أبارتايد آل مادبو
في فبراير من هذا العام، أخذ خطاب د.الوليد مادبو منحنًى آخراً. فقد حذر في لقاء مع سعد الكابلي، بأن تصريحات الفريق ياسر العطا، غير المسؤولة حسب وصفه، قد تقود إلى حرب أهلية. وأطلق بعدها العنان لرواية مفادها أن ما يحدث من قبل الدعم السريع هو ثورة من المهمشين ضد الأقلية العرقية (يقصد المجموعات السكانية بشمال السودان) التي حكمت البلاد لأكثر من قرنين.

لو أن السودانيين حكموا أنفسهم لقرن واحد، دعك من قرنين، لما كان المثقفون ينحازون لموقف قبلي كردة فعل لخطاب غير مسؤول، إلا لو كانوا يظهرونه كسبب لأمر مستبطن. لكنه، أي الانحياز القبلي للمثقفين، غير محصور على زيد أو عبيد؛ فقد ورثوا دولة و جغرافيا سياسية لم يدفعوا ثمنها دماً.

لكن المثير للدهشة، ليس تحول مادبو من الحِكامة إلى الحَكَّامة؛ فستجد عشرات أمثال مادبو، و من فاقوه درجة علمية و ثقافة ينحدون في مستنقع التعصب القبلي. لكن ما يدعو للدهشة هو وصف د.الوليد دولة ما بعد الاستقلال (دولة ٥٦) بأنها دولة أبارتهايد (فصل عنصري) على غرار تلك التي حكمت فيها الأقلية البيضاء أغلبية السود و مارست عليهم تمييزاً و حرماناً شديدين. أطلق مادبو تصريحاته هذه عبر شاشة الجزيرة مباشر، في دعوته لإنهاء الحرب وفق شروط تنهي سيطرة النخب المركزية على الحكم ، و هيمنتهم الثقافية على بقية المكونات. للمفارقة أن نظام الأبارتايد هذا، قد وضع الوليد مادبو، ضمن دائرة المرشحين لرئاسة الوزراء، أكبر منصب تنفيذي بالدولة، في تاريخ ليس بالبعيد. ياله من نظام فصل عنصري لطيف!

ومرد الدهشة ليس ترشيحه لرئاسة الوزراء في مرحلة ما- فقد يكون استثناء يثبت حقيقة نظام الأبارتايد. بل كان يمكن أن يكون الأمر مقبولاً لو صدر من أي فرد يقاتل في صفوف الدعم السريع؛ لكن ليس أسرة موسى مادبو. فقد كان نظام الفصل العنصري بالخرطوم رحيماً بآل مادبو؛ فحصل والد د. الوليد، السيد آدم محمود موسى مادبو على حقيبتين وزاريتين في هذه الدولة العنصرية. تولى والده، في العام ١٩٦٧ وزارة الدفاع – كأصغر وزير دفاع- في حقبة شهدت انقساماً في حزب الأمة. لم يكن تعيينه في هذه الحقبة الوزارية بسبب كفاءة أو نباهة أو غيره، لكنه ابن ناظر الرزيقات محمود موسى مادبو، الذي احتاج الإمام الهادي لدعمه في مواجهة ابن أخيه الشاب- وقتها- الصادق المهدي؛ فحصل ابن مادبو على حقيبة الدفاع مقابل دعمه للإمام الهادي. ابتسم نظام الفصل العنصري مرة أخرى لوالد الوليد، فتم تعيينه وزيراً للطاقة والتعدين في حكومة الديموقراطية الثالثة عام ١٩٨٦.

لم يتوقف سخاء نظام الأبارتايد عند الابن ووالده؛ فقد أغدقت دولة الفصل العنصري عليهم بالمناصب، و تناوب آل مادبو على عضوية البرلمان. حظى جد الوليد مادبو (عم والده) ، السيد ابراهيم موسى مادبو بعضوية المجلس الاستشاري لشمال السودان عام ١٩٤٤-١٩٤٧. ودخل شقيقه، عبد الحميد موسى مادبو (عم والد الوليد برضو) مجلس النواب الأول ١٩٥٤-١٩٥٨. وفي انتخابات ١٩٥٨ أشفق نظام الأبارتايد على آل مادبو؛ فقرر أن يبقي على عبدالحميد موسى مادبو نائباً عن دائرة الضعين الجنوبية، أما دائرة الضعين الشمالية فذهبت لشخص يسمى موسى؛ وهو للمفارقة ابن الناظر إبراهيم موسى مادبو أيضاً. في انتخابات العام ١٩٦٥، حصل سعد محمود موسى مادبو ( عم الوليد مادبو) على مقعد عن دائرة نيالا الجنوبية الغربية. وفي انتخابات العام ١٩٦٨ أطلق نظام الأبارتايد سراح عبدالحميد موسى مادبو، و حصل على مقعد برلماني عن دائرة نيالا الوسطى.

بالطبع لم يكن آل مادبو ضمن القوى الحزبية الحديثة؛ فلم يكونوا أعضاء في جبهة معادية للاستعمار (الحزب الشيوعي)، ولم يكونوا ضمن صفوف جبهة الميثاق الإسلامي (الإسلاميين)، و لم يكونوا ضمن طبقة الأفندية الناشئة في فترة الاستعمار؛ بل كانوا ضمن القوى التقليدية التي استفادت من الاستعمار. كان الجد الأكبر من مؤسسي الحزب الجمهوري الاشتراكي، صنيعة الاستعمار، جنح خلفه إلى حزب الأمة، و مالوا لأكثر تيار رجعي في الحزب عندما انقسم في الستينات من القرن الماضي. وكان جد د. الوليد( الناظر إبراهيم) يفضل حكم البريطانيين على حكم الأفندية من بني جلدته كما ذكر المؤرخ أبو سليم.

كم هي عدد الأسر في الشمال السوداني التي تولى ذووها مناصب وزارية، و مقاعد برلمانية على فترات متتالية؟ بل كم هو عددٍ الأسر في الشمال، موضع نظام الأبارتايد، التي حظى أحد من أفرادها بمقعد برلماني، أو وزارة ؟ بالتأكيد، لا توجد أسرة في الشمال العنصري نالت من السلطة حظاً كما نال آل مادبو؛ و إن كان هنالك أسر كهذه فهي لارتباطها طبقياً بآل المهدي /الميرغني (الأبارتايد الجد جد)

وفي بادية فقيرة، بشباب فتي، لم تترك لهم الظروف خيارات آدمية، ولا تنمية؛ ينبغي أن يسأل من كان يمثلهم على المستويات التشريعية والتنفيذية؛ وهو أمر يطلق الرصاص على آل مادبو. إن كان في البلاد نظام فصل عنصري،و ابارتهايد حقيقي؛ فآل مادبو جزء أصيل منه، و مظهر من مظاهره؛،ليس لأن المناصير ما زالوا بلا تعويضات لسنوات،وليس لأن الأطفال في أرياف الأقلية العرقية يموتون لغياب أمصال العقارب و الثعابين، بل لأن وجود آل مادبو في السلطة، و احتكار نظارة الرزيقات لم يظهر أثره على من ظلوا يمثلونهم في دولة الأبارتهايد السائبة دي.

Abdul Bagi

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الولید مادبو د الولید

إقرأ أيضاً:

تحذير عاجل من الأرصاد عن تحول مفاجيء في طقس الساعات المقبلة

عرضت قناة العربية تقريرًا مفصلًا، عن تفاصيل حالة الطقس المتوقعة في مصر، متضمنا بيان هيئة الأرصاد الجوية. 

كشفت هيئة الأرصاد الجوية عن استقرار الأوضاع الجوية في مختلف أنحاء الجمهورية اليوم الجمعة 31 يناير 2025، مشيرة إلى أن الطقس سيظل معتدلًا خلال ساعات النهار في القاهرة الكبرى، الوجه البحري، السواحل الشمالية، وشمال الصعيد، بينما سيكون مائلًا للدفء في مناطق جنوب سيناء وجنوب الصعيد، مع انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة ليلًا والصباح الباكر، حيث يصبح الطقس شديد البرودة على أغلب المناطق.

التنسيقية: التلاحم الشعبي يُجسد أصالة الموقف المصري التاريخي الداعم للقضية الفلسطينيةإصدار جديد باللغة الصينية.. جناح الأزهر بمعرض الكتاب يقدم "مقومات الإسلام"فرص لسقوط أمطار ونشاط للرياح

وفقًا لتوقعات الهيئة، هناك احتمالية لسقوط أمطار خفيفة على مناطق متفرقة من السواحل الشمالية وشمال الوجه البحري على فترات متقطعة، بالإضافة إلى نشاط ملحوظ للرياح في بعض المناطق، منها القاهرة الكبرى، الوجه البحري، جنوب سيناء، وجنوب البلاد، ما قد يزيد من الشعور بانخفاض درجات الحرارة.

تحذير من الشبورة المائية صباحًا

كما حذرت الهيئة من تشكل شبورة مائية كثيفة خلال ساعات الصباح على الطرق الزراعية والسريعة القريبة من المسطحات المائية، خاصة في القاهرة الكبرى، الوجه البحري، مدن القناة، السواحل الشمالية، وشمال الصعيد، ما يستدعي توخي الحذر أثناء القيادة في تلك الفترات.

حالة البحرين الأحمر والمتوسط

أما عن الحالة البحرية، فأفادت الهيئة بأن البحر المتوسط سيشهد حالة معتدلة مع ارتفاع أمواج يتراوح بين 1.5 و2 متر، واتجاه رياح شمالية غربية، في حين سيكون البحر الأحمر معتدلًا إلى مضطرب، بارتفاع أمواج يصل إلى 2.5 متر، ورياح تتراوح بين شمالية غربية وشمالية شرقية.

درجات الحرارة المتوقعة اليوم

تشير التوقعات إلى أن درجات الحرارة العظمى في القاهرة ستصل إلى 21 درجة مئوية، بينما تسجل الصغرى 12 درجة. أما في الإسكندرية، فستبلغ العظمى 20 درجة، والصغرى 11 درجة، في حين ستسجل أسوان 26 درجة للعظمى، و12 للصغرى.

نصائح لمواجهة الطقس الباردارتداء الملابس الثقيلة خلال فترات الليل والصباح الباكر.توخي الحذر أثناء القيادة بسبب الشبورة المائية.متابعة التحديثات الجوية لتجنب التعرض لاضطرابات الطقس.

تبقى الأوضاع الجوية مستقرة بشكل عام، لكن مع بعض التغيرات الطفيفة التي تتطلب الحذر، خاصة في المناطق المعرضة للأمطار والشبورة المائية.

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: مصر دولة كبيرة ولا تقبل أي إملاءات من الخارج (فيديو)
  • ثوابتنا لا تتغير.. أحمد موسى: مصر دولة كبيرة جدا والجميع يعلم قوتها
  • أولادي موافقوش.. علاء زينهم: رفضت هذا الدور المثير في فيلم لإيناس الدغيدي
  • “وول ستريت جورنال”: إطلاق سراح الأسرى تحول إلى مشهد مهين لـ “إسرائيل”
  • تحذير عاجل من الأرصاد عن تحول مفاجيء في طقس الساعات المقبلة
  • وول ستريت جورنال: إطلاق سراح الأسرى تحول إلى مشهد مهين لـ إسرائيل
  • كل ما تريد معرفته عن تطبيق Deepseek المثير للجدل
  • نائب محافظ الجيزة تتفقد أعمال التطوير بمحيط مكتبة خالد بن الوليد والكيت كات بإمبابة.. صور
  • أمير قطر يصل سوريا.. أول زعيم عربي يزور دمشق بعد سقوط الأسد
  • أمير دولة قطر يصل دمشق