عشر سنوات مرت على إعلان المملكة العربية السعودية عملياتها العسكرية في اليمن، والمعروفة بعاصفة الحزم، والتي انطلقت في الـ26 من مارس 2015م، بتحالف يتكون من عدة دول عربية وإسلامية، ودعم دولي، بغرض نصرة الشرعية اليمنية، والتصدي للانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي، وحليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

 

إن مقارنة سريعة بين الظروف والأوضاع التي انطلقت فيها عاصفة الحزم، والوضع الذي يعيشه اليمن اليوم يبدو صادما للمتابع لسير الأحداث، والمصير الذي آلت إليه اليوم، فالمشهد يبدو متغير، ودخل اليمن واقع جديد، مختلف كليا، بل وتشكلت فيه خارطة جديدة، للقوى الفاعلة، واتجاهات المعارك، والوجوه المتحكمة بالوضع العام، بل وأولويات الدول التي انخرطت في هذه العملية العسكرية.

 

انطلقت الحرب السعودية عبر التحالف العسكري بغرض نصرة وإعادة الشرعية اليمنية التي مثلها حينذاك الرئيس عبدربه منصور هادي، وكانت واضحة في مهمتها، في وأد الانقلاب، ومنع ذهاب اليمن نحو إيران، الخصم التقليدي للرياض، والتي جعلت من الحرب واجهة لها في التدخل باليمن.

 

لكن تطورات الأحداث خلال العشر سنوات اتجهت نحو دروب أخرى، وأصبحت الحرب الأطول التي يشهدها اليمن في العصر الحديث، وكانت مليئة بالمحطات والتفاصيل، ونقلت اليمن من وضع إلى وضع آخر، مختلف عن تلك الآمال والتطلعات التي كان اليمنيون يأملون تحقيقها.

 

أخفقت الحرب في التصدي لجماعة الحوثي وانقلابها، بل استفادت الجماعة من هذه الحرب في تمتين جذورها وحضورها وانتشارها داخل اليمن، وتحولت لتصبح دولة قائمة، خاصة بعد مقتل حليفها علي عبدالله صالح على يدها في ديسمبر 2017م، وانتقلت من خانة الدفاع إلى الهجوم، ونمت قدراتها العسكرية بشكل ملحوظ، وبات هذا واضحا مع هجماتها في البحرين الأحمر والعربي، على خلفية الأحداث في غزة، والهجوم الإسرائيلي عليها.

 

وبدلا من تقديم نموذج جيد في المناطق التي ظلت بعيدة عن جماعة الحوثي، شهدت تلك المدن خاصة عدن وضعا آخر مليء بالمواجهات الدامية، التي نشطت بشكل كبير، وبتمويل إماراتي، وتوجت بتشكيل ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي ناهض الشرعية اليمنية منذ اليوم الأول لإعلانه، وأحدث انقساما لايزال يلقي بتداعياته على المشهد في اليمن.

 

وأدى التدخل السعودي العسكري في اليمن لتعزيز التواجد الأجنبي بمختلف مظاهره في عدة مدن، كالمهرة وسقطرى وحضرموت وعدن، ناهيك عن تحكم السعودية والإمارات بالقرار اليمني، بما يخدم أجندتهما، ويعزز من نفوذهما وحضورهما في اليمن.

 

ونجم عن هذا الوضع انقسام مؤسسات الدولة لشطرين، أحدهما في صنعاء، والآخر في عدن، بما في ذلك المؤسسات الإيرادية، والبنك المركزي، والاتصالات، والجيش والأمن، وموازنة الدولة، والعملة المحلية، وكثير من الهيئات الحكومية، وهو ما كان له الأثر الكبير في الخسائر المتتالية، والتداعيات الباهظة اقتصاديا وسياسيا، وألقى بظلاله على حياة السكان في اليمن.

 

انتهجت الرياض نهجا متشددا في بداية عملياتها العسكرية، ولذلك ألقت بثقلها في الحرب، ولكنها تدريجيا بدأت في الجنوح نحو أهداف أخرى، بما يعرف بانحراف المسار، فتوقفت الجبهات القتالية، وتراجعت أخرى، وسادت الخلافات في الصف المؤيد للرياض، وظهرت أجندة جديدة، لعل أبرزها ارتفاع الصوت المطالب في انفصال اليمن، ثم انتقل الخلل ليطال رأس الشرعية، والتي انقلبت عليها الرياض، وأطاحت بالرئيس هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، وشكلت مجلسا رئاسيا جديدا من ثمانية أعضاء، لتضاعف بذلك حالة الاحتقان والانقسام في اليمن، أكثر من أي وقت مضى.

 

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن النزيف طال قيادات كثيرة في الجيش التابع للشرعية، تعرضت خلال فترات متفاوتة للاغتيال، والإقصاء، والاستهداف، ومثلها قيادات في السلك المدني والدبلوماسي، كانت هي الأخرى عرضة للإزاحة والاستبدال، لصالح تصعيد شخصيات جديدة، تعمل وفق أجندة السعودية والرياض.

 

لذلك تدخل الذكرى العاشرة لعاصفة الحزم، في ظل وجوه مغايرة تقود المشهد السياسي في الجانب الموالي للرياض، بعدما جرى التخلص من القيادات الرئيسية التي باركت عمليات الرياض العسكرية، وعملت معها لسنوات في الحرب التي شنتها على اليمن.

 

ويبدو المشهد في اليمن اليوم أكثر سوداوية، إذ أن التمزق الجغرافي والسياسي والعسكري هو السائد، وتتواجد قوات عسكرية وتشكيلات أمنية متعددة، في عدة محافظات، وتتبع عدة قيادات، وأخفق مجلس القيادة الرئاسي في توحيدها ودمجها، وظل هو الآخر محافظا على نوع من البقاء الشكلي، بفضل الدعم السعودي الذي تلتقي عنده مكونات المجلس، ويحول دون الصراع المباشر بين أطرافه.

 

ووفقا للمعطيات اليوم تذهب السعودية إلى خيار السلام مع جماعة الحوثي، وهي انتكاسة كبيرة لحربها العسكرية، وتغير واضح في موازين القوى، بل وتعد بمثابة هزيمة مبكرة لها، والفارق اليوم واضحا بين الأهداف التي أعلنتها الرياض في بداية الأمر، وعملت على تحقيقها، وبين الواقع الذي آلت إليه الأوضاع، بفعل السياسية السعودية نفسها، والخيارات والقرارات التي اتخذتها، والتي انعكست على تطورات الأوضاع في اليمن، لتؤول إلى هذه النتائج.

 

ولا يختلف المشهد الإنساني في اليمن الناجم عن هذه السنوات من حيث التدهور الذي أصابه، وتصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم، إذ بات أغلب اليمنيون يعانون من الجوع، ويعتمدون على المساعدات، ويفتقرون للخدمات اللازمة، في ظل ارتفاع حاد للأسعار، وتدهور العملة المحلية، وتوقف المرتبات.

 

أما في الجانب الاقتصادي فالنزيف لم يتوقف لرأس المال المحلي، وهروبه نحو دول أخرى، وكذلك تعرضه للابتزاز في الداخل، والجبايات المتكررة، والصعوبات التي تقف أمامه، وأثقلت كاهله، وأوصلته إلى حالة من التدمير، لصالح بروز طبقة جديدة مستفيدة من الحرب.

 

وثمة تداعيات أخرى غير منظورة للحرب التي فجرتها الرياض في اليمن، لكنها تشكل على المدى البعيد أزمات حقيقة، من شأنها أن تصبح بمثابة بذور صراع جديد في اليمن خلال المستقبل، ومن ذلك الاستهداف الممنهج للهوية اليمنية، من خلال شكلين الأول، طائفي في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، والآخر مناطقي في المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي، وجميعها تتغذى من الحرب، التي وفرت لها بيئة خصبة للنمو والتوسع والانتشار.

 

ولعل من مظاهر الإخفاق طوال هذه السنوات التغييرات المستمرة في رئاسة الحكومة، وأعضائها، وكذلك محافظي المحافظات، وقيادات الجيش، والتي تعكس حالة عدم الاستقرار، وتحدث من وقت لآخر بسبب تطورات جديدة، واحتدام المشهد السياسي والعسكري.

 

إن رحلة محلية عابرة داخل المدن اليمنية اليوم تحكي كثير من التفاصيل، عن الوضع والمستوى الذي آل إليه وضع اليمن اليوم، بعد عشر سنوات من الحرب السعودية في اليمن، إذ تبدو أوصال البلاد مقطعة، وطرقاتها مغلقة، وتتحكم فيها المليشيا شمالا وجنوبا، وتتضاعف فيها المعاناة، وتتجسد فيها أوجاع اليمنيين، في مشهد لم يشهده اليمن في أسوأ أوضاعه طوال عقود ماضية.

 

لقد أخفقت عشر سنوات من التدخل الخارجي المباشر للرياض في تحقيق النصر العسكري داخل اليمن، وكذلك في إرساء دعائم السلام، رغم المحطات الكثيرة لتقريب وجهات النظر بين المكونات اليمنية تارة، وبين السعودية والحوثيين تارة أخرى، وأصبح الوضع يتأرجح بين حالة اللاحرب واللاسلم، وعدم الغلبة لأي طرف.

 

اليوم بات اليمن يحضر كدولة متلاشية، ويصارع العديد من التحديات، ويعاني تهديدات وتعقيدات متداخلة ومتشابكة، وانتقل الحوثي كطرف في المعركة إلى مربع يفرض فيه شروطه اليوم، بدلا من القضاء عليه، فيما تهيمن جماعات متعددة على الأرض، وتنمو أجندة جديدة، بعيدا عن جذر المشكلة التي تولدت قبل عشر سنوات.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن عاصفة الحزم السعودية جماعة الحوثي التحالف العربي جماعة الحوثی عشر سنوات فی الیمن من الحرب

إقرأ أيضاً:

الحرب مع السعودية والإمارات حتمية «ترامبية»!!

 

 

نقول لأمريكا ترامب وقبله بايدن- ومن قبلهما وحتى من بعدهما- لستم منحازين لإسرائيل بل أنتم إسرائيل، وبالتالي فكل ما راكمتموه في التعامل مع الأنظمة وتطويعها هو إلى فشل حتمي فوق إعلامكم وإعلام الأنظمة، وما حدث منذ طوفان الأقصى يؤكد أن الحق سيظل وسيكون الأقوى..
كون أسوأ إبادة جماعية في العصر الحديث وأكبر وأوسع دمار شامل في غزة لم يحقق انتصاراً لأمريكا والناتو والغرب ربطأ بإسرائيل، فنتائج وأبعاد ذلك لم تعد رهناً بقرارات بايدن أو ترامب، والمقاومة ومحور المقاومة باتوا أقوى من أي قرارات أمريكية وكل ما مرّ الزمن ستكون أكثر قوة..
إذا إدارة أمريكية سابقة غزت بنما واختطفت رئيسها وأودعته سجن أمريكا، فتصريح «ترامب» في حفل تنصيبه حول قناة بنما ليس أكثر من مضحكة وهو يقدم ضعف أمريكا وليس التبرير بأن الصين هي من يسيطر على القناة يؤكد فقط ضعف أمريكا الاستراتيجي وأنها فقدت الرؤى والتفكير الاستراتيجي..
ولهذا فإن المعتوه «ترامب» في كل ما يسير فيه من قرارات هوجاء عوجاء إنما يؤكد واقعية ضعف أمريكا واقعاً وفقد الرؤى والتفكير الاستراتيجي غير المسبوق لقرن من الزمان..
دعونا في المسألة اليمنية نستقرئ العدوان السعودي ـ وهو أمريكي ـ منذ 2015م والذي استعمل أقوى وأفتك الأسلحة وارتكب كل الجرائم والإجرام والدمار والتدمير، ومن ثم وربطاً بطوفان الأقصى وموقف الإسناد اليمني مارست أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني العدوان على اليمن بأقوى أسلحة البحر والجو وكل ذلك آل إلى الفشل..
ماذا يكون لجوء «ترامب» أمريكا لقرارات هوجاء عوجاء كذلك؟..
مسألة إضافة «أنصار الله» لقائمة الإرهاب تعرية عالمية لأمريكا بعد مشاهداته لأحداث غزة، فيما صنعاء تجاوزت التفكير بمثل هذه الخطوة المحتملة مسبقاً، وبالتالي فالسير في خطوة كهذه في هذا التوقيت هو لصالح الأنصار شعبياً ليس في اليمن فقط بل على مستوى العالم..
القرار الآخر لأمريكا بالعودة إلى مرتزقة اليمن ليقاتل بهم ضد وطنهم وشعبهم ومن أجل أمريكا وإسرائيل سيوصل الاستنفار الشعبي الوطني لمواجهة أمريكا وإسرائيل وكل من يوليهم أو كل مواليهم إلى ذروة بما يجعل الحرب فوق المحددات الأمريكية الواهمة والعاجزة معاً..
الذي نعرفه عن الحروب هو أنها ترتفع في التصعيد من الطرف الأقوى في التسليح، فيما أمريكا باللجوء إلى المرتزقة المحليين وإلى النظامين السعودي والإماراتي اللذين جربا قرابة العقد لا يمكن بالعقل المجرد والفهم البسيط إلا أنه ضعف أو عجز..
البعض يرى أن هذا القرار الأمريكي يريد أن يحقق بالاقتتال الداخلي ما عجز عنه الخارج الإقليمي العالمي وبقيادة ثلاثي الشر «أمريكا وبريطانيا وإسرائيل»..
إذا هكذا باتت أمريكا في سطحية التفكير وتسطح الفهم فهي إنما تسير من فشل عدوانها الأول بالنظام السعودي كرأس حربة ثم عدوانها الثاني والكيان الصهيوني شريك رأس الحربة السعودي، تسير من الفشل إلى ما يصبح انهزاماً لأن الدفع بالمرتزقة هو شراكة سعودية إماراتية، والحرب ستكون على السعودية والإمارات ربطأ بما يوصفونه داخلياً من ناحية ومن ناحية أخرى فالمرتزقه باتوا أعجز من العجز، فكيف يطلب العجز الأمريكي مما ومن هو أعجز منه أن ينصره؟..
الذي أراه هو أن صنعاء باتت «تريد» مواجهة مع النظامين السعودي والإماراتي ولا سبيل لذلك إلا بحماقة دفع المرتزقة لما يسمونها «حرباً داخلية» وذلك ما لم تجد أمريكا غيره كبديل..
إذا كانت هذه الخطوة والخيار الأمريكي «أصلا» دفع إلى تحريك المرتزقة بشكل يعتد به بما يبرر مواجهة السعودية والإمارات فتلك في تقديري «أمنية صنعاء» التي أعطيت على طبق من ذهب..
أقول لـ«ترامب» ولنظامي السعودية والإمارات أنه إذا دفع بالمرتزقة إلى ما يسمونه اقتتال داخلي فإنه يستحيل ليس فقط على أمريكا بل وعلى كل الأنظمة في العالم أن تمنع الحرب مع النظامين السعودي والإماراتي..
إذا المرتزقة المحليون باتوا محورية استراتيجية أمريكا «ترامب» فاستراتيجية اليمن ضرب السعودية والإمارات ويستحيل القبول بغير ذلك أو بأقل من ذلك..
على النظامين السعودي والإماراتي مراجعة «ترامب» إن أراد تجنب الحرب وأن لا تصدقان بأن في هذا العالم من يمنع أو يقنع صنعاء بغير ذلك..
صنعاء لا تقبل بما يسمونه باقتتال داخلي إلا بشرط مده وامتداده باتجاه النظامين المعروفين، والاحتكام بات للزمن القائم القادم!!.

مقالات مشابهة

  • شاهد| اليمن وقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.. حضور متميز في وجدان الشعب الفلسطيني
  • السلطات السعودية تقبض على أثيوبيين لتهريبهما 140 كيلو جرام من نبات القات من اليمن
  • ضابط كبير يكشف التحدي الحقيقي الذي يواجه الجيش الإسرائيلي
  • “هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق‎
  • “هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق‎
  • آل جابر يؤكد للأوروبيين التزام السعودية بتحقيق السلام في اليمن
  • الحرب مع السعودية والإمارات حتمية «ترامبية»!!
  • ميليشيات الحوثي تستحدث مواقع عسكرية .. تشق الطرقات وتدفع بالتعزيزات العسكرية الى جنوب اليمن
  • قراءة فكرية في التغيرات الكبرى التي صنعها السيدُ حسين بدرالدين الحوثي
  • اليمن يدعو الاتحاد الأوروبي لأن يحذو حذو أمريكا في تصنيف الحوثي “منظمة إرهابية”