احتلت العصابات بورت أو برنس، عاصمة هايتي، وظلت تزحف على بقية أرجاء الجزيرة، فأغلقت المطار، ونهبت الميناء النهري، والمقرات العامة، والمتاجر، وهاجمت عشرات نقاط الشرطة. وبإغلاقها للشوارع قطعت إمداد الطعام عن الناس. واقتحمت السجن وأطلقت سراح 4600 محكوم. وأقامت الحواجز على شوارع لا يجتازها أحد إلا بإتاوة معلومة.

ولك أن تستعيد سيارتك المنهوبة من قبل العصابات لقاء فدية، وكذلك لفك أسر مخطوف. وقال صاحب مستوصف إنهم قلبوا عالي مستشفاه على واطيها، وأخذوا كل ما له قيمة فيه من غرفة العمليات، وأجهزة أشعة إكس، ومن المعامل، والصيدلية. وأضاف “تصور إنهم يخلعون النوافذ من المستشفيات والأبواب”. وتدير العصابات الأسواق غير الشرعية للمخدرات والمنهوبات. ولما ضاق الناس ذرعاً من انتهاكاتها، انضم بعضهم لجماعة “بوا كالي” التي تقتص منهم ثأراً، وتنفذ إعدامات فورية بحق من تلقي القبض عليه من العصابات مؤيدةً من أهالي الأحياء.

وما إن فرضت العصابات في هايتي على إريل هنري، رئيس الوزراء المكلف بعد اغتيال رئيس الوزراء المنتخب جوفينال مويس (يوليو 2021) الاستقالة قبل أسبوع وهو خارج البلاد، حتى أعلنت تحالفاً رخواً باسم “فلنعش معاً”، وهاجمت مؤسسات الدولة لإزاحة ما تبقى من الحكومة، ولمنع أي قوى عالمية عسكرية من القدوم لهايتي. ورتبت العصابات لقيام مجلس حكومي لإدارة البلد. ودعا جيمي جريزير، ضابط الشرطة السابق وزعيم عصابة “جي-9” المعروف بـ “باربكيو” (الشواء) لفظاظته، إلى “الثورة المسلحة”. وكان جنح أخيراً إلى العبارة الملطفة معتذراً للناس الذين نهبت العصابات بيوتهم. وقال في مؤتمر صحافي إن خطوتهم الأولى، التي تحققت، هي الإطاحة بحكومة هنري كما كرر كثيراً، ثم يسعى بعدها لقيام دولة قوية يسودها العدل لمحاربة الفساد. وقال إنهم سيحرصون على قيام نظام أمني قوي يأذن للناس بالحركة وقتما أرادوا والعودة متى شاؤوا. فهدفهم هو أن يروا هايتي جديدة. وأبدى استعدادهم لتقديم حلول للخروج من أزمة البلاد شريطة أن يحتفظوا بشوكتهم وأن يُعفوا من المحاسبة على الجرائم التي ارتكبوها.

صدى سوداني
ليس مما ورد أعلاه إلا وله صداه مما يشكو منه سودانيون ودوائر إقليمية وعالمية، لا سيما من ممارسات “الدعم السريع” إلا من واحدة، وهي غياب أي قوة ذات شوكة ليومنا في هايتي لتتصدى لانتهاكات هذه العصابات. فخلافاً للسودان، هايتي بلا جيش ينهض لحماية مواطنيه من أذى العصابات. إذ فككت أميركا جيش هايتي في سبتمبر 1994 جزاء انتهاكاته بحق المدنيين وكأنها قالت، في عبارة لأحدهم، “يجب أن ينتهي عهد جلد المدنيين”. وتركز تفكيك الأميركيين على فرقة الأسلحة الثقيلة الفظة في الجيش التي وُظفت للترويع السياسي وإثارة الانقلابات. ونزل تفكيك الجيش على الصفوة وعامة الناس برداً وسلاماً. فقد سقم شعب هايتي من الجيش لفرط انقلاباته. فانقلب في يونيو (حزيران) 1988 على حكومة لسلي مانيقات، وعلى حكومة هنري نامفي في شهر سبتمبر من السنة ذاتها، وعلى حكومة جان برتراند آرستيد في سبتمبر 1991. ومعروف أن آرستيد أطيح به عن الحكم للمرة الثانية في فبراير (شباط) 2004 تحت ضغط ثورة مسلحة ذات صلة بصفوة المعارضة وفي ملابسات اتهم فيها آرستيد، ولا يزال، فرنسا وأميركا بتدبير خلعه في سياقها. واستقبل الناس حل جيشهم بحفاوة بالغة، فتجمهروا حول قوة أميركية أُرسلت لحفظ الأمن ورقصوا بهجة. وقال أحدهم للصحف، “أستطيع النوم الآن قرير العين. لن يستطيعوا بعد الآن دخول منزلي ونهبي”.
وبلغ السقم المدني من الجيش (أو مفهومه في غيابه) حداً قصياً، فلم يستحسنوا عرض مويس، رئيس الوزراء، أن يستعيد الجيش لوظيفته في عام 2017. وكان مويس فقد ثقته في قوة حفظ السلام الدولية التي ساء صيتها كقوة أجنبية لتعاظم خروقاتها بحق الهايتيين وضربها بأصول مهمتها عرض الحائط. وطمأن مويس شعبه أن الجيش المستعاد سيكون مختلفاً وتحت خدمة الشعب، في مثل إسعافهم من النائبات، مثل الزلازل الذي ضرب الجزيرة في عام 2010 وخربها خراباً واسعاً. ولكن شعبه، من الجانب الآخر، استرجع ذكرياته المريرة مع الجيش. فخرج في تظاهرات يحتج على عودته هاتفين “لا نريد الجيش. نريد تعليماً”. وقال عمدة سابق للعاصمة إن للبلد أسبقيات أكثر أهمية من الجيش، وأن مويس ما أراد من عودة الجيش غير تأمين سلطانه.

هبوط وانحلال
تنحدر هايتي الآن إلى درك غير مسبوق حتى بمقاييسها هي. وانعدم المغيث، فشرطتها، التي هي قوة الدولة المسلحة الوحيدة، عاجزة حيلةً وتسليحاً وكادراً. وهي القوة التي رأت أميركا (التي لم تشجع على إنشاء جيش في الجزيرة منذ انحلاله)، أنها كل ما تحتاج إليه هايتي من نظم للأمن. وأنفقت عليها بسخاء. ولكن كانت محاربة العصابات فوق طاقتها. فتخلى عن الخدمة فيها منذ نحو سنتين نحو 3 آلاف شرطي من جملة 15 ألفاً. هذا عن الحل من الداخل. أما عن الحل من الخارج فحدث ولا حرج. فيمكن وصف هايتي بمقبرة التدخل الأجنبي الذي أراد انتشالها من عثراتها الكبرى. فلا تريد أميركا اليوم، ولا حتى بعد اغتيال مويس في يوليو 2021، إغاثتها لأنها ظلت تغيث (أو تفرض نفسها مغيثاً) طوال ما كانت هايتي بلا نتيجة. فامتنعت أخيراً عن التدخل العسكري فيها حتى لا تعيد في قولها “أخطاءها التاريخية” من مثل تلك التدخلات. ولكنها لا تمانع الآن في تمويل قوة تدخل شرطية من كينيا وبلدان أخرى. ويبدو أن الأمم المتحدة من جهتها استنفدت طاقتها للتدخل المباشر لإسعاف الجزيرة. فقد كانت لها بعثات للغرض نفسه من عام 1993 إلى عام 1996 ومن 2004 حتى 2017. وجلبت البعثة الأخيرة عاراً باقياً على المنظمة تمثل في نشرها للكوليرا، واغتصاب جنودها للنساء، ونهب الدور. واكتفت الأمم المتحدة بمباركة ابتعاث كينيا لشرطتها إلى الجزيرة. وهو ابتعاث لقي معارضة محلية فتنازلت كينيا نفسها عنه مشترطةً قيام حكومة انتقالية في الجزيرة لتعمل قوة الشرطة تحت سلطتها.

“انتفاضة الحرامية”
ومع ذلك فليس من مغيث لهايتي في محنتها الراهنة سوى التدخل العسكري لما خلت هي من الجيش وقصرت شرطتها دون التصدي للعصابات. وهذا هو رأي ألكسندر كوزول من الـ”نيويورك تايمز”، فيما تواجهه هايتي في أيامها هذه التي عز فيها المعين: هل هو إجرام عصابات أم انتفاضة؟ وانتهى إلى أنه شيء من كليهما ليخرج بمصطلح “الانتفاضة الإجرامية” criminal insurgency (أو “انتفاضة الحرامية” في تعريب دقيق مستفاد من أنور السادات). فقال إن نجاح كل تدخل لإسعاف هايتي أو فشله، رهين بالإجابة على هذا السؤال. وبدا أنه قلّب في رأسه جدوى ما تواضعت عليه أميركا والأمم المتحدة من إرسال قوة شرطية كينية لاستعادة الأمن في الجزيرة. وبرأيه أن ما يعتَور هايتي هو انتفاضة مكتملة الأركان. وقال إن الدول تحذر من وصف هبة العصابات بـ “الثورة” لأنه قول له عواقبه العملية. إذ تطاول العصابات، كمشروع إجرامي، إجراءات القانون في الدولة التي تتولاها الشرطة والمحاكم. أما صفة “الثورة”، بما تتضمن من مواجهة عسكرية، فتقع ضمن نطاق قوانين الحرب. وعليه اتفق لكوزول أن استرداد الأمن في الجزيرة رهين بتدخل عسكري أميركي وجنوب أميركي لا من شرطة كينيا أو سواها. وبدت له فكرة التدخل الشرطي فطرية. وما يورطنا فيها إلا لأننا لم نحسن تشخيص ما ألمّ بالجزيرة. فالشرطة تقوم بمهمتها في حفظ الأمن في ظل وجود حكومات تحتكر العنف الشرعي في سائر القطر. ولكن يتعطل القانون، بل يُلغى، متى تحدت “عصابات” أو “ثوار” لا فرق، هذا الاحتكار للسلاح في الدولة بسيطرتهم على أرض لها. ولا مهرب هنا من التدخل العسكري لاستعادة الأرض المحتلة من يد العصابة أو الثوار. ويضيف كوزول أن التمييز بين الجريمة المنظمة والثورة قد يكون ضبابياً. ولكن كليهما شيء واحد لاستخدامهما العنف المنظم لمنازعة الدولة في سيطرتها على أرض. وعليه فما يجري في هايتي هو “انتفاضة حرامية” في رأيه.

قبح السمعة
ربما صح تطابق الحالة بين هايتي والسودان حتى في وصف ما يعتريهما ليومنا بـ “الانتفاضة الإجرامية” في نظر كثير من السودانيين. ولكنهما يختلفان في أمر عظيم وهو وجود جيش في السودان مهما قلنا عنه. فسمعته بين قطاع كبير من المدنيين لا تقل قبحاً عن سمعة جيش هايتي الهالك ولنفس السبب وهو أنه مباءة انقلابات. ولا تجد في المساعي القائمة لإحلال السلام في السودان عناية بحقيقة هذا الوجود المؤكد للجيش. فيصرفها سعاة الصلح صرفاً بقولهم إن الحرب القائمة هي بين جنرالين طموحين في معنى أنهما سواء في الركاكة، لناحية عدم استحقاق أن يكونا حيث هما.

ولكن جاء حديث توم بيرييلو، المبعوث الأميركي للسودان، لقناة “الحدث” قبل أسبوع بعرفان غير مسبوق باستحقاق الجيش. فقال إن السودانيين يريدون تشكيل جيش موحد وبدء مرحلة انتقالية. وصارت صيغة “تشكيل جيش موحد” بعد الحرب ضمن خطاب “قوات الدعم السريع”، وتحالف القوى المدنية والسياسية (تقدم)، مما يُفهم منها الاستغناء عن القوات المسلحة كما عرفناها لبناء جيش قومي مهني من أول وجديد يراعي التنوع الديموغرافي السوداني. وهو جيش مبتكر تنحل فيه القوات المسلحة، و”الدعم السريع”، وقوات الحركات المسلحة، على قدم المساواة. وهذا بخلاف ما جاء في “الاتفاق الإطاري” الذي تراضى عنده الجميع قبيل الحرب. وكان قضى بدمج “الدعم السريع” والحركات المسلحة في القوات المسلحة. وجاء برييلو بعد ذلك بعبارة لم تمر معنا في أدبيات الموقف الأميركي تجاه حرب السودان، فسمعنا للمرة الأولى منه تمييزاً أميركياً للجيش بما تخطي رأيهم في الحرب كـ “صراع جنرالين” طموحين مرذولين للاستحواذ على الحكم. فقال بيرييلو، بعد حديثه عن الجيش الموحد، إن “القوات المسلحة السودانية عمرها أكبر من عمر الدولة ولا بد من احترامها”.

وهذه العبارة عن استحقاق الجيش، بأي صورة فهمناها، لفتة مهمة إلى أن ما يتهدد السودان ليس تعثر التحول الديمقراطي، بل تلاشي الدولة التي الجيش أقدم منها. فعبارة المبعوث الأميركي موقف يعيد التوازن، لا لموضوع عدالة الحرب فحسب، بل في مراقبة أداء الأطراف خلالها أيضاً ومحاسبتهم. فحق الدولة-الأمة بجيش، لا محيد عنه مهما قلنا عن أخطائه البنيوية والمهنية والعقدية. ولنا في هايتي درس في مغبة استهتار الناس بهذا الحق بعقاب الجيش الظالم بمحوه من سجل الدولة كما صار وارداً في أدب أنصار “تقدم” من المدنيين. فصدر من هايتي مطلب غير مسبوق إليه هو الحق في أن يكون لها جيش. فقال محام من الجزيرة إن لهايتي حقاً دستورياً وسيادياً أن يكون لها جيش مهني منقطع عن السياسة يحمي الأرض والعرض.

لعل كلمة بيرييلو فاتحة دولية لإعادة تبويب الأزمة السودانية بخلاف ما اتُفق للساعين لحلها طوال هذه الحرب. فبدا أن حق الأمة في جيش، بحسب ما رأينا من هايتي، صار واحداً من حقوق الإنسان.

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوات المسلحة الدعم السریع فی الجزیرة فی هایتی من الجیش أن یکون

إقرأ أيضاً:

باسل العكور يكتب .. لا خلاص ذاتيا للأقطار العربية كل على حدة.. مستقبل الأمة على المحك

#سواليف

كتب باسل العكور – الإبادة الجماعية أو المحرقة الفلسطينية التي تُبثّ على الهواء مباشرة لم تكن كافية ليتدخل العالم العربي والإسلامي أو على الأقل ليدرك خطورة القادم، العدوان البربري على الشقيقة لبنان وما ارتكب بها من مجازر لم يقرع ناقوس الخطر لدى دول الإقليم النائمة بالعسل، الدعم الغربي غير المشروط للكيان المارق في عدوانه وجرائمه، لم يُثر حفيظة أنظمتنا العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الدافئ، سقوط النظام السوري دون مقاومة لم يُحرّك مخاوف هذه الانظمة، مع أن ما عايشه النظام السوري من حصار وعبث وإضعاف واختراق وشيطنة وتفكيك بنيوي، يطابق او يتساوق مع ما يطبخ على نار هادئة، ويُنفّذ بنسق اقل وضوحا في العديد من دول الاقليم..

في الأثناء، يباشر العدو الصهيوني باحتلال مساحات شاسعة من أراضي الشقيقة سوريا بذرائع أمنية، وهي ذات الذرائع التي كان يفترض أن تدفع جيوش دول الإقليم للتحرك العاجل، حماية لسوريا وأهلها ودفاعا عن مصالحها الحيوية، ورسالة للعالم أجمع بأن هناك ثمة إرادات في المنطقة، ومصالح يجب أن تراعى وتؤخذ بعين الاعتبار..

العدوّ الصهيوني يتحرك مدفوعا بأطماع التوسع والهيمنة الكاملة على الإقليم، والأنظمة العربية تكتفي بعقد الاجتماعات واللقاءات التي يعقبها بيانات تنديد واستنكار ومطالبة بتدخل المجتمع الدولي المتورط -من قمة رأسه حتى أخمص قدميه- بدعم المشروع الصهيوني وتوسع الاحتلال وهيمنته على المنطقة!!!

مقالات ذات صلة الاعلان عن النقاط المحتسبة للطلبة المتقدمين بطلبات المنح والقروض 2024/12/26

لم تكن أمتنا العربية بهذا الضعف قط، لم تكن مسلوبة الإرادة كما هي اليوم، أظن أن دول الإقليم باتت متصالحة مع ما سيفرض عليها من استحقاقات ومستسلمة لما سيأتي، وتنتظر ساعة الصفر، وإلا كيف نفهم أن يفرط العرب بهذه الفرصة التاريخية لتوحيد كلمتهم وقرارهم وتحركهم للتصدي لهذا الورم الخبيث المستحكم في قلب الأمة، وها هو يلتهم بقية الأعضاء، ينفرد بالأجهزة والأطراف الواحد تلو الآخر، في وقت قرر به جهاز المناعة المركزي -ولأسباب غير مفهومة- أن لا يستخدم كل امكاناته لمواجهة هذه الخلايا السرطانية الشرسة..

الثابت في نمط العلاقات الإقليمية في المنطقة بعد السابع من اكتوبر 2023، أن كل دولة عليها ان “تقلّعَ شوكها بيدها “، فما عاد موضوع المصير العربي المشترك يعني شيئا، فكل يبحث عن خلاصه الذاتي، وما لذات في المنطقة من خلاص بعد اليوم..

الأردن على مفترق طرق ..

الأردن هذه الدولة الحصينة نسبيا، باتت في مهب التجويع والتعطيش، بعد سيطرة جيش الاحتلال على مياه حوض اليرموك على مصادره وعلى السدود المقامة على امتداد هذا الحوض، وبذلك تُمسك دولتنا من عنقها، فلا ضمانات لحصولنا على حصتنا من مياه نهر اليرموك، وهذا بلا شك يهدد أمننا الغذائي والمائي على حد سواء.. ففي اللحظة التي يقررون فيها استخدام هذا السلاح -سلاح التجويع والتعطيش- كما يحدث في غزة والضفة الغربية، فليس عليهم إلا أن يقطعوا وصولها لقناة الملك عبدالله لضرب الزراعة، ويمنعون انسيابها في مصبات نهر الأردن في بلادنا، وبذلك يحولون دون تغطية حاجتنا من مياه الشرب، ناهيك عن سيطرتهم على مفاتيح الطاقة من خلال اتفاقية الغاز التي وقعت برعاية وضغط أمريكي. ألم نقل في وقت سابق إن توقيع اتفاقية الغاز يشكل خطرا على أمننا القومي!!

ماذا نحن فاعلون ؟!!

الأخبار التي تتسرب من الدوار الرابع تتحدث عن إمكانية توقيع اتفاقية الناقل الوطني مع شركة فرنسية الأسبوع القادم، وهذه خطوة في اتجاه تأمين بدائل، ولكن المشكلة الحقيقية في الوقت الذي يتطلبه التنفيذ، إلى جانب كلفة المياه واصلة للمستهلك الأردني،،، ومع ذلك نتمنى على الحكومة ان تذلل هذه العقبات وتباشر في تنفيذ هذا المشروع اليوم قبل الغد..

أما بالنسبة للغاز، فلا بدّ أن تشرع باستخراج كميات الغاز التي أعلنت عن وجودها لإلغاء اعتماديتنا على الغاز الاسرائيلي في أسرع وقت ممكن، وهذا مشروع غاية في الأهمية.

بقاؤنا مرتبط بهذين المشروعين، على الحكومة أن تدرك ذلك جيدا، قبل أن تقع الفأس في الرأس ..

الدولة العميقة وبعد أزمة غزة وانكشاف الانحياز الغربي للمشروع التوسعي الصهيوني في الإقليم عليها ان تستوعب ان مصدر القوة “داخلي” ،ولذلك عليها ان تشتغل بكل امكاناتها لتمتين الجبهة الداخلية ، وتفكيك البؤر الساخنة ،وطي صفحة التأزيم والاعتقالات والإفراج عن جميع السجناء السياسيين .

يجب أن لا تسمح مراكز القرار باتساع الفجوة بين الناس ونظامهم السياسي، عليها أن تتحرر من برامج صندوق النقد الدولي الذي يهندس بمنتهى الخسة والدناءة عملية قطع الحبل السري بين الشعب الأردني والنظام السياسي عن طريق تجويع الناس وإفقارهم ..

نهج الجباية بات خطرا يتهدد الدولة؛ أمنها واستقرارها، وهو أشدّ وطأة من الأخطار الأخرى المحدقة به من كل حدب وصوب .

خطر التهجير بات أقرب مما نعتقد، وتغيير الخريطة الديمغرافية بات وشيكا، وهذا ليس بمعزل عن سعي محموم لضرب البنى المؤسسية التي يراد تفكيكها وإعادة تركيبها على نحو يستوعب هذه المجاميع التي يراد لها أن تصبح جزء أصيلا من مكونات الدولة الجديدة، وهذا خطر آخر قد يضرب عميقا بنية وشكل النظام السياسي إذا ما لم يتم مقاومته ومواجهته .

أما فزاعة خطر الاتجاه الإسلامي الذي قد يكون ذريعة لتدخل أمريكي في بلادنا، فعلى الدولة أن تتعاطى بمنتهى الحذر مع هذا الملف، وعلى الاتجاه الإسلامي بالدرجة الأولى أن يراجع نهجه، ويُغلِّب المصلحة الوطنية على مصلحة التنظيم ، فلا يأتين الوهن من قبلهم ..

دول الإقليم ستأكل أصابعها ندما وحسرة

أما دول الإقليم الأخرى، فهي جزء اساسي من مشروع التصفية الكبير، الذي طبخ على نار هادئة، وها هي الأخرى تعاني من ذات الإشكالات ماء وطاقة ومديونية، وفجوة بين الجماهير والطبقة الحاكمة..

اما فلسطين فهي بيضة القبان ، فلطالما كان صمود أهلها جدارا حاجزا وسببا مباشرا لكبح جموح الكيان الصهيوني المتربص بدول الإقليم جميعا .. تضحيات الفلسطينيين ودمائهم الطاهرة مكنت دول الجوار من العيش في بحبوحة وأمن وسلام لعقود خلت .. الفلسطينيون اخذوا نصيبا كافيا من الموت والتشريد والحرمان والمرض والجوع والعطش، ورغم ذلك ما زال أبطالهم يسطرون ملاحم بطولة لم يعرف التاريخ لها مثيلا من قبل .. الفلسطينيون وحدهم يعيشون الأمل ،ويدافعون عن حقهم في الحرية والكرامة والحياة الكريمة ،في حين يرزح سكان المعمورة ،شمالها قبل جنوبها ،وشرقها قبل غربها ، تحت حكم الصهيونية والشركات العالمية ورأس المال والعسكر ..

وهنا نبدأ بالشقيقة الكبرى مصر، وهي تعاني رغم وجود نهر النيل العظيم من اشكالية لها علاقة بسيطرة الاحتلال على منابع النهر في ارتيريا ، كما أنها تعاني من أزمة طاقة حقيقية وحالة اقتصادية معقدة للغاية ومديونية خانقة التهمت مقدرات الدولة وقيمة عملتها، تخيلوا ان الحكومة المصرية قد رضخت لإملاءات المانحين فيما يتعلق بالمناهج المدرسية، وهذا مؤشر غاية في الخطورة، فمن يساوم على مناهجه يخسر هوية أجياله وبالمحصلة يقامر بمستقبله ..الى هنا وصل ارتهاننا بالغرب ومشروعه، واليوم يبدأ تنفيذ عمليات سحق الناس وتغريبهم واضعاف بنيتهم القيمية وتفكيك مؤسساتهم وصولا إلى إرهاق جيشهم وتقهقره وهذ غاية المنى ..

العراق على موعد مع التقسيم او البلقنة ، فلن تقوم لها قائمة ، وسيظل شبح الطائفية والإثنية يلاحق هذا القطر المفكك إلى الأبد ، وسيظل يفرخ النزاعات والحروب ما دام للأمريكان وجود على ارضه ..

أما سوريا، فلقد خرجت تماما من معادلات القوى الإقليمية وها هي تدخل في مرحلة الفوضى المنظمة برعاية أمريكية اسرائيلية تركية ..

أما لبنان، فسيتجرع العلقم ولن ترفع القوى الغربية يدها عنه ،حتى ينتهي وجود المقاومة ويخرج حزب الله من المشهد ، وهذا ليس ممكنا على المدى المنظور.

دول الخليج العربي سيخسرون كل شيء ، وذلك بعد استكمال تصفية قوى الممانعة العربية ،والقدرات العسكرية الرادعة لكل من مصر والعراق وسوريا والأردن ، وعنها سيتفرغون تماما لسرقة مقدرات الخليج وتجويع شعوبه وسحقهم .

السودان بوشر باستنزافه مبكرا و بات غارقا تماما في مستنقع الاحتراب الداخلي الذي سيأتي على الأخضر واليابس وسيترك السودان الشقيق قاعا صفصفا ..

مقالات مشابهة

  • باسل العكور يكتب .. لا خلاص ذاتيا للأقطار العربية كل على حدة.. مستقبل الأمة على المحك
  • وحدة السودان بين تعددية الجيوش والمليشيات وتعددية المراكز الجغرافية السياسية
  • تقدم الجيش السوداني في دارفور هل يغير معادلات الحرب في السودان؟ ؟
  • هايتي.. مقتل صحفيين وضابط شرطة في هجوم خلال افتتاح مستشفى في العاصمة
  • هايتي.. مقتل صحفيين وضابط شرطة في هجوم أثناء افتتاح مستشفى في العاصمة
  • مقتل 3 أشخاص وإصابة 7 صحفيين أثناء افتتاح مستشفى عام في هايتي
  • مطابع العملة السودانية تدفع بقافلة دعما لمواطني شرق الجزيرة وتوتي
  • الجيش السوداني يعلن مقتل العشرات من «قوات الدعم السريع»
  • ميقاتي من الجنوب: ممنوع أن يكون هناك عائق أمام الجيش للقيام بواجباته
  • من يدعم بقاء السودان موحدا هو من يدعم بقاء الدولة