???? لكن المثير للدهشة، ليس تحول مادبو من الحِكامة إلى الحَكَّامة
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
أبارتايد آل مادبو
في فبراير من هذا العام، أخذ خطاب د.الوليد مادبو منحنًى آخراً. فقد حذر في لقاء مع سعد الكابلي، بأن تصريحات الفريق ياسر العطا، غير المسؤولة حسب وصفه، قد تقود إلى حرب أهلية. وأطلق بعدها العنان لرواية مفادها أن ما يحدث من قبل الدعم السريع هو ثورة من المهمشين ضد الأقلية العرقية (يقصد المجموعات السكانية بشمال السودان) التي حكمت البلاد لأكثر من قرنين.
لكن المثير للدهشة، ليس تحول مادبو من الحِكامة إلى الحَكَّامة؛ فستجد عشرات أمثال مادبو، و من فاقوه درجة علمية و ثقافة ينحدون في مستنقع التعصب القبلي. لكن ما يدعو للدهشة هو وصف د.الوليد دولة ما بعد الاستقلال (دولة ٥٦) بأنها دولة أبارتهايد (فصل عنصري) على غرار تلك التي حكمت فيها الأقلية البيضاء أغلبية السود و مارست عليهم تمييزاً و حرماناً شديدين. أطلق مادبو تصريحاته هذه عبر شاشة الجزيرة مباشر، في دعوته لإنهاء الحرب وفق شروط تنهي سيطرة النخب المركزية على الحكم ، و هيمنتهم الثقافية على بقية المكونات. للمفارقة أن نظام الأبارتايد هذا، قد وضع الوليد مادبو، ضمن دائرة المرشحين لرئاسة الوزراء، أكبر منصب تنفيذي بالدولة، في تاريخ ليس بالبعيد. ياله من نظام فصل عنصري لطيف!
ومرد الدهشة ليس ترشيحه لرئاسة الوزراء في مرحلة ما- فقد يكون استثناء يثبت حقيقة نظام الأبارتايد. بل كان يمكن أن يكون الأمر مقبولاً لو صدر من أي فرد يقاتل في صفوف الدعم السريع؛ لكن ليس أسرة موسى مادبو. فقد كان نظام الفصل العنصري بالخرطوم رحيماً بآل مادبو؛ فحصل والد د. الوليد، السيد آدم محمود موسى مادبو على حقيبتين وزاريتين في هذه الدولة العنصرية. تولى والده، في العام ١٩٦٧ وزارة الدفاع – كأصغر وزير دفاع- في حقبة شهدت انقساماً في حزب الأمة. لم يكن تعيينه في هذه الحقبة الوزارية بسبب كفاءة أو نباهة أو غيره، لكنه ابن ناظر الرزيقات محمود موسى مادبو، الذي احتاج الإمام الهادي لدعمه في مواجهة ابن أخيه الشاب- وقتها- الصادق المهدي؛ فحصل ابن مادبو على حقيبة الدفاع مقابل دعمه للإمام الهادي. ابتسم نظام الفصل العنصري مرة أخرى لوالد الوليد، فتم تعيينه وزيراً للطاقة والتعدين في حكومة الديموقراطية الثالثة عام ١٩٨٦.
لم يتوقف سخاء نظام الأبارتايد عند الابن ووالده؛ فقد أغدقت دولة الفصل العنصري عليهم بالمناصب، و تناوب آل مادبو على عضوية البرلمان. حظى جد الوليد مادبو (عم والده) ، السيد ابراهيم موسى مادبو بعضوية المجلس الاستشاري لشمال السودان عام ١٩٤٤-١٩٤٧. ودخل شقيقه، عبد الحميد موسى مادبو (عم والد الوليد برضو) مجلس النواب الأول ١٩٥٤-١٩٥٨. وفي انتخابات ١٩٥٨ أشفق نظام الأبارتايد على آل مادبو؛ فقرر أن يبقي على عبدالحميد موسى مادبو نائباً عن دائرة الضعين الجنوبية، أما دائرة الضعين الشمالية فذهبت لشخص يسمى موسى؛ وهو للمفارقة ابن الناظر إبراهيم موسى مادبو أيضاً. في انتخابات العام ١٩٦٥، حصل سعد محمود موسى مادبو ( عم الوليد مادبو) على مقعد عن دائرة نيالا الجنوبية الغربية. وفي انتخابات العام ١٩٦٨ أطلق نظام الأبارتايد سراح عبدالحميد موسى مادبو، و حصل على مقعد برلماني عن دائرة نيالا الوسطى.
بالطبع لم يكن آل مادبو ضمن القوى الحزبية الحديثة؛ فلم يكونوا أعضاء في جبهة معادية للاستعمار (الحزب الشيوعي)، ولم يكونوا ضمن صفوف جبهة الميثاق الإسلامي (الإسلاميين)، و لم يكونوا ضمن طبقة الأفندية الناشئة في فترة الاستعمار؛ بل كانوا ضمن القوى التقليدية التي استفادت من الاستعمار. كان الجد الأكبر من مؤسسي الحزب الجمهوري الاشتراكي، صنيعة الاستعمار، جنح خلفه إلى حزب الأمة، و مالوا لأكثر تيار رجعي في الحزب عندما انقسم في الستينات من القرن الماضي. وكان جد د. الوليد( الناظر إبراهيم) يفضل حكم البريطانيين على حكم الأفندية من بني جلدته كما ذكر المؤرخ أبو سليم.
كم هي عدد الأسر في الشمال السوداني التي تولى ذووها مناصب وزارية، و مقاعد برلمانية على فترات متتالية؟ بل كم هو عددٍ الأسر في الشمال، موضع نظام الأبارتايد، التي حظى أحد من أفرادها بمقعد برلماني، أو وزارة ؟ بالتأكيد، لا توجد أسرة في الشمال العنصري نالت من السلطة حظاً كما نال آل مادبو؛ و إن كان هنالك أسر كهذه فهي لارتباطها طبقياً بآل المهدي /الميرغني (الأبارتايد الجد جد)
وفي بادية فقيرة، بشباب فتي، لم تترك لهم الظروف خيارات آدمية، ولا تنمية؛ ينبغي أن يسأل من كان يمثلهم على المستويات التشريعية والتنفيذية؛ وهو أمر يطلق الرصاص على آل مادبو. إن كان في البلاد نظام فصل عنصري،و ابارتهايد حقيقي؛ فآل مادبو جزء أصيل منه، و مظهر من مظاهره؛،ليس لأن المناصير ما زالوا بلا تعويضات لسنوات،وليس لأن الأطفال في أرياف الأقلية العرقية يموتون لغياب أمصال العقارب و الثعابين، بل لأن وجود آل مادبو في السلطة، و احتكار نظارة الرزيقات لم يظهر أثره على من ظلوا يمثلونهم في دولة الأبارتهايد السائبة دي.
Abdul Bagi
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الولید مادبو د الولید
إقرأ أيضاً:
غارديان: هل نحن أمام نقطة تحول في تاريخ العالم؟
تناول الكاتب ديفيد موتاديل -في مقال نشرته صحيفة غارديان- ما إذا كان العالم يشهد نقطة تحول تاريخية، كما يزعم قادة سياسيون مثل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وأشار موتاديل إلى أن بايدن صور في خطاباته -وحتى انقضاء ولايته- الأزمات العالمية على أنها نقاط تحول تاريخية، بما في ذلك الاستبداد المتصاعد والصراعات الإقليمية وتغير المناخ وظهور الذكاء الاصطناعي، كما وصف المؤرخ آدم توز الأوضاع الحالية باعتبارها "أزمات متعددة".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موقع فرنسي: اليمين يضرم النار في علاقات الجزائر وفرنساlist 2 of 2إعلام إسرائيلي: على ترامب توسيع مقترحه ليشمل مناطق أخرىend of listولكن الكاتب، وهو أستاذ مساعد في التاريخ الدولي بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، يؤكد أن هذه العوامل مجرد علامات مرئية لتغييرات هيكلية عميقة، وأن التاريخ تشكله العديد من العوامل طويلة الأمد وليس الأحداث الفردية.
خطر التهويلأقر الكاتب بجاذبية فهم التاريخ عبر استعراض الوقائع والأحداث الدرامية، مشيرا إلى أن القادة السياسيين يستخدمون هذا المفهوم لحشد الدعم، إذ أن الجماهير تنجذب نحو روايات الأحداث "المفصلية" و"الحاسمة" و"غير المسبوقة" ومن ذلك تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويكمن خطر "التركيز المفرط على الأزمات المعزولة" -برأي الكاتب- في أنه قد يؤدي إلى فهم مضلل للأحداث وتجاهل أسبابها الهيكلية، فمثلا لم تكن الثورة الفرنسية وليدة اللحظة، إذ أنها تأثرت بأفكار التنوير والتوترات الاجتماعية، كما لم تندلع الحرب العالمية الأولى من فراغ بل نشأت عن القومية القديمة والتنافسات الدبلوماسية.
إعلان انتقاداتولفت مقال الصحيفة البريطانية إلى أمثلة تاريخية اعتقد معاصروها أنهم كانوا يشهدون نقاط تحول، مثل الحروب العالمية وسقوط جدار برلين عام 1989، وذكر أنه على الرغم من أن هذه اللحظات كانت مهمة فإنها كانت في الغالب نتيجة قوى اقتصادية وسياسية واجتماعية أعمق.
وفي انتقاده لرأي من يصفون العصر الحالي بأنه نقطة تحول تاريخية، استشهد الكاتب بمفاهيم مدرسة "الحوليات" التاريخية الفرنسية، إذ أوضح المؤرخ البارز فرناند بروديل أن التاريخ يتشكل عبر مراحل زمنية مختلفة لا الأحداث المفاجئة.
كما ميّز بروديل -وفقا للكاتب- بين البنى الطبيعية والجغرافية التي تتغير ببطء، والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تتطور تدريجيا، والأحداث السياسية قصيرة الأجل التي غالبا ما تعكس مؤثرات أعمق، ومن وجهة النظر هذه فإن التحولات الصادمة أو الكبيرة لا تنقل بالعالم إلى حقبة تاريخية جديدة.
ولفت المقال أيضا إلى آراء الفيلسوف والمفكر كارل ماركس، والذي أكد أن الأحداث التاريخية لا تحدث بمعزل عن الماضي، بل تتشكل ضمن سياق ظروف "متوارثة" عبر الزمن.
فهم مضللبالتالي -برأي الكاتب- فإن التركيز على "نقاط التحول" قد يكون مضللا، إذ أن التغيرات الكبرى عادة ما تكون ناتجة عن عمليات طويلة الأمد وليس عن لحظات مفصلية مفاجئة.
وختاما، ذكر أستاذ التاريخ أن الأزمات الراهنة، بما في ذلك تصاعد القومية والتفاوت الاقتصادي وضعف المؤسسات العالمية، كانت تتفاقم منذ عقود. وبالتالي فإن معالجتها تتطلب تغييرات هيكلية ذات نظرة إستراتيجية بعيدة المدى بدلا من اتخاذ إجراءات "مثيرة وفورية".