ثروة بيئية للبنان مهددة.. هل من ينقذها؟
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
كتبت زيزي اسطفان في "نداء الوطن": صورة طيور اللقلق البيضاء وهي ترتاح على أغصان أشجار الصنوبر في حرج حاريصا شكلت فرحة للعيون، كما شكّل قبلها الفيديو المتداول لمجزرة الطيور العابرة بالأسلحة الحربية صدمة للعقول. فكيف يتساوى الجمال والقبح على أرض واحدة؟ الخبراء يجزمون أنه لو عرف الناس قيمة الطيور لما تجرأوا على التطاول عليها.
خضة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل، وبيئيون يطرحون الصوت وينادون بالفضيحة كلما نشر أحدهم صورة لأكوام طيور اصطادها وعرضها كغنيمة يتباهى بها. لكن ما يحدث في الخفاء وبعيداً عن أعين الكاميرات في حق الطيور العابرة والمفرّخة والمقيمة في لبنان يرتقي الى مصاف جريمة بيئية مستمرة يتم تجاهلها لأسباب كثيرة، ليس أقلها غياب الوعي والتوعية عن الدور الكبير الذي تلعبه الطيور في النظم البيئية، وصولاً الى عدم القدرة على مراقبة الصيد الجائر الذي يفتك بالطيور. ما يصيب الطيور العابرة يتخطى قصة الصيد بحسب ما يشرحه لـ»نداء الوطن» فؤاد عيتاني رئيس جمعية حماية الطيور في لبنان، فعوامل كثيرة تساهم في الضرر، الى جانب الصيد الجائر للطيور المحمية والمهددة بالإنقراض، منها التلوث، فقدان موائل الطيور بسبب اجتياح البناء وتراجع الأحراج، ارتفاع أبراج الاتصالات، خطوط التوتر العالي، مراوح الطاقة، استخدام المبيدات الزراعية والتغيير المناخي. ويضيف عيتاني أن أهمية الطيور العابرة لا يتنبه لها معظم الناس بسبب نقص التوعية حول الموضوع، لأن بعض أنواعها مثل اللقلق والعقبان والصقور تقضي على الجراد والحشرات والقوارض التي تفتك بالمحاصيل الزراعية خلال عبورها النهاري، وكذلك تفعل الطيور التي تعبر ليلاً مثل البومة. وثمة طيور عابرة، مثل النسر الأسمر والنسر المصري والأسود، تقوم بتنظيف الطبيعة من جيف الحيوانات النافقة، أما الطيور الأصغر فتقضي على الحشرات والديدان فتخفف بذلك من الحاجة الى استخدام المبيدات وتعزز بالتالي نوعية الخضار وصحتها، فالسنونو مثلاً او طائر الخطّاف هي طيور تأكل ما يعادل وزنها من البرغش، أما الصلنج وأبو زريق فتأكل الحشرات الضارة التي تفتك بشجر الأرز واللزاب والسنديان، فيما طيور الهدهد والمنجال والوقواق فتقضي على دودة الصندل الضارة التي تصيب الصنوبر.
وفي حين يتعامل البشر بقسوة مع الطير للتسلية والتجارة فإن الطير على عكسهم يغدق عليهم منافع كثيرة. ويشرح الخبير فؤاد عيتاني فائدة ما تقوم به بعض أنواع الطيور الى جانب القضاء على الحشرات والحفاظ على الأنظمة البيئية، عدا عن أن الطيور الصغيرة تساهم في إعادة تشجير غابات لبنان، فالكيخن مثلاً يبتلع بذور اللزاب في معدته ليفرغها من جديد في مكان آخر فتنمو وتكبر، أما ابو زريق فيخبئ البلوط الذي تحمله شجرة السنديان في أمكنة من التراب ليأكلها متى احتاجها، لكنه يترك الكثير منها فتنمو وتتحول الى شجيرات. ويمكن القول إن 30% من الطيور الصغيرة مسؤولة عن تلقيح الأزهار مثلها مثل النحل وبالتالي عن استمرارية الحياة...
لبنان يملك ثروة بيئية مجهولة من معظم أهله فهو غني بـ420 صنفاً من الطيور التي تتوزع بين طيور عابرة تمر فوقه، وأخرى تمضي الشتاء فيه أو الصيف لتفرخ صغارها إضافة الى طيوره المقيمة مثل البلبل والحجل والدوري والحسون والشحرور. ويعود هذا التنوع الى تنوع المناطق اللبنانية بين جبلية وساحلية وشبه صحراوية كما في رأس بعلبك وهي تؤمن موائل مختلفة للطير، وهذا الغنى، برأي عيتاني ومحبي البيئة، يمكن ان يتحول الى مادة سياحية بيئية تجتذب البيئيين والباحثين ومحبي الطبيعة والتصوير، شرط ان يحافظ لبنان على طيوره ويحترم الاتفاقيات المعقودة مع الدول الأوروبية لحماية الطيور العابرة وأبرزها طائر اللقلق الذي يعتبر رمزاً لدولة بولندا. وقد سعى لبنان قبل ازماته لعقد اتفاقية حماية اللقلق مع بولندا أيام وزير البيئة الاسبق فادي جريصاتي والتي ساهمت بتراجع صيد هذا الطائر بشكل كبير، لكن مع تبدّل الأولويات وتراكم الأزمات تمّت إشاحة النظر عن المراقبة وعادت الطيور العابرة الى دائرة الخطر.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
احتضان النفايات «الأخيرة»
يتم فى مصر إهدار ثروة بمليارات الجنيهات سنوياً بسبب سوء تخطيط بسيط يمكن تداركه لتوفير تلك المليارات للدولة التى تعانى موازنتها معاناة لا تقل عن معاناة رب الأسرة الذى لا يجد ما يؤكل به أولاده إلا بالدين الربوى من هذا وذاك، أقصد بتلك الثروة» النفايات»، وأكمل معكم حديث الأربعاء الماضي، وفقاً للإحصائيات الرسمية تنتج مصر سنوياً أكثر من 2 مليار طن من النفايات، نسبة إعادة التدوير لهذه المخلفات لا تتجاوز ١٦%، وهو ما يشكل عبئاً على البيئة للتخلص بصورة نهائية من باقى المخلفات فى مدافن بصورة آمنة لا تلوث البيئة ولا تضر بالصحة العامة فى ظل المتغيرات المناخية الخطيرة، وتزداد تلك المشكلة خطورة فى الريف والمناطق الشعبية بصورة أكبر. السبب الأول لخسارة مصر تلك الثروة، عدم وجود حاويات مخصصة لكل نوع من القمامة بالأحياء كما هو المعمول به فى دول أوروبا مثلا، حيث توجد حاويات لنفايات الزجاج، أخرى للورق، ثالثة للنفايات الصلبة، رابعة للمواد الخطرة كالبطاريات، مخلفات سرنجات الحقن، وهكذا، ويخصص المواطن فى بيته أكياس صغيرة لكل نوع من المخلفات ليضع كل منها فى الحاوية المخصصة، إدراكا منه لأهمية ذلك لما تدره على خزانة بلده من مال سيعود بالنفع الملموس عليه فى تطوير مؤسسات الخدمات العامة، أما المخلفات العضوية كبقايا الطعام بكل أنواعها، مخلفات الحدائق من بقايا شجيرات وزهور ونباتات، مخلفات الحيوانات التى تتغذى فقط على الأعشاب، وهكذا، فيتم وضعها فى حاويات كبيرة لها لون متميز، وتوضع هذه الصناديق بعيدًا عن أشعة الشمس المباشرة، مع تغطية أسفلها بورق الجرائد لأن البلاستيك أو المعدن المصنوع منه الحاويات يرفع درجة الحرارة ويؤدى إلى تعفن المخلفات وعدم الإستفادة الإقتصادية منها قبل نقلها وإعادة تدويرها، ويتم كتابة تنبيه على الحاوية للمواطن بضرورة إغلاقها بعد إلقاء المخلفات بها، وتمتاز هذه المواد بأنها تتحلل خلال فترة بسيطة لا تتعدى خمسة أسابيع، لذا يتم نصح المواطن بوضعها فى أكياس ورقية بدلاً عن الأكياس البلاستيكية.
المثير فى الأمر أن المواطن الذى يخالف تعليمات فصل القمامة يتم تغريمه من قبل مجلس المدينة فى الدول الأوروبية، ويتم التعرف عليه أولا من خلال فحص كيس القمامة، فقد يتم العثور على عنوان أو ورق يشير إلى صاحب القمامة، وإن تعذر ذلك يتم فحص الكاميرات الموجودة أمام البنايات السكنية والمنتشرة بالشوارع والأحياء، حتى يتم تحديد المواطن المخالف، ولان الغرامة تكون كبيرة، يتجنب المواطنون المخالفات أثناء التخلص من مخلفاتهم، فمن أمن العقاب أساء الأدب، أما المخلفات الكبرى كقطع الأثاث القديم والأجهزة الكهربائية، على المواطن أن يتصل أولاً بمجلس المدينة القسم الخاص بالبيئة والنظافة، ويخبرهم أن لدية مخلفات من هذا النوع، فيحددون له موعدا ليضع مخلفاته فى الشارع بجانب حاويات القمامة، وليتم على الفور فى نفس اليوم قدوم سيارة ضخمة لحمل تلك المخلفات أيضا للإستفادة بها وإعادة تدويرها، ولا يتم الأمر كما يحدث فى بلدنا الحبيب، حيث يتم إلقاء كل شيء مع كل شيء وفى أى وقت وفى أى مكان من الشارع، فى فوضى مذرية تلوث البيئة، وتهدر مليارات على الدولة.
والمخلفات العضوية التى نستهين بها ونتخلص منها مع مواد اخرى خطرة تؤدى لتلفها، تعد ثروة لا يستهان بها فى تصنيع السماد للأراضى الزراعية وصناعة الغاز الحيوى الصديق للبيئة، وفى توليد الكهرباء. لذا نجد أن أول خطوة للإستفادة الكاملة من المخلفات فى مصر بدلا من إستيرادها من الخارج بالمليارات، هو وضع الحاويات المخصصة لكل نوع من المخلفات، نشر الوعى الإعلامى بين المواطنين بضرورة التخلص من قمامتهم على نحو مصنف، أن يتم تشجيع المواطنين بتوزيع أكياس للقمامة متعددة وفقا للتصنيفات على الأقل مرة كل شهر حتى لا يكسل المواطن فى تصنيف قمامته ويضعها كلها فى كيس واحد، أن يتم عمل غرامات مالية لمن يخالف تعليمات فصل القمامة، وهو بالطبع أمر سيثير غضب الكثيرين ضدى وسيقولون «هو كان ناقصنا غرامة قمامة» لكن الأمر بسيط هو التزام التعليمات التى تضعها الدولة فى هذا الإطار والتدريب والتعود على التعامل مع المخلفات على أنها ثروة للبلد. والخطوة المهمة فى هذا الأمر أن يتم إنشاء شركة وطنية لجمع وتصنيف القمامة، وألا يتم ترك الحابل على النابل للأباطرة المستفيدين من تلك الثروة دون أن تستفيد خزانة الدولة شيئا يذكر، أن يتم إغلاق مقالب وتجميع القمامة العشوائية فى القاهرة وكل المحافظات، أن يتم إقامة مقالب رسمية لتجميع وتصنيف القمامة ومعالجتها، ومن ثم إعادة تدويرها محليا أو تصديرها للخارج، فى أوروبا الدولة نفسها هى من تتولى هذا الأمر، بل يوجد مكتب فى الإتحاد الأوروبى اسمه « مكتب نفايات الإتحاد الأوروبي»، هو يتولى التعامل الرسمى مع دول الإتحاد فى هذا الإطار، حتى تعود ثروة تلك المخلفات إلى خزانة كل دولة، ولا تذهب إلى أفراد بعينهم أو إلى تجمعات عائلية بعينها.
خلاصة القول لا بد من وجود استراتيجية وطنية واضحة لجمع وتصنيف ومعالجة وتدوير وتصدير المخلفات تشارك فيها الوزارات المعنية وذات الصلة ايضا، كوزارات البيئة، الصناعة، التجارة، المالية، والإتصالات، للإستفادة الحقيقية والمثلى للمخلفات، ولا أعرف لماذا أشعر بأنى أضن بتلك الثروة على أفراد وجهات إستثمارية خارجية، وأرى أن خزانة الدولة أولى بعائد تلك الثروة، وأن تتولى الدولة من خلال شركة وطنية إدارة المخلفات والتعامل مع المصانع الخاصة التى تعتمد فى إنتاجها على المخلفات أو على الطاقة الناتجة عن تدويرها قبل التفكير فى تصديرها، فمصر أولى بالاستفادة من نفاياتها بدلا من إحتضان نفايات الدول الأخرى بالإستيراد، لا يعقل أن يكون لدينا مصدر ثروة نفرط فيها بالإهمال، ونشترى أخرى من الخارج بالمليارات، ولا اعرف لمصلحة من يتم هذا؟
[email protected]