هل يمثل الصمت أو الخذلان خطيئة إستراتيجية؟
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
اتّسم الموقف العربي من الحرب على غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي قبل أربعة أشهر، بتباين حادّ بين موقف الأنظمة العربية بسبب تفاعل تحالفات إقليمية ودولية أَخَلَّت بفاعلية المنظومة العربية في مجابهة الأزمات والتحديات.
وذلك يعود بالأساس إلى معطيات موضوعية تهم المنطقة في صراع القوى الدولية أو الإقليمية، والتي عملت على تفجير التوترات وتغذية النزاعات البينية، لإحكام الهيمنة والسيطرة على القرار السيادي والاختيارات الكبرى، وهذا ليس جديدًا؛ وإنما يمتد في جغرافيا العرب والمسلمين منذ غروب إشعاع الحضارة في الشرق، وسطوعه في الغرب مع فجر الحداثة والتقدم الذي كانت له مخالب عمل من خلالها على إضعاف الآخرين لحيازة القوة.
هذا عن البعد الموضوعي للانهيار وأفول الدور العربي، أما البعد الذاتي، فهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطبيعة المنظومة العربية نفسها، وأنماط تشكل السلطة والحكم فيها، فهي قائمة على القهر والغلبة والاستبداد، مما يجعلها تفتقر إلى أدنى درجات التعبير عن الإرادة العامة وتطلّعاتها.
هذا يفسر بشكل ما تباين المواقف والتناقض الحاصل في مواقف واختيارات عدد من الأنظمة والدول العربية والإسلامية مع اختيارات ومواقف شعوبها، بخصوص فلسطين والعدوان على غزة، وما ترتب عنه من أزمة إنسانية مفجعة، إذ يعتبر الجمهور العربي في عمومه؛ فلسطين جزءًا لا تتجزأ عن قضاياه الإستراتيجية، ولا تخضع لحسابات التجار والمصالح الاقتصادية التي تجعل لكل شيء ثمنًا وكسبًا ماديًا من ورائه؛ أي النظر في القضية بميزان الربح والخسارة، بل تمثل لهم من حيث الجوهر قضية مبدأ باعتبارها القضية الأولى للعرب والمسلمين.
وبالمثل يشكل ضياع الوجهة وغياب الرؤية الإستراتيجية والافتقار إلى شرعية الإرادة العامة وغياب المشروع الوطني، مدخلًا لفهم محددات الانشطار في منحيَيه؛ الانشطار الأفقي داخل النظام الرسمي العربي، والانشطار العمودي الذي سيجعل من فلسطين عنصرًا في تعميق الهوّة بين الشعوب ونخبها الحاكمة، وهي القضية التي يمكن أن يشكل فيها الموقف الصريح والضاغط لصالح غزة، مدخلًا للمصالحة والتوافق السياسي والمجتمعي؛ بسبب الرمزية التي تحتلها فلسطين في الوجدان والوعي العربي، لكن هذا لم يحصل.
الجمهور العربي وفلسطين: محدّدات في فهم الموقفتتسم العلاقة بين الشعوب العربية والإسلامية وفلسطين بتفرّد خاص، إذ رغم ما تعرضت له المجتمعات العربية من جرف للوعي وتغذية للانقسامات السياسية والثقافية، أو الحروب والنزاعات العنيفة، لتفكيك النسيج الاجتماعي العربي الإسلامي، وإشاعة الروايات الزائفة بخصوص النكبة وتضييق مجال الصراع في أطواره المختلفة، من صراع عربي – إسرائيلي إلى صراع فلسطيني – إسرائيلي، ثم أخيرًا إلى غزة بمكوناتها وفصائلها وإسرائيل، نقول على الرغم من ذلك، فإن الوعي والشعور العربي الإسلامي حافظ على مكانة خاصة لفلسطين، وإن لم يظهر ذلك في عدد من الدول؛ بسبب منع التظاهر والاحتجاج والتعبير عن الرأي. تلك المكانة تحفزها على الدوام ثلاثة منطلقات أو محددات كبرى.
أولًا: من منطلق المحدد الديني والتاريخي، ذلك أن الأقصى في الخيال والتصور الديني الإسلامي، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي – صلى الله عليه وسلم-، وفلسطين مهد الرسالات وأرض النبوّات، كما أنها من ناحية الوعي التاريخي والحضاري تمثل نقطة ارتكاز في جوانب الصراع التي مرت منها الحضارة الإسلامية مع الغزاة، فالسيطرة على جغرافيا فلسطين تعتبر مؤشر ضعف للمكون الحضاري العربي والإسلامي، كما أن تحررها مثّل انبعاثًا متجددًا من تحت الرماد، وما أشبه اليوم بالأمس، وكأنه مكر التاريخ، يعيد نفسه في تجارب حية للاعتبار والاستبصار.إن المحدد الديني لا يعني الانغلاق والتقوقع كما يتخيل للبعض من تجارب مغايرة، أو إقصاء للمكونات الدينية الأخرى، بل إنه منذ أن فتح المسلمون القدس 15 هـ، 636 بالتاريخ الميلادي، تم تأمين ممتلكات وكنائس أهل إيلياء (القدس)، وضمنَ المسلمون فيها وفي غيرها من البلدان تعددًا فريدًا وحرية دينية وعقدية عزّ نظيرها، والتحم المسيحيون مع المسلمين، جنبًا إلى جنب، وظل الالتحام الاجتماعي والثقافي قائمًا إلى اليوم، مما يجسد صبغة الحرية التي اصطبغ بها النموذج الحضاريّ الإسلامي.
لا يزال هذا الأفق التحرري في فلسطين يستمد أصوله من البعد الديني، الذي يحتاج إلى قراءة مغايرة عما هو سائد بخصوص الديناميكيات التي يخلقها الدين والأثر الذي يخلفه، ذلك أنه إذا كان عنصر إكراه في مجال حضاري معين، فهو عنصر تحرير في حيز آخر، بل إن المأساة التي تشهدها غزة، توحي بانهيار السرديات والرؤى التي نظرت إلى المعطى الديني نظرة أيديولوجية ضيقة مسيّجة بقوالب جاهزة.
ويكفي أن نقول إنه في العالم العربي والإسلامي شكّل على الدوام عنصرًا باعثاً للتنوع والتعددية، ومؤلفًا للشعور الوحدوي، والقضية الفلسطينية من أهم القضايا التي تؤثر من هذا المنحى، وأثره سيكون على المدى البعيد.
ثانيًا: وحدة الشعور والمصير العربي المشترك، ولذلك نالت القضية مكانتها الأولى سياسيًا منذ قرار التقسيم، وثقافيًا في أشكال الإبداع المختلفة التي تعبّر عن رمزية فلسطين في الوجدان العربي بأطيافه المُختلفة.أما تخاذل الموقف الرسمي العربي بخصوص غزة وفلسطين، فإنه يستبطن في واقع الأمر تفريطًا في السيادة والاستقلال، وتعبيرًا عن عجز المنظومة العربية التي حافظت على الشكل والمؤسسات في لقاءات دورية راتبة، في غياب المضمون والروح العربية التي تجسد التطلعات والمصالح الإستراتيجية المشتركة، فهي أشياء اضمحلّت أو تلاشت، وأصبحت في حكم الأمنيات.
أمّا المحدد الثالث، فهو المنحى التحرّري من الاستعمار، وتمثّل فلسطين في هذا السياق آخر ضحايا النزوع الاستعماري، ومن خلال هذا المنحى تتخذ فلسطين بكثافتها الرمزية، فضاء تتلاءم فيه مختلف الإرادات الإنسانية من الشرق والغرب، الشمال والجنوب، لمناصرة شعب يعاني الاضطهاد والاستعمار، ولذلك لا تحتل فلسطين مكانتها الأولى على المستوى العربي والإسلامي وحسب، وإنما هي بمثابة وخز للضمير الإنساني برمته، والحافز له للدعم من أجل إقرار الحرية وتقرير المصير.لكن بالرغم من رمزية القضية في الوجدان العربي والمسلم، والموقع الذي تبوأته سياسيًا في جدول الأعمال العربي والإسلامي الرسمي لعقود طويلة، فإن العدوان الراهن، وعدم قيام العرب والمسلمين بالدور المطلوب، يدفع إلى التساؤل عن أسباب العجز وعدم فاعلية الموقف العربي، ولسنا من نقول العجز وعدم القيام بالدور المطلوب، وإنما استغاثة المكلومين في غزة التي لم تجد آذانًا مُصغية.
الموقف العربي الرسمي من العدوان على غزةيمكن القول ابتداء وبكثير من الأسف، إن الموقف الرسمي العربي – والإسلامي كذلك – في عمومه، شكل حافزًا مباشرًا أو غير مباشر لاستمرار العدوان على غزة، وإبادة أهلها، وبصيغة أخرى، إن وقف العدوان لا يتوقف فقط على ما سيصدر من البيت الأبيض أو مجلس الأمن أو حكومة الحرب في إسرائيل، وإنما في تجاوز الانقسام العربي والخروج من الرؤى الضيقة للأحداث والعناصر الفاعلة فيها، إلى القضية الفلسطينية برمتها وانعكاساتها على الخيارات الإستراتيجية للوجود العربي، مما يحتم اتخاذ خطوات عملية للضغط السياسي على إسرائيل ولجم عدوانها على أهل غزة.
أما ما يتم التصريح به إعلاميًا، فهو يرقى إلى رسائل الود وليس تعبيرًا عن إجراءات مقنعة، أو مواقف يمكن اعتبارها مساندة فعلية للحق الفلسطيني، ذلك أن الخطوات التي يتخذها عدد من الدول العربية والإسلامية في الاتجاه الآخر؛ أي في العلاقة مع إسرائيل من حيث العلاقات الاقتصادية والسياسية، مقابل افتقاد القدرة على مجرد حل مشكلة الأزمة الإنسانية في الغذاء والدواء، وهذا يرجع لعدة أسباب تخص المنظومة العربية:
أولًا: الانشطار/الانقسام الأفقي في البيت العربي، وانزياح عدد من الدول منفردة في خيارات إستراتيجية لا تعبر عن الضمير العربي.
وهذا يعبر عن أزمة عميقة في المنظومة العربية الرسمية، تتمثل في غياب رؤية إستراتيجية تحمي المصالح العربية، وهي مصالح لا يمكن أن تتم على حساب تصفية القضية الفلسطينية، أو المساومة عليها ضمن خيارات مناقضة لرغبة الجمهور العربي والإرادة العامة، وهي رغبة تكمن في المحددات التي ذكرناها سابقًا، والتي تجعل فلسطين على أولوية الاهتمامات، بل إن عدم اتخاذ مواقف صريحة وإجراءات عملية سيزيد من تعميق الهوّة بين الأنظمة وشعوبها، ويغذي تطلعات التغيير الجذري في المستقبل.
ثانيًا: تحول القضية الفلسطينية إلى عبء لدى عدد من النخب والأنظمة العربية، فالقضية الفلسطينية في نظرها مشكلة، لا يهم الطريقة التي ينبغي بها إيجاد حل لها، وهذا يعكس طبيعة النخبة الحاكمة ولفيف من الطبقة السياسية وولاءاتها ومصادر قوتها واستمراريتها، فهي ليست كامنة في قيم ومبادئ العصر السياسية؛ أي في احترام الإرادة الشعبية ضمن مشروع وطني يحقق السيادة والاستقلال في القرار، كما أن التقدم ليس انبعاثًا من داخل الذات الثقافية والدينية والحضارية مع مد للجسور مع روح العصر.
فمصادر القوة والولاء والاستمرارية في الحكم مستمدة من الوكيل والراعي الأكبر للنظام الدولي، ومسارات التقدم تقتضي تنويرًا زائفًا يعمل على تفكيك المقدرات الثقافية والقيمية التي تشكل حصنًا من حصون المناعة، ودافعًا للفعل التحرري بنوازع أخلاقية تنظر إلى فلسطين كجزء من الذات الحضارية العربية والإسلامية.
هذا الوعي يشكل في منظور الطبقة السياسية الحاكمة تحديًا خطيرًا يفكك الأنساق السياسية وارتباطاتها المناهضة لإرادة الأمة ومصالحها الحقيقية، أي أنه باعث لتحرر مزدوج داخلي وخارجي، ومن ثم تعد إزالة العبء الفلسطيني بمثابة تسوية كاملة تخدم الأهداف والرغبات المتحكمة في نوازع تلك الأنساق والأنظمة، لكن هذا في واقع الأمر يعكس حالة من العمى الإستراتيجي وعدم الوعي بالتاريخ والسنن الاجتماعية، سيؤدي في واقع الأمر إلى نقيضه.
ثالثًا: الخصومة الأيديولوجية والسياسية مع مكونات البيت الفلسطيني، مما دفع إلى حالة من الصمت المريب أو التعبير إعلاميًا وسياسيًا بمواقف وتقديرات قد تضرّ بغزة وفلسطين وتخدم الأجندات الأخرى، بل وبصيغة مباشرة تمثل ضوءًا أخضر لعملية الاستئصال المزمعة التي تحقق رغبات كامنة لدى لفيف من طبقة الحكم هنا وهناك.
وهذا يحمل خللًا من وجهتين، الوجهة الأولى: عدم التمييز بين الخلاف الأيديولوجي الذي لا إشكال فيه والمصالح الإستراتيجية للدول والمنطقة التي تتعالى عن ضيق قفص الأيديولوجيا والحسابات الضيقة، ثم من جانب آخر، يعد الإضرار بأركان البيت الفلسطيني وتدمير غزة كاملة وإعادة احتلالها وإنهاء المكونات الفلسطينية الفاعلة كما يعبر مجلس الحرب، إضرارًا بالأمن القومي والمصالح الإستراتيجية المصرية والخليجية معًا، بل والعربية والإسلامية كاملة، وهو ما يستدعي مراجعة للموقف والضغط والمساندة الفعلية للحق الفلسطيني.
على سبيل الختم: يشكل الموقف العربي الرسمي في صيغته الراهنة، انسلاخًا عن التاريخ وتعبيرًا عن خلل أو خطيئة إستراتيجية ستكون كلفتها مرتفعة في الأمد المنظور، كما أنه منفصل كلية عن الوجدان العربي الإسلامي والموقف الشعبي، وهو بذلك لا يقدر رمزية القضية وحجم الكارثة التي حلت بغزة وستحل بفلسطين، وهي بالتبع ستحلّ بباقي الأنظمة والدول في المنطقة، ذلك أن فلسطين تمثل مهمازًا للضمير والوعي العربي الإسلامي، لقدسيتها ومكانتها وتعبيرها عن حالة نقاء وطهر تلهم التحرر الإنساني برمته، وتعري المنظومة الدولية في جوانبها الأخلاقية والسياسية والحقوقية، بفعل تواطئِها مع آخر الظواهر الاستعمارية.
لذلك فإنّ مراجعة الموقف العربي في سبيل تحقيق ضغط فعلي لوقف العدوان ومنع الأزمة الإنسانية والمجاعة التي تفتك بأهل غزة في زمن البذخ والترف والاستهلاك، يعد واجب الوقت من جوانب متعددة، أخلاقية وسياسية وإستراتيجية ودينية، وإلا فإن ما يجري بغزة له ارتدادات كبيرة عربيًا وإسلاميًا وإنسانيًا من ناحيتي الوعي والفعل معًا، وعربيًا ستكون آثاره مباشرة على المنظومة القائمة، كما أنه يسجل الخروج الفعلي للعرب من التاريخ، وبدون مواربة، تمثل بعض أشكال الصمت والخذلان خطيئة إستراتيجية. فهل من معتبر؟!
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات العربیة والإسلامیة القضیة الفلسطینیة العربی والإسلامی المنظومة العربیة العربی الإسلامی الموقف العربی على غزة کما أن ذلک أن عدد من
إقرأ أيضاً:
كيف دعمت الدراما السورية فلسطين وسخرت من الأنظمة العربية قبل التكويع؟
عاد التركيز على العديد من الفنانين والنجوم السوريين أصحاب الأعمال الشهيرة بعد سقوط النظام السوري، وذلك للتذكير بمواقفهم المختلفة، سواء للإشادة بها عند رفضهم دعم بشار الأسد، أو للتذكير بأنهم رفضوا الانحياز للثورة وفضلوا دعم النظام الحاكم.
وقدمت الدراما السورية في أوج عطائها العديد من الأعمال الفنية التي دعمت الحريات وانتقدت القمع ورفضت الجرائم الإسرائيلية ووقفت مع الشعب الفلسطيني، وهو الذي لم يتكرر تقريبا في أي مكان آخر بذات الشكل والتأثير.
وكان لمثل هذه الأعمال دورا بارزا في التعريف بالقضية الفلسطينية وضرورة التمسك بها، مع تقديم نظرة ناقدة وساخرة أحيانا لدور الدول والأنظمة العربية، وذلك قبل بدء الثورة السورية وتراجع الإنتاج الفني وحتى قبل ظهور مفهوم "التكويع" بعد إسقاط النظام.
و"التكويع" هو وضعية جلوس أو اضطجاع بالاستناد إلى الكوع، وهي وضعية تقليدية غير رسمية، وعلى "المُكوّع" أن يُعدّل من جلسته عند شروعه في الكلام الرسمي أو عند دخول أحد عليه منعا للحرج، وهو مصطلح يطلق حاليا على الممثلين والفنانين الذين انحازوا لنظام الأسد ومن ثم "عدلوا جلستهم" بعد نجاح الثورة.
الفصول الأربعة
يتناول المسلسل السوري الشهير القضية الفلسطينية وأحداث الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000 من خلال حلقة جاءت بعنوان "بنت وصبي"، وتبدأ على مشهد من نشرة أخبار تتحدث انتفاضة الأقصى وجرائم الاحتلال.
وما يثير انتباه شخصية "نارا" (تؤدي دورها روعة السعدي)، إلى جانب تعاطفها مع الشعب الفلسطيني، هو الحديث عن مجلس الأمن والأمم المتحدة محكمة العدل الدولية ومنظمة اليونسيف والمنازعات الدولية.
ومع أحداث الحلقة تكثر أسئلة "نارا" لوالدها المحامي عادل (جمال سليمان)، ويزداد اهتمامها بالقضايا الحقوقية، يعكس ذلك على شخصيتها وتعاملها مع صديقاتها في المدرسة وقرارها التخصص في القانون الدولي من أجل العمل ضمن محكمة العدل الدولية.
ومع اهتمام "نارا" بمتابعة الأخبار بشكل يومي تتحول الأسئلة إلى جوهر القضية الفلسطينية وفهم مبدأ المواجهة، لكنها تستغرب من عدم قدرة العرب على تحرير فلسطين، رغم عددهم الكبير ومواردهم النفطية الوفيرة.
وتتجه الأسئلة بعد ذلك إلى دور جامعة الدول العربية وتفاصيلها، وعن سبب عدم وجود محكمة العدل العربية ضمن الجامعة، أسوة بالأمم المتحدة، ومن ثم إلى الاستغراب من كل المواثيق الدولية واحتكار حق النقد "الفيتو" على الدول الخمس الكبرى.
تتساءل "نارا" عن سبب تجاهل "إسرائيل" لقرارات الشرعية الدولية، وعن سبب سكوت العالم عن هذه الانتهاكات الدولية؟ ليرد عليها والدها أنها عندما تكبر سوف تجد أجوبة لكل هذه الأسئلة، لتقول مستغربة: "المشكلة في فلسطين سوف تبقى حتى أكبر؟".
ونتيجة ذلك تصل "نارا" إلى استنتاج إلى أن كل المنظمات الدولية والإقليمية والعقائدية وغيرها "ليس لها أي فائدة أو طعم مقابل الحجر"، وأن دراسة القانون الدولي غير مفيدة مقابل حمل الأحجار مع أطفال فلسطين، وهو ما تسبب في مشادة مع والدها.
وتتأخر "نارا" بالعودة إلى البيت بعد المدرسة بهدف زيارة سفير اليونيسف الإقليمي، ليظن والدها وعائلة أمها المتوفاة بأنها ذهبت إلى فلسطين، وبالفعل تلتقي بسفير اليونسيف (دريد لحام)، وتشرح له كيف أن والدها يمنعها من الحديث بحرية عن قضية فلسطين، ثم يصطحبها إلى عائلتها القلقة على سلامتها.
وجاءت هذه الحلقة من المسلسل الذي أخرجه الراحل حاتم علي، في آيار/ مايو 2001، بعد أيام فقط من استشهاد الرضيعة إيمان حجو، في أحضان أمّها سوزان، أمام بيت عائلتها في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة.
مرايا
جاء في جزء مسلسل مرايا السوري الشهير "مرايا 99" بعنوان "سوسو السفاح" (ياسر العظمة) وهي أيضا من إخراج حاتم علي، وتعرض رمزيات حول القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والدول العربية.
وشخصية سويو هي لـ"قبضاي" جبان يخاف من أي شيء، خصوصًا زوجته، لكنه بارع جدًا التمثيل، ويستغل صوته المرتفع وعيونه المخيفة في صناعة هيبة وهمية له في نظر الآخرين.
ويمارس "سوسو" الداعية على "قباضايات القهوة"، ويستغل احترامهم المبالغ به للقوة، وينجح في إرهابهم وتخويفهم.
وخلال أحداث الحلقة، يلوم "القبضايات والازقردية" بعضهم لعدم قدرتهم على الرد على "سوسو"، ثم يبتكروا التبريرات لخوفهم منه.
ويحاول شاهر (محمد قنوع) أو "شوشو" كما يسخر منه رواد القهوة، إثبات قوته وأنه يستحق المكانة والاحترام، يكتشف حيلة "سوسو" وجبنه وخوفه، ذلك يلحق بـ "سوسو" ويختبر جبنه وخوفه، بل يعمل إهانته وتهديده، لكن سوسو لديه المزيد من الألاعيب والحيل.
ويصر شاهر على مواجهة "سوسو" داخل القهوة، وبالفعل يأتي سوسو قويًا ومهابًا كالعادة، ويمارس حيلته على الجميع، ويعمل على إيقاع "شوشو" في قبضة باقي "أقوياء" القهوة.
الاجتياح
مسلسل من إنتاج المركز العربي للإنتاج الإعلامي في عام 2007، وهو من إخراج شوقي الماجري، وسيناريو رياض سيف، ويصور معاناة الشعب الفلسطيني خلال اجتياح الضفة الغربية ومجزرة جنين سنة 2002.
ويتناول العمل الأحداث التي ترافقت مع إعادة احتلال الضفة الغربية عام 2002 من حصار لرئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، وحصار كنيسة المهد في بيت لحم، ومجزرة جنين.
وفي تصريح سابق له، أكد المنتج عدنان عواملة أن 80 بالمئة من مجريات المسلسل حقيقية وتمثل عملا وثائقيا، وكاتب العمل استمع إلى شهادات من أناس عايشوا الاجتياح، وبالتالي كانت الرواية واقعية بنسبة كبيرة".
وأحجمت معظم الفضائيات العربية حينها عن بث المسلسل، بحجة تضمن أحداثه قصة حب بين مصطفى الفلسطيني المطارد ويائيل الفتاة اليهودية وهي نقطة تعرض المسلسل للانتقاد بسببها.
انتو شو جايبكو ؟ شو بدكو ؟ انا هون بيتي .. #مصطفى#منذر_رياحنه #شوقي_الماجري
مسلسل #الاجتياح pic.twitter.com/ImqZC2LDmV — monther rayahneh (@RayahnehMonther) August 11, 2024
وعن ذلك قال عواملة إنه "حال لم تكن القصة واقعية بالمطلق، فقد تترك للكاتب مساحة للتشويق، وقد تكون تلك القصة جاءت من هذا المنطلق، لتؤكد أن الفلسطيني لا يبحث عن الإرهاب والموت بل تعني له الحياة الكثير".
وحصل المسلسل جائزة "إيمي" المعادلة لجائزة الأوسكار، إلا أنها تمنح للمسلسلات والبرامج التلفزيونية المختلفة، وهو ما أحدث مفاجأة متفوقا على أكثر من 500 عمل تلفزيوني عالمي.
وبعد هذه الجائزة، لفتت قوة العمل انتباه صناع السينما والدراما الغربيين، الذين أبدوا إعجابهم بأداء الممثلين القوي واستغرابهم لهذا الكم الهائل من المعلومات والواقع الذي يخفى عنهم.
ويأتي هذا بعدما امتنعت قنوات عربية بارزة عن عرضه، وهي ذاتها التي ذهبت إلى عرض مسلسلات تروج التطبيع وتحسن صورة الاحتلال عالميا في السنوات الأخيرة، فضلا عن عقد شراكات مع جهات إسرائيلية.
على هلسيرة تنسوش تحضروا مسلسل الاجتياح.
أفضل مسلسل عربي انعمل بالتاريخ بدون اي مبالغة.
المسلسل كان من المفترض انه ينعرض عMbc لكن زي ملتويت الاصلية بتقول عن التطبيع، انسحبت من بثه و ضله سنة مرمي لحتى منعرض على شبكة LBC و ياخد جائزة Emmy لافضل مسلسل عالمي طويل. https://t.co/7CBxN8Tr2n pic.twitter.com/W3qrKqPo84 — Yeezoz المتهكم ¥ (@izzwhatitizzz) June 7, 2021
أعمال بارزة أخرى
يعد مسلسل التغريبة الفلسطينية من أبرز وأهم الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية بعمق، يروي المسلسل مأساة الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948 وحتى الشتات، مع تسليط الضوء على معاناة العائلات الفلسطينية.
وجاء المسلسل بتأليف من وليد سيف، وإخراج الراحل حاتم علي، وجرى حذف حلقاته من منصة "شاهد" التابعة لشبكة "إم بي سي" السعودية في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وبعد توقيع دول خليجية لـ"إتفاقيات أبراهام" للتطبيع مع الاحتلال، إلا أن حملة كبيرة أجربت المنصة على إعادة الحلاقات.
العالم كله تآمر علينا |
بدل ما تِتلقّح تحت عمودك خيمتك، اخلعه واطلع فيه..
خذ حقك فيه بالمليحة ولاّ بالعاطلة..
تقوليش بصير ولاّ بصيرش...إذا "إسرائيل" قامت كل إشي بصير..
(التغريبة الفلسطينية) pic.twitter.com/iLdYm0GtU5 — The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) November 18, 2023
أما فيلم رجال تحت الشمس الصادر عام 1970، فهو مقتبس عن رواية غسان كنفاني، ويروي قصة ثلاثة فلسطينيين يحاولون عبور الحدود بحثا عن حياة أفضل، لكنهم يواجهون مصيرا مأساويا، وكان العمل دراميا بارزا في السينما السورية، وأُلهمت منه مسلسلات لاحقة.
وحصل الفيلم على الجائزة الفضية في مهرجان قرطاج في العام ذاته، وشارك في تمثيله يوسف حنا، وعاطفة الخالدي، وأخرجه محمد شاهين.
وفي عام 2020، صدر مسلسل حارس القدس، الذي يحكي سيرة المطران هيلاريون كابوتشي، وهو من إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، وإخراج باسل الخطيب، وبطولة الممثل السوري رشيد عساف.
يروي المسلسل سيرة المطران هيلاريون كابوتشي، الذي كان من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية، ويسلط الضوء على دوره في مقاومة الاحتلال.