هذه الحرب اللعينة أعادت ترتيب الصفوف بمنحها كل ذي قدر قدره، فعادت حركتا العدل والمساواة وتحرير السودان لبيت طاعة أحفاد الزبير باشا، القائمين على أمر ما تبقى من دولة ست وخمسين، التي تعتبر الإرث التقليدي الذي منحه الانجليز لمن أبلوا بلاءً حسناً في خدمة ورعاية مصالحه، طيلة الثمانية والستين عاماً التي أعقبت خروج المستعمر، وبذلك قد كشفوا للشعب الدارفوري وبكل وضوح، كذبتهم فيما يتعلق بطرحهم الثوري المزعوم، القاضي برد المظالم التاريخية لأهل الإقليم من فك أسد الدويلة القديمة، لقد استهلكوا عقدين من الزمن وهم يغشون ويستبيحون الأرض، ويهتكون العرض بحجة محاربة مركز الدويلة الباشوية الخديوية، التي تسيد مشهدها السلطوي أحفاد سمسار الرقيق وعميل الغزاة الزبير باشا رحمة، فكما حدث في تاريخ تجارة الرق في السودان أن الأوربيين البيض استغلوا بعض الأفراد من السكان المحليين، وخلقوا منهم سماسرة يرشدونه ويدلونه على أماكن تمركز الرجال الأقوياء، فصنع هؤلاء السماسرة الذين يقودون البازنقر من أمثال الزبير باشا رحمة، وأوجد طبقة كبيرة من هؤلاء الجنود البازنقر الذين يسومون بني جلدتهم قسوة السياط للزج بهم في قوافل الرق، فأعاد التاريخ نفسه في نسخة جديدة للبازنقر المستسلمين تمام الاستسلام لأحفاد السمسار الكبير، الذي يسوقهم حيث يشاء لدك حصون قوات التحرير الوطني، التي يقودها جنود وضباط صف وضباط قوات الدعم السريع، لاستعادة ملك دويلة الاخوان المسلمين التي هزمها هذا الجيش القائم بمهمة تحرير ربوع السودان، فهؤلاء البازنقر لا يروق لهم استنشاق أوكسيجين الحرية، إلّا بالانصياع التام لسياط السمسار الجلّاد الذي حزمهم في حبل واحد، ثم باعهم للبيض القادمين من وراء البحار، في جريمة نكراء مازالت الشعوب الزنجية تدفع ثمنها، رغم الاعتذارات الخجولة التي قدمتها بعض الأنظمة والحكومات الأوروبية.


بعد فجر الخامس عشر من شهر أبريل من العام الماضي، انخرطت القوى المهمشة الساعية للخلاص من الدويلة الدينية الإخوانية، المرتكزة على أعمدة البنيان الذي أرسى دعائمه سماسرة تجار الرقيق، والمستعمران التركي والإنجليزي، وكما هزموا السلطان إبراهيم قرض بسلطنة دارفور في معركة منواشي، وهم يحملون بنادق سمسار الرقيق الأشهر، ويطلقون النار باتجاه صدور جنود السلطنة، ها هم اليوم يبعثون بجندهم البازنقر الجدد تحت إمرة أحفاد ذات السمسار، في محاولة يائسة منهم لإعادة سيناريو معركة منواشي على تخوم أم درمان وكسلا وبورتسودان، متجاوزين رغبة أهل الشرق في الخلاص من ظلم وتهميش أحفاد الزبير باشا رحمة، الذين سيطروا على الموانئ والتجارة، وتركوا سكان الإقليم الشرقي يركنون لداء السل الرئوي وبطالة الشباب، فتاريخ هؤلاء البازنقر القريب شاهد على ارتزاقهم وامتهانهم لحمل البندقة المدفوعة الأجر، في كل من ليبيا وتشاد وجنوب السودان، فالبازنقر لا دين ولا عهد ولا ميثاق لهم، يضربون في فجاج الأرض شرقاً وغرباً بحثاً عن الدولار الملوث بالدم، فعندما هُزموا في دارفور يمموا وجوههم شطر الشمال والشرق ليتخيروا لهم أرضاً جديدة، يمارسوا عليها السرقة والنهب وقتل النفس، فبعدما قويت شوكة هؤلاء البازنقر في الماضي القريب، أذاقوا أهل دارفور الموت الزؤام، واغتصبوا الحرائر في مهاجرية وغرابش وشعيرية، وأطلقوا العنان لغرائزهم المتوحشة، ففتكوا بالمدن والأرياف فعاثوا فساداً في برام ونتّيقة وطويلة وقريضة، وأهدروا الدماء واستباحوا الحرمات وفعلوا الأفاعيل الشنيعة بأهل الأقليم المنكوب، إلى أن غيض الله للأبرياء ذلكم الفتى البدوي الذي جاء من أقصى البادية يسعى، فألجم بعير البازنقر وأدبّه خير تأديب في وادي البعاشيم وقوز دنقو، فاستراح سكان الإقليم من كابوس الدماء المسفوحة وفظائع الجثث المبعثرة.
وكعادة المرتزقة العابرين للحدود من طرابلس لأنجمينا إلى جوبا، لا يقيمون في وطن معلوم، لأنهم لا يؤمنون بقيمة الأوطان، ولا يعملون من أجل تراب تربوا عليه وعاشوا بين مزارعه وبساتينه ومروجه الخضراء، بل يفعلون كما فعل قائد العدل والمساواة الراحل حينما ساند أبناء عمومته في أنجمينا، عندما وصلت المعارضة الوطنية هناك لتخوم القصر الرئاسي، مهددة سلطة ابن عمه الرئيس الراحل إدريس دبي، وبعد ذلك أيضاً ناولهم العقيد الراحل معمر القذافي أجر المساندة الميدانية في حربه على ثوار ليبيا، هكذا البازنقر، لا يهدأ لهم بال حتى يطوفوا بالأقطار الافريقية حاملين أسباب الموت والدمار للشعوب الآمنة والمطمئنة في حواكيرها وإرث أجدادها، ومن مضحكات البازنقر أنهم هربوا من إقليم دارفور الذي رفعوا في سماءه الرايات المكتوب عليها (التحرير) و(العدالة)، ثم أطلقوا سيقانهم للريح فارين من نيالا والجنينة وزالنجي والضعين، لتصدهم متاريس ميناء بورتسودان، والآن يستغفلون سكان الشرق ليمرروا مخططهم الخبيث، الذي كان سبباً في إخراجهم من دارفور خافضي الرؤوس، لا يلوون على شيء، وذات سيناريو إخراجهم من دارفور سيحدث عندما ينهض شباب المدن السودانية ليركلوهم الركلة الأخيرة القاضية، الموقعة إياهم في شرك (أم زرّيدو) الذي لا يرحم، وهكذا تكون نهاية حملة البنادق المدفوعة الأجر، من أمثال هؤلاء المنبتّين الذين لا أرضاً قطعوا ولا ظهراً أبقوا، الذين يميلون كل الميل لمن يدفع أكثر، ولا يلتفتون لمناد ينادي من أجل القضية، ولا ترتعد أبدانهم لقطع رؤوس الأبرياء، فينفقون كما تنفق البهائم السائبة، لا عين تحزن لنفوقهم ولا سجل تاريخي يحفظ اسمائهم، فيدفنون بين مجاري التربة الزراعية، بأيدي الأشاوس الذين هزموا امبراطورية سماسرة الرقيق.

إسماعيل عبدالله

ismeel1@hotmail.com

25مارس24  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الزبیر باشا

إقرأ أيضاً:

النقل تعلن نسب انجاز جديدة في مشاريع ميناء الفاو: استكملنا أعمال حفر وربط حوض تصنيع النفق المغمور مع قناة خور الزبير

شبكة انباء العراق ..

أعلنت وزارة النقل ،اليوم الأحد، استكمال أعمال حفر وربط حوض تصنيع النفق المغمور مع قناة خور الزبير، استعدادا لتعويم القطع الكونكريتية العشرة التي يتشكل منها النفق في القناة الملاحية.

وقال المكتب الاعلامي للوزارة، في بيان ،ان القطع الكونكريتية للنفق المغمور احد مشاريع ميناء الفاو الكبير سيتم تعويمها واحدة تلو الأخرى، ليتم نقلها الى المكان المخصص، بعد اكتمال حفر الشق بالتزامن مع جاهزية هذه القطع لعملية التعويم، حيث سيجري العمل على تشكيل الجزء المغمور، لربط ضفتي قناة خور الزبير من جانب ام قصر الى جانب الفاو.

وأضاف البيان :انه في تاريخ ١٦ تشرين الأول تم البدء بفتح الماء لتغريق الكتل الكونكريتية العشرة في حوض النفق المغمور التي تم الانتهاء من تنفيذها وتهيئتها لغمرها داخل قناة الزبير الملاحية، مبينا ان هذه الكتل خضعت لعمليات الفحص والاختبار .

وأكد المكتب الإعلامي للوزارة في بيانه، انه تماشيا مع توجيهات وزير النقل الأستاذ رزاق محيبس السعداوي، وباشراف مدير عام الموانئ الدكتور فرحان الفرطوسي، سيجري الشروع في استكمال الطريق الرابط بين ميناء الفاو باتجاه مدينة صفوان عبر النفق المغمور، ثم يدخل عبر مجسرين، اذ وصلت نسبة الانجاز في المجسر الاول الى 98%، والثاني 96%.

وواصل البيان، أن نسبة الانجاز في هياكل الرصيف لمحطة الحاويات بلغت ١٠٠ % ، وفي الطريق الرابط بين ميناءي الفاو وأم قصر 92.43%، والنفق المغمور 58.47%، فيما بلغت نسبة الانجاز في المرحلة الأولى لأعمال الحفر البحري والردم 79.33%.

وتابع، ان الأعمال في القناة الملاحية لميناء الفاو الكبير وصلت نسبة الانجاز فيها الى 77.41% ونسبة الإنجاز في مكونات الميناء 81 % ، وفي ساحة الحاويات 88 %،

يشار الى ان دولة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني رعى في وقت سابق مراسيم تسلّم الأرصفة الخمسة لميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة، ودخولها العمل الفعلي، بعد أن انجزتها الشركة الكورية المنفذة؛ حيث اكد في كلمة له خلال حفل التسليم، أهمية الأرصفة الخمسة في ميناء الفاو الكبير، كونها تمثل العمود الفقري لمشروع الميناء بمرحلته الأولى، التي ستستكمل العام المقبل وحسب الجداول الزمنية المسبقة. فيما عدّ وزير النقل الأستاذ رزاق محيبس السعداوي مشروعي ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية هما بوابة النمو الاقتصادي في العراق والمنطقة.
يذكر أن عام 2025 سيشهد استكمال مرحلة التصاميم التفصيلية في مشروع طريق التنمية ثم الانتقال الى عرض المشروع امام كبرى الشركات العالمية، للمنافسة على الفرص الاستثمارية الواعدة في هذا المشروع، بالتزامن مع افتتاح المرحلة الأولى لميناء الفاو الكبير منتصف العام المقبل.

user

مقالات مشابهة

  • التحول من كلب إلى باشا
  • وفاة أكبر معمر في العالم عن 112 عاماً
  • أحدث ظهور لـ مصطفى شعبان برفقة زوجته
  • أول ظهور لـ مصطفى شعبان وزوجته هدى الناظر بعد 7 أشهر زواج (صور)
  • الفيصل الزبير يخوض آخر جولاته في كأس التحمل
  • المدراء العامون الذين تم تثبيتهم في وزارة الكهرباء.. وثيقة
  • السودان يضم نصف سكان العالم الذين يواجهون جوعا كارثيا
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • النقل تعلن نسب انجاز جديدة في مشاريع ميناء الفاو: استكملنا أعمال حفر وربط حوض تصنيع النفق المغمور مع قناة خور الزبير
  • النقل: استكمال أعمال حفر وربط حوض تصنيع النفق المغمور مع قناة خور الزبير