كيف تُصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال إلى العالم؟
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
أثار كتاب "المختبر الفلسطيني"، للصحفي الأسترالي الألماني أنتوني لوينشتاين، جدلًا واسعًا، لاسيما مع بداية عملية "طوفان الأقصى". وقد احتفت الصحافة الإسبانية المهتمة بالمشهد في غزة، بصدور الترجمة الإسبانية للكتاب في فبراير/ شباط الماضي، ونشرت صحيفة "الكونفيدنثيال" الأسبوع الماضي، حوارًا مُطوّلًا مع الكاتب، اتّسم بالجرأة ونجح في افتكاك اعترافات من لوينشتاين من أبرزها أن إسرائيل تتخذ من غزة "واجهة متجر"، لاستعراض نجاعة منتجاتها العسكرية والاستخباراتية، وختمها بشهادة "جُرّب في غزة"، من أجل ضمان أكبر عدد من الزبائن!!
يستمدّ كتاب "المختبر الفلسطيني، كيف تُصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال إلى العالم؟"، قيمته من مضمونه بلا شك، لكن هويّة كاتبه منحته قيمة مُضافة.
على المستوى الشخصي، يُعرّف لوينشتاين نفسه بأنه كاتب ألماني أسترالي، نشأ في منزل يهودي أسترالي نموذجي، مرتبط جدًا بماضيه. وتقوم أركان ثقافة العائلة السائدة على أن إسرائيل هي ملجأ اليهود، والبلد الوحيد الذي يضمن تجنّب الرعب الذي عاشته عائلته وباقي اليهود في ألمانيا، لذلك مثّل دعم إسرائيل، شعار الأسرة المقدس.
غير أن الكاتب، يصحّح، أنه مع تقدمه في السن، ومن خلال ما عاشه في سنوات شبابه في القدس، بدأ يلاحظ عنصرية إسرائيلية وحشية معادية للفلسطينيين، ليس فقط في إسرائيل وأستراليا، ولكن في كل المجتمعات اليهودية في الغرب، وهو ما جعله يُدرك حجم "المغالطة"، بين ما يُشاع وبين الواقع، حسب تعبيره.
أمّا فكرة الكتاب، فتنطلق من أن اختيار إسرائيل للفلسطينيين ولأرضهم، ساحة تجارب واستعراض لنجاعة أسلحتها وتقنياتها الحربية، لم يتم بين عشية وضحاها، بل إن الفكرة متجذرة في كيفية تحويل إسرائيل للدولة اليهودية من موضوع تهديد وجودي في الماضي، إلى نموذج اجتماعي واقتصادي جدير بالتصدير، من خلال اختصار الصراع على الأرض في عرض تسويقي مستمر وضخم لمنتجات التكنولوجيا العسكرية وفنون السيطرة على السكان.
وهو ما اختصره الكاتب في العنوان بعبارة "تصدير تكنولوجيا الاحتلال"، على أساس أنها عنوان نجاح العلامة التجارية لأسلحة الجيش الإسرائيلي وإستراتيجياته.
إخضاع وإذلاليذكر الكاتب أنه وبعيدًا عن موضوع الأسلحة، تعتمد إسرائيل في حربها على الفلسطينيين، على جملة من الأدوات الاستخبارية، على نفس القدر من الأهمية من موضوع الأسلحة، وهي السيطرة على تحركات جميع الفلسطينيين وحفظ تفاصيل هوياتهم ومنع أي نزوح في غياب تفسير "مُقنع".
وعلى الرغم من التعلّل بالأسباب الأمنية للقيام بعمليات المراقبة اليومية، فإن الأمر يتم في معظم الأوقات لإذلالهم والسيطرة عليهم وتذكيرهم بواقع الاحتلال، حسب قوله. وأضاف أن إسرائيل تجمع كل أنواع المعلومات والبيانات من الفلسطينيين لتقوم بعد ذلك بابتزازهم وتجنيدهم كجواسيس، مستغلة حاجة بعضهم إلى علاج طبي، أو زيارة أحد أفراد الأسرة.
ما أثار الجدل بشأن الكتاب، بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى" هو أن القرَّاء والنقاد انقسموا إلى قسمين: الأوّل اعتبر أن الكاتب تمّ خداعه بـ "أُكذوبة" الجيش الذي لا يقهر، على اعتبار التسليم بانتصار حماس "المُعدمة الإمكانات"، على هذا الجيش وترساناته من الأسلحة والقدرات الاستخبارية. أمّا ثانيهما، فيعتبر الكاتب مُحقًّا في كل ما ذكره، بأن إسرائيل، وجدت في قطاع غزة، الساحة الملائمة لاختبار نجاعة منتجاتها من الأسلحة على الأرض، في عروض حيّة وعلى الهواء، وأنَّ تضاعفَ أرقام المبيعات لأسلحتها، بمستوى غير مسبوق، هو أوضح دليل على ذلك.
سياسات جائرةفي هذا السياق يذكر الكاتب، أنه تفاجأ ذات يوم في إطار حضوره في معرض أسلحة في باريس، بأن إسرائيل كانت تعرض مقاطع فيديو لبعض المنتجات، تتضمن استخدامًا حقيقيًا على البشر، وكان واضحًا من الإطار المكاني والثقافي، أنهم فلسطينيون، غير أن إدارة المعرض لم توقف ذلك. وشبّه الكاتب -متألّمًا- تلك الحادثة بما يحدث الآن، على مرأى من الحكومات والمنظمات الدولية، التي لم تُفلح في إيقاف عمليات التهديم والقتل الجماعي! وقال إن شركات السلاح الإسرائيلي "مُعجبة" لامحالة بتلك "العروض".
وأمام سؤال المُحاور عن التعارض بين هوية الكاتب كيهودي واعترافه بهذه الأفكار، أجاب لوينشتاين بأنه وبعد الهولوكوست، استخدم العديد من اليهود تلك المعاناة لتحويلها إلى سلاح في خدمة الاحتلال، للاستمرار في سياسة الفصل العنصري على الفلسطينيين، لكنه "كيهودي"، مع آخرين يريدون تغيير ذلك.
لذلك سخّر كتاباته منذ أكثر من 20 عامًا، ليندّد بالسياسات الإسرائيلية الجائرة. وأضاف إنه عاش عدة سنوات في الضفة وغزة وتأكد أن نظرة المجتمعات اليهودية في مختلف بقاع العالم لقضية فلسطين تمثّل باختصار "منتهى الانهيار الأخلاقي، حيث يتقنون الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه"، وأضاف أن نقده الجرائمَ التي تقترفها إسرائيل في حق الفلسطينيين تُصنفه في خانة تقارب الإرهابيين، حسب تصنيفات رابطة مكافحة التشهير في الولايات المتحدة، كواحدة من المنظمات التي ترصد كل الانتقادات لإسرائيل، وتُتقن وصمها بالأصوات المعادية للسامية. وقال إن لا دينه ولا أصوله تُحصّنه من هذه التُهم.
ديمقراطية مشوهةلهذا لا يؤمن بشعارات من قبيل "إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، حيث يعتبر لوينشتاين أنها ديمقراطية لليهود فقط، فبالنسبة له، إذا كنت فلسطينيًا في غزة أو الضفة الغربية، فأنت تعيش في دكتاتورية. وإذا كنت فلسطينيًا في إسرائيل على الرغم من أنه يمكنك التصويت، فأنت مواطن من الدرجة الثانية. وهذا نموذج ديمقراطي مُشوّه، وللأسف تمّ تقليده من قبل دول مثل الهند والمجر وعدد من الدول التي يحكمها اليمين المتطرف العالمي.
وعن ملاحظة المحاور بأن تجارة الأسلحة في العالم، في النهاية، نشاط مشروع مادام قانونيًا، قال الكاتب؛ إن المشكلة المطروحة مع إسرائيل، على عكس باقي روّاد صناعة الأسلحة، هي أنها عاشر أكبر مزوّد بالأسلحة في العالم، وتريد أن تقدم نفسها كمنارة أخلاقية للعالم، في حين أن سياستها الخارجية في الواقع تقوم على تعليم الآخرين كيفية محق "أقلياتهم"، والدعاية للآليات الكفيلة بالقيام بذلك.
يعتبر كتاب أنتوني لوينشتاين، بأفكاره كيهودي يندّد بجرائم إسرائيل، شهادة ذات قيمة مضافة في قائمة الأصوات والأقلام القادمة من الداخل الإسرائيلي والمجتمع اليهودي، التي ستبقى شوكة في حلق الحكومات الإسرائيلية العنصرية المتعاقبة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات أن إسرائیل
إقرأ أيضاً:
منظمات مؤيدة للفلسطينيين تقيم دعوى ضد حكومة هولندا لدعمها إسرائيل
أقامت منظمات مؤيدة للفلسطينيين دعوى قضائية على الدولة الهولندية، الجمعة، متهمة الحكومة بالفشل في منع ما وصفته بالإبادة الجماعية في غزة، ودعت إلى وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
وقالت المنظمات غير الحكومية في دعواها إن إسرائيل تنتهك القانون الدولي في غزة والضفة الغربية المحتلة، وطالبت من بين أمور أخرى، بوقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل وحظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال المحامي فوت ألبرز الذي يمثل المنظمات غير الحكومية، إن « إسرائيل مذنبة بارتكاب إبادة جماعية وفصل عنصري » وهي « تستخدم أسلحة هولندية لشن الحرب ».
وتنفي إسرائيل بشدة الاتهامات الموجهة إليها بأنها ترتكب إبادة جماعية، فيما تواصل هجومها على قطاع غزة الذي بدأته ردا على هجوم حماس على الدولة العبرية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقالت القاضية سونيا هوكسترا لدى افتتاح الجلسة « من المهم أن نشير إلى أن خطورة الوضع في غزة أمر لا تجادل فيه الدولة الهولندية، وأن وضع الضفة الغربية أيضا أمر لا جدل فيه ».
وأضافت « اليوم يتعلق الأمر بمعرفة ما إذا كان هناك انتهاك للقانون وما يمكن توقعه من الدولة، هل يمكنها فعل المزيد أو التصرف بشكل مختلف عما تقوم به حاليا »، مقرة بأنها « قضية حساسة ».
من جانبه، أصر محامي الدولة الهولندية، رايمر فيلدهوس، أن هولندا تطبق القوانين الأوربية السارية على صادرات الأسلحة. وطالب برفض القضية.
وأضاف « من غير المرجح أن يمنح الوزير المسؤول ترخيصا لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل من شأنه أن يساهم في أنشطة الجيش الإسرائيلي في غزة أو الضفة الغربية ».
وتأتي هذه القضية غداة إصدار المحكمة الجنائية الدولية ومقرها في لاهاي، مذكرتي توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.
أسفرت حملة الجيش الإسرائيلي في غزة حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 44056 شخصا على الأقل، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفقا لبيانات وزارة الصحة التي تديرها حماس وتعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
وكان هجوم حماس على إسرائيل قد خلف 1206 قتلى استنادا إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
كذلك، احتجز خلال الهجوم 251 شخصا رهائن ونقلوا إلى غزة، ولا يزال 97 منهم في القطاع، ويقدر الجيش الإسرائيلي أن 34 من هؤلاء الرهائن المتبقين ماتوا.
كلمات دلالية إسرائيل المغرب حكومة هولندا