جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-07@16:17:40 GMT

نحو مستقبل مالي مستدام

تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT

نحو مستقبل مالي مستدام

 

 

بلقيس بنت سعود المخمرية

 

 

رؤية "عُمان 2040" وأهمية التمويل الذاتي للمؤسسات الحكومية

في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المُتزايدة التي تواجهها المؤسسات الحكومية في مختلف القطاعات، يبرز البحث عن استراتيجيات مالية مستدامة كأولوية قصوى لضمان استمرارية وفعالية هذه المؤسسات. هذه التحديات تحفز المؤسسات على استكشاف سبل مُبتكرة لتعزيز قدرتها التمويلية، بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الميزانية العامة للدولة، وهنا يظهر مفهوم التمويل الذاتي كحل أمثل يتيح لها تلبية احتياجاتها المالية وتحسين أدائها بشكل عام.

من هذا المنطلق، تأتي رؤية "عُمان 2040" لتوجه نظر المؤسسات الحكومية نحو مستقبل اقتصادي متطور ومتنوع ومستدام، واضعة التمويل الذاتي في صميم استراتيجياتها لنيل الاستدامة المالية وتعزيز التنويع الاقتصادي؛ حيث تؤكد الرؤية أهمية دور القطاع الخاص وأهمية تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات كعناصر حيوية للنمو الاقتصادي، مركزة على التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية كأهداف رئيسية. وهذا النهج لا يعزز القدرة على تحقيق التكامل بين السياسات المالية والنقدية والاقتصادية فحسب؛ بل يدعم أيضًا بشكل مباشر نمو الاقتصاد المستدام، موضحًا كيف يمكن للتمويل الذاتي أن يكون جسرًا يربط بين الحاضر المليء بالتحديات ومستقبل مالي واقتصادي مزدهر.

وفقًا للرؤية التاريخية لمفهوم التمويل الذاتي، يظهر أن هذا النوع من أنواع التمويل قد تطور في سياق تاريخي محدد، حيث ازدادت أهميته في الفترة الحالية. وتتجلى دوافع التمويل الذاتي بوضوح في سياق اقتصاديات السوق؛ حيث يتعين على المؤسسات البحث عن وسائل لتعزيز موقعها في وجه التحديات المتزايدة للمنافسة. ويعكس هذا التحدي ضرورة تحقيق التوازن بين الطلب المتزايد على الخدمات الحكومية وتحديات نقص الموارد المالية. وضمن هذا الإطار، يتعين على المؤسسات الحكومية اتخاذ إجراءات فعّالة لتعزيز التمويل الذاتي وتحسين قدرتها على تحقيق أهدافها المستدامة؛ حيث يتطلب ذلك التركيز على استغلال الفرص المتاحة، وتعزيز التكامل والشراكات، ورفع مستوى الأداء لضمان تحقيق التنمية المستدامة وتلبية تطلعات المجتمع.

ووضع العديد من الكتاب والباحثين عدة تعريفات للتمويل الذاتي، منها بمعناه الواسع الذي يشير إلى القدرة الفردية للمؤسسة على تأمين مواردها المالية اللازمة من داخل نشاطها الاقتصادي، دون الحاجة للتوجه إلى مصادر تمويل خارجية. يُعرَف أيضاً بأنه المجهود الذي تُبذله المؤسسة للحصول على موارد دخل إضافية من نشاطها، ويتم الاحتفاظ بها دائمًا لتدعيم عملياتها المستقبلية. إﺟﺮاﺋﯿﺎً، يمثل هذا التمويل جزءًا من النتائج الإجمالية التي يتم إعادة استثمارها لتحقيق فائض نقدي يسهم في تمويل نمو المؤسسة.

ومن خلال تبني التمويل الذاتي، تستطيع المؤسسات الحكومية في سلطنة عُمان تعزيز كفاءتها وفعاليتها المالية بشكل يتماشى تمامًا مع الأهداف الاستراتيجية للرؤية، مما يمنحها فرصة لتحقيق استقلالية مالية أكبر. وهذا النهج يعكس التزام الحكومة بتطبيق معايير الحوكمة والشفافية في إدارة الموارد المالية ويسهم في تحسين العلاقات بين المؤسسات الحكومية والمجتمع، بناءً على الثقة في قدرة المؤسسات على تلبية احتياجات المجتمع بكفاءة وفعالية، وتشجيع تبني ثقافة الاستثمار والابتكار داخل المؤسسات الحكومية. وهذا النهج لا يساعد فقط على تحقيق التوازن المالي وتعزيز القدرة على الابتكار والتجديد؛ بل يجعل الحكومة بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين الذين يسعون إلى الاستدامة والموثوقية الاقتصادية. التمويل الذاتي، كمحور أساسي، يعزز استقلالية المؤسسات الحكومية وقدرتها على تحقيق الأهداف الرئيسية بشكل مستدام، مما يقلل الاعتماد على مصادر التمويل الخارجية ويدعم المشروعات الجديدة والاستثمار في مجالات تطويرية.

إضافة إلى ذلك، يسهم التمويل الذاتي في تعزيز الشفافية وتحسين التواصل الفعّال بين الحكومة والمواطنين؛ مما يعزز القدرة على التكيف بفعالية مع التحديات المالية والاقتصادية المستمرة. وبهذه الطريقة، نؤكد على أهمية نهج التمويل الذاتي كدعامة أساسية للسلطنة لتحقيق تطلعاتها نحو مستقبل مالي مستدام واقتصاد قوي ومتنوع، مما يسهم في بناء علاقات قوية ومستدامة مع المواطنين والجهات المعنية.

لا توجد منهجية عالمية موحدة لتطبيق التمويل الذاتي للمؤسسات الحكومية، وذلك لأن السياقات المالية والاقتصادية والثقافية تختلف من بلد إلى آخر؛ حيث تعتمد استراتيجيات التمويل الذاتي على الظروف المحلية والاحتياجات الخاصة بكل حكومة.

مثلًا في بعض البلدان، يتم تطبيق نهج ريادي لتحقيق التمويل الذاتي، بينما يعتمد آخرون على تطوير سوق أسهم حكومية، أو تعزيز الإيرادات الضريبية أو آليات تمويل خاصة أخرى. على نحوه، يتعين على كل حكومة صياغة استراتيجياتها الخاصة لتعزيز التمويل الذاتي بناءً على الوضع المحلي وتحقيق الأهداف المستدامة للتنمية.

وضمن هذا السياق، ومن خلال دراسة تجارب الدول الأخرى والبحوث الأكاديمية ذات الصلة حول تطوير منهجية التمويل الذاتي للمؤسسات الحكومية ، يظهر أن هذا العمل يحتاج إلى اتخاذ خطوات رئيسية تشمل الحصول على الموافقات اللازمة ووضع اللوائح القانونية الضرورية. ويبدأ العمل بفحص الاحتياجات المالية وتقديم دراسة تحول تفصيلية لتحويل هذه المؤسسات إلى كيانات ذاتية التمويل، مع التركيز على تطوير مبادئ الحوكمة والأداء المؤسسي. ويلي ذلك، وضع برنامج زمني محكم لتنفيذ الخطة وتقييم جميع الجوانب المشمولة أعلاه.  في النهاية، يتم تنفيذ الخطة ومراقبتها بعناية، مع التحديث المنتظم والتقييم لضمان استمرارية تدفق الأموال بشكل فعّال. وفي هذا السياق، يتعين على المؤسسات تبني استراتيجيات تقوم على استخدام مؤشرات الأداء لتقييم أنشطتها بهدف تعزيز قدرتها التمويلية؛ حيث يُفترض أن يكون التمويل الذاتي وسيلة لتعزيز الاستدامة المالية دون الاعتماد الكلي على موازنة الدولة.

وأخيرًا.. إنَّ تحدي التمويل أصبح يمثل ظاهرة عالمية؛ حيث لن تعد الحكومة وحدها المسؤولة عن تحقيق الاستدامة المالية في مختلف القطاعات، كما إن تبني فكرة "التمويل الذاتي للمؤسسات الحكومية في سلطنة عُمان لا تعني بأي حال من الأحوال أن تعامل هذه المؤسسات كشركات تجارية؛ بل تهدف إلى دعم المهام الرئيسة في المؤسسة وتعزيز قدرتها على تحقيق رسالتها وأهدافها، وتنفيذ مشاريعها بكفاءة مع الحرص على تعزيز ثقافة الاستثمار وتمكين ممثلي مؤسساتها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جامعة قناة السويس تنظم مؤتمرها السابع للبحوث الطلابية والإبداع: الذكاء الاصطناعي بوابة المستقبل نحو واقع مستدام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تنظم جامعة قناة السويس، تحت رعاية الدكتور ناصر مندور رئيس الجامعة، في السادس من مايو 2025 فعاليات المؤتمر السنوي السابع للبحوث الطلابية والإبداع، والذي يُعقد هذا العام تحت عنوان "آفاق مستقبلية لبناء واقع مستدام قائم على العلم والمعرفة في عصر الذكاء الاصطناعي".

ويأتي ذلك في خطوة تجسد التزام الجامعة بتعزيز الفكر البحثي لدى طلابها، ودعم مسارات الإبداع العلمي والابتكار التقني في ظل التحولات الرقمية المتسارعة.

ويشرف على المؤتمر إشرافا عامًا الدكتور محمد عبد النعيم نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب ورئيس المؤتمر، كما يتولى الإشراف التنفيذي الدكتور محمد أحمد يس مدير مركز الدعم الأكاديمي بالجامعة، وتتولى الدكتورة مروة إبراهيم سعد الدين الأستاذ المساعد بكلية العلوم مهام مقرر المؤتمر، إلى جانب الدكتور باسم عبد الغني المدرس بكلية التربية كمنسق عام.

ويتناول المؤتمر مختلف فروع المعرفة من خلال أربعة مجالات رئيسية، أولها مجال العلوم الأساسية الذي يشمل الأبحاث المقدمة من كليتي الزراعة والعلوم، ومجال العلوم الطبية الذي يضم تخصصات كليات الطب البشري، طب الأسنان، الصيدلة، العلاج الطبيعي، التمريض، الطب البيطري، والمعهد الفني للتمريض. أما مجال العلوم الهندسية، فيغطي تخصصات كليات الهندسة، الحاسبات والمعلومات، الرياضيات والحاسب الآلي بكلية العلوم، إضافة إلى الكلية المصرية الصينية للتكنولوجيا التطبيقية، بينما يشمل مجال العلوم الإنسانية تخصصات كليات التربية، الألسن، الآداب والعلوم الإنسانية، التجارة، السياحة والفنادق، والتربية الرياضية.

ويهدف المؤتمر إلى ترسيخ أساليب البحث العلمي لدى الطلاب وتشجيعهم على الابتكار، وتنمية مهاراتهم في المجالات المتصلة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب بناء بيئة جامعية حوارية تثري المعرفة العلمية والتقنية وتتيح فرصًا لتبادل الأفكار حول آليات تطبيق الذكاء الاصطناعي في تحقيق الاستدامة.

كما يسعى المؤتمر إلى بحث آفاق تطوير استراتيجيات فعالة تدمج الذكاء الاصطناعي لبناء مجتمعات أكثر مرونة واستدامة، وتعزيز التواصل العلمي بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والباحثين وصناع القرار، فضلًا عن رفع مستوى الوعي المجتمعي بأهمية الاستخدام المسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.

ويطرح المؤتمر للنقاش تسعة محاور رئيسية تتضمن الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في معالجة التحديات البيئية، والابتكار في العلوم والتكنولوجيا المستقبلية، والتعليم والتمكين المعرفي في عصر الذكاء الاصطناعي، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، والإبداع والبحث العلمي، والتطبيقات الصناعية والزراعية، إضافة إلى محور المستقبل والتحولات الرقمية وما تتيحه تقنيات الذكاء الاصطناعي والرقمنة من حلول مبتكرة تدعم الاستدامة، وصولًا إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجالات الطبية وتطوير صناعة الأدوية.

بهذا الحدث العلمي البارز، تؤكد جامعة قناة السويس دورها الرائد كمؤسسة أكاديمية تسعى لتمكين طلابها من أدوات العصر وتوظيف قدراتهم لبناء مستقبل قائم على المعرفة والابتكار والمسؤولية المجتمعية.

 

مقالات مشابهة

  • منتدى الاستثمار الرياضي يستهل جلساته بمناقشة الدور الحكومي لتمكين الرياضة رافدًا اقتصاديًا مستدامًا
  • عروض تنافسية على حلول التمويل للأفراد من بنك نزوى
  • في أولى جلساته بالرياض.. منتدى الاستثمار الرياضي يناقش الدور الحكومي لجعل الرياضة رافدًا اقتصاديًا مستدامًا
  • نائب وزير المالية يكشف تفاصيل الخطة الحكومية الجاري تنفيذها لإصلاح وتطوير المنظومة الجمركية
  • قطر تتجه للطاقة الشمسية.. مشاريع عملاقة لمستقبل مناخي مستدام
  • جامعة قناة السويس تنظم مؤتمرها السابع للبحوث الطلابية والإبداع: الذكاء الاصطناعي بوابة المستقبل نحو واقع مستدام
  • كاتب إسرائيلي: خفض التمويل يهدف لتفكيك المجتمع العربي بإسرائيل
  • محمد كركوتي يكتب: روافد غير نفطية لاقتصاد أبوظبي
  • الشيخ الهجري: نرجو من المسؤولين والمديرين في المؤسسات الحكومية أن يعملوا على تذليل المعوقات ومعالجتها، بما يخدم الصالح العام
  • مستشار مالي: يجب الاستعداد مبكرًا للمناسبات الاجتماعية لتجنب المطبات المالية.. فيديو