ليفربول والذكاء الاصطناعي: نحو مستقبل بلا مدربين!
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
"هل تعلم مَن المدرب الشاب الأكثر إثارة في كرة القدم الحديثة؟ إنه ليس في باير ليفركوزن الألماني أو ستاد ريمس الفرنسي، أو حتى بولونيا الإيطالي، إنه لدى شركة غوغل"، هذه كانت كلمات افتتاحية تقرير نشرته مجلة "وايرد" الأميركية تحت عنوان "كيف يمكن لنموذج الذكاء الاصطناعي الجديد من "غوغل ديب مايند" أن يساعد أندية كرة القدم في الوصول للضربة الركنية المثالية؟".
قبل أيام دشن فريق ليفربول الإنجليزي شراكة تاريخية مع شركة "ديب مايند" التابعة لشركة "غوغل"، بهدف تسخير مهارات الذكاء الاصطناعي في خدمة تكتيكات كرة القدم، ووفقا لما نشره موقع "نيو سيانتست"، فقد دُرِّب النموذج المُسمّى بـ"تكتيكال" على سلسلة ضخمة من البيانات، تخص أكثر من 7176 ركلة ركنية في البريميرليغ، في الفترة من 2020 إلى 2021، الأمر الذي أهّله لتحليل الأنماط، وتحديد أفضل الخيارات الهجومية والدفاعية، خاصة عند تنفيذ الركلات الركنية.
وقد أظهرت الاختبارات أن لديه قدرة عالية على التنبؤ بنتائج الركنيات بدقة؛ حيث قدّم اقتراحات تكتيكية أثبتت فعاليتها في زيادة فرص تسجيل الأهداف، بل والأخطر من ذلك أن هناك العديد من خبراء كرة القدم لم يتمكنوا من التمييز بين تلك التكتيكات التي اقترحها، وبين تلك التي وضعها مدربون بشريون؛ مُفضلين التكتيكات التي اقترحها الذكاء الاصطناعي في 90% من الحالات.
ولذلك، أعرب يورغن كلوب، مدرب ليفربول، عن سعادته بهذا التعاون، مؤكدا على أن "الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد على فهم اللعبة بشكل أفضل، خاصة مع وجود قدرات متطورة لنماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة، تتغير خلالها طريقة لعب كرة القدم وتحليلها بشكلٍ جذري، ممّا سيساهم في رفع مستوى اللعبة، وتقديم تجربة مثيرة لمحبي كرة القدم حول العالم".
We're announcing TacticAI: an AI assistant capable of offering insights to football experts on corner kicks. ⚽
Developed with @LFC, it can help teams sample alternative player setups to evaluate possible outcomes, and achieves state-of-the-art results. ????… pic.twitter.com/8oVYtamGGe
— Google DeepMind (@GoogleDeepMind) March 19, 2024
تكتيكالقبل هذه المحاولة، كانت هناك محاولات كثيرة بين نادي ليفربول وشركة غوغل لإنشاء نظام ذكاء اصطناعي يساعد المدربين على اتخاذ قرارات تكتيكية أفضل، لكنها كانت محاولات يائسة بعض الشيء، ولم تؤتِ أُكلها سريعا، خاصة مع ضغط المباريات والمنافسة الشديدة، لذلك لجأ الخبراء إلى تقنين أوضاع نظام "تكتيكال" عام 2021، والعمل على تحويله إلى نموذج خاص بتحليل واستنباط آليات تساعد اللاعبين في مواقف محددة، ليقع الاختيار على الركنيات والضربات الثابتة، ورغم أن التنبؤ بنتائج الركلات الركنية أمر معقد أيضا، بسبب محدودية البيانات المتوفرة، فإنها تظل عملية أبسط بشكل عام من دراسة حالات اللعب المفتوح، الأكثر ديناميكية بطبيعتها.
ولذلك فقد صُمم نموذج الذكاء الاصطناعي هذا لمعالجة أسئلة أساسية:
مَن اللاعب الأكثر احتمالا لاستلام الكرة؟ وهل ستكون هناك أية محاولة للتسديد؟ هل يمكننا أن نفهم ما حدث؟ وهل نجحت التكتيكات المماثلة بشكل جيد في الماضي؟ كيف يمكننا تعديل التكتيكات لتحقيق نتيجة مختلفة؟ وكيف يمكننا تغيير تمركز اللاعبين لرفع احتمالية التسديد أثناء الهجوم، والعكس أثناء الدفاع؟ وذلك عن طريق تقديم اقتراحات بناءة للمدربين، تقوم بالأساس على تحليل اللقطات المتوفرة سلفا "البيانات التاريخية"، والعثور على تكتيكات وحلول مماثلة من خلالها، فيما يشبه قليلا نموذج الأهداف المتوقعة المبني على دراسة آلاف التسديدات المختلفة من مباريات سابقة.
هذا بالضبط ما يفعله "تكتيكال" بشكل آلي ومبسط، حيث يبحث ويفند قاعدة البيانات الموجودة لديه، ومن ثم يقدم الإجابة في هيئة تمثيل بياني، ومقترحات تكتيكية، فبعدما عقد الخبراء بعض الدراسات النوعية المكثفة، وجدوا أن حلول النموذج غالبا ما تكون ذات صلة بقاعدة البيانات المتوفرة لديه بالفعل، في 63% من الحالات تحديدا، أي أن تلك التوصيات لم تكن حلا مبتكرا في المطلق، بل اعتمدت في الأساس على سرقة الأفكار من قاعدة البيانات المتوفرة لديه سلفا.
كما تُبين الدراسة أن هذا النموذج هو أول مساعد ذكاء اصطناعي "يستطيع تقديم اقتراحات مفيدة وعملية"، ولا يمكن تمييزها بأي شكل عن التكتيكات البشرية، حيث يستخدم قاعدة بيانات معقدة تخص المركز والسرعة والوزن والطول، وهو أمر في غاية الصعوبة، لأن نماذج الذكاء الاصطناعي عادة ما تتدرب على مليارات النقاط البيانية، وهو عنصر غير متوفر في الركنيات، لأنها نادرة بطبيعتها.
لذلك كان لا بد من إيجاد "حل سحري"، يكمن في "التعلم الهندسي العميق"، وبطريقة تمكن الآلة من العمل على غرار الدماغ البشري، فبحسب ما قاله بيتر فيليكوفيتش، عالم الرياضيات، فإن هذا الابتكار يعمل على تبسيط عملية التخطيط التكتيكي التي تتطلب عمالة كثيفة، ولذلك فقد تضمنت قيام محللي الأندية بإعادة مشاهدة العديد من مقاطع فيديو المباريات لدراسة الإجراءات الروتينية السابقة والفرق المتنافسة.
Quand l'IA vient apporter son aide dans la tactique de Jurgen Klopp. ????⚽️
Google DeepMind a développé un système d'analyse tactique appelé ???????????????????????????????? en collaboration avec Liverpool !
L'objectif ? Suggérer des tactiques à l'entraineur sur l'exercice des corners.
« ????????????… pic.twitter.com/isixYLlpYe
— Actu Foot (@ActuFoot_) March 20, 2024
تاريخ حافلإنه ليس التعاون الأول بين الأندية الرياضية وهذه الشركات التقنية، حيث أصبح استخدام تحليل البيانات لتحسين النتائج في الرياضة أكثر تطورا في السنين الأخيرة، وتحديدا منذ أن لفت الكاتب مايكل لويس اهتمام العالم لتلك التقنية، في كتابه الصادر عام 2003 تحت عنوان "Moneyball: The Art of Winning an Unfair Game" أي "كرة المال: فن الفوز بلعبة غير عادلة".
وقد روى لويس، في كتابه، كيف استخدم فريق "أوكلاند للبيسبول" تقنية جديدة مكنته من مواجهة خصوم يتمتعون بتمويل مالي أفضل، وكيف قامت الرابطة الوطنية لكرة القدم الأميركية و"أمازون ويب سرفيس" بتطوير أداة للاعبين تُعرف باسم "الرياضي الرقمي"، يمكنها التنبؤ بالإصابات قبل حدوثها بفترة، لمنعها.
ثم بعد ذلك تحدث عن الكيفية التي عملت بها شركة "ماتسر غولف" مع شركة "آي بي إم" لعلوم التكنولوجيا، لإنشاء تطبيق يمكنه التنبؤ بمدى قدرة واستيعاب اللاعب، إضافة إلى خاصية تضيف تعليقا منطوقا لتحسين الأداء، في كل لقطة، ولكل لاعب على حدة، وبشكل تلقائي تماما، ومع تطور الأمر أصبحت هناك تطبيقات خاصة بالهاتف المحمول مثل "هوم كورت"، و"إي إس بي إن" و"سمارت كوتش"، وما إلى ذلك من التطبيقات التي تمنح اللاعبين وسيلة جيدة وسهلة للتحسن.
وبناء على ذلك، شهد سوق الذكاء الاصطناعي الخاص بالرياضة نموا كبيرا في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن تصل قيمته إلى 22 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030، ومن المتوقع أيضا أن يصل سوق "الرياضات العالمية للذكاء الاصطناعي" إلى 19.9 مليار دولار بحلول السنة نفسها، في إشارة واضحة إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الرياضة قد توسع بالفعل، وسيستمر في النمو مع تزايد الفرق الرياضية والدوريات والتكنولوجيا.
مستقبل مجهولأوضح الباحث في "غوغل ديب مانيد" بيتار فيليكوفيتش أن النموذج الذكي لا يستهدف أن يحل محل المديرين الفنيين البشريين حتى وقتنا الحالي، وإنما هي خطوة من جانب قطاع غوغل البحثي، لتعزيز قدرات البشر ورفع كفاءة أدائهم، بدلا من استبدالهم، لكنه في التصريح نفسه، أردف قائلا "إن هذا لا يمنع من توسيع النظام ليشمل أجزاء أخرى من كرة القدم، بل وحتى الرياضات الأخرى"، لافتا إلى أنه "إذا تمكنا من أتمتة (التغشيل الآلي) لعبة مثل كرة القدم، بكل التعقيدات التي تحملها، فيمكننا إذن تصميم عدة جوانب من علم النفس البشري بشكل أفضل"، كما أشار إلى أن أبحاث فريقه لها تطبيقات أوسع خارج نطاق الرياضة.
من الواضح أن العالم لا يسير نحو التخلص من المجهودات البشرية في الوقت الحالي، وأن الذكاء الاصطناعي غير قادر على خطف وظيفة المدرب، خاصة أن شخصية المدرب تلعب دورا مهما في الجانب التربوي والاجتماعي والعاطفي، فكل تلك الصفات الإنسانية تسهل عملية إيصال الرسائل إلى اللاعبين، وتمكن المدرب من معرفة حقيقة مشاعرهم إزاء التدريبات أو المباريات، باعتبار أن الألعاب الجماعية شاعرية بطبيعتها، وتعتمد على مدى التناغم بين الأفراد، ومدى ارتباطهم وتشعبهم وانسجامهم ككتلة واحدة، بعيدا عن الجمل التكتيكية الصماء.
لكن التطور الرهيب لتقنيات الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الماضية قد يهدد فعلا مستقبل المدربين في الملاعب الرياضية، لا سيما أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات قد نجحت في كافة الاختبارات التقنية، فهل بإمكانها أيضا أن تفهم مشاعر البشر مستقبلا، وتضع حدا للمدرب البشري للأبد؟
AI will NEVER be superior to human coaching, as it relates to habit formation and affirmation.
All bias aside, Future will serve as the model by which all other successful one-to-one coaching products are built.
AI is meant to augment great Coaches, it will never replace them. https://t.co/BdzimdCVNk
— Joshua Bonhotal (@jbonhotal) June 15, 2023
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الذکاء الاصطناعی کرة القدم
إقرأ أيضاً:
الأدب مع الذكاء الاصطناعي.. تكلفة خفية لم تكن في الحسبان
كشف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، عن جانب غير متوقع من كلفة تشغيل النماذج الذكية مثل ChatGPT، وهو أن مجرد استخدام كلمات مجاملة بسيطة مثل "من فضلك" و"شكرًا" من قبل المستخدمين؛ يرفع من فواتير الطاقة بنحو عشرات الملايين من الدولارات.
الطاقة والمجاملة علاقة لم نتخيلهاجاءت تصريحات ألتمان ردًا على تساؤل من أحد المستخدمين بشأن الأثر البيئي لكلمات الأدب أثناء التفاعل مع الذكاء الاصطناعي.
وفي الحقيقة، القليل منا يفكر في الأمر أثناء كتابة أوامر مهذبة، لكن الواقع أن هذه العبارات الإضافية، مهما بدت بسيطة، تتطلب من الخوادم وقتًا أطول للمعالجة، مما يؤدي إلى استهلاك طاقة أكبر.
وبالنسبة لنا كمستخدمين، قد يبدو التفاعل مع الإنترنت وكأنه "افتراضي" ومنفصل عن موارد العالم الحقيقي، إلا أن العكس هو الصحيح.
تحتاج النماذج الضخمة مثل GPT-4 إلى كميات هائلة من الكهرباء، وأيضًا إلى كميات ضخمة من المياه لتبريد الخوادم ومنعها من ارتفاع الحرارة بشكل كبير.
بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، فإن إنشاء بريد إلكتروني قصير مكون من 100 كلمة عبر GPT-4، قد يستهلك نحو نصف لتر من الماء، تخيل هذا الرقم مضروبًا في ملايين المحادثات اليومية، لتتضح لك ضخامة استهلاك الموارد الذي يقف خلف هذه الخدمات الذكية.
ولا تنس أن هذا مجرد استهلاك أثناء "التشغيل"، أما تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي نفسه من البداية فيستهلك طاقة أكبر بكثير، مما يزيد من الأثر البيئي الكلي.
درس من الماضيقبل سنوات، أطلقت جوجل خاصية "Pretty Please" لمساعدها الذكي، لتشجيع الأطفال على استخدام كلمات المجاملة أثناء التحدث إلى التقنية، والهدف وقتها كان تربويًا بحتًا، وهو غرس سلوكيات الاحترام في الصغار على أمل أن تنعكس في تواصلهم مع البشر أيضًا.
أما اليوم، فنحن أمام مفارقة، فبينما كانت جوجل تكافئ الأدب، تكشف لنا OpenAI أن هذه المجاملة، رغم أهميتها الاجتماعية، لها تكلفة بيئية ملموسة.
ما الذي يجب أن نفعله؟لا شك أن هذه الحقائق تضيف بعدًا جديدًا لمحادثات الاستدامة في عالم الذكاء الاصطناعي، وتجعلنا نفكر أكثر في كيفية تعاملنا مع هذه الأدوات، ليس فقط كخدمات افتراضية، بل كجزء فعلي من المنظومة البيئية للأرض.