(فلما انتصف شهر رمضان الكريم تذكر العالم المنافق أنه شهر مقدس لدى المسلمين، وأن معاناة الفلسطينيين قد زادت عن الحد وأحرجت الجميع من ملوك وأمراء القصور إلى عوام الناس في القرى والنجوع والمدن والضواحي التي تحتضن السفارات الإسرائيلية حيث يتحرك ممثلو الكيان بحرية أكثر بكثير من حركة المواطنين أصحاب البلد.
بعد 171 يوما من حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المستمر صحا ضمير الدول العظمي، وتكرمت أمريكا وتعطفت وتنازلت وسمحت لنفسها بالتزام الصمت وعدم استخدام سلاح المنع المعروف بالفيتو ضد قرار أعرج بوقف الحرب وإطلاق الأسرى؛ دون مطالبة واضحة بوقف دائم ولا بانسحاب قوات الجيش الصهيوني، ولا إعادة المهجرين والمواطنين إلى بيوتهم ولا بحق التعويض وإعادة الإعمار، ولا شيء اللهم إلا إنقاذ إسرائيل من نتنياهو الذي تعتقد إدارة بايدن أنه يخرب كل خطط البيت الأبيض من أجل الهيمنة والسيطرة على العالم العربي بطريقة "هادئة" بينما يفضلها نتنياهو "ساخنة".
بعد قرابة ستة أشهر جاء قرار مجلس الأمن "الأعرج" ليكشف للعالم جملة من الحقائق عن تلك الحرب العالمية العربية المشتركة:
تزايد الغضب داخل الولايات المتحدة من أمرين؛ أولهما هو غضب نخبوي عن كيف تحولت أمريكا بقوتها وجبروتها إلى تابع للكيان يتحكم في قراراته وحتى في إرادته السياسية ويؤثر على مصير الحكم فيه، وثانيهما هو الغضب الجماهيري بسبب العنف المفرط ومشاهد القتل والقصف وجرائم الحرب التي تقوم بها قوات الاحتلال
1- لم تنتصر دولة الكيان ولم تحقق أيا من أهدافها التي أعلن عنها نتنياهو بنفسه ومعه وزير حربيته، وأعني تدمير قوة حماس وتحرير الأسرى.
2- لم تستطع دولة الكيان إقناع العالم بأسره بسردية حق الرد والدفاع عن نفسها؛ لأن العالم يعلم أنها دولة احتلال وهو سابق على عملية طوفان الأقصى بقرابة سبعة عقود.
3- تواجه دولة الاحتلال عزلة كبيرة عبرت عنها مجلة الإيكونوميست في عددها الأخير، حين وضعت صورة لعلم دولة الكيان مغروزا في صحراء قاحلة تنال من الرياح وعنونت "إسرائيل وحدها" (Israel Alone).
4- لم تعلن المقاومة هزيمتها ولم ترفع الراية البيضاء وتستسلم كما طالبها وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن علانية كشرط لوقف النار، ولكن تم استصدار قرار بوقف إطلاق النار دون تحقيق مطلب بلينكن.
5- لم تستطع دولة أمريكا العظمى الصمود في وجه الغضب الدولي العارم والمتمثل في الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن ومن بينها دولة الجزائر الشقيقة، وبالتالي وجدت نفسها هي الأخرى في عزلة متزايدة وبدأت تضيق عليها مساحة التحرك الدبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة، رغم علمنا جميعا بأن شراكتها مع الكيان لم ولن تنفض.
6- تزايد الغضب داخل الولايات المتحدة من أمرين؛ أولهما هو غضب نخبوي عن كيف تحولت أمريكا بقوتها وجبروتها إلى تابع للكيان يتحكم في قراراته وحتى في إرادته السياسية ويؤثر على مصير الحكم فيه، وثانيهما هو الغضب الجماهيري بسبب العنف المفرط ومشاهد القتل والقصف وجرائم الحرب التي تقوم بها قوات الاحتلال على مرأى ومسمع من العالم.
7- هذه الحرب أكدت ما ذهبنا إليه قبل عشر سنوات، وهو أن الثورات المضادة والانقلابات التي حدثت بعد الربيع العربي هي من تدبير تحالف الشر العربي- الصهيوني، والذي ظن مدبروه أنه آن الأوان لإسكات الشعوب حتى لا تزعج الكيان والحكام الذين اعتقدوا خطأ أن دولة الكيان بصفتها وكيل أمريكا بمقدورها أن تحمي عروشهم، واكتشفوا أن دولة الكيان غير قادرة على حماية نفسها في مواجهة المقاومة وليس الجيوش النظامية.
8- كما أكدت الحرب التي لم تتوقف أن الحكومات العربية متواطئة حتى النخاع في الحرب على فلسطين كل فلسطين، فالضفة الغربية تتعرض لما يتعرض له شعب غزة، وقوات الاحتلال تتجول في مدن الضفة وشوارعها وأزقتها تحت سمع وبصر قوات محمود عباس، والناس يتخطفون من البيوت والمنازل والمستشفيات ولم نسمع لأبي مازن صوتا، ولم نقرأ لوزراء الخارجية العرب تنديدا أو استنكارا، فقضية فلسطين لم تكن على أجندتهم إلا كورقة للتفاوض مع أمريكا.
9- لم تستطع -أو لنقل لم ترغب- الدول العربية المسماة بالكبرى وقف الحرب أو إدخال المساعدات، بل كل ما تسعى إليه وتنتظره، وسيطول انتظارها، هو لحظة إعلان هزيمة المقاومة وانتصار نتنياهو، لذا فلا فضل لهم في وقف إطلاق النار.
10- أزعم أن قرار وقف الإطلاق النار "الأعرج" لم يسعد بعض حكام المنطقة لأنه يمثل انتصارا حقيقيا للمقاومة، رغم عيوبه وقصوره عن تلبية الحد الأدنى الإنساني لشعب يتعرض للقتل والتدمير والتهجير والتجويع.
القرار الذي اختبأ خلف قدسية شهر رمضان نسي من كتبوه أن النفس البشرية مقدسة طوال العام، وأن استدعاء العواطف لا يكون في المواسم الدينية بل يجب أن يكون ثابتا من ثوابت القتال والحروب
11- القرار الذي اختبأ خلف قدسية شهر رمضان نسي من كتبوه أن النفس البشرية مقدسة طوال العام، وأن استدعاء العواطف لا يكون في المواسم الدينية بل يجب أن يكون ثابتا من ثوابت القتال والحروب، وأنه -أي القرار- الذي صدر بعد مرواغات ومفاوضات وحق النقض لثلاث مرات لم يأت على ذكر القرارات السابقة المتعلقة بقضية فلسطين ولا الدولة الفلسطينية، وهي قرارات كا نقول بالعامية المصرية "تسد عين الشمس".
12- أمريكا التي سمحت بالقرار كادت ممثلتها في مجلس الأمن أن تبكي من فرط حزنها على صدور هذا القرار الأعرج، وخرج متحدث البيت الأبيض ليوضح أن عدم استخدام الفيتو لا يعني تغييرا في الموقف الأمريكي تجاه دولة الكيان، وعاجلتنا الخارجية الأمريكية بتوضيح مفاده أن القرار غير ملزم بالنسبة لإسرائيل.
في تقديري المتواضع أن القرار يمثل نقلة جديدة في الصراع الذي انتقل من غزة إلى المنطقة وسيؤثر عليها لسنوات كما قال جالانت، وزير الدفاع وعضو مجلس الحرب الصهيوني الحالي، وسينتقل هذا الصراع إلى آفاق أكبر وأوسع، وليس أدل على ذلك من أن إسبانيا ومالطا وسلوفينيا وأيرلندا قررت اتخاذ خطوات للاعتراف بالدولة الفلسطينية، الأمر الذي اعتبره نتنياهو مكافأة لحماس وليس للشعب الفلسطيني المناضل منذ سبعة عقود.
وفي رأيي أيضا أن زيادة مساحة الوعي التي ارتفعت حتما ستعقبها وربما بوتيرة أسرع مساحة الفعل على المستويين العربي والعالمي، خصوصا وقد تبين للجميع أن جيش الاحتلال ليس إلا "نمر من ورق"، وأن قدرته على الحسم في حروب طويلة مشكوك فيها نوعا ما، وأن دولة الكيان لم تكن لتصمد لولا الدعم الأمريكي الغربي والدعم العربي المتصهين، وجميعهم يرون في المقاومة والشعوب عدوا لهم، وهذا ما سيجعل السنوات المقبلة أكثر سخونة من الأشهر الفائتة.
سوف يحتاج الكيان لعقود لترميم ما تهتك من بنيانه الذي ينهار أمام أعين الجميع وسمعته التي وصلت إلى الحضيض، وخصوصا سمعته كدولة "عسكرية قوية" في محيط من الجيوش المنشغلة بالسياسة والتجارة، فهل يسعفه الزمن أم تعاجله الشعوب التواقة إلى التخلص من الاستعمار والاستبداد بضربة واحدة؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية مجلس الأمن المقاومة غزة وقف إطلاق النار إسرائيل غزة مجلس الأمن المقاومة وقف إطلاق النار مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الکیان شهر رمضان
إقرأ أيضاً:
فرضية حديقة الحيوان.. لماذا لم نجد حياة عاقلة في الكون إلى الآن؟
تبدأ الحكاية من جلسة غداء صيفية عادية في مختبر لوس ألاموس الوطني، بولاية نيوميكسيكو الأميركية سنة 1950، دار خلالها نقاش بين مجموعة من 9 فيزيائيين حول خرافات الأطباق الطائرة، وهنا ألقى إنريكو فيرمي، الفيزيائي الحاصل على جائزة نوبل، بسؤال بسيط: "أين ذهب الجميع؟"
انفجر الجالسون ضحكا على إثر السؤال، لكن مع قاعدة نظرية مثيرة للانتباه عرضها فيرمي، أصبح الأمر أكبر من مجرد خاطرة أو فرصة للتأمل، بل تساؤلا مهما سمي بعد ذلك "مفارقة فيرمي"
إنريكو فيرمي الفيزيائي الحاصل على جائزة نوبل (غيتي) مفارقة بلا إجابةوتجري المفارقة كالتالي، نعيش في كون ولد قبل نحو 13.8 مليار سنة بحسب أكثر النظريات قبولا لدى العلماء، به تريليونا مجرة أو أكثر، كل واحدة منها تحتوي على مئات المليارات من النجوم، نعتقد كذلك -بعد حوالي 4 عقود من البحث في نطاق الكواكب التي تدور حول نجوم غير الشمس- أن هناك عددا مماثلا الكواكب، بعضها يمكن له احتضان ظروف تشبه ظروف أرضنا الدافئة.
في كون كهذا، يمكن لحضارة ما تمتلك تكنولوجيا صاروخية متوسطة أن تصل إلى كامل حدود المجرة الخاصة بها خلال 10 ملايين سنة فقط، في تلك النقطة دعنا نفترض أن هناك كوكبا ما، لنسمّه "الكوكب كريبتون"، يشبه الأرض في كل شيء تقريبا، ولد "كريبتون" قبل نحو 6.5 مليارات سنة ضوئية، بينما ولدت الأرض من باطن السحابة الغبارية المحيطة بالشمس قبل 4.5 مليارات سنة ضوئية فقط، هذا يعني أن كريبتون الآن يتقدم عنّا بملياري سنة.
إعلانهنا سوف نسأل: متى ابتكر الإنسان الكتابة؟ قبل حوالي 5 آلاف و7 آلاف سنة مثلا، إن كل ما نراه من تقدم صناعي كان ابن 200 سنة سابقة، ومنذ 20 سنة فقط لم نكن نتوقع أن 6 مليارات شخص من هذا الكوكب سوف يمتلكون هواتف محمولة، التقدم التقني يتخذ نمط تطور متسارع، بحيث تمثل 100 سنة طفرة كبيرة، لكن في عمر الكون فهذه ليست إلا لحظة.
إن تطور القدرات التقنية للبشرية بتلك السرعة يدفعنا، على الأقل، إلى فهم مدى التقدم المتوقع إذا استمرت الأمور بهذا النمط. وفي دراسة شهيرة صدرت بدورية "نيتشر" في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، لمؤلفين من جامعة كورنل هما جيسيب كوكوني وفيليب موريسون، فإن محاكاة بسيطة لتطور وضعنا كحضارة بشرية، يجعله من المحتمل أيضا لأية حضارة عاقلة أن تتمكن من بث أو استقبال إشارات راديوية بدرجة كبيرة من السهولة، وذلك لأن كل ما تحتاجه الحضارة هو بدايات علم الفلك الراديوي فقط بحيث يمكن استقبال وإرسال إشارات راديوية من الفضاء عن طريق أطباق لاقطة.
في تلك النقطة يقترح الفيزيائي البريطاني فريمان دايسون في ورقة بحثية نشرت بدورية "ساينس" في ستينيات القرن الماضي أن حضارة أخرى متقدمة عنا فقط بفارق قدره عدة آلاف من الأعوام، ستمتلك القدرة على تسخير الطاقة الصادرة من نجم كامل، بحيث يمكن تصميم كرة ضخمة للغاية، أو على الأقل سرب هائل من الأقمار الاصطناعية -في مرحلة ما- لصناعة غلاف حول نجم مجاور واستهلاك كل طاقته.
فرضية حديقة الحيوانإذا كان التقدم سهلا إلى هذا الحد، فأين ذهبت الكائنات الفضائية إذن؟ خلال نصف قرن مضى قدم العلماء والمفكرون اقتراحات عدة للإجابة عن هذا السؤال، واحدة منها كانت "فرضية حديقة الحيوان"، التي تنص على أن الحياة خارج كوكب الأرض تتجنب عمدا الاتصال بالأرض للسماح بالتطور الطبيعي والتطور الاجتماعي والثقافي، وتجنب التلوث بين الكواكب، على غرار الأشخاص الذين يراقبون الحيوانات في حديقة الحيوان.
إعلانهذا النمط من السلوك مرصود في البشر، فمثلا تتجنب العديد من الدول التدخل في شؤون مجموعات "الشعوب الأصلية"، حتى لا يؤثر ذلك التدخل على تطورهم الاجتماعي الطبيعي ويتسبب في بلبلة شديدة داخل مجتمعاتهم، هذه الصدمة الحضارية تؤثر سلبا في الثقافات والشعوب، تخيل فقط أننا تمكنا بطريقة ما من السفر في الزمن وإرسال هاتف ذكي إلى مجموعة من جامعي الثمار قبل 10 آلاف سنة.
وقد تختار أشكال الحياة خارج كوكب الأرض، على سبيل المثال، السماح بالاتصال بمجرد أن يجتاز الجنس البشري معايير تكنولوجية وسياسية أو أخلاقية معينة. بدلا من ذلك، قد تمتنع عن الاتصال حتى يفرض البشر الاتصال عليها، ربما عن طريق إرسال مركبة فضائية إلى كوكب تسكنه كائنات فضائية.
في هذا الصدد، قد يعكس الإحجام عن بدء الاتصال رغبة معقولة في تقليل المخاطر. قد يستنتج المجتمع الفضائي الذي يمتلك تقنيات استشعار عن بعد متقدمة أن الاتصال المباشر بالجيران يفرض عليه أخطارا إضافية دون فائدة إضافية، ما الذي تستفيده كائنات متقدمة من كوكب أقل تقدما مثلا؟ لاحظ أن السفر بين النجوم مكلف جدا، حتى على أكثر الحضارات تقدما، بسبب المسافات الشاسعة التي يجب أن تقطعها، خذ أقرب نجم للشمس مثلا، يقع تقريبا على مسافة 40 ترليون كيلومتر من الأرض.
تظل مثل هذه الفرضيات في خانة التخمينات الفكرية (شترستوك) تخمينات فكريةوتبنى فرضية حديقة الحيوان على عدة أسس، أولاً، أنه كلما كانت الظروف تسمح للحياة بالوجود والتطور، فسوف يحدث ذلك، وثانيا، هناك العديد من الأماكن حيث يمكن للحياة أن توجد وعدد كبير من الثقافات خارج كوكب الأرض، وثالثا، أن هذه الكائنات الفضائية تكن احتراماً كبيراً للتطور والنمو الطبيعي المستقل.
لكن إلى الآن، لا يوجد تأكيد علمي (أو حتى فكري) على صحة هذه القواعد الثلاث، حيث يفترض العلماء أن نشأة وازدهار الحياة على الكواكب البعيدة أمر شديد الندرة، بسبب ضرورة توافق عدد كبير من العوامل لتستمر الحياة على كوكب ما وصولا إلى مستوى الحياة العاقلة، الأمر الذي يتطلب مليارات السنوات.
إعلانأضف لذلك أن الفرضية ستكون صحيحة إذا كانت هناك سياسة ثقافية أو قانونية كونية متفق عليها بين مجموعة من الحضارات الفضائية التي تستلزم العزلة فيما يتعلق بالحضارات في مراحل تطور شبيهة بالأرض، أما في عالم بلا قوة مهيمنة، فإن الحضارات الفردية العشوائية ذات المبادئ المستقلة سوف تتواصل.
وفي كل الأحوال، تظل مثل هذه الفرضيات في خانة التخمينات الفكرية، بينما تبقى الحقيقة الواحدة التي نعيشها الآن، مع العديد من الأرصاد الفلكية، هي أنه لم يحدث حتى اللحظة أي تواصل مع كائنات فضائية عاقلة على كواكب أخرى، بل لم يتمكن البشر من رصد أي صورة من صور الحياة خارج كوكب الأرض.