دبلوماسي إيراني لـبغداد اليوم: علاقاتنا مع العراق ليست مستقرة
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
بغداد اليوم- بغداد
اعتبر الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية الإيرانية، قاسم محب علي، اليوم الإثنين، (25 آذار 2024)، إن علاقة بلاده مع العراق ليست مستقرة لأسباب عديدة، فيما استبعد أن تشهد العلاقات السعودية الإيرانية تطوراً في المجال الاقتصادي.
وقال محب علي لـ "بغداد اليوم"، عن علاقات بلاده مع العراق وبعض دول المنطقة، إن "العلاقة مع العراق ليست مستقرة، وهذا يعني أن العديد من مشاكله (العراق) لم يتم حلها بعد، كما أن علاقة العراق بأمريكا، وتحديداً وجود القوات الأمريكية في هذا البلد، تجعل إيران غير قادرة على الثقة بالوضع السياسي القائم في العراق بنسبة 100%" على حد قوله.
وأضاف، إن "قضايا مثل الأكراد في شمال العراق وعلاقات المكون السني مع الحكومة العراقية الحالية، وبالطبع العواقب والآثار التي خلفتها حرب السنوات الثماني (العراقية – الإيرانية)، كانت سبباً في إبقاء العلاقات الإيرانية العراقية معلقة وغير مستقرة".
وأكد الدبلوماسي الإيراني والخبير في الشؤون الدولية أن "العقوبات الغربية على طهران كانت لها الأثر الكبير في توتر العلاقات وعدم استقرار المنطقة".
وقال "لقد فقد الاقتصاد الإيراني بشكل شبه كامل ارتباطه بالأسواق الاقتصادية العالمية خلال فترة العقوبات، وبينما بدأ العام الماضي أن إيران تحاول استئناف العلاقات مع الدول المجاورة للخليج وحل الأزمة النووية مع الغرب، فإن الهجوم الإسرائيلي على غزة جعل الوضع في المنطقة معقداً ومتوتر مرة أخرى، وكانت النتيجة الانفتاح في علاقات إيران الخارجية، لم يحدث".
وبين المدير العام السابق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الإيرانية، العقبات التي تعترض التجارة الإقليمية لإيران، معتقداً أن حل القضية النووية هو السبيل الوحيد للنمو الاقتصادي".
"لا مجال لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع السعودية"
وقال "إيران والسعودية لا تزالان في مرحلة إقامة العلاقات الدبلوماسية ولم يحدث أكثر من هذا، ومع شروط إيران فإن أسس توسيع العلاقات الاقتصادية مع السعوديين ليست جاهزة".
وأضاف "السياسة المصرفية السعودية لم تتغير، وتسعى المملكة إلى تحقيق أهداف كبيرة، ولهذا السبب فإن السوق الإيرانية ليست جذابة بالنسبة لهم. ومن ناحية أخرى، لا تملك إيران فرصاً كثيرة لإقامة علاقات اقتصادية مع السعودية".
"الإمارات استفادت من العقوبات"
ورأى قاسم محب علي إن الإمارات العربية المتحدة استفادت كثيراً من العقوبات الغربية المفروضة على إيران، وقال "الإمارات استفادت كثيراً من الحظر الإيراني في مجال إعادة التصدير، حيث تبيع الإمارات النفط الإيراني على أنه نفط إماراتي أو عبر وسطاء".
وأضاف "تختلف العلاقة بين الإمارات وإيران تمامًا عن الجيران الآخرين، فالإمارات هي السوق التقليدية لإيران، وبطبيعة الحال، يستغل الإماراتيون أيضًا الحظر المفروض على إيران ويتم إرسال العديد من البضائع التي لا يمكن إرسالها مباشرة إلى إيران عبر الإمارات العربية المتحدة".
"السوق الإيرانية ليست جذابة للجيران"
وعن سبب تراجع الاقتصاد الإيراني مع دول الجوار، أجاب قاسم محب علي إن "العقوبات وعدم العضوية في اتفاقيات مجموعة العمل المالي (FATF) والمواجهة مع الغرب أدت إلى تأخير التنمية والنمو الاقتصادي، ومن ناحية أخرى، لا تتمتع السلع المصنعة الإيرانية بالجودة اللازمة للتصدير إلى المنطقة، ولهذا السبب، لا يمكنها الدخول في منافسة جدية في التجارة الإقليمية".
وأوضح قائلاً "توصيف هذه الشروط يؤكد أن سوق إيران هي في الأساس سوق صغيرة لجيرانها، ولهذا السبب فمن الطبيعي أن لا يمكن حتى مقارنة صادرات إيران بصادرات دول المنطقة، ناهيك عن الدول المتقدمة".
"النظرة للغرب قائمة"
ويعتقد إن النظام الحاكم في إيران "يصر على الاستمرار على النهج الحالي والنظرة المتضاربة للغرب، في حين أن عقبات العقد الماضي أمام الاقتصاد الإيراني واضحة ولا يمكن إنكارها، ولم يتأثر الهيكل الاقتصادي في إيران فقط بهذه العقبات، بل تأثرت أيضًا السياسة والمجتمع والثقافة".
وختم قوله "نحن أمام مأزق عميق في كل الأمور فالمراجعة الجادة للسياسة العامة أمر لا ينبغي تجاهله بأي شكل من الأشكال، ومع ذلك، فإن الملاحظات ونوع الإدارة في البلاد قادت الناس للأسف إلى نتيجة مريرة مفادها أن السياسيين ليس لديهم قرار بتغيير أسلوبهم في اتخاذ القرار".
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: مع العراق
إقرأ أيضاً:
حملة إيرانيّة على سوريا… عبر العراق
توجد نقطتان يبدو مفيداً التوقف عندهما. تتعلق النقطة الأولى بحرص الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع على أن تكون زيارته الخارجية الأولى للمملكة العربيّة السعودية، وذلك تمهيداً للتوجه إلى تركيا. أمّا النقطة الأخرى فتتعلق بالحملة العراقيّة على سوريا، وهي حملة إيرانيّة، تولاها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المعروف بتزمته وتعصبه ذي الطابع المذهبي.
تكشف الحملة العراقيّة مدى التضايق الإيراني من الخروج من سوريا بعدما كان هناك رهان لدى “الحرس الثوري” على نجاح في إحداث تغيير ديموغرافي دائم يشمل مناطق سورية معيّنة، خصوصا في دمشق ومحيطها وعلى طول الحدود مع لبنان.من خلال زيارته للرياض يتبين أنّ الرئيس السوري الجديد يعرف ما الذي يريده تماماً ويعرف أهمّية السعودية في مساعدته على تحقيق أهدافه. في مقدّم هذه الأهداف رفع العقوبات الأمريكية والدولية عن سوريا في أسرع وقت. ليس أفضل من السعودية للمساعدة في ذلك. من هذا المنطلق بدا طبيعياً الوصول إلى تفاهم في شأن الحصول على دعم سعودي لسوريا، بما في ذلك لمشاريع إعادة الإعمار، عبر المحادثات بين أحمد الشرع والأمير محمّد بن سلمان ولي العهد السعودي.
تعكس الزيارة التي قام بها الشرع للسعودية رغبة في تأكيد البعد العربي للنظام الجديد من جهة وأن سوريا تغيّرت كلّياً من جهة أخرى. لم تعد دولة تابعة لإيران ولم تعد تصدّر الإرهاب كما يدعي المسؤولون العراقيون. كذلك، لم تعد مصدراً للمخدرات التي تهرّب إلى دول الخليج العربي كما لم تعد مصدراً لتهريب أسلحة إلى الأردن من أجل ضرب الاستقرار في المملكة. أكثر من ذلك، لم تعد سوريا قاعدة عسكريّة إيرانية ينتقل عبرها السلاح إلى “حزب الله” في لبنان، كما لم تعد تمارس سياسة الابتزاز تجاه معظم دول العالم، خصوصا الدول العربية، خدمة للمشروع التوسعي الإيراني في المنطقة.
تبدو كلّ خطوة من الخطوات التي يقوم بها أحمد الشرع مدروسة بدقّة متناهية، بما في ذلك خطوة الذهاب إلى السعودية قبل التوجه إلى تركيا. هناك مليونا سوري يعملون في السعودية أو يقيمون فيها. لكن يبقى الأهمّ من ذلك كلّه أنّ الزيارة تأتي في ظلّ توازن جديد في المنطقة وصورة جديدة لها. لم يكن ممكناً ذهاب أحمد الشرع بالطريقة التي ذهب بها إلى الرياض لولا هذا الانقلاب الكبير الذي غيّر المنطقة وسيغيرها أكثر في المستقبل.
ليس سرّاً وجود علاقة أكثر من جيدة بين النظام الجديد في سوريا من جهة وكلّ من تركيا وقطر من جهة أخرى. لكنّ ذلك لا يمنع، أقلّه ظاهراً، وجود حضور سوري مختلف في المنطقة خارج الإطار التركي – القطري، خصوصاً أنّها المرّة الأولى منذ 59 عاماً يحصل هذا التحوّل الكبير في هذا البلد وبما يتجاوز حدوده، خاصة إلى لبنان. لماذا 59 عاماً وليس 54 عاماً أي منذ احتكار حافظ الأسد للسلطة في ضوء الانقلاب الذي نفّذه على رفاقه البعثيين في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970؟ يعود ذلك إلى أنّ سيطرة الطائفة العلوية على سوريا بدأت عملياً مع الانقلاب الذي نفذه الضابطان العلويان صلاح جديد وحافظ الأسد في 23 فبراير (شباط) 1966. بعد نحو أربع سنوات نفّذ حافظ الأسد انقلابه على صلاح جديد وأسّس في 1970 لنظام تتحكّم به العائلة وتوابعها على وجه الخصوص.
ما حصل في سوريا تغيير كبير، بل انقلاب، على الصعيد الإقليمي ستبدأ تفاعلاته في الظهور شيئاً فشيئاً، خصوصاً إذا استطاع الشرع إثبات أنّه قادر على الابتعاد عن التزمت والاعتراف بالتنوع السوري بالأفعال وليس بمجرد الكلام.
يشير الانفتاح السعودي على سوريا إلى فهم عميق للحدث وانعكاساته، خصوصا مع خروج إيران وميليشياتها من سوريا للمرّة الأولى منذ العام 1980 عندما بدأ تعاون عسكري واستخباراتي في العمق بين دمشق وطهران مع بدء الحرب العراقية – الإيرانية التي وقف فيها حافظ الأسد إلى جانب “الجمهوريّة الإسلاميّة” طوال ثماني سنوات. ذهب حافظ الأسد إلى حد العمل على تمكين إيران من الحصول على صواريخ بعيدة المدى، كانت تمتلكها ليبيا، من أجل قصف المدن العراقيّة، بما في ذلك بغداد والبصرة. يفسّر ما قدمه النظام السوري لإيران في عهدي حافظ الأسد وبشار الأسد كلّ هذا الحرص الإيراني على استعادة سوريا كما يفسّر تلك الحملة العراقية على أحمد الشرع، وهي حملة لا تقتصر على نوري المالكي، بل ليس مستبعداً أن يكون رئيس الوزراء الحالي محمّد شيّاع السوداني مباركاً لها.
بات في الإمكان القول إنّ المنطقة كلّها دخلت مرحلة جديدة في ضوء خسارة إيران لسوريا. ثمة من يرفض تصديق ذلك وثمّة من بدأ يستوعب أنّ الهزيمة التي لحقت بـ”حزب الله” في لبنان على يد إسرائيل ما كان ممكنا أن تأخذ كلّ هذا البعد والحجم من دون سقوط بشّار الأسد ونظامه في سوريا. هذا يجعل في الأفق صورة تحتاج إلى أن تكتمل. لم تكن زيارة أحمد الشرع للسعودية، التي تلتها زيارة لتركيا، سوى خطوة أخرى على طريق اكتمال الصورة الجديدة للمنطقة تحت عنواني: التوازن الإقليمي الجديد وبداية النهاية للمشروع التوسعي الإيراني في الشرق الأوسط والخليج.
يبقى سؤال: هل في استطاعة إيران إعادة عقارب الساعة إلى الخلف في المنطقة العربيّة وفي سوريا تحديدا؟ الجواب أنّه سيكون على “الجمهوريّة الإسلاميّة”، التي ترفض إعادة النظر في مواقفها وسياساتها، الاهتمام الآن بالدفاع عن بقاء النظام واستمراره في عالم تغيّر مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
بالنسبة إلى سوريا نفسها، ستكون الأيام والأسابيع المقبلة فرصة لمعرفة هل يستطيع أحمد الشرع أن يكون في مستوى التنوع الذي تتميز به سوريا؟ الأكيد أنّ نوري المالكي وآخرين في العراق يستطيعون إعطاء دروس في كلّ شيء، خصوصاً في مجال ممارسة التعصب المذهبي… لكن ليس في مجال التنوع وإدارته.