حظي بتغطية واسعة.. هكذا واكبت الصحافة السنغالية انتخاب ديوماي فاي
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
دكارـ "الرئيس ديوماي فاي يتمسك بالمصالحة الوطنية"، "الورشات الكبرى لديوماي"، "ديوماي يلتزم"، عينة من أبرز عناوين تغطية الصحافة السنغالية لخبر فوز المرشح المعارض باسيرو ديوماي فاي في الانتخابات الرئاسية.
صورة واسم الرئيس الشاب تصدرت الصفحات الأولى في الصحف السنغالية، كما تصدرت واجهات المواقع الصحفية، وتقاربت زوايا تناول خبر الفوز، ومضامين الخطاب الأول لباسيرو بعيد الانتخابات التي أعادت لفت أنظار العالم إلى السنغال كنموذج أفريقي راسخ للممارسة الديمقراطية في التناوب على السلطة.
وركزت الصحف السنغالية الصادرة اليوم (الثلاثاء) في عناوينها الرئيسية على أول خطاب للرئيس الجديد بعد تأكيد فوزه في الانتخابات.
وعنونت صحيفة "لو سولايْ" صفحتها الرئيسية بعنوان جاء فيه "أول ظهور للرئيس المنتخب باسيرو ديوماي فاي: ألتزمُ بـ…"، وفي ثنايا تغطيتها ذكرت الصحيفة أن الرئيس الجديد أثنى على موقف الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال والذي كان قد هنأ باسيرو بالفوز واعتبر أن فوزه "انتصار للديمقراطية السنغالية"، وأشارت إلى "قلب الصفحة والانطلاق في العمل"، واقتبست وعد الرئيس الجديد بأنه سيمارس السلطة "بتواضع ونزاهة".
أما يومية "والفجر" فتصدر غلافها عنوان: "المصالحة الوطنية، مكافحة الفساد، خفض تكلفة المعيشة.. الورشات الكبرى لديوماي"، وفي تناولها لهزيمة مرشح الائتلاف الحاكم آمادو با في الانتخابات، اعتبرت الصحيفة أن "تعثر" الائتلاف الحاكم بدأ منذ عام 2014، فيما لمحت إلى خيبة الأداء الانتخابي لكل من عمدة داكار السابق خليفة سال، والوزير الأول الأسبق إدريس سك.
وكتبت يومية "لو كوتوديان" في عنوانها الرئيسي "أول ظهور للرئيس الخامس: ديوماي يقدم مشروعه"، واقتبست الصحيفة من الرئيس الجديد قوله إن "الشعب السنغالي اختار القطيعة"، كما أشارت إلى إشادته بحليفه المعارض السنغالي عثمان سونكو.
"ساعدوا باسيرو!"وفي تعليق على تفاصيل الظهور الأول لرئيس السنغال الجديد، عنونت صحيفة "سورس آ" بعنوان جاء فيه "كل شيء مدون في كتاب.. لنساعد باسيرو!"، في إشارة إلى أن الخطاب الأول للرئيس الشاب كان مكتوبا ومعدّا سلفا ولم يتمرن على إلقائه بما يكفي.
وتحت عنوان "باسيرو ديوماي دياخار فاي.. معارض في السلطة!"، كتبت الصحفية في موقع "داكار أكتو" اندي ماتي ديانغ مقالا افتتحته بالقول "عيد ميلاد سعيد عزيزي الرئيس"، في إشارة إلى تصادف يوم إعلان نتائج الانتخابات مع ذكرى ميلاد ديوماي فاي.
وتمضي الكاتبة للقول "حتى في أبعد أحلامه، لم يدر قط ببال طفل ندياغانياو أنه سيقود يوما مصير السنغال!"، وتشير إلى نشأة فاي في عائلة متواضعة، وإلى كونه "نتاجا خالصا" للمدارس العمومية السنغالية، وتتطرق لدور رفيقه سونكو في صناعة مساره السياسي وتصديره للمنافسة في الرئاسيات.
وتنقل الكاتبة عن الرئيس الجديد قوله "لم أكن أنوي الانخراط في السياسة، فعندما يكون لك أب سياسي، فإنك للوهلة الأولى تكره السياسة لأنك ستلاحظ ضيق وقته.. صعوبة الالتزام والغياب المتكرر للأب".
ويرى الصحفي السنغالي تيرنو بشير أن الصحافة واجهت تحديا رئيسيا في تغطية الانتخابات الرئاسية، يتمثل في "حساسية الظرفية"، موضحا أن البلاد خارجة لتوها من أزمة حادة، وبالتالي أصبح لزاما على الصحافة أن تتفادى بحذر شديد إحداث أي "ثغرة" قد تفضي إلى اندلاع أزمة جديدة.
ويشير إلى أن الصحافة السنغالية كانت على وعي بهذا التحدي في تغطيتها للانتخابات، لاسيما في مرحلة فرز الأصوات وإعلان النتائج، ويضيف بشير "نحن في زمن يتصاعد فيه انتشار الأخبار المغلوطة خاصة على وسائط التواصل الاجتماعي".
ويؤكد أن التغطية الصحفية لفرز الأصوات كانت متأنية في إعلان فائز بالجولة الأولى، وكانت تكتفي بمواكبة النتائج الأولية لحظة بلحظة إلى أن تبين فوز ديوماي فاي، ويعتبر أن تغطية الصحافة السنغالية للانتخابات الرئاسية كانت "مناسبة"، مضيفا "جميع الوسائل كانت متاحة وكانت الأجواء هادئة ومستقرة".
أما الصحفي السنغالي محمد الأمين غي فيلفت الانتباه إلى أن ارتفاع نسبة المشاركة في هذه الانتخابات مقارنة بانتخابات 2019 نال حيزا في تغطية الصحف السنغالية، مشيرا إلى أن بعض الصحف اعتبرت أن هذا المؤشر يجعل الرئيس الجديد "أكثر شرعية في نظر السنغاليين" كما يؤكد "ارتفاع نسبة الوعي السياسي في صفوف الناخبين".
ويلاحظ محمد الأمين غي أن "الصحف اليومية لم تولِ اهتماما واسعا للنتائج الضئيلة التي حصل عليها المرشحون الخاسرون رغم تراجع البعض كإدريس سك وخليفة صال على مستوى قواعدهما السياسية".
ويعكس اهتمام الصحف السنغالية بمضامين الخطاب الأول للرئيس المنتخب ورسائله السياسية للداخل والخارج، حالة الترقب التي تطبع المشهد العام في السنغال، في ظل الانتقال الجاري للسلطة أو ما سماه الرئيس الجديد "القطيعة"، وصعود أصغر رئيس سنغالي إلى سدة الحكم، وهو ترقب يشي بالأمل والحذر معا في بلد يموج محيطه الإقليمي منذ سنوات بتحولات كبرى على مستوى أنماط الحكم والتحالفات وتوجهات السياسة الخارجية.
ويبدو من خلال الصورة العامة لمواكبة الصحافة السنغالية للانتخابات الرئاسية الفارقة في تاريخ البلاد، أن وجود صحافة مستقلة ركيزة أساسية في التقاليد الديمقراطية التي صنعت من السنغال نموذجا لافتا للتناوب السلمي على السلطة في أفريقيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الرئیس الجدید باسیرو دیومای الخطاب الأول فی السنغال دیومای فای إلى أن
إقرأ أيضاً:
«الصحافة الحكومية».. الصوت والصدى
لم يعد هناك ما يسمى بـ«صحافة الدولة»، أو «الإعلام الرسمي» -بمفهومه الضيق والمحصور في وجهة نظر واحدة- لقد عفا الزمن عن مثل هذه التسميات التي تؤطر دور الإعلام، وتحصره في مسار واحد، وتقيد حريته، ونشاطه، وتقصر متابعاته الخبرية على الأنشطة الحكومية، لقد تحولت الصحافة إلى الشمولية، والتعددية، وأصبحت أداة للرقابة، وكشف المستور، وإجراء التحقيقات الهادفة، والاستقصائية، وهو ما يعطيها دفعتها للحياة، والبقاء، والنزاهة، فهي يد وعين للحكومة لتنفيذ مشروعاتها، وكشف أوجه القصور، والتقصير فيها، ومتابعة تنفيذها، وهي بذلك تقوم بدورها التنموي بمفهومه غير التقليدي، وكذلك تقوم بدروها في توجيه بوصلة الحكومة، كما تعين الدولة على تقليل هامش الفساد، ووقف إهدار المال العام، وتوجيه موارد الدولة إلى مكانها الصحيح.
إن الحكومات في أي دولة -تسعى إلى المستقبل- لا تحتاج لمن يردد خلفها «آمين»، أو أن يكون مجرد صدى لصوتها، بل تحتاج إلى من يعينها على أداء واجباتها، ومسؤولياتها تجاه مواطنيها، وتقدم لها صورة واضحة، وحقيقية، ومحايدة للمشهد العام، فالصحافة -بكل قنواتها سواء إذاعة أو تلفزيون أو جرائد- قادرة على النزول إلى الشارع، ومعرفة همس الناس، ونقل قضاياهم، ووجهات نظرهم إلى المسؤولين في الحكومة، ونبش خبايا أمور قد لا تظهر أحيانا للجهات الرسمية، ولذلك يبقى صوت الصحافة مؤثرًا ومحوريًا في عملية التنمية، سواء بشرية أو مادية، وفي كل الأحوال يبقى لصوت الحكومة ودعايتها لمشاريعها، وأجندتها التي تعمل عليها هامش واسع لكي تنقل وجهة نظرها للجمهور، وتركز على أهدافها المشروعة، وتوصل صوتها إلى الناس، وتعكس جهودها، فهذا من حقها، وجزء من رسالتها المجتمعية، مع عدم إغفال وجود مساحة واسعة كذلك للرأي الشعبي العام، ونقل وجهات نظر الناس في الشارع، فهم المعنيون بكل تنمية، لذا يجب فهم آرائهم، وجس نبضهم، وفهم مدى رضاهم عمّا تقدمه الحكومة، والذي سيساعد ولا شك في إشراك الجمهور في خريطة بناء الدولة، وتنمية المجتمع بكل صدق، وشفافية.
لقد حلّت وسائل التواصل الاجتماعي بشتى منصاته مكان الصحافة الحكومية، وغدا الناس يتابعون تلك القنوات؛ لأنهم يرون أنها تنقل ما يعانونه، وتسهم في «تفريغ» الغضب، أو عدم الرضا عن قرار معين، أو مشروع غير ذي جدوى بالنسبة لهم، ولذلك انحسرت متابعة الجمهور للصحافة الرسمية؛ لأنهم يرون أنها تنقل وجهة نظرة واحدة، ووحيدة، وأصبح كثير من وسائل الخبر الحكومية لا تؤدي الغرض منها في نقل صورة حقيقية وواقعية للمشهد في المحيط العام، وهذا منحنى خطير على التنمية البشرية بالذات، وهو بحاجة إلى معالجات حاسمة، وحلول جذرية تعيد الصحافة الرسمية إلى مكانتها، وتعمل على تشكيل وعي مجتمعي مؤثر، وقادر على التغيير الذي تسعى إليه أي حكومة في العالم، وهو يأتي عبر إتاحة مساحة جيدة لسماع صوت المواطن في تلك الدول.
إن تأثير الصحافة على الرأي العام أمر مهم، وضروري، ولا يأتي هذا التأثير من خلال «الطريق ذي الاتجاه الواحد»، بل يكون عبر إتاحة مسارات مختلفة، ومتعددة تنقل كل ما يدور في الشارع، وتتيح الفرصة للجميع -سواء الحكومة أو الجمهور- للتعبير بشكل أكثر شفافية، واحترافية، ومهنية عن آرائهم، وهذا التوازن الإيجابي أحد أهم مرتكزات التنمية المستقبلية لأي مجتمع يسعى إلى بناء نفسه، دون أن يخل بأحد طرفي المعادلة البشرية «الحكومة والشعب».