المشتعلة، و دفن بعض الرجال في بعض المناطق احياء، والقصف الجوي بالبراميل الحارقة الذي إمتد لسنوات في جبال النوبة والنيل الازرق والذي حمل الموت في معادلة ( الحرق وقطع الأوصال) نتاج القنابل المصنوعة من المواد المتفجرة الحارقة مع قطع الحديد ،بل حمل السجل في ٢٠٢٣ قبل بدء الحرب بوقت قصير حادثة رجم شخصين من الرعاة في منطقة تندلتي، بغرب دارفور من قبل السكان المحليين على خلفية اتهام بحادثة جنائية، لم يتم التحقق منها بشكل رسمي، في تنفيذ لعقوبة رجم غير قانونية، آخر الاحداث هي التمثيل بجثة الوالي السابق لغرب دارفور خميس ابكر عقب مقتله في يونيو ٢٠٢٣ .
اما سجل التعذيب الممارس من قبل الدولة فقد شمل التعذيب، بغرس المسامير في الرؤوس في حالة الدكتور على فضل، والدفن في حفر تحت الأرض مع ابقاء الراس للإجبار على الاعتراف، اضف الي ذلك الاعدامات السياسية في التهم المرتبطة بالانقلابات العسكرية والجرائم الاقتصادية “التعامل في النقد الاجنبي” حالة مجدي محجوب، والدفن في مناطق مجهولة لذوي الضحايا في حالتي زعيم الجمهوريين محمود محمد طه في 1985وضباط حركة ٢٨ رمضان 1991
الاغتصاب وغيرها من الاشكال الأخرى، بل إن كافة اشكال الانتهاكات التي ظهرت في الراهن يمكن الرجوع الي بداية سجلها المتطابق منذ ١٩٨٤ والذي كان موجها إلى المجموعات التي تقطن في اقليم جنوب السودان على التماس مع الاقليم الشمالي الذبح وقطع الاوصال هو ما هدد به المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات الفريق صلاح قوش في العام ٢٠٠٨ للمتهمين بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ،اضافة الي ظهورها في الممارسة المرتبطة بالتعذيب من قبل أجهزة الامن و انفاذ القانون في مواجهة المعارضين السياسيين او النشطاء المدنيين
من جانب آخر فهنالك سياسات الدولة التي ارتبطت بالصراعات السياسية مثل اعلان الجمهورية الاسلامية في ١٩٨٣ وتطبيق العقوبات الحدية، بدوافع سياسية مثل القطع في حالة السرقة كحالة لإثبات تطبيق الحدود، وتدين هوية الدولة وعسكرة المجتمعات في سلك المليشيات بدء من ،١٩٨٤، ثم التكوينات العشائرية المسلحة للكسب السياسي من قبل السلطات الحاكمة كالتجمع العربي في دارفور ١٩٨٦، غياب التنمية والعدالة الاجتماعية، وغياب دور الدولة في الخدمات، اضافة الي سجل العنف المخطط والواسع خلال فترة حكم الاسلاميين السودانيين ١٩٨٩ الي ٢٠١٩، جميعها رسخت في فترات مختلفة، قادت الي تراكم سجل العنف في الممارسة وعلى مستوى الاذهان، منهج الحلول التي ظلت تجنح الي التسويات العرفية الي جانب الفلسفة التي رسخها غياب دور المؤسسات العقابية او السجون والاصلاحيات في الاصلاح، وركونها إلى فكرة العقوبة التي تأثرت باتساع نطاق العقوبات الجسدية والسالبة الحرية ،ولا سيما في التعديلات التي حملتها قوانيين العام ١٩٩١، والحزم السياسية التي اطلقت تحت اسم قوانيين النظام العام والتي ركنت الي ترسيخ عقوبة الجلد بشكل واسع، كل هذا مع ترسانات الحصانات من المحاسبة التي شكلت جداراً مانعاً لسبل الإنصاف هذا مع تراكم السجل الوطني للانتهاكات والناتج عن اتساع الصراعات السياسية، وتعددها ومواجهتها في كثير احيان بعقوبات الاعدام ذات الدوافع السياسية، التي تأتي كمحصلة لتطبيق غير صحيح للقانون أو لمحاكمات غير عادلة ودستورية احياناً، لابد من الاشارة الى ان فشل المؤسسات العقابية في الاصلاح برز في مشاركة بعض السجناء الفارين من السجون في الحرب إلي جانب الاطراف و المشاركة بذات القدر في سلسلة الانتهاكات التي تحدث، اضف إلى ذلك اثر خطاب الكراهية والتمييز في تحفيز والتعبئة للانتهاكات ونجاحه في المشهد مرتبطا بطبيعة اطراف الحرب ودوافع الحرب في سياق صراع السلطة والموارد وقطع الطريق على التحول المدني الديمقراطي، جميع هذه الاسباب ظلت ترسخ إلى أن الانسان او المواطن السوداني في سياق نظر السلطات الحاكمة لم يكن محوراً للاهتمام والحماية والمعاملة الكريمة كما هو وضعه في سياق المواطنة المنصوص عليها دستوريا.
الخلاصة: ما يحدث اليوم هو نتاج لسجل الانتهاكات وغياب الإنصاف وعسكرة المجتمعات، ومواجهة الصراعات السياسية بالسلاح بدلاً من الحلول السلمية والتنمية، وارتقاء الهوس العقائدي إلى مدى جعل من الموت يستهدف الملايين من فئة الشباب في حروب سياسية في دولة نسبة الشباب فيها ٦٠.٤٪ ظلوا ضحايا على الدوام للقتال السياسي سواء عبر التعبئة و استغلال العاطفة او التجنيد الإجباري والقتال المرفوض ضميرياً.
فشل إدارة الدولة ليست في التنمية الغائبة، وغير المتوازنة او الفساد، لكن في تعميد رأس المال البشري بالاقتراب من الموت السياسي سَنْبلة ولا زال من يَذَبح ويُذَّبح من فئة الشباب، والمفارقة في أن بعض من مناصري استمرار الحرب عبروا الشباب فئة، و الحرب مكانا
الوسوممحمد بدويالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: محمد بدوي الصراعات السیاسیة من قبل
إقرأ أيضاً:
الانتخابات الأمريكية.. البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الأعظم
الكاتبان: د. بلال الخليفة وحسنين تحسين
تستحوذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 على اهتمام عالمي واسع؛ حيث ان اليوم هو موعد الانتخابات الامريكية وانظار العالم اجمع نحو صندوق الانتخابات وما سيفرزه من نتيجة حول فوز من؟ هل سيكون الفائز هو ترامب او هاريس؟، حيث نشر في صحيفة لوموند إن الصين تتابع الحملة الانتخابية الأميركية بأقصى درجات الاهتمام، وهي لا تتساءل عن المرشح الأفضل لمصالحها، لأنها مقتنعة أنه لا وجود له، لكنها تبحث عن "أفضل السيئيْن".
والسبب في ذلك هو لما للولايات المتحدة الامريكية من تأثير كبير في العالم كقوة عسكرية وسياسية واقتصادية، والذي يعنينا الان هو ما للولايات المتحدة الامريكية من قوة اقتصادية كبية، لقد تطور الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير بسبب معدلات الإنتاج الضخمة والتكنولوجيا الرائدة، والهيكل الإداري الكامل، واحتلت منذ فترة طويلة المرتبة الأولى في العالم اقتصاديا، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 50000 دولار أمريكي.
تحتل أمريكا المرتبة الثانية عالميًا في إجمالي الصادرات، وتعد أكبر مُصدر للخدمات في العالم، حيث تمثل الخدمات ثلث إجمالي صادراتها بشكل عام، وأبرز ما تصدر هو: البترول المتكرر، البترول الخام، السيارات، قطع غيار المركبات والدوائر المتكاملة.
بالعموم، ان الاقتصاد والانتخابات مرتبطان فيما بينهما، الأول يتحكم بالثاني والعكس صحيح، خصوصا، فالوضع الاقتصادي يفرض على المرشحين ان يتناغموا مع متطلبات المواطن وبالتالي تحكم الاقتصاد بالانتخابات، اما العكس فيكون البرنامج الاقتصادي للمرشح سيرسم الخارطة الاقتصادية للبلد وفي حال أمريكا سيؤثر في اقتصاد العالم.
كما أن الاقتصاد يمكن أن يكون عاملًا محوريًا في نجاح أو فشل الرؤساء المرشحين، على سبيل المثال؛ كان للأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 تأثيرًا كبيرًا على نتائج انتخابات 2008، حيث ساهمت في فوز باراك أوباما على جون ماكين، لذلك يركز المرشحين على اهم الأمور التي تكزن مهمه في راي الناخب.
مثلا، ترامب أوضح توجهاته على الصعيد الاقتصادي من خلال طرح الأجندة وتتضمن تعزيز الحمائية التجارية من خلال فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، وتعريفة بنسبة 60% على الواردات من الصين، بالإضافة إلى خفض تكلفة استهلاك الطاقة والكهرباء.
اما هاريس، فقد ركزت على بناء النظام الضريبي، ورفع معدل ضريبة الدخل على الشركات الأمريكية إلى 28%.
هذا فيما يخص الداخل ، اما المهم بالنسبة لبقية العالم هو سياسة المرشح الخارجية، بالحقيقة ان نتائج الانتخابات ستكون بثلاث سيناريوات
الأول: فوز ترامب
1 - وهذا له رؤية خاصة بالمنطقة وصرح عنها عند لقاءه بالأمريكان المسلمين وهي ضرورة انهاء الحرب بالمنطقة .
2 - اما فيما يخص الصين او القوى الشرقية فله قول (قال دونالد ترامب إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض فإن الصين لن تجرؤ على استفزازه لأن الرئيس شي جين بينغ يعرف أنه "مجنون"، وأوضح ترامب: "أود أن أقول إنه إذا ذهبت إلى تايوان، فأنا آسف لفعل هذا، سأفرض عليك ضريبة بنسبة 150 في المئة، إلى 200 في المئة)". ومثلما قلنا أعلاه انه سيفرض رسوماً جمركية على الصين وخصوصا إذا سعت إلى حصار تايوان.
ومع العرض ان تايوان هي واحدة من اهم نقاط الخلاف لانها تحتوي على اهم المصانع في العالم تصنع المعالجات الرقمية وصناعة اشباه الموصلات التي تستخدم في الصناعة الالكترونية ونحن نعلم ان المعارك الان تدار الكترونيا وتكنلوجيا وبالتالي ان الخطوة الواحدة التي ستشعل الحرب العالمية الثالثة هي تايوان وخصوصا ان بوادرها موجودة وهي حرب اوكرانيا وغزة ولبنان.
3 - اما فيما يخص روسيا فلترامب قول في الرئيس بوتين وهو "لقد كنت على وفاق معه بشكل رائع". وبالتالي انه سيعمل على انهاء الحرب ومحاولة استمالة روسيا بدل استعدائها.
4- فيما يخص الشرق الأوسط فان ترامب واضح بعدم العودة للاتفاق النووي السابق مع ايران و لهذا ترغب دول الخليج العربي بفوزه كونه اشد وضوحًا و مراعاة لحقوق طرف الاتفاق، و يصر ترامب على انه سيحقق صفقة كبيرة مع ايران تُنهي الأزمات معها.
الثاني: فوز هاريس:
1 - ان هاريس صرحت مؤخرا انها مع السلام وانتهاء الحرب أيضا في غزة ولبنان (تفاصيل ذلك توضح لاحقا) .
2 - اما فيما يخص الصين ، انها قد تواصل الخط الدبلوماسي لبايدن، الذي حث حلفاء الولايات المتحدة على رص الصفوف ضد الصين وحاول دفع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى إدراج التهديد الصيني على جدول أعماله. كما ان اختيارها لفيليب جوردون كمستشار للأمن القومي يشير إلى تحول محتمل في السياسة الأمريكية تجاه الصين، حيث قد يختلف نهج جوردون البراجماتي عن الموقف الأكثر مواجهة لإدارة بايدن.
3 – فيما يخص روسيا: حيث صرحت هاريس أنها لن تلتقي حال فوزها، الرئيس فلاديمير بوتين لبحث الحرب في أوكرانيا، من دون حضور ممثل عن كييف، ان موقفها اكثر تشددا وقالت أيضا قالت المرشحة الديمقراطية "نحن ندعم قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي غير المبرّر".
4- فيما يخص الشرق الأوسط تميل هآريس كما يميل الديمقراطيون إلى عدم كسر ايران و السعي للعودة للاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني و هو ما لا يفضله عرب الخليج كون ان أمريكا هنا لا تراعي مصالحهم.
ثالثا: هو الحرب الاهلية او الفوضى في أمريكا
حتى وان كان الامر مستبعد لكنه محتمل خصوصا ان ترامب صرح عدة مرات بانه سيفوز حتما وغير ذلك يعني تزوير وهذا تصريح برفض نتيجة الخسارة نهائيا، مع العلم بوجود استطلاعات الرأي تشير إلى قلق 27% من الأمريكيين من هذا السيناريو، مما يعكس الانقسام العميق في المجتمع الأمريكي، وكما قال السيناتور الجمهوري جورج لانغ إن "الحرب الأهلية قد تكون ضرورية إذا خسر الجمهوريون الانتخابات الرئاسية في نوفمبر"
خلاصة الامر فيما يخص المنطقة هي ان الحرب ستنتهي بعد الانتخابات لان إسرائيل لا تستطيع ان تتحمل الحرب اكثر ، لكن تؤجل توقف الحراب وتماطل بالمفاوضات كي يكون وقف الحرب هدية للرئيس المقبل بانها نزلت بالسلام لرغبة الرئيس وهو بالتالي قد اوفى بوعوده الانتخابية
وان انتهاء الحرب يعني عودة الاستقرار النسبي لاهم منطقة في العالم من حيث الإنتاج والامتلاك للثروة الهيدروكاربونية وهي اللاعب الأول في الاقتصاد العالمي وكما ان الهدوء سيعم أيضا مضيق باب المندب الذي يؤثر أيضا على خط مهم جدا للتجارة العالمية.
اما المواجهة الاقتصادية مع روسيا والصين فالأمر لن ينتهي وخصوا ان سر قوة أمريكا في عولمة الدولار (او دولرة الاقتصاد العالمي) وان الجبهة الشرقية وبعدما أسست تجمع بريكس وطرحهم لفكرة عملة جديدة للتعامل بينهم (بريكس) فهذا يعني مزيد من التوتر الاقتصادي.