في فبراير عام 2022م، وفي إطار التحضير لبرنامج (الوقف حياة) الذي بثته القناة العامة بتلفزيون سلطنة عمان في رمضان 1443هـ، والذي هدف للتعريف بالوقف وإسهاماته في الحياة الثقافية والاجتماعية والدينية، من خلال استعراض نماذج وقفية في سلطنة عمان، مع ذكر أمثلة تاريخية من العالم الإسلامي، وتجارب عالمية معاصرة، أجريتُ عددا من الاتصالات مع بعض المؤسسات الوقفية العامة التي أنشئت إلى ذلك الحين، لأعرض عليهم المشاركة في البرنامج وعرض تجربتهم، إلا أنني لم أوفق في كثير من الاتصالات، وتبين لي من خلال حديث بعض أعضاء مجالس إدارات تلك المؤسسات جانبا من التحديات التي تواجهها المؤسسات الوقفية العامة المعلنة حديثا في سلطنة عمان.

مع صدور القرار الوزاري رقم 633/ 2015، أُضيف إلى اللائحة التنفيذية لقانون الأوقاف فصل ثامن بعنوان المؤسسات الوقفية (المواد 28-54)، والذي يُعَدُّ بحق نقطة مفصلية وانطلاقة لمرحلة مهمة من مسيرة الأوقاف في سلطنة عمان، إذ أسس هذا الفصل للإدارة الوقفية الحديثة المتمثلة في إنشاء المؤسسات الوقفية، فأُنشئت على إثر صدوره عدد من المؤسسات الوقفية العامة والخاصة في مختلف محافظات البلاد، والتي يؤمل منها أن تقود عملية تطوير العمل الوقفي خلال السنوات القادمة، ولتكون عنصرا فاعلا في التنمية المستدامة، وتحقيق بعض مستهدفات «رؤية عُمان 2040».

منذ أن أُشهرت أول مؤسسة وقفية عامة في سلطنة عمان عام 2018م، حتى عام 2023م أنشئت أكثر من عشر مؤسسات وقفية عامة، تتفاوت أعمارها اليوم بين سنتين إلى أربع سنوات فقط، وهو ما يعني أن معظمها لا تزال في مرحلة التأسيس ووضع القواعد الأساسية للانطلاق نحو تحقيق الأهداف المرجوة منها، فمن المعلوم أن المؤسسات الوقفية تختلف عن المؤسسات الخيرية الأخرى في أنها لا تُنفق على كلفتها التشغيلية، وتغطية النفقات التي وقفت من أجلها من الدعم المباشر الذي يصلها من الواقفين، فما يصل إليها من مال إنما هو وقف، أي سيكون من ضمن أصول المؤسسة التي لا تدخل ضمن الإنفاق، وإنما يجري العمل من قبل إدارة المؤسسة على تثميرها، وتعظيم العائد منها، ثم بعد ذلك يتم الإنفاق من الأرباح العائدة من تثمير تلك الأصول، ولذلك فهي تحتاج إلى فترة تأسيس طويلة نسبيا حتى يتحقق العائد المرجو من الأصول الموقوفة.

كشف الحديث مع بعض أعضاء مجالس إدارات تلك المؤسسات الوقفية العامة جانبا من التحديات التي كانت تواجه تلك المؤسسات، ولا تزال تواجهها -بحسب اطلاعي- إلى اليوم، والتي تحتاج إلى دعم مجتمعي أولا، ورسمي ثانيا لمواجهتها في مرحلة التأسيس، حتى تقف على قدميها، وتجتاز المرحلة الأصعب نحو الانطلاقة الفاعلة، إذ تعاني تلك المؤسسات من ضعف الدعم المجتمعي لها، وبالتالي ضعف الأصول الوقفية التي استطاعت أن تجمعها، لا سيما أنها أنشئت في مرحلة مرت بها البلاد بظروف اقتصادية صعبة، تلتها مرحلة جائحة كورونا التي أثقلت كاهل الدولة والمجتمع على حد سواء، كما تواجه تلك المؤسسات إشكالات أخرى تتمثل في صعوبة توفر الكادر الذي يتمتع بمهارات القيادة في القطاع الوقفي، كما أن إدارة المؤسسة تحتاج إلى تفرغ، وتفرغ الكادر المتخصص الماهر يحتاج إلى كلفة مادية عالية نسبيا مقارنة مع مقدرة المؤسسة الناشئة التي إن امتلكت رأس مال ضعيف، فهي لا تمتلك العائد المجزي القادر على تحمل كلفة تشغيل تلك القيادات المدربة، إضافة إلى ذلك تواجه بعض المؤسسات العامة تحديات التعامل مع الإرث الوقفي المتمثل في الحصر وإثبات الملكية وإعادة إدخاله إلى سوق الاستثمار، إلى جانب تحديات أخرى يطول الحديث في بيانها.

شكلت تلك التحديات، عائقا كبيرا أمام انطلاقة تلك المؤسسات الانطلاقة الحقيقية المرجوة، وحالت دون ظهورها بفاعلية في الولايات التي تأسست فيها، الأمر الذي يستدعي وقفة اجتماعية جادّة، ورسمية مساندة تتمثل في الدعم المالي من قبل المجتمع والجهات الرسمية معا، كما يتطلب الأمر من الجهات الرسمية إعداد البرامج التدريبية المتخصصة لبناء الكفاءات القيادية وتأهيلها في مجال فقه الأوقاف، والإدارة، والاستثمار، وإدارة المخاطر، والتسويق، والمحاسبة في القطاع غير الربحي، وغير ذلك مما تحتاجه الإدارة المؤسسية المحترفة التي يؤمل منها القيادة الواعية القادرة على استقطاب الأموال وإدارتها وفق مقتضيات الشرع، وضوابط المؤسسة.

* قائمة المؤسسات الوقفية العامة والخاصة بحسب الموقع الإلكتروني لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية:

https://waqf.mara.gov.om/ar/services/establishment#

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی سلطنة عمان تلک المؤسسات

إقرأ أيضاً:

الميزانية على المحك إعادة ترتيب الأوراق لمواجهة تحديات النفط

بقلم: الحقوقية انوار داود الخفاجي ..

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية وتداعيات إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن فرض ضرائب جديدة قد تؤدي إلى انخفاض عائدات النفط، يجد العراق نفسه أمام ضرورة إعادة تقييم ميزانيته الحكومية وتحديد أولويات الإنفاق بما يحفظ الاستقرار الاقتصادي. حيث تشكل هذه الخطوة محوراً أساسياً في سعي الدولة إلى تعزيز احتياطياتها المالية والاستعداد لتداعيات انخفاض الإيرادات النفطية التي تُعد المصدر الرئيسي للدخل الوطني.

السؤال هنا هل بدأت الجهات المعنية في العراق بدراسة موسعة لتشمل كافة بنود الميزانية ؟ وهل تم التركيز على مراجعة النفقات غير الضرورية والعمل على تأجيل المشاريع التنموية التي لا تُعتبر من متطلبات الأولوية القصوى، وذلك لإتاحة مساحة مالية تساعد على تعويض الخسائر المحتملة ؟
وهنا لحظة إدراك ان هذه الإجراءات في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى تحسين إدارة الموارد وتوفير احتياطي نقدي يمكن استخدامه في الحالات الطارئة، مع ضمان استمرارية الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون.
كما يُعتبر تقليص النفقات خطوة حاسمة لتحقيق الكفاءة الاقتصادية، إذ إن إعادة توزيع الموارد المالية نحو القطاعات الحيوية سيساهم في ضمان استقرار الاقتصاد الوطني. ففي الوقت الذي يحاول فيه العراق مواجهة التحديات المتجددة على الصعيد الدولي، تكمن الحكمة في تحقيق توازن بين تقليص النفقات وتسريع تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تهدف إلى تحسين البيئة الاقتصادية وتطوير البنية التحتية الحيوية لدعم النمو.

من جهة أخرى، لم يأت هذا الإجراء بمعزل عن خطوات تهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد العامة، حيث تعمل الجهات المعنية على وضع آليات رقابية تضمن عدم إساءة استعمال الأموال المخصصة لخدمة المصلحة الوطنية. ويأتي ذلك في وقت تسعى فيه الدولة إلى إعادة الثقة بين المواطنين وصناع القرار من خلال إعداد تقارير دورية توضح حالة الميزانية والتعديلات التي طرأت عليها، مما يساهم في تعزيز الدعم الشعبي للسياسات الإصلاحية.
كما أن تأجيل بعض المشاريع التنموية التي لا تُعتبر ضرورية في الوقت الراهن لا يعني التخلي عن أهداف التنمية، بل يُعد خطوة مؤقتة لإعادة توزيع الميزانية بما يضمن استمرارية المشاريع التي تستدعي اهتماماً فورياً لتحقيق التنمية المستدامة، و يُمكن القول إن إعادة تقييم الميزانية الحكومية وتحويل التركيز إلى النفقات الأساسية تُمثل جزءاً من الجهود الهادفة إلى تعزيز القدرة المالية للدولة ومواجهة أي تقلبات محتملة في أسواق النفط العالمية.

في الختام، يجب ان يظهر العراق نهجاً استباقياً في مواجهة تحديات انخفاض عائدات النفط عبر إعادة تقييم الميزانية الحكومية وتحديد أولويات الإنفاق. وهذه الخطوات ليست سوى بداية لمسيرة إصلاحية أوسع تطمح إلى تحقيق استقرار اقتصادي يمكن الدولة من تجاوز التقلبات العالمية وضمان استمرار الخدمات الحيوية للمواطن، مما يعكس عزم العراق في إعادة ترتيب أوراقه الاقتصادية لمواجهة تحديات المستقبل بثقة وإصرار.

انوار داود الخفاجي

مقالات مشابهة

  • الحقيقة الواضحة أن الميليشيا بلغت مرحلة الانهيار شبه الكامل
  • كهرباء إدلب تنصب الأبراج وتجهز خط التوتر 66 ك.ف لإيصال الكهرباء إلى جسر الشغور وعدد من بلدات جبل الزاوية
  • التنمية الإدارية ومحافظة دمشق تبحثان سبل تطوير عمل المؤسسات العامة
  • الميزانية على المحك إعادة ترتيب الأوراق لمواجهة تحديات النفط
  • أستاذ علوم سياسية: مصر تتمتع باستقرار أمني وسياسي رغم ما يحيط بها من تحديات
  • ضبط عائلات سجناء استغلت قفة عيد الفطر لإدخال الممنوعات
  • عُمان تستضيف المؤتمر السنوي للبنوك التنموية في آسيا والمحيط المحيط الهادي
  • إدارة السجون تضع حدا لولوج قفة العيد في الأعياد بسبب تهريب المخدرات
  • تحديات واحتياجات القطاع الصحي في سوريا ضمن ورشة عمل لوزارة الصحة
  • السوداني: العراق يواجه تحديات في المجالات المالية والمصرفية