لجريدة عمان:
2025-04-29@20:37:08 GMT

حدث ذات يوم

تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT

حدث ذات يوم

كثيرة هي المحطات التي تستحق الوقوف عندها في مسيرة كل إنسان عموما، والأكثر هي المحطات التي توقفتْ بها مسيرتي الحياتية الصاخبة بالأحداث الكثيرة الملونة، لكنني توقفت عند هذه المحطة بالذات نظرا لقربها من الذاكرة زمنيا ونظرا لكونها ما زالت حية في أذهان كثير من الناس عبر نقلها تلفزيونيا. وتناقلها في الأحاديث المجتمعية.

الحدث هو ندوة المرأة العمانية التي أقيمت بأوامر سامية للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه في رحاب المخيم السلطاني بسيح المكارم في ولاية صحار خلال الفترة من 17 إلى 19 أكتوبر 2009م، كانت أوراق الندوة كلها تدور حول أهمية مشاركة المرأة العمانية في مجلس الشورى، وأثارت ورقتي المعنونة بـ «مشاركة المرأة العمانية في مجلس الشورى» الكثير من التساؤلات والتعليقات، لعل أبرزها قول رجل من الحضور معلقا: نحن لا نريد المرأة العمانية أن تشارك في مجلس الشورى والمقصود بنحن -جملة الرجال العمانيين بالطبع- ثم أكمل: فالمرأة أكرم من أن تزاحم الرجال في عمل خاص بهم، وفي موروثنا العماني نحافظ على المرأة لتكون مصانة مكرمة، فهي كالدرة المصونة والجوهرة المكنونة ومكانها هو البيت.

تعليق منطقي طبعا أفسده جوابي له الذي نزل عليه كالصاعقة وكان ملخص الجواب.. «يا أخي الكريم أنا لا أريد أن أكون درة مصونة وجوهرة مكنونة لأنني أغلى وأكرم بكثير من هذه الجواهر، فأنا إنسانة وسبحانه وتعالي كرَّم الإنسان عندما قال: «ولقد كرَّمنا بنى آدم»، وأنا يا أخي الكريم إنسانه مثلي مثلك لي ما لك من حقوق، وعليَّ ما عليك من واجبات».

بعد انتهاء أوراق الندوة تشرفنا نحن النساء المشاركات في هذه الندوة بالسلام على جلالة السلطان قابوس بن سعيد في خيمة استقبال الضيوف، حيث تشرفنا بالسلام عليه والجلوس معه وبدأ بالنقاش معنا قائلا من منكن التي ردتْ على الرجل الذي شبهكن بالدرر والجواهر؟ فكانت الردود تشير إليَّ إنها الدكتورة سعيدة خاطر، وبعد أن طلب جلالته مني أن أعيد جوابي على الرجل أمامه أضاف باللهجة العمانية اللطيفة وهو يضحك: «تو هذا مو وقعه في هذه الورطة، يحسب نفسه يقدر يضحك عليكن بهذه الكلمات درة مصونة وجوهرة مكنونة، مسكين.. هذا ما يعرف العقول التي يتناقش معها!!!»، والحقيقة أن جلالته اشتد عليه الضحك، لدرجة أنه بعد انتهاء الندوة كثير من الناس سألني ماذا فعلتن بالسلطان؟ أول مرة نراه يضحك هكذا.. وقال أحد الوزراء بصراحة لم يسبق لنا أن رأيناه يضحك بهذا الشكل، على كثرة لقاءاتنا معه، وأضاف مع أنني شخصيا حاولت كذا مرة أن أجعله يضحك لكن مجاملة منه كان يبتسم مجرد ابتسامة خفيفة، فماذا حصل معكن؟!

قلت: لقد كان فرحا بنا متباسطا معنا وعاملنا بحنان وعطف أبوي كما يعامل الأب بناته.

والحقيقة أن السلطان كان يعرف كل ما دار في الندوة، وكان يعرف ما قاله الرجل، ومن التي ردت عليه، وكيف ردتْ؟ لكن تساؤلاته كانت نوعا من إزالة الرهبة والخجل منا وطريقة لطيفة لافتتاح الحديث، والجميل أن الأمر مرَّ دون أن نكشف اسم الرجل أو أين يعمل؟ فقد كان أمرا سيئا أن يعرف جلالته أن الرجل كان يعمل إداريا في جامعة السلطان قابوس، ثم استقال ليترشح للشورى وبالفعل فاز وصار عضوا بمجلس الشورى، وما أصعب الوقع على جلالته لو عرف أن الرجل الذي نضحك على موقفة كان واحدا من رجال الدولة في مجلس الشورى، الحقيقة كانت هذه المشاركة حدثا مميزا لي وللمرأة العمانية، وحصدت المرأة بشكل عام بعد هذه الندوة الكثير من المكرمات السلطانية والمنافع للمطلقات والأرامل والبعثات الطلابية للبنات وتكافؤ الفرص تعليميا وعملا.

وتحمل لي الذكرى عبق نساء بارزات مثل الدكتورة شريفة بنت خلفان اليحيائية وزيرة التنمية الاجتماعية آنذاك التي كانت متحمسة جدا لما سيعود على المرأة العمانية من مكاسب إثر التوصيات التي ستخرج من الندوة لصالح النساء عموما، والدكتورة شريفة -والحق يقال- امرأة واعية مثقفة لها بصمتها المميزة، وحضورها الباذخ، وتحضرني ذكرى الدكتورة منى الجردانية وكيلة وزارة التربية والتعليم حينها التي أشرفت إشرافا مدهشا وحازما على دقة محتوى أوراق الندوة ومراجعتها علميا مراجعة محكمة، تليق بالمقام السامي الذي سترفع إليه.

وتحضرني ذكرى يفوح أريج إنسانيتها لدى كل من يتذكرها إلى الآن، إنها شمعة وزارة التنمية التي كانت مديرة دائرة المرأة والطفل والمسؤولة عن الندوة ككل حتى أنهتها على أجمل وأكمل ما يجب أن تكون عليه، وذهبتْ شهيدة العمل المتقن والواجب، وانطفأت شمعتها للأبد، مع كونها شابة في مقتبل العمر الجميل، لكن ظل نورها مشعشعا في قلوب المحبين للأبد، إنها يسرى بنت خميس الفارسية محبة العطاء والعمل بلا حدود، ولا أستطيع أن انهي ذكرى ذلك اليوم دون التوقف في محراب الصداقة حيث تقف سيرين بنت علي القاضي علامة فارقة شاركتني في أعمال تطوعية عديدة كقائدة مؤسسة في جمعية المرشدات العمانية وكعضوة فاعلة في جمعية المرأة العمانية، وسافرنا سويا لنمثل الوطن في عدة مؤتمرات وندوات، ومؤخرا اشتركنا في هذه الندوة التي تم تكريمنا فيها سويا.. لكن سيرين الجميلة روحا وشكلا وعقلا اختارت عزلتها البيضاء، بعد مسيرة خضراء مغدقة بالخير والعطاء والجمال.

رحم الله السلطان الفقيد قابوس بن سعيد وأفاء عليه عن منجزاته العظيمة خير الثواب وعظيم الأجر والرحمات المتوالية من دعاء قلوب محبيه الصادقة، وبركات هذا الشهر الفضيل المزهرة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المرأة العمانیة فی مجلس الشورى

إقرأ أيضاً:

الدبلوماسية العمانية والمفاوضات النووية

كمراقب للشأن الوطني والإقليمي والدولي منذ عقود يمكن القول بأن الدبلوماسية العمانية ارتكزت على محددات أساسية منذ فجر نهضتها الحديثة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- يوم ٢٣ يوليو ١٩٧٠، حيث إن تحديد الأسس لأي سياسة خارجية ينتج عنه سلوك محدد واضح لا يتغير إلا في إطار الآليات التي تفرضها الأحداث ومع ذلك تبقى الثوابت راسخة وهو الأمر الذي أكد عليه السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابه الأول عند تسلمه مقاليد الحكم في البلاد في الحادي عشر من يناير 2020. ومن هنا فإن ثبات مرتكزات السياسة الخارجية لسلطنة عمان على مدى ٥٥ عامًا أعطى للمجتمع الدولي ثقة كبيرة في نزاهة ومصداقية تلك السياسة التي تقوم على آليات الحوار والمصداقية وعدم التدخل في شؤون الآخرين ومناصرة القضايا العادلة.

وخلال أكثر من خمسة عقود كانت هناك اختبارات حقيقية للسياسة الخارجية العمانية على الصعيد العربي والإقليمي والدولي وكمراقبين وصحفيين لسياسة بلادنا الخارجية، ومن خلال عشرات الحوارات مع القيادات السياسية من القارات الخمس هناك إجماع بأن السياسة الخارجية لسلطنة عمان هي الأعلى مصداقية وثباتًا، وهناك شعور بالارتياح للأطراف والفرقاء عندما لا تكون الدبلوماسية العمانية حاضرة لمساعدة الآخرين.

هذه المقدمة ضرورية والعالم شرقه وغربه تابع انطلاق المفاوضات الأمريكية الإيرانية في الثاني عشر من أبريل، حيث انطلاق الجولة الأولى في عاصمة السلام مسقط وبعدها الجولة الثانية في العاصمة الإيطالية روما وتحديدًا في مقر السفارة العمانية، وكانت الجولة الثالثة المهمة في مسقط، حيث دخلت المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن مرحلة حاسمة من خلال الفرق الفنية والدخول مباشرة إلى قضايا أساسية في البرنامج النووي الإيراني علاوة على الموضوع الأساسي الذي يهم إيران وهو رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وهي عقوبات قاسية منذ عقود، وكان لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد الإيراني.

إنَّ جهود سلطنة عمان من خلال الدبلوماسية والحوار وتقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن ليست جديدة بل تعود إلى عام ٢٠٠٨ خلال وجود الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد وتطورت الجهود الدبلوماسية العمانية حتى انطلاق المفاوضات السرية في مسقط وبعد ذلك علنية في عدد من العواصم الدولية ومنها الجولة قبل الأخيرة في مسقط التي تبعها توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة القوى الدولية وهي الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا الاتحادية، والصين، وكانت جولة مسقط التي شهدنا أحداثها، حيث الحوار الأمريكي الإيراني وبقية الوفود ونجاح الدبلوماسية العمانية في خفض التصعيد وإنقاذ المنطقة من نشوب حرب كارثية، وعلى ضوء ذلك نشهد مجددًا عودة الجهود الدبلوماسية العمانية من خلال العودة إلى المفاوضات الأمريكية الإيرانية بهدف الوصول إلى اتفاق شامل وملزم بحيث يبقى الاتفاق ملزمًا لكلا الطرفين بغض النظر عن تغيير القيادات خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انسحبت إدارة ترامب عام ٢٠١٨ من الاتفاق النووي الإيراني رغم التصديق عليه بقرار من مجلس الأمن الدولي ومن خلال تأييد المجتمع الدولي لإنهاء التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.

لقد تابع العالم انطلاق الجولة الأولى في مسقط وهو يترقب نتائج تلك الجولة الحاسمة لأن مسار أي مفاوضات يتحدد إيجابا أو سلبا من خلال الساعات الأولى لتلك المفاوضات وعند صدور البيانات الرسمية من مسقط وطهران وواشنطن جاء الارتياح الدولي من أن هناك فرصة تاريخية للاتفاق بين طهران وواشنطن وهو الأمر الذي دفع بالجولات الثانية والثالثة إلى تحقيق اختراق سياسي مهم.

كان للجهود الدبلوماسية لسلطنة عمان بقيادة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه - دور محوري في التوصل إلى النتائج الإيجابية من خلال الجهود المقدرة لمعالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، حيث تصدرت جهود سلطنة عمان نشرات الأخبار العالمية ووكالات الأنباء والصحافة العالمية والسبب يعود إلى خطورة الملف النووي الإيراني والتهديدات الخطيرة من قبل الرئيس الأمريكي ترامب والتحريض المتواصل من قبل نتنياهو وحكومته المتطرفة في الكيان الصهيوني، وعلى ضوء ذلك تنفس العالم الصعداء من خلال البيانات الرسمية العمانية والأمريكية والإيرانية التي تصدر بعد انتهاء كل جولة من جولات المفاوضات وكانت تلك البيانات تتحدث عن تقدم إيجابي ومسار المفاوضات يسير بشكل مشجع بحيث ينتهي إلى التوافق والتوقيع على الاتفاق النووي الإيراني وإخراج المنطقة من جو التوتر والتهديدات إلى مناخ أكثر هدوءًا، وأن الحوار والمفاوضات هي الآلية الصحيحة للوصول إلى حلول سياسية واقعية.

الملف النووي الإيراني من الملفات المعقدة والصعبة، كما أن الخلاف وعدم الثقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية هو خلاف وعداء متواصل منذ قيام الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني عام ١٩٧٩ كما أن الكيان الصهيوني يصب الزيت على النار، ويسعى إلى إشعال حرب إقليمية كبرى قد تتدحرج إلى حرب عالمية تفتك بالملايين من البشر وتخلق حالة من العداء والكراهية بين الشرق والغرب.

إنَّ المفاوضات الأمريكية الإيرانية تسجل تقدمًا إيجابيًا ولعل ذلك يعود إلى عوامل موضوعية منها أن سلطنة عمان أوجدت المناخ المناسب عند عقد أي مفاوضات صعبة علاوة على أن الطرفين الإيراني والأمريكي لديهم ثقة كاملة بمصداقية وتوازن وموضوعية الموقف العماني، حيث تتحرك جهود الدبلوماسية العمانية بكل صدق ونزاهة لمساعدة الطرفين للوصول إلى حل لكل الخلافات والصراعات بينهما على مدى عقود.

إنَّ الدبلوماسية العمانية تسجل نجاحات متواصلة ليس للدعاية الإعلامية ولكن لإنقاذ المنطقة وشعوبها ومقدراتها وأيضا ترسيخ مبدأ السلام وإيجاد الحوار البناء، الذي يتم من خلاله حل الإشكالات والخلافات، خاصة وأن الخيار العسكري ومن خلال تجارب عديدة لن ينجح، وهناك نماذج عديدة في أفغانستان والعراق وفلسطين وحتى في اليمن وهذا يقودنا إلى أهمية استخدام القوة الناعمة في إيجاد الحلول السلمية، حيث إن القوة الصلبة لا تساعد في حل الخلافات كما هو الحال الآن بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويبدو لي أن هناك قناعات مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بأن الوصول إلى اتفاق هو الأفضل وأن إيجاد قواسم مشتركة والتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية هو في مصلحة البلدين والشعبين وأيضا في صالح المنطقة والعالم.

مقالات مشابهة

  • عباس شومان: المساواة في الميراث ظلم للمرأة وليس إنصافا لها.. فيديو
  • الدبلوماسية العمانية والمفاوضات النووية
  • أمين الإفتاء: الشريعة جعلت لـ المرأة نفقة الأقارب لحمايتها
  • هل الرجل أفضل من المرأة؟
  • ناقصات عقل ودين .. الدكتورة دينا أبو الخير توضح تفسير الحديث
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • أنضمام الممثلة ناهد السباعي إلى حلقة نقاشية عن دور المرأة في الفن بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير
  • خالد الجندي يشكر الرئيس السيسي: دعا لعودة المساجد لما كانت عليه في زمن النبي
  • علي الأزهري: الرجل مطالب بالإنفاق على زوجته حتى لو كانت غنية
  • هل يجوز للرجل أن يتزوج من مطلقة أخيه؟.. الإفتاء توضح