الجامع الأزهر يعقد فعاليات ملتقى العصر "باب الريان" تحت عنوان أثر الإيمان في تقدم المجتمعات
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
عقد الجامع الأزهر، اليوم الثلاثاء، فعاليات ملتقى العصر "باب الريان"، تحت عنوان" أثر الإيمان في تقدم المجتمعات وتحقيق الأمن المجتمعي"، بحضور الدكتور محمد صلاح حلمي، رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، والشيخ زكريا متولي، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وأدار الملتقى الدكتور أحمد عبدالله، الباحث بالجامع الأزهر الشريف.
في بداية اللقاء، قال الدكتور أحمد عبد الله، الباحث بالجامع الأزهر، إن الإيمان بالله تعالي هو صمام الأمن والأمان لدى الفرد والمجتمع، موضحا أن الإيمان به سبحانه وتعالي، يجعل الإنسان يعيش في أمن وسكينة واطمئنان، مبينا أن الله تعالى خص الإسلام بالأعمال الظاهرة، كالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، والإيمان بالأعمال القلبية التي لا يطلع عليها إلا الله، وهي كالإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر بما فيه من حساب وصراط وميزان وجنة ونار وغير ذلك؛ لذلك قيد الله الإيمان بأنه لا يكون إلا بالغيب؛ قال تعالي: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}.
وأضاف الباحث بالجامع الأزهر أن درجات الإيمان ثلاثة: درجة علم اليقين؛ ودرجة عين اليقين؛ ودرجة حق اليقين. فالأولى: علم اليقين؛ أي أن الله أعلمنا عن طريق الوحي بالغيبيات كالموت والبعث والحساب والجنة والنار وغير ذلك مما هو غيب. والثانية درجة العين: وهي أن ترى ذلك أمامك بالعين المجردة. والثالثة: درجة الحق؛ وهي أن تجرب ذلك بنفسك وتتنعم بنعيم الجنة وتأكل من ثمارها؛ أو تُعذب في النار بصور العذاب.
من جانبه، أوضح الدكتور محمد صلاح حلمي، رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، أن من أصول أهل السنة أن الإيمان قول وعمل، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن الناس عندما يزداد إيمانهم يصلون لدرجة أن الملائكة تصافحهم في الطرقات، مؤكدا أنه عندما يزيد الإيمان ستقل معدلات الجريمة، كما أن الحب والتعاون على البر والتقوى سيكونان شعار المجتمع عندما يرتقي الناس في مقامات الإيمان، داعيا المسلمين إلى البحث عن أماكن زيادة الإيمان ومجالسة الصالحين، وأن يكون الإنسان كما قال الله ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه).
وقال الشيخ زكريا متولي، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الإيمان هو هبة من الله تعالى، فطر الإنسان عليها، ينهل منها الإنسان ما ينعكس على سلوكه فيسير في الأرض كأنه قرآنا وإيمانا يمشي عليها، وهو كالشجرة أصلها ثابت في القلب وأغصانها باسقة على صاحبها، وثمارها تغذي روحه وجسده،حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبإلإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا"، موضحا أن الإيمان لفظ قرآني في المقام الأول، ومن أكثر الألفاظ ورودا في القرآن الكريم، حيث ذكر أكثر من خمسمائة مرة، وجاء على عدة معان، فجاء بأنه مطلق التصديق، كما في قوله تعالى " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين"، وجاء كذلك بمعنى التوحيد، وجاء بمعنى الصلاة، وبمعنى الإيمان الشرعي الذي هو تصديق بالجنان ونطق باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، مؤكدا أن الإيمان وإن كان محله القلب، إلا أن أثره لا بد أن ينعكس على سلوك الإنسان، حيث يكون الإيمان الصحيح والعمل الصالح أمران متلازمان لا يفترقان، كما أن أثر الإيمان الصالح يدفع الإنسان إلى العمل، ينطلق في الدنيا وكأنه شعلة تبث الحياة في كل أرجاء الأرض،فالمؤمن لا يتكاسل ولايكون عالة على غيره، يعمل وإن كانت ثمرة عمله لا ترجع إليه، حتى وإن تيقن أن ثمرة عمله لن تأتيه.
الدكتور محمد صلاح حلمي، رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرةالمصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الطاعة المعصية الجامع الأزهر
إقرأ أيضاً:
جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)
صراع قيميالذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير منها في الإنترنت، لكن لا تواجه هذه المستجدات أفكارٌ جديدة تخاطب الواقع عندنا بل يهاجَم من يحاول الاجتهاد والتجديد؛ وأساليب المقاومة للسلوكيات السلبية من الوعاظ في كل الأديان أصلا ليست مجهولة للمنصوح، بل هو يستهجنها خفاء أو علنا لأنها لا تتماشى مع ما وصل إليه البشر من علوم وابتكارات.
هذه الأفكار نفسها تتصارع في الإنسان، فبعضها يبيح الفعل وبعضها يحرمه فتجد صراعا مستمرا ما بين القيم الأساسية والمنتحلة واضطراب نفسي سلوكي لمعالجة الحاجة. في العصر العباسي كان تبني للأفكار وتطويرها من جنس منهجها ومقاربات هزيلة شوهت الفكر الإسلامي رغم محاربتها لكنها دخلت في الشروح والفقه وجعلت الخزعبلات والخوارق مقبولة وهي من اصل الفلسفة الشرقية والغربية، وروج سوء الفهم للإسلام ومهامه بشكل مجحف.. "تُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشّاةِ القَرْناءِ"، هذا حديث يقال على المنابر بينما المكلف هو الإنسان، والحيوان مسخر غريزي لا منظومة عقلية له لتحاسب، وهذا للمثل إن أُخذ بنصه لغير العبرة فهو تشويه لفكرة الخليقة في القرآن، ونرى فرقا اليوم تخرج الإسلام عن مهمته بأسماء متعددة.
صراع نفسي:
مجموعة القيم والأفكار في صراعها سيواجه الإنسان مشكلة الاستقرار، واضطرابات نفسية في الحكم على غيره بممارسة ممكن أن يفعلها هو، وكلما زادت الأفكار التي تدخل المنظومة العقلية وتجيب عن أسئلة فيها فتكون من المدرك بالضرورة، تزداد المعاناة النفسية، وتأتي مقاربات كمقاربة معجبي الرأسمالية والشيوعية ومتبنيهما مع الإسلام، مثل مقاربة التكافل بالاشتراكية، والملكية الفردية بالرأسمالية، لكن يمكن تبني الأمور المدنية كالانتخابات لحين أن يفرز المجتمع أسلوبا يناسبه.
تفاعل الفكر والشروحات تجعل الميل إلى الخرافات من المضافات كمعجزات أو خوارق، وهذا في كل المعتقدات كمثل من حدد أن نهاية العالم 2000 أو 2012، ونبوءة المايا وضرب "ليون مستنغر" أمثال متعددة على فشل النبوءات كعودة المسيح، وأن مناحيم مندل قد يكون هو المسيح لكنه مات بسكتة دماغية 1994 فقالوا إنه سيعود "فالمسيح يستيقظ من بين الأموات"، ذات الشيء عن التنبؤ الحسابي بنهاية الكيان الصهيوني سنة 2023 وانتقل الآن إلى 2027.. والأمثلة كثيرة.
عندما يريد الإنسان أن تكون له مكانة وتفوق ويجد من هو أفضل منه فإنه يحاول تسفيهه بافتراض أنه مزايد أو دجال، على قاعدة العنب الذي لا يُطال حامض، بدل السعي للتكامل معه. غالبا الشخص الجيد ليس هو الذي يوقظ الناس وإنما هو من يطرح ما يفكرون هم به ليقودهم إلى حيث يريد وهو ليس ما يريدون، كذلك نرى الشعوب تلفظ المصلحين وتخضع للطغاة الذين يقمعونهم بحجة التحديات من الإمبريالية والاحتلال للجوار أو البلد أو فكرة مضادة.
معادلة مهمة: هي معادلة قبول الفكرة لنرى صيغة رياضية لها وبتحقيقها يحصل التناقض:
توافق الفكرة بمقاربة مع الفكرة الأساسية (افتراضية) + مقاربة مع النفسية والمزاج (مماهاة) + فقدان وسائل المعالجة (المجتمع وازدواج الأفكار عنده) + قيمة الفكرة (بها إطلاق) + الفعل الغريزي (وهو الأهم في التأثير) = التصالح بين مجموعة الأفكار المتناقضة على مجمل الإخفاقات.
في بيئتنا التي حصل بها ازدواج الأفكار وتعاظم في الحاجات مع تطور المدنية فنجد رفضا لمسالة تعدد الزوجات ونجد هنالك زنا ممن يحرّمه، وهذا يعبر عن خلل، بينما تصالح الغرب على أن هنالك عشيقا أو عشيقة دون أن يكون أمرا شاذا، وكل أمر يتطور يُرفض بداية ثم يُتوافق على وجوده كواقع حال بقانون تستجيب لشذوذه حتى الكنائس! يحتاجها للمصالحة مع غريزة التدين وليس فكرة الدين المناهض أصلا لهذا، وليكون مقبولا اجتماعيا، وكثير من الأمثلة صدرت بها تشريعات تنظيمية للمحافظة على مرتكبيها ضمن سلطة الدولة التي حلت محل الإله عمليا.
عند المجتمعات الشرقية يمر القبول في دورات أطول فتوافق مجتمعنا مع الرأسمالية ليس بسببها وإنما بسبب آليات فيها، والتي تحتاج إلى وقت وأنظمة وقوانين لضبط السلوكيات السلبية التي تنتج عنها. ويبدو شاذا ومشوها من يقر الشذوذ مثلا علنا، في حين أنه يكثر في مجموعات بشرية تهرب من المسؤولية أو يعتاد الإنسان وضعه من الشذوذ نتيجة استغلاله من أناس شاذين متنفذين بصيغة أو أخرى، ولا وسائل للمعالجة ويكتفي المجتمع بالإنكار.. لكن معظم حدود المعادلة متحققة.
معالجة هذا:
إن مجتمعنا لا يحتاج أمرا كثيرا لكنه كبير والمقاومة له من منظومة التخلف، في مجتمعنا استدعاء الماضي وافتراض أن الاجتهادات القديمة تناسب العصر أو أنها صحيحة والعالم الذي نحن فيه خطأ ولا يعالج، نعم الواقع خطأ ولكن استدعاء الماضي خطأ أيضا، فنحن في خطأ مركب وهذا تمام معنى الكارثة، ولا يمكن إقامة فكر بلا آلياته وتنقيته، فالغرائز ستسيطر ويصبح التبرير والشعور بالذنب مرضا نفسيا.
بدل أن نتصالح مع أن المسلمين شيعة وسنة ونقر روابط هابطة؛ الأفضل أن نستحضر أصل القرآن ونرفع كل ما أضيف للإسلام من معوقات الإصلاح عبر أشخاص، وتُختصر المذاهب بتعاليم للعبادة مناسبة بكراريس صغيرة دون الدخول في تفاصيل أوجدها الهروب من واقع مر للسياسة، وبدل تبرير نوع الولاية نذهب إلى الشورى ونستمر في تحسين الأداء والآليات. الإسلام ينزل قرآنا كل يوم لكن نحن لا نفهم هذا ونحسبه آتيا من التاريخ، وهذا ليس مفهوم الإسلام لنفسه.
كل الأديان الأخرى لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم، وحتما ستكون تفاهمات اجتماعية لترشيد الرعوية عند القسس والواعظين والتي هي أساس خلخلة الانتماء وتزرع الكراهية بدل الاتفاق على بناء البيئة المشتركة، وهي مهمة الإنسان المحمية من أي حكم إسلامي الذي غايته الأساس حماية الأهلية والاختيار وفاعلية المنظومة العقلية، لحين ذاك فمنظومة تنمية التخلف تزيد من عمق جرف التخلف الهاري.