تعد حرب إسرائيل ضد غزة، أو ما يعرف في الأدبيات السياسية والعسكرية «طوفان الأقصى» مثل حرب أكتوبر، أو حرب أنوال من المنعطفات الكبرى في العلاقات الدولية، بحكم ما تحمله من تغييرات خاصة في رؤية الشعوب لممارسات الكيان، التي بلغت مستوى حرب الإبادة. ويدفع هذا المنعطف محللين وكتّابا إلى تأليف كتب حول الموضوع من باب التعاطف مع القضية، أو سد الحقائق بكل تجرد أو ممارسة التغليط.
وهكذا تنطلق حرب الكتب الجديدة حول القضية الفلسطينية، وإبان الحروب العسكرية أو بعد انتهائها تنطلق معركة الإعلام، لتحقيق النصر بشأن من سيفرض سردية، أو رواية رئيسية للأحداث. عملية فرض سردية واحدة، كما كان يحدث في الماضي، أصبحت عملية صعبة في وقتنا الراهن، إذ كان الإعلام الصهيوني بتأييد من الغرب يمتلك قوة في هذا الشأن بعد الحرب العالمية الثانية، نظرا لسيطرة اليهود على جزء مهم من الإعلام العالمي، وحاليا يسير الإعلام، كما يسير العالم نحو عالم متعدد الأقطاب، وتشهد الخريطة الجيوسياسية العالمية تغييرا، فخريطة الإعلام أو «الجيوإعلامية» تشهد تغييرا. علاوة على هذا، دور شبكات التواصل الاجتماعي في تقديم الحقائق، مهما كانت السيطرة على وسائل الإعلام الكلاسيكية.
إبان الحروب العسكرية أو بعد انتهائها تنطلق معركة الإعلام، لتحقيق النصر بشأن من سيفرض سردية، أو رواية رئيسية للأحداث وتعتبر فرنسا من الدول الغربية الأولى التي تشهد حرب الكتب، حول حرب قطاع غزة، بين كتب مؤيدة لفلسطين وأخرى موالية لإسرائيل، تعمل على تبرير همجيتها ووحشيتها. وكالعادة، اقتنص برنار هنري ليفي هذه الحرب ليصدر خلال الشهر الجاري كتابا بعنوان «عزلة إسرائيل»، وهو عنوان مخادع لا يعكس العزلة الحقيقية للكيان، بل يحاول أن يكسب تعاطف العالم معها. ويستهدف الكاتب الرأي العام الغربي، بعد أن بدأ ينتقد بقوة إسرائيل ويعتبرها مسؤولة عما يحدث، إذ يكفي رؤية مئات التظاهرات التي شهدتها المدن الأوروبية مثل باريس ولندن ومدريد وبرلين، والأمريكية مثل نيويورك وواشنطن وشيكاغو طيلة شهور الحرب للتنديد بإسرائيل. والاطلاع على الكتاب يعطي فكرة على أنه بيان، وليس كتابا فكريا تحليليا، يتوخى المعالجة المنطقية للأحداث. ويبدو أنه مستوحى من برنامج الأحزاب المتطرفة اليهودية، وكذلك المسيحية التي تؤمن بالتفوق الأبدي للثقافة الغربية – اليهودية. لخداع القارئ الغربي، يقدم هنري ليفي الحرب ضد أوكرانيا وإسرائيل في كفة واحدة، بمعنى الدفاع عن العالم الغربي الحر، أمام موجة الأنظمة الشمولية، مستعيرا هذا التصور من أطروحات المفكرين التقليديين في الولايات المتحدة مثل صامويل هنتنغتون، ويروج لتآمر دول غير ديمقراطية مثل تركيا والصين وإيران وروسيا وحركات متطرفة مثل حماس وحزب الله لضرب الديمقراطيات الغربية. في المقابل، تشكل، وفق الكتاب، إسرائيل القلعة الحصينة لمواجهة هذه المخططات في الشرق الأوسط، وبناء على هذا، لا يتردد في تبرير حرب الإبادة التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
ولعل أشد انتقاد لعراب الحروب برنار هنري ليفي هو الصادر عن مواطنه الفرنسي المحلل الجيوسياسي باسكال بونيفاس، الذي قال في وصف الكتاب «يعد وثيقة لتبرير جرائم إسرائيل الوحشية». وسخر من هنري لأنه يدعي انتماءه إلى اليسار، بينما كتابه يعتبر ناطقا باسم حكومة نتنياهو التي تضم الأحزاب الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني. وفي المعسكر المضاد لهنري ليفي، أصدر الكاتب وعقيد الاستخبارات السويسري السابق جاك بود كتابا في فرنسا، خلال الشهر الجاري يحمل عنوانا مثيرا وهو «هزيمة المنتصر». الكتاب وثيقة تاريخية مهمة، يعالج قضية فلسطين منذ القرن التاسع عشر، وكان المؤلف بصدد تأليف كتابه حول فلسطين منذ أكثر من سنة، واندلعت الأحداث، ما جعله يقرر الإسراع في نشره مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الأخيرة التي تشكل منعطفا. الكتاب يعترف بقوة إسرائيل، لكنه يرى الكيان هو الخاسر الحقيقي، لأن الفلسطينيين ربحوا الحرب المعنوية والسياسية على المستوى العالمي، بعدما جعلوا القضية الفلسطينية تعود الى الأجندة الدولية من جهة، ومن جهة أخرى بدء تفكير العالم في ضرورة إيجاد حل لهذا النزاع قبل أن يؤدي إلى حرب شائكة في الشرق الأوسط. ونظرا لعمله السابق في الأمم المتحدة كمسؤول عن تطوير مخططات حل النزاعات، يعترف بتورط الغرب في خرق القانون الدولي مقابل دعم مطلق لإسرائيل رغم ارتكابها للجرائم. وأصدر المفكر الفرنسي ألان غريش نهاية الشهر الماضي، نسخة محينة من كتابه «إسرائيل وفلسطين، حقائق حول النزاع»، وهو كتاب صدر منذ سنوات وأصبح مرجعا حول منطقة الشرق، التي يسميها «الشرق المعقد». غير أن هذا المثقف الملتزم الذي كان مديرا للمجلة الشهرية الشهيرة «لوموند دبلوماتيك»، أكد أنه اضطر الى إصدار نسخة جديد من الكتاب بتحديث بعض فصوله، وإضافة أخرى نظرا للتأثير الجيوسياسي الكبير لطوفان الأقصى. ويؤكد في هذا الكتاب مواقفه الفكرية والسياسية السابقة، التي تتجلى في تحميل الغرب استمرار مأساة فلسطين لدعمه لإسرائيل، ويبرز كيف فقد الغرب الكثير من أخلاقه لدعمه إسرائيل التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية. في الوقت ذاته، لا يتردد في انتقاد مفكرين فرنسيين ينحازون للعدوان على حساب الحقيقة والقيم الفرنسية. وبالفعل، ترتكز أطروحته على وضع الأحداث ضمن إطار تحليلي يمنحها معنى عالميا من خلال استخدام بوصلة المنطق الإنساني.
في غضون ذلك، لا يمكن لإسرائيل الفوز في حرب الكتب حول النزاع، لأنه كما تتغير الخريطة الجيوسياسية بتراجع الغرب، تتغير خريطة الإعلام والسرد للأحداث، ولهذا، ستبرز غالبية الكتب المقبلة، أن العالم عرف حرب إبادة ومحرقة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية. وهذه المرة، ارتكبها أبناء وأحفاد الناجين من المحرقة. لنستعيد في هذا الصدد كلمات الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا يوم 18 فبراير/شباط الماضي «ما يَحدث في قطاع غزة ليس حربا، بل مواجهة بين جيشٍ على درجة عالية من الجهوزية ونساء وأطفال، لقد وقع مثل هذا حين قرّر هتلر قتل اليهود».
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينية فلسطين غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حرب الکتب
إقرأ أيضاً:
المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
أوضح المبعوث الأمريكي للسودان، توم بيرييلو، أن السبيل الوحيد لإنهاء معاناة السودانيين هو إنهاء الحرب وتمكين الشعب السوداني من اتخاذ قراراته بشأن مستقبله.
الخرطوم ــ التغيير
قال بيرييلو في منشور على منصة “إكس” إنه عقد اجتماعات مثمرة في بورتسودان مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، وقادة المجتمع المدني وفريق الأمم المتحدة الإنساني.
أكد أن الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوداني بشكل فوري، مشيرًا إلى أن السبيل الوحيد لوضع حد للمعاناة هو إنهاء هذه الحرب ومنح الشعب السوداني القدرة على تحديد مستقبله.
أوضح أن الرسالة التي تلقاها بوضوح من ممثلي المجتمع المدني الذين قابلهم في بورتسودان تنص على أن الجرائم التي تستهدف النساء السودانيات يجب أن تتوقف، ويجب حماية المدنيين.
وأضاف “نحن نتشارك معهم في حرصهم على إنهاء هذه الحرب، وإيقاف الفظائع التي ترتكب ضد المدنيين، وضمان سودان موحد وديمقراطي وسلمي.
ورحب المبعوث الأمريكي بالتحسينات الأخيرة في توسيع الوصول للمساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة، كأكبر دولة مانحة للمساعدات للسودان، ستبذل قصارى جهدها لضمان وصول الغذاء والماء والأدوية إلى الناس في جميع الولايات الثماني عشرة بالإضافة إلى اللاجئين.
و قال: “أعبر عن تقديري للجهود الأخيرة التي تهدف إلى تحسين تدفق المساعدات الطارئة لـ 25 مليون سوداني يعانون من المجاعة والجوع الحاد. يجب علينا الاستمرار في زيادة كميات الغذاء والدواء المرسلة من بورتسودان وأدري، وتوسيع نطاق رحلات الإغاثة إلى المناطق النائية”.
أشار إلى أنه استمع إلى الآراء التي طرحها العاملون في المجال الإنساني من الأمم المتحدة في بورتسودان، مضيفًا: “مع تقديم الولايات المتحدة لأكثر من نصف الدعم الإغاثي في السودان، أُقدِّر التقدم الذي تم إحرازه في جهود تقديم المساعدة للمجتمعات الضعيفة في مختلف أنحاء البلاد، وستستمر الولايات المتحدة في دعم جهود الشركاء لتوسيع نطاق الإغاثة الطارئة للسودانيين الضعفاء”.
الوسومالحرب المبعوث الأمريكي بورتسودان توم بريللو