أثار كتاب "المختبر الفلسطيني"، للصحفي الأسترالي الألماني أنتوني لوينشتاين، جدلًا واسعًا، لاسيما مع بداية عملية "طوفان الأقصى". وقد احتفت الصحافة الإسبانية المهتمة بالمشهد في غزة، بصدور الترجمة الإسبانية للكتاب في فبراير/ شباط الماضي، ونشرت صحيفة "الكونفيدنثيال" الأسبوع الماضي، حوارًا مُطوّلًا مع الكاتب، اتّسم بالجرأة ونجح في افتكاك اعترافات من لوينشتاين من أبرزها أن إسرائيل تتخذ من غزة "واجهة متجر"، لاستعراض نجاعة منتجاتها العسكرية والاستخباراتية، وختمها بشهادة "جُرّب في غزة"، من أجل ضمان أكبر عدد من الزبائن!!

يستمدّ كتاب "المختبر الفلسطيني، كيف تُصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال إلى العالم؟"، قيمته من مضمونه بلا شك، لكن هويّة كاتبه منحته قيمة مُضافة.

فأنتوني لوينشتاين صاحب مقالات في صحف من أبرزها نيويورك تايمز والغارديان، ويعتبر كتابه هذا أول مؤلفاته، وأصدره في منتصف السنة الماضية، لكنه شهد زخمًا أكبر مع أحداث أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدحض البعض لنظرة الكاتب التي طرحها في الكتاب، وتأكيد آخرين لها.

نشأة نموذجية

على المستوى الشخصي، يُعرّف لوينشتاين نفسه بأنه كاتب ألماني أسترالي، نشأ في منزل يهودي أسترالي نموذجي، مرتبط جدًا بماضيه. وتقوم أركان ثقافة العائلة السائدة على أن إسرائيل هي ملجأ اليهود، والبلد الوحيد الذي يضمن تجنّب الرعب الذي عاشته عائلته وباقي اليهود في ألمانيا، لذلك مثّل دعم إسرائيل، شعار الأسرة المقدس.

غير أن الكاتب، يصحّح، أنه مع تقدمه في السن، ومن خلال ما عاشه في سنوات شبابه في القدس، بدأ يلاحظ عنصرية إسرائيلية وحشية معادية للفلسطينيين، ليس فقط في إسرائيل وأستراليا، ولكن في كل المجتمعات اليهودية في الغرب، وهو ما جعله يُدرك حجم "المغالطة"، بين ما يُشاع وبين الواقع، حسب تعبيره.

أمّا فكرة الكتاب، فتنطلق من أن اختيار إسرائيل للفلسطينيين ولأرضهم، ساحة تجارب واستعراض لنجاعة أسلحتها وتقنياتها الحربية، لم يتم بين عشية وضحاها، بل إن الفكرة متجذرة في كيفية تحويل إسرائيل للدولة اليهودية من موضوع تهديد وجودي في الماضي، إلى نموذج اجتماعي واقتصادي جدير بالتصدير، من خلال اختصار الصراع على الأرض في عرض تسويقي مستمر وضخم لمنتجات التكنولوجيا العسكرية وفنون السيطرة على السكان.

وهو ما اختصره الكاتب في العنوان بعبارة "تصدير تكنولوجيا الاحتلال"، على أساس أنها عنوان نجاح العلامة التجارية لأسلحة الجيش الإسرائيلي وإستراتيجياته.

إخضاع وإذلال

يذكر الكاتب أنه وبعيدًا عن موضوع الأسلحة، تعتمد إسرائيل في حربها على الفلسطينيين، على جملة من الأدوات الاستخبارية، على نفس القدر من الأهمية من موضوع الأسلحة، وهي السيطرة على تحركات جميع الفلسطينيين وحفظ تفاصيل هوياتهم ومنع أي نزوح في غياب تفسير "مُقنع".

وعلى الرغم من التعلّل بالأسباب الأمنية للقيام بعمليات المراقبة اليومية، فإن الأمر يتم في معظم الأوقات لإذلالهم والسيطرة عليهم وتذكيرهم بواقع الاحتلال، حسب قوله. وأضاف أن إسرائيل تجمع كل أنواع المعلومات والبيانات من الفلسطينيين لتقوم بعد ذلك بابتزازهم وتجنيدهم كجواسيس، مستغلة حاجة بعضهم إلى علاج طبي، أو زيارة أحد أفراد الأسرة.

ما أثار الجدل بشأن الكتاب، بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى" هو أن القرَّاء والنقاد انقسموا إلى قسمين: الأوّل اعتبر أن الكاتب تمّ خداعه بـ "أُكذوبة" الجيش الذي لا يقهر، على اعتبار التسليم بانتصار حماس "المُعدمة الإمكانات"، على هذا الجيش وترساناته من الأسلحة والقدرات الاستخبارية. أمّا ثانيهما، فيعتبر الكاتب مُحقًّا في كل ما ذكره، بأن إسرائيل، وجدت في قطاع غزة، الساحة الملائمة لاختبار نجاعة منتجاتها من الأسلحة على الأرض، في عروض حيّة وعلى الهواء، وأنَّ تضاعفَ أرقام المبيعات لأسلحتها، بمستوى غير مسبوق، هو أوضح دليل على ذلك.

سياسات جائرة

في هذا السياق يذكر الكاتب، أنه تفاجأ ذات يوم في إطار حضوره في معرض أسلحة في باريس، بأن إسرائيل كانت تعرض مقاطع فيديو لبعض المنتجات، تتضمن استخدامًا حقيقيًا على البشر، وكان واضحًا من الإطار المكاني والثقافي، أنهم فلسطينيون، غير أن إدارة المعرض لم توقف ذلك. وشبّه الكاتب -متألّمًا- تلك الحادثة بما يحدث الآن، على مرأى من الحكومات والمنظمات الدولية، التي لم تُفلح في إيقاف عمليات التهديم والقتل الجماعي! وقال إن شركات السلاح الإسرائيلي "مُعجبة" لامحالة بتلك "العروض".

وأمام سؤال المُحاور عن التعارض بين هوية الكاتب كيهودي واعترافه بهذه الأفكار، أجاب لوينشتاين بأنه وبعد الهولوكوست، استخدم العديد من اليهود تلك المعاناة لتحويلها إلى سلاح في خدمة الاحتلال، للاستمرار في سياسة الفصل العنصري على الفلسطينيين، لكنه "كيهودي"، مع آخرين يريدون تغيير ذلك.

لذلك سخّر كتاباته منذ أكثر من 20 عامًا، ليندّد بالسياسات الإسرائيلية الجائرة. وأضاف إنه عاش عدة سنوات في الضفة وغزة وتأكد أن نظرة المجتمعات اليهودية في مختلف بقاع العالم لقضية فلسطين تمثّل باختصار "منتهى الانهيار الأخلاقي، حيث يتقنون الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه"، وأضاف أن نقده الجرائمَ التي تقترفها إسرائيل في حق الفلسطينيين تُصنفه في خانة تقارب الإرهابيين، حسب تصنيفات رابطة مكافحة التشهير في الولايات المتحدة، كواحدة من المنظمات التي ترصد كل الانتقادات لإسرائيل، وتُتقن وصمها بالأصوات المعادية للسامية. وقال إن لا دينه ولا أصوله تُحصّنه من هذه التُهم.

ديمقراطية مشوهة

لهذا لا يؤمن بشعارات من قبيل "إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، حيث يعتبر لوينشتاين أنها ديمقراطية لليهود فقط، فبالنسبة له، إذا كنت فلسطينيًا في غزة أو الضفة الغربية، فأنت تعيش في دكتاتورية. وإذا كنت فلسطينيًا في إسرائيل على الرغم من أنه يمكنك التصويت، فأنت مواطن من الدرجة الثانية. وهذا نموذج ديمقراطي مُشوّه، وللأسف تمّ تقليده من قبل دول مثل الهند والمجر وعدد من الدول التي يحكمها اليمين المتطرف العالمي.

وعن ملاحظة المحاور بأن تجارة الأسلحة في العالم، في النهاية، نشاط مشروع مادام قانونيًا، قال الكاتب؛ إن المشكلة المطروحة مع إسرائيل، على عكس باقي روّاد صناعة الأسلحة، هي أنها عاشر أكبر مزوّد بالأسلحة في العالم، وتريد أن تقدم نفسها كمنارة أخلاقية للعالم، في حين أن سياستها الخارجية في الواقع تقوم على تعليم الآخرين كيفية محق "أقلياتهم"، والدعاية للآليات الكفيلة بالقيام بذلك.

يعتبر كتاب أنتوني لوينشتاين، بأفكاره كيهودي يندّد بجرائم إسرائيل، شهادة ذات قيمة مضافة في قائمة الأصوات والأقلام القادمة من الداخل الإسرائيلي والمجتمع اليهودي، التي ستبقى شوكة في حلق الحكومات الإسرائيلية العنصرية المتعاقبة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات أن إسرائیل

إقرأ أيضاً:

واشنطن تغذّي آلة الحرب الصهيونية لقتل الفلسطينيين

محمد عبدالمؤمن الشامي

في خطوة جديدة تؤكّـد دعم الولايات المتحدة المُستمرّ للعدوان الصهيوني، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن صفقة أسلحة ضخمة لاحتلال “إسرائيل” بقيمة 3 مليارات دولار، تشمل قنابل خارقة للتحصينات، معدات هدم، وجرافات عسكرية. هذه الصفقة تأتي في وقت تشهد فيه غزة والمناطق الفلسطينية الأُخرى أفظع أنواع العدوان من قبل كيان الاحتلال، والذي أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 160 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال. ومع ذلك، في الوقت الذي تسارع فيه واشنطن لتسليح الاحتلال، يبقى الموقف العربي مُجَـرّد بيانات شجب، دون أي تحَرّك ملموس لوقف هذه المجازر.

الصفقة التي أقرها البنتاغون على “أَسَاس طارئ” تعكس النية الأمريكية في تعزيز قدرات الاحتلال على تدمير غزة والبنية التحتية الفلسطينية بشكل أكبر. تشمل هذه الصفقة 35،529 قنبلة زنة 1000 كغ، وهي قنابل مدمّـرة قادرة على محو أحياء سكنية بالكامل. كما تتضمن 4000 قنبلة خارقة للتحصينات مخصصة لضرب الأنفاق والملاجئ، ما يعني استهداف المدنيين في أي مكان يحاولون اللجوء إليه، إضافة إلى ذلك، تشمل الصفقة 5000 قنبلة زنة 500 كغ، مزودة بأنظمة توجيه لتوجيه القنابل التقليدية بدقة، وجرافات عسكرية بقيمة 295 مليون دولار التي كانت تستخدم في هدم المنازل وتدمير الأراضي الزراعية الفلسطينية.

الصفقة تعكس سياسة أمريكية ثابتة تدعم الاحتلال بشكل غير محدود، مما يضمن له التفوق العسكري المطلق في المنطقة. الهدف الأمريكي واضح: استمرار دعم الاحتلال بلا قيود، حتى لو كان ذلك يعني قتل المزيد من الفلسطينيين. ومع ذلك، يبقى الموقف العربي بعيدًا عن التصعيد الحقيقي ضد هذه السياسة. فحتى الدول التي سبق لها أن انتقدت الاحتلال، بقيت في دائرة المواقف السلبية، منها بيانات الشجب التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

في ظل هذه الأحداث، يظل الفلسطينيون يدفعون الثمن غاليًا. العدوان الصهيوني، الذي بدأ في 7 أُكتوبر 2023 وما يزال مُستمرّا، أسفر عن مئات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين، وأدى إلى دمار هائل في غزة. ومع كُـلّ يوم يمر، تتعمق الأزمة الإنسانية، حَيثُ يعاني السكان من الحصار المُستمرّ والقصف المكثّـف.

في هذا السياق، إذَا لم تتحَرّك الدول العربية الآن على مستوى المقاطعة السياسية والاقتصادية لواشنطن، وَإذَا استمر الصمت أمام هذه المجازر، فسيظل الاحتلال ماضٍ في عدوانه، ولن تكون فلسطين وحدها التي تدفع الثمن. الدور قادم على الجميع، وحينها لن يجد العرب من يدافع عنهم، كما تركوا الفلسطينيين وحدهم في مواجهة آلة الحرب الصهيونية المدعومة أمريكيًّا. يجب أن يكون هناك تحَرّك جاد الآن، قبل أن تجد الدول العربية نفسها في قلب العاصفة، وقد فقدت القدرة على الرد.

مقالات مشابهة

  • واشنطن تغذّي آلة الحرب الصهيونية لقتل الفلسطينيين
  • جنبلاط: إسرائيل تستخدم الدروز لقمع الفلسطينيين
  • وسط صمت دولي.. برلماني: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحا للضغط على الفلسطينيين
  • تهجير الفلسطينيين من غزة جريمة طبقتها إسرائيل قبل أن ينظّر لها ترامب.. كتاب جديد
  • الجزيرة نت تكشف كيف اخترقت إسرائيل البروتوكول الإنساني في غزة
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجيع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • عضو بالبرلمان الأوكراني: 30% من الأسلحة التي تستخدمها أوكرانيا يتم إنتاجها محليًا
  • قوات الاحتلال تقتحم المسجد الأقصى وتُخرج الفلسطينيين
  • احتجاجات في ستوكهولم رفضًا لخطط تهجير الفلسطينيين قسرًا