موائد الإفطار أو كما يطلق عليها المصريون "موائد الرحمن" هي واحدة من أبرز ملامح شهر رمضان في مصر، ففي هذه العادة الطيبة يتنافس المتنافسون، إلا أن الأمر تطور خلال السنوات الأخيرة ليتخطى كونه عمل مائدة أو تقديم وجبات إفطار للفقراء، فقد أصبح ملمحًا اجتماعيًا مختلفًا، وأصبح لكل منطقة في مصر لكل مجموعة يوم يجتمعون فيه سنويًا ويحتفلون.

ورغم انتشار الفكرة في العديد من الأماكن والأوساط، إلا أنه كما يقال "فطار المطرية حاجة تانية".

في قلب القاهرة النابض، وبين أحياءها الشعبية العريقة، تُقام كل عام "مائدة المطرية"، تلك المائدة الرمضانية الضخمة التي تُعدّ رمزًا للكرم والتآلف بين أبناء مصر، وتُقام هذه المائدة على مساحة واسعة في ساحة مفتوحة، حيث تُفرش مئات الموائد وتُقدم عليها مختلف الأطباق المصرية والعربية، من المأكولات الشعبية إلى الحلويات الشرقية والغربية، لتناسب جميع الأذواق، ويجتمع على هذه المائدة آلاف الصائمين من مختلف الطبقات الاجتماعية، من فقراء وأغنياء، من شيوخ وشباب، من نساء ورجال، ليشاركوا الطعام ويفطرون معًا في أجواء من البهجة والودّ.

تُضفي هذه المائدة أجواءً روحانية رائعة على شهر رمضان المبارك، وتُعزّز من روح التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع، وتُؤكّد على أهمية المشاركة والتعاون في هذا الشهر الفضيل.

10 سنين فرحة ولمة  

في عام 2013 انطلقت مبادرة مائدة المطرية بفكرة من مجموعة من شباب عزبة حمادة في حي المطرية بالقاهرة، حيث تمّ تجهيز مائدة بسيطة في أحد الشوارع، ضمت ما يقارب 300 شخص، من الأقارب والأصدقاء وفي العام التالي ازدادت شهرة المائدة وبدأ عدد المشاركين يزداد، ووصل إلى 1000 شخص، وفي 2015  تمّ توسيع مساحة المائدة لتشمل شارعين، وبلغ عدد المشاركين 2500 شخص، وبعدها بدأ تنظيم فعاليات ثقافية وترفيهية على هامش المائدة، ووصل عدد المشاركين إلى 5000 شخص.

بدأ إفطار المطرية يكتسب شهرة واسعة محليا وعالميا  ليصبح  يوم 15 رمضان من كل عام بمثابة عيدا قوميا للمنطقة وبدأ العديد من الشخصيات العامة ومشاهير المجتمع والمسؤولون الحرص على حضور  هذا الحدث ودعم فكرته، إلا أن حضور السفير الكوري العام الماضي هذا الحدث جعل العديد من الصحف والقنوات العالمية يلقون الضوء على هذا الحدث، خاصة أن مائدة المطرية تُقدم خدماتها لجميع أفراد المجتمع دون تمييز، مما ساهم في جذب عدد كبير من المشاركين.

ليتحول ما بدأته مجموعة بسيطة من الأصدقاء قبل عقد من الزمان، أصبح الآن رمزًا للتلاحم والتعاون في المجتمع المصري، حيث يشارك فيه الفقير والغني، الشاب والشيخ، السياسي والفنان، جميعهم يلتقون في هذا الحدث الاجتماعي الرائع ليتبادلوا الأحاديث والضحكات والتجارب في أجواء تسودها روح الفرح والمحبة.

ومع وصولنا إلى العام العاشر، يظل إفطار المطرية يجسد الإرادة القوية لأهالي المنطقة وإصرارهم على مواصلة هذا الحدث الاستثنائي الذي يعد مزيجا ساحرا من الألوان والأصوات والروح التي تجذب القلوب وتوحد العقول في مشهد لا يُنسى في قلب القاهرة العريقة.

15 رمضان عيد رسمي في المطرية 

تحولت مائدة المطرية، ذلك الحدث الرمضاني الاستثنائي، إلى عيد رسمي يُقام في منتصف شهر رمضان في حي المطرية بالقاهرة. فمنذ انطلاقتها عام 2013، تحولت هذه الفكرة البسيطة إلى تحفة فنية اجتماعية تُخلّد في ذاكرة التاريخ، حيث يجتمع آلاف الصائمين من مختلف الطبقات الاجتماعية على مائدة واحدة، يشاركون الطعام ويفطرون معًا في أجواء من البهجة والودّ.

مع حلول شهر رمضان، تبدأ الاستعدادات لمائدة المطرية من العام إلى العام. يضع المسؤولون خطة محكمة لتجهيز الاحتياجات المطلوبة، من طعام وشراب وعدد كافٍ من المتطوعين. وتُقسّم المنطقة إلى قطاعات وشوارع، وتُكلّف كل مجموعة من المتطوعين بمسؤولية منطقة محددة.

يُشارك الأهالي في تنظيف الشوارع ورشّها بالماء، بينما يُضفي الفنانون المتطوعون لمسة جمالية على المكان من خلال الرسم على الجدران وتلوين الواجهات وتعليق اللافتات وصور العام السابق، تخليدًا لذكرى من غيبهم الموت.

قبل انطلاق المهرجان بساعات، تتحول شوارع عزبة حمادة بالمطرية إلى مطعم مفتوح، حيث تبدأ مئات السيدات وعشرات الطباخين في تجهيز الطعام والوجبات  لأكثر من 25 ألف صائم. وتُوزّع هذه الوجبات على 7 شوارع في المنطقة، وتشمل مختلف الأطباق المصرية والعربية.

ويُشارك الجميع في هذا الحدث الفريد، من سيدات ورجال وأطفال، كلٌّ حسب دوره ومهامه. فالسيدات يُجهّزن المحشي والحلوى، بينما يساعد الأطفال في مناولة الطلبات وغسل وتقطيع الخضار. ويُسيطر على الجميع شعورٌ بالبهجة والتعاون، ينتظرون لحظة الإفطار بفارغ الصبر.

مائدة المطرية ليست مجرد إفطار رمضاني، بل هي رمزٌ للكرم والتآلف والتعاون بين أفراد المجتمع. إنها تحفة فنية اجتماعية تُخلّد في ذاكرة التاريخ، وتُؤكّد على قدرة الأفكار البسيطة على إحداث تغيير إيجابي في العالم.

من شيوخ المطرية لشبابها: خليكم ديما مع بعض

 

من قلب حيّ المطرية العريق، تأتي هذه الرسالة من شيوخ الحيّ إلى شبابه، رسالةٌ تحمل في طيّاتها معاني الوصايا والتوجيهات، رسالةٌ تُؤكّد على أهمية التمسك بالقيم الأخلاقية والتعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع، فشباب حيّ المطرية هم أمل المستقبل، وهم من يُمكنهم إحداث تغيير إيجابي في المجتمع. فمع كلّ عام، تُؤكّد مائدة المطرية على قدرة الإنسان على نشر السعادة والخير بين الناس.

من جانبه أعرب الحاج جابر عبد الفتاح، أحد شيوخ حي المطرية، البالغ من العمر 78 عامًا، عن سعادته البالغة بمائدة المطرية، ووصفها بأنها "حاجة حلوة جدًا" تجمع الناس وتعزز التعارف والتواصل بينهم. وأضاف: "حاجة جميلة في رمضان"، مؤكدًا بذلك أهمية هذا الحدث الفريد في توطيد العلاقات الاجتماعية وتعزيز روح التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع.

واصل جابر حديثة لـ "البوابة" ، موجهًا رسالة إلى شباب المنطقة، قائلًا: "عايز أقول لشباب المنطقة ربنا يقويهم وعقبال كل سنة وربنا مايقطع لكم عادة، انتوا بتفرحونا وتشرفونا قدام الناس." كلمات تنم عن امتنان عميق وتقدير لجهود الشباب في تنظيم وإنجاح هذا الحدث المميز، وتشجيعهم على المضي قدمًا في خدمة المجتمع وتعزيز روح المبادرة والتكافل بين أفراده.

 

من جهة أخرى، عبرت فوزية عبد المنعم، سيدة من حي المطرية تبلغ من العمر 72 عامًا، عن سعادتها وامتنانها لشباب المنطقة الذين يساهمون في تنظيم وتنفيذ مائدة المطرية كل عام. وقالت: "اللي بيحصل النهاردة حاجة تشرف وبقلنا كتير بنعمل كده، أنا كل سنة بحضر وبشارك فعمل الأكل ونقور البتنجان ونجهز الحاجات لضيوفنا وأهلنا." تعبير ينم عن روح المشاركة والتفاني في خدمة المجتمع، ويعكس الدور الفعّال الذي يلعبه الأفراد من مختلف الأعمار في جعل مائدة المطرية حدثًا ناجحًا ومميزًا كل عام.

بهذه التصريحات، تبرز أهمية مائدة المطرية كرمز للتكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، وتعزيز العلاقات الاجتماعية بين الأجيال المختلفة. إنها ليست مجرد وليمة رمضانية، بل هي مظهرٌ من مظاهر التضامن والتآلف التي تجسدها المجتمعات المصرية خلال شهر الصوم الكريم.

 

 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: موائد الإفطار المطرية بین أفراد المجتمع مائدة المطریة هذا الحدث شهر رمضان مختلف ا من شیوخ کل عام

إقرأ أيضاً:

الأكلات الشعبية.. سيدة مائدة الإفطار

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

أخبار ذات صلة «سياحة أبوظبي»: زيارات تفتيشية على خيم الفنادق الرمضانية «ماجما»: معالجة 160 ألف طن من النفايات سنوياً

تتألق الأكلات الشعبية الإماراتية على المائدة الرمضانية، خاصة خلال الشهر الفضيل، حيث تُعدها السيدات في البيوت، وتنتعش بها المطاعم الشعبية التي تعمل على تجهيزها بكميات كبيرة وتقدمها طازجة لعشاقها، بينما توفِّر الأسر المنتجة خيارات واسعة من هذه الأكلات المحببة والمعدة في البيوت بجودة عالية. 
أطباق مبتكرة
يحرص الإماراتيون على استحضار روح وطقوس موائد آبائهم وأجدادهم، على مائدة إفطار رمضان، إلى جانب الأطباق العصرية المبتكرة، والتي تعكس تنوع المجتمع الإماراتي، حيث المطاعم العالمية التي تزخر بمختلف أنواع الأكلات والمخبوزات والحلويات، وتشهد مختلف الأطباق إقبالاً منذ فترة مبكرة من النهار تصل إلى ذروتها قبيل وقت قصير من موعد أذان المغرب، وتعكس المائدة الرمضانية في الإمارات التنوع الغني لمشهد الطعام في الإمارات، الذي يشكّله النسيج الثقافي المتنوع للجنسيات المختلفة، ويجسده التراث الحضاري العريق.
الأسر المنتجة
ويعد «الهريس» و«الثريد» و«اللقيمات» و«خبز الرقاق»، من الأطباق الرمضانية التي يزيد الإقبال عليها خلال الشهر الفضيل، وفق فاطمة المحيربي من الأسر المنتجة، التي أشارت إلى أن خيارات الطعام الشعبي باتت متوفرة وبكثرة وبجودة عالية، لاسيما التي يتم إعدادها في البيوت من طرف الأسر المنتجة، مؤكدة أن الكثير من المطابخ ترفع جاهزيتها لاستقبال الطلبات المتزايدة خلال الشهر الفضيل على مختلف الأكلات الشعبية الإماراتية. 
«الهريس»
من جهتها، قالت حصة راشد، صاحبة مطعم شعبي ومتخصصة في إعداد طبق «الهريس»، إن هذا الطبق التقليدي يُعد من من الأطباق الشعبية والأساسية على موائد شهر رمضان الكريم، فهو يرتبط بعادات وتقاليد متوارثة، منها تبادل الأطباق والتصدق والعطاء على موائد الخير، وتُفضله العائلات الإماراتية إلى جانب أطعمة شعبية شهيرة، نظراً لأهميته الغذائية وارتباطه بالموروث والحضور القوي في الذاكرة الجمعية.
وفرة وجودة
إلى جانب المطاعم الشعبية، هناك كثيرون يبحثون عبر وسائل التواصل عن أجود المطاعم التي تعرض مختلف الأصناف بجودة عالية، إلى ذلك قالت شيخة العامري إن عشاق الطعام يبحثون عن المطاعم الشعبية من خلال «انستجرام»، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، كما تتناقل أخبار جودة المطعم ومأكولاته الشعبية من خلال «الواتساب»، مؤكدة أن المطاعم تشهد حالة استنفار لتجهيز كل المأكولات الشعبية التي يزيد الإقبال عليها، ومنها «اللقيمات» و«خبز الرقاق» و«الثريد»، وغيرها.
ضيق الوقت
وعن أسباب الإقبال على تناول المأكولات الشعبية في رمضان، قالت خديجة الطنيجي: «إن منها ما هو مرتبط بضيق الوقت، ومنها ما يرتبط بصعوبة إعداد كميات من بعض الأكلات، مؤكدة أن «الهريس» يتصدر هذه المأكولات، ويعود ذلك إلى صعوبة تجهيزه في البيت، كما أن الكثيرين من الصائمين يتعاقدون مع مطاعم لتقديم وجبات إفطار صائم، كما يزيد الطلب على تجهيز العزائم والذبائح، حيث التجمعات العائلية ولمة الأسر والأصدقاء».
«الرقاق» و«اللقيمات»
تشهد الأكلات الشعبية الإماراتية حضوراً بارزاً في شهر رمضان الفضيل، حيث يتضاعف الإقبال عليها بالمحال والمطاعم، ويكثر عرضها على منصات التواصل الاجتماعي، ويُعتبر «الرقاق» و«اللقيمات» من أهم المخبوزات التي تضيف نكهة خاصة إلى الشهر الكريم، سواء وقت الإفطار أو خلال الجلسات المسائية.

مقالات مشابهة

  • بالصور.. تنظيم أطول مائدة إفطار جماعي على شاطئ دهب بمشاركة مئات السائحين
  • موجز أخبار جنوب سيناء.. أطول مائدة إفطار جماعي في دهب.. وتفوق فريق كرة القدم الشراب
  • وزير الشباب والرياضة: ضم ممثلين من شباب المطرية إلى اتحاد الخدمة العامة التطوعية للشباب لأنهم نموذج مشرف
  • أطول مائدة إفطار على شاطئ البحر بمدينة دهب
  • ساعات الإفطار في تبوك.. أجواء روحانية تجمع المقيمين العرب على مائدة التآخي
  • «ديش بارتي» ولمة رمضان
  • أهالي دبا الحصن على مائدة إفطار واحدة
  • محافظ الشرقية يُشارك عمال النظافة والتجميل مائدة الإفطار الرمضاني بنادي أحمد عرابي بالزقازيق
  • «الشفوت».. طبق رمضاني لا يغيب عن مائدة اليمنيين
  • الأكلات الشعبية.. سيدة مائدة الإفطار