عربي21:
2025-04-23@23:19:48 GMT

ابن رجيم؟! (قصة قصيرة من وحي المعركة)

تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT

في حفل بهيج أمام فرق الموت الذاهبة إلى غزّة، وقف خطيبا وزير ما يسمّى "الامن القومي لإسرائيل" الزعيم التوراتي النجيب المدعو ابن رجيم.. كان الجوّ شتويا مشمسا، الشمس تعلو بهامتها وتغدو بتؤدة وعنفوان نحو مركز السماء، نسائم هادئة تدغدغ غروره وتلهب مشاعره، شدّ جاكيته الأسود الكالح بكفّيه القويتين ليعانق قميصه الأبيض الذي يشعل النار في صدره، عدّل نظّارته ذات المكعّبات السميكة على عينيه بحزم، رمق صفوف الجيش الذي ينتظر كلماته ذات الرعد المزلزل، أصابته رعدة ذات نشوة يحبّها ويحب ما تنشره في صدره، أصابت سحب غضبه فثارت عواصف حقده المدفونة في أعماق أعماقه، بدأ كموج البحر، بدأ بصرخة هادئة ثم هاج صراخه وماج ليتحوّل إلى بحر متلاطم الأمواج، وليبلغ هديره عنان السماء:

"أحبّتي يا أبناء التوراة وموسى وداود وسليمان وجبرائيل، اسمعوني جيّدا لقد قلتها وسأقولها عاليا على الدوام، بكلّ شموخ وكبرياء، لكلّ من يقتل العماليق الجدد، هؤلاء أراذل الحيوانات، قتلهم وسحقهم من أعلى القربات، لن يرضى الله عنكم إلا إذا تخلّصتم من هذه الحثالات، يجب أن لا يرفّ لكم جفن ولا يخفق لكم قلب ولا تأخذكم شفقة ولا رحمة وأنتم تقتلون وتدمّرون وتحرقون.

واعلموا أنّه لن يكون لكم وزن ولا حاضر ولا مستقبل ولا شعور بفخر وشموخ وكبرياء إلا بسحق هؤلاء. تماما كما فعلنا في غزّة سنفعل هنا في القدس وفي كل الضفة ومستقبلا سنفعلها في مصر والأردن وسيناء، في الخليج واليمن ولبنان، لا تقلقوا كلّ ينتظر دوره أمام مقصلتنا وقصف طيراننا والصواعق من صواريخنا التي لا تبقي ولا تذر، سنستأصل شافتهم ونذرهم عبرة لمن اعتبر".

رأى نفسه يطير ويرفرف بجناحيه فوق هذا الحشد، غرابا يرتفع عاليا ثم ينقضّ على فأر، يضعه بين منقريه ويمزقّه بمخالبه القويّة ثم يطرحه أرضا، تابع خطبته العصماء:

"مثلنا ومثلهم أيها السادة مثل الغراب والفأر، ماذا يفعل الغراب إذا وقع الفأر بين مخالبه؟ يا غربان العصر أبيدوا الفئران ولا تتركوا منها أحدا، لا يوجد ما يسمّى فلسطينيون، هؤلاء ليسوا بشرا وإنما مخلوقات خلقها الله لخدمتنا، وقد سأل أسلافكم الربّ: يا رب لم خلقتهم كائنات تشبهنا؟ فقال هم خدم لكم وخلقتهم على صورة تشبه صورتكم، كي تستأنسوا بهم وهي قائمة بأمركم. ولكم أن تتخلّصوا منها إذا فعلت ما لا يروق لكم".

رفع جنديّ يده، هزّ بن رجيم رأسه آذنا له بالحديث:

بصوت جهوريّ خطابيّ هتف مخاطبا الجمهور:

- أرجوكم إخوتي أن لا يصوّر أحدكم ما يجري هنا، هذا خطاب داخلي ليس للنشر.

ابتسم بن رجيم ابتسامة عريضة بلهاء وزعق:

- صوّروا وانشروا كما شئتم، نحن أمّة لا نحسب حسابا لأحد، عالم الجويم (الأغيار) كلّه في جيبتنا الصغيرة، ثم نحن نعتمد على قوتنا وبطشنا الشديد، نحن دولة نوويّة وفيها من سلاح الجوّ المتفوّق كمّا ونوعا ما يدمّر المنطقة، لا تقلق يا بنيّ اذهب وانتقم من هؤلاء أحفاد العماليق، تدرّبوا فيهم قتلا وتدميرا، هذا فقط بروفة لما هو قادم، وليعلم الذي لا يعلم، سنكتسح المنطقة كلّها وندمّرها عن بكرة أبيها، المهم اعملوا سلاحكم فيهم كما تعمل السكين في قطعة الكيك في احتفالات ميلادكم، اليوم أقدّم لكم قطاع غزّة قطعة كيك، افعلوا فيها ما يحلو لكم، وسّعوا خيالكم البطولي ومارسوا كلّ ما في داخلكم من قدرات على الإرهاب والترويع، لا تنسوا أننا نريد قطاع غزّة نظيفا من الصراصير والافاعي السامّة وكلّ الحشرات.

تقدّم رجل من حرّاسه ووضع أمامه هاتفا، تهلّلت أساريره، ثم هتف:

- مفخرة جديدة أيها الابطال، إخوانكم في غزة فتحوا النيران بكلّ أشكالها على آلاف الغوغاء الذين قدموا لأخذ أكياس الطحين من شاحنات المساعدات، أعادوهم لأبنائهم الجياع في أكياس.

قهقه عاليا ثمّ تابع:

- أبناؤهم بدل استقبال الطحين استقبلوا جثامين آبائهم.

"أمّا الخبر التالي فالناطق باسم جيشنا يقول إن هؤلاء دهستهم شاحنات المساعدات، شاحنات تدهس المئات من البشر؟ لم الكذب أيها الناطق، هذا بعد أن قتلتهم مدافع دبّاباتنا، يجب أن يهربوا إلى خارج القطاع ولا يهجّرهم إلّا أخبار القتل والدمار. وهذا ليس بجديد علينا، هكذا فعلنا في سنة 1948، مفاخر وبطولات كثيرة كانت السبب في هروب الناس وعلى رأسها مفخرة دير ياسين. سأكرّم هؤلاء الأبطال الذين يحيون تاريخ آبائهم الأحرار. هم الأوفياء لأبطال يستحقون التكريم ولهم منا كلّ الاحترام".

علت صرخات التشجيع والصفير والتصفيق وتشكّلت حلقات الرقص سريعا فور إنهاء ابن رجيم لخطابه، نزل عن المنصة وسط الهتافات الصاخبة التي كان أبرزها: الموت للعرب الموت للعرب. تهادى بين الراقصين ووزّع ابتساماته العريضة هنا وهناك، صافح كثيرا وعانق كثيرا، تداعت عليه الصحافة وكاميرات التلفزة، سحبه أحدهم لمقابلة تلفازية:

- ماذا عن المسجد الاقصى في رمضان؟

- تقصد جبل الهيكل، لا يوجد ما يسمّى المسجد الأقصى. عدد المصلين من الفلسطينيين المسموح لهم الوصول لجبل الهيكل يساوي صفرا، هذا المكان هو حق كامل لليهود.

- هذا من شانه سيّدي أن يغضب الجماهير العربية والمسلمة علينا. قد تتعرض "إسرائيل" لمخاطر أمنية، قد يؤدي منع الفلسطينيين من الصلاة إلى تفجير الأوضاع.

- جبل الهيكل خط أحمر، لن يسمح لأي فلسطيني من الصلاة فيه في هذا الشهر.

دوت صفّارة الإنذار منذرة بشرّ صواريخ قد اقترب، هرع ابن رجيم مع حرّاسه إلى الملاجئ، وهرب الناس هلعا كأنهم حمر مستنفرة.

تبدّلت الأيام بسرعة ودار الزمان دورة من دوراته المديدة، أحضروا بن رجيم من السّجن إلى محكمة الجنايات الدولية ليحاكم كمجرم إبادة جماعية، أنكر كل التهم الموجّهة إليه، لبس لباس حمل وديع ومثّل على أنه كان من دعاة السلام والمحبّة والوئام، أخرج له النائب العام تسجيلا مصوّرا لفيديو ذاك الزمان، يوم كان يطرب على الهتاف: الموت للعرب الموت للعرب ويوم خطب على أبواب غزة في الجنود.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات فلسطينيون إسرائيل إسرائيل فلسطين مجازر عنصرية مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

حكايات المكبِّرين الأوائل.. الجامع الكبير ساحة المعركة الأولى (الحلقة الثانية)

يمانيون../
في قلب صنعاء القديمة، حَيثُ يتشابك عَبَقُ التاريخ مع نبض الحاضر، يقف الجامعُ الكبير شاهدًا على أحداث جِسام؛ ففي بدايات العَقدِ الأول من الألفية الثالثة، وبينما كانت رياحُ الغزو الأمريكي تهبُّ على المنطقة، كان هذا الصرحُ الروحاني العريق مسرحًا لانطلاق صرخة إيمانية مدوية، لم تكن مُجَـرّدَ كلمات عابرة، بل كانت شرارةً لمعركة طويلة الأمد.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/01.mp4
جعفر المرهبي، مجاهدٌ من أبناء صعدة، وجد نفسَه منجذبًا إلى صوتِ الحق الذي كان يصدحُ به الشهيدُ القائدُ السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوانُ الله عليه” في تلك المرحلة التي كانت اليمنُ ترزحُ تحتَ نفوذ السفارة الأمريكية، وقراراتُها السيادية تتشكَّلُ في دهاليزها، لكن في المقابل، كانت هناك قلوبٌ شابَّةٌ مؤمنة، ترى في التحَرّك الأمريكي تهديدًا واضحًا، وتستشعرُ نداءَ الواجب الديني والوطني لمواجهة هذا الخطر.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/02.mp4
في السابِعِ والعشرينَ من مارس عام 2003م، وبعد أَيَّـام قليلة من الغزو الأمريكي للعراق، قرّر المرهبي ورفاقُه التوجُّـهَ إلى الجامع الكبير، حَيثُ لم تكن لديهم قوةٌ مادية أَو دعمٌ لوجستي، بل كان دافعُهم إيمانًا خالصًا بالله، وشعورًا بالمسؤولية تجاه دينِهم ووطنهم.

ويروي المرهبي بصوتِه الهادئ: “كان الكل يلومك، الكل ينتقدك، الكل يحتج، حتى من داخل أسرتك.. لكن شعورنا بعظمة المسؤولية، وواجبنا أمام الله بأن يكون لنا موقف، وهو أن نتحَرّك”.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/03.mp4

وصل المرهبي ورفاقُه إلى الجامعِ الكبير متوكِّلين على الله، وعزموا على إطلاق صرختهم، مهما كانت العواقب، ويتذكَّرُ المرهبي تلك اللحظاتِ قائلًا: “أثناءَ الخطبة، وأنت تلاحظُ كُـلَّ العساكر يمرون من حولك في كُـلّ مكان، وفي أياديهم عصي (هراوات)، كنا نستغرب، كيف هذا؟ ونحن في بيت من بيوت الله”، حتى أثناءَ صلاة الجمعة، كانت أعين السلطة تراقبهم، والمخبرون يتجولون بين صفوف المصلين، يتربصون بمن يرفعُ صوتَه بالصرخة.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/04.mp4

في الجمعة، التي سبقتهم، اعتُقل ثمانيةُ مكبِّرين؛ بسَببِ الصرخة، وفي الجمعة، التي وصلوا فيها، كان المرهبي واثنانِ من رفاقه على موعدٍ اختاروه بعناية، فكانت توجيهات السيد حسين واضحة: “إذا بدأنا الصرخة في أي جامع، لا تتوقف، وَإذَا تعرضنا للضرب لا نقاوم العسكر”، بل ذهب الشهيد القائد السيد حسين -رضوان الله عليه- أبعدَ من ذلك، حَيثُ قال للسلطة حينها: “اتركوا الشبابَ يصرخون وبعد الانتهاء من الصرخة افتحوا لهم أبوابَ السجن وسيتوجّـهون بأنفسِهم إليكم لتحبسوهم”.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/05.mp4

وعندما انطلقت الصرخة الأولى في أرجاء الجامع، شعر المرهبي ورفاقُه بسكينة عجيبة تغمر قلوبهم، ويقول المرهبي عن هذا الشعور: “أول ما تُردِّدُ الشعار، تشعُرُ بشيء يربطُ على قلبك، وتشعر بسكينة وطمأنينة، ويذهب عنك كُـلُّ ذلك الخوف والقلق، والإرباك، يذوبُ ويتلاشى”.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/06.mp4

لم تكن ردةُ فعل السلطة بطيئةً، الضربُ والاعتقالات أصبحت سمةً ملازمة لمن يرفع هذا الشعار، لكن المرهبي يرى في هذا القمع دليلًا على قوةِ تأثير صرختهم: “لولا أن مشروعَنا مؤثر عليهم، لما ضربونا واعتقلونا وأخذونا إلى السجون، هذه الصرخة مؤثِّرةٌ ومرعبة للأمريكي”.

شاهد عيان:

شهاداتٌ من داخل الجامع الكبير ترسُمُ صورةً حيةً لتلك الأيّام، أحد المصلين يتذكر: “أول ما يسمعون كلمةَ “الله أكبر، الموت لأمريكا” يتحَرّك الكل لضربِ الشخص الذي يصدر صوت الشعار؛ مِن أجلِ ألَّا يُكمِّلَ إطلاق عبارات الصرخة”، حتى أن بعض المصلين كانوا يشاركون الأمن في قمع هؤلاء الشباب، دون أن يدركوا أبعادَ ما يحدث.

شاهد عيان آخر يروي بحسرة عن تدنِّي الوعي الشعبي في ذلك الوقت، وكيف كان المواطنون شركاءَ في ظلم المكبِّرين دون قصد، ويتذكَّر كيف كان الأمنيون ينتظرون بعد صلاة الجمعة، لاعتقالهم، وكيف كان المكبِّرون في بعض الأحيان يرفعون أصواتَهم قبل الصلاة.

في إحدى الجمع، سمع شاهد العيان صوتَ رصاص داخل الجامع، وشاهد الدماء تسيل، والعساكر يخرجون شابًّا مكبِّرًا، بل وصل الأمر بالعساكر إلى اختلاق الأكاذيب لتبرير قمعهم، حَيثُ كانوا يقولون: إن المكبِّرين لصوص يريدون سرقةَ أحذية المصلين.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/%D8%B4%D8%A7%D9%87%D8%AF%20%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%86.mp4

لكن رغم كُـلّ هذا القمع، والتشويه، كان عددُ المكبِّرين يتزايدُ مع مرور الأسابيع، وبدأ الإعلام المعارِضُ ينقل الصورةَ الحقيقية لما يحدث، بل وصل إلى نقلِ قلقِ الإدارة الأمريكية وحرص سفارتها في صنعاء على الحصول على مِلفَّات هؤلاء الشباب.

وفي تلك الساحة المقدَّسة، الجامع الكبير، انطلقت صرخةُ الحق الأولى، صرخةٌ هزَّت أركانَ الظلم، وكانت بذرةً لمسيرةٍ طويلة من الصمود والتضحية، مسيرةٍ بدأت بإيمانٍ خالصٍ وشجاعةٍ نادرة في وجه قوىً طاغيةٍ.

منصور البكالي | المسيرة

مقالات مشابهة

  • صعقة كهربائية خفيفة قد تقلب موازين المعركة ضد السرطان
  • جيب قصيرة.. بوسي تشعل السوشيال ميديا بظهورها
  • حكايات المكبِّرين الأوائل.. الجامع الكبير ساحة المعركة الأولى (الحلقة الثانية)
  • بجيبة قصيرة.. مي عمر تخطف أنظار جمهورها بإطلالة جذابة
  • السودان الجديد يتخلق و لكن؛ برؤية من؟
  • الكرملين: لا نرجح التوصل لتسوية قابلة للتطبيق مع أوكرانيا في فترة قصيرة
  • أدعية صباحية قصيرة.. أفضل ما تبدأ به يومك
  • اتهامات نارية ورسائل مشفرة.. ناطق حكومة صنعاء يكشف المستور ويهاجم هؤلاء
  • رئيس السلفادور يقترح تبادل سجناء مع فنزويلا
  • مستشار عسكري رفيع يؤكد إقتراب ''المعركة الفاصلة'' مع الحوثيين ويوجه دعوة هامة للقبائل