اختيارات الأصدقاء.. العلم خلَّد سيرة الخيام وحب السلطة قضى على نظام الملك والصباح
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
العلم يبني بيوتا لا عماد لها، والجهل يهدم بيت العز والكرم، هذا البيت من الشعر أنشده أحمد شوقي أمير الشعراء في العصر الحديث، لينطبق على نابغة علماء العصر العباسي في القرن الـ11، هو الشاعر والفيلسوف عُمر الخيام الذي زهد السلطة والمال وترك الطمع والجهل وهرول نحو العلم، ليتفوق في الشعر والأدب والفلسفة والرياضيات والفلك حتى أخذ بمجامع العلوم في عصره، وجاء مسلسل الحشاشين المعروض بالسباق الرمضاني 2024 ليؤكد الرواية الحقيقية، ويؤدي الفنان اللبناني نيقولا معوض دور الشاعر عمر الخيام في المسلسل.
رفض عُمرالخيام، المنصب الذي عرضه عليه صديقه الوزير نظام الملك على عكس صديقهما الآخر حسن الصباح، واكتفى بالعطاء السنوي من بيت المال، الذي يؤمن له تكاليف حياته ليضمن تفرغه للعلم، على عكس صديقه الطامع في منصب في بلاط السلطان، واختار مساراً مختلفًا، المسار الذي جعله خالدًا في التاريخ إلى يومنا هذا، ولأنه لم يطمع في المال والسلطة وزهد فيهما، ولم يكن قصير النظر وإخلاصه للعلم، واختياره لمسارٍ مختلف عن صديقيه الطامحين إلى الجاه والسلطة وتفضيله العلم والأدب بقيت سيرة عمر الخيام تعيش في الأوساط العلمية والثقافية وحتى الشعبية في كل المجتمعات العربية إلى يومنا هذا، بينما اكتفت سير كل من حسن الصباح ونظام الملك أن تقبع في حقبة معينة لا يتذكرها إلا المئات من الباحثين في مادة التاريخ.
يقول الدكتور محمود محمدين، أستاذ الشعر والأدب العربي، لـ«الوطن» إن «الخيام»، استطاع الجمع بين العلوم التطبيقية والإنسانية على السواء في ظاهرة لم تتكرر كثيرًا في التاريخ، حيث جمع بين الرياضيات والميكانيكا والفلك والفلسفة والموسيقى والشعر والأدب، ليخلد اسمه بين العلماء المؤثرين ويذكره التاريخ العلمي والإنساني إلى الآن، مضيفًا أنه إلى يومنا هذا إذا تجولت في مدينة القاهرة أو المنصورة وغيرها من المدن المصرية الكبرى ستجد اسم عمر الخيام على العديد من الفنادق والمحال والمقاهي والملتقيات الثقافية والقاعات في الجامعات، في حالة من الوفاء للسابقين من الرواد العلميين والثقافيين، ليخلده التاريخ بين المثقفين والعامة.
وأوضح أستاذ الأدب العربي، أن رباعيات الخيام تميزت باستخدام كل ما هو متداول في عصره، ولم ينفر منه الناس، ولم يشتمل شعره على التفرقة العنصرية أو التمييز بين الطبقات، حيث استطاع أن يقدم رُباعيات شعرية ظلت صالحة للاستخدام في كل عصر، ومنها ما تغنت به «أم كلثوم» مما ترجمه أحمد رامي، أحد كبار الشعراء المصريين في العصر الحديث، بالإضافة إلى العديد من الترجمات التى نقلت أعماله من الفارسية إلى العربية.
أنشأ مرصد أصفهان وألف كتابًا عن النجوموتابع، قدم الخيام دراسات علمية في سنٍ مبكرة بعنوان «صعوبات تعاريف إقليدس» انتقد خلالها العالم الرياضي «إقليدس» وأوضح فيها المعادلات التكعيبية والتربيعية وقدم حلولاً للمعادلات التكعيبية المعقدة، كما يعتبر أول من اعترف بالأرقام غير النسبية كأعداد حقيقية، كما شارك في إنشاء مرصد أصفهان سنة 1074 ميلادية، وألّف كتابًا عن النجوم، وتقويمًا باللغة الكردية، ونجح في وضع حل جبري لتحديد كميات الذهب والفضة في سبيكة ما بقياس وزن السبيكة في الماء ثم في الهواء، كما أنتج بحثًا يوضح فيه الموازنة الهيدروستاتيكية للموائع في وزن متحرك.
وأكمل أنه كان له حس موسيقي عالٍ، فاستخدم النّسب في التعامل مع الفواصل الموسيقية، وشرح التوازنات والأوزان الموسيقية، ورغم تفوقه في علوم الرياضيات والفلك إلا أن ذلك لم يمنعه عن الفلسفة والشعر والأدب، فشملت مؤلفاته عدة أطروحات فلسفية، فكتب «رسالة الكون والتكليف» سنة 1080 ميلادية تحدث فيها عن الوجود والواجب، ثم كتب «جواب عن 3 أسئلة» أجاب فيها عن 3 أسئلة معقدة هي ضرورة التناقض وطول العمر والحتمية، فيما كتب أيضًا «سالة في كليات الوجود» باللغة الفارسية من 4 فصول تحدث فيها بشرح مفصل عن ما قدمه الفرابي في علم الفلك و نظرية سلسلة النظام لابن سينا.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: عمر الخيام الشاعر عمر الخيام مسلسل الحشاشين حسن الصباح نظام الملك
إقرأ أيضاً:
حوار مع نيما بصيري «العلم، العلم المضاد، العلم الزائف، الحقيقة»
في هذه المحادثة، يستكشف المنظر النقدي نيما بصيري Nima Bassiri شبح «معاداة العلم» في المخيال السياسي الغربي، وفي الوقت نفسه، كيف يُنظر بشكل متزايد للمقولات الإنسانية «للنقد» و«النظرية النقدية» على أنها متواطئة مع الشكوكية العلمية، وأنها تُقدم لها الدعم الفكري، وبالتالي فهي مسؤولة ليس فقط عن تآكل الحقيقة العلمية، بل عن المبادئ الأساسية للديمقراطية الليبرالية نفسها.
وكما يُجادل بصيري، فإن ضراوة السلوك المناهض للعلم لا يُمكن علاجها من خلال آليات التربية الصحيحة وحدها؛ لأن مثل هذه السلوكيات لا تُعارض طبيعة السلطة العلمية وأنظمة الحقيقة المُحفزة للسلوك التي تستند إليها، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بها. إن الاستثمار الأخلاقي والسياسي الراسخ في حرمة قيمة الحقيقة قد لا يقضي فعليًّا على خطر معاداة العلم، بل يُؤججها.
نص الحوار:
أموغ ساهو (س): ماذا نعني عندما نتحدث عن السلطة العلمية؟
نيما بصيري (ج): تُعدّ طبيعة السلطة العلمية موضوعًا خلافيًّا في دراسات العلوم وتاريخها. هناك ميل للاعتقاد بأن للعلوم قدرةً على الوصول إلى الحقيقة دون أي تحريف. ولكن، ونتيجةً لهذا الوصول، يُفترض بالناس أن يتصرفوا وفقًا لهذه الحقيقة، بطريقةٍ تُعد عقلانيةً ومقصودة؛ ويُنظر إلى عدم التصرف وفقًا لذلك بعين الريبة، باعتباره تعبيرًا عن انحراف أو شذوذ سلوكي. بعبارةٍ أخرى، يبدو أن مسألة الحقيقة العلمية لا تتعلق بما تقوله ادعاءات الحقيقة المحددة، بل بكيفية تأثير بعض الخطابات العلمية على سلوكياتنا. في نهاية المطاف، لا تتعلق السلطة العلمية بما يقوله العلم، بل بما نفعله نتيجةً له: طاعتنا أو امتثالنا، وما إذا كانت بعض السلوكيات تُعد صحيحةً أم خاطئة، مثل تلقي التطعيم أو الإيمان بتغير المناخ.
ساهو: إذن، العلم ليس مجرد مجموعة من الادعاءات أو الأدوات النظرية، بل هو أشبه بممارسة ثقافية؟
بصيري: هذه الفكرة موجودة بالفعل في الدراسات العلمية، وأنا أتفق بالتأكيد على أن الطريقة التي يُحدث بها العلم آثاره في العالم ليست معرفية بحتة، بل تتعلق أيضًا بممارساتنا وإجراءاتنا وفهمنا المعياري. خلفيتي في العلوم الإنسانية وتاريخ فلسفة العلوم الإنسانية. تاريخيًّا، غالبًا ما انبثقت الأسئلة حول طبيعة العلم، أو حقيقة العلم، من العلوم الفيزيائية، حيث يكون التمييز بين الحقيقة والخطأ أوضح. أما في مجال مثل الطب النفسي، فإن مسألة ما يُعد «صحيحًا» أو «صائبًا» أو «حقيقيًّا» للمرض النفسي، على سبيل المثال، تُعدّ مسألة أكثر صعوبة. يمكننا الحديث عن الحقيقة والزيف فيما يتعلق بقضية تتعلق بالعالم المادي، ولكن عند الانتقال إلى العلوم الإنسانية، ندخل مجالًا أكثر تعقيدًا؛ وهنا، يبدو من الأكثر إثارة للاهتمام التفكير في آثار المعرفة العلمية علينا.
ساهو: يُشدد هذا النهج على الصلة الوثيقة بين نوعين من السلطة التي يدّعيها العلم لنفسه:
- سلطة معرفية من النوع الذي يدّعي أن العلم هو الطريق إلى تكوين معتقدات صحيحة؛
- وشكل من أشكال السلطة الأخلاقية، أو ربما العملية. إحدى طرق فهم موقفك هي القول إن المفهوم المعاصر للسلطة العلمية يدّعي لنفسه نوعًا من الحياد الأخلاقي الذي ينكر مكانته كممارسة؛ إذ يقول: «العلم مجرد وسيلة لتصحيح الأمور»، لكنه يتجاهل حقيقة أنه نوع من الممارسة المتأصلة سياسيًّا.
بصيري: بالتأكيد. إذا كنت تعتقد أن العلم يتمتع بإمكانية الوصول إلى الحقيقة بشكل نقي وغير مغشوش، فقد تنظر إلى بعض أشكال معارضة السلطة العلمية، مثل معارضي اللقاحات، وتعتقد أنهم يرتكبون خطأً، أو غير عقلانيين، أو حتى أغبياء. عندها ستجد صعوبة في فهم هذا السلوك كتعبير مفهوم (حتى وإن كان غير سار) عن المنطق الكامن وراء نظامنا الاجتماعي الحالي. في الولايات المتحدة، على مدى السنوات الخمسين الماضية، أصبح الوصول إلى المعرفة العلمية يتم بشكل متزايد من خلال السوق؛ فالوصول إلى العلوم الطبية والتكنولوجية، على سبيل المثال، يتم شراؤه، وبالتالي يتم تسويقه وتسليعه بشكل كبير. بمجرد إدراكك لهذا، تبدأ في رؤية أن بعض التعبيرات المناهضة للعلم في الواقع تحاكي تسويق العلم؛ يقول الناس «لا» للعلم بنفس الطريقة التي قد يقولون بها «لا» لمنتج معين. لذا، فإن إحدى الطرق التي يمكننا من خلالها فهم هذا السلوك هي كنوع من التفكير الاقتصادي. حيث تبدأ في رؤية التشابه بين هذين الشكلين من السلوك فقط عندما تدمج السلطة العلمية في الممارسات اليومية، بدلًا من اعتبارها شكلًا من أشكال الحقيقة المتعالية التي يمكن من خلالها الحكم على الشخص بأنه إما صحيح أو خاطئ.
ساهو: قد يفسر فلاسفة العلم الذين يتبنون نهجًا واقعيًّا كلامك على أنه ادعاءات اجتماعية تُذيب الحقيقة في شيء عملي، لكن هذا يُفسر كلامك بطريقة عقلانية مُفرطة. في الواقع، أنت لا تُشارك في نقاشات الواقعية/ المناهضة للواقعية إطلاقًا. بل أعتقد أنك تقول إن مشكلة الفكرة السائدة عن الحقيقة العلمية تكمن في أنها تمنعنا من فهم روابطها؛ ليس لأنها تُختزل إلى نوع من آليات السوق أو ما شابه، بل إن هناك شيئًا ما في السلطة العلمية المعاصرة يُخفي هذا الواقع الاجتماعي الذي نحاول الوصول إليه.
بصيري: نعم، وهذا الإخفاء يُؤدي إلى مشاكل مُتعددة. كيف، على سبيل المثال، نتعامل مع مشكلة انعدام الثقة العلمية؟ يميل الكثير من الباحثين الحاليين إلى اعتبار انعدام الثقة العلمية مُعضلة يجب حلها إما من خلال التعاليم الصحيحة أو من خلال نوع من التنظيم التأديبي، والذي يفترض أن من لا يثقون بالعلم إما جاهلون علميًّا أو مُخطئون يجب مراقبة سلوكياتهم. لست متأكدًا من أن هذا التوجه هو الصحيح، لأنه يفترض أن من يثقون بالعلم يفعلون ذلك لأسباب منطقية. مع ذلك، أود أن أقترح أن قدرًا كبيرًا من الثقة العلمية والالتزام بها هو في حد ذاته «غير مدروس» بمعنى أنه معتاد وروتينيّ ومألوف. أثق بالأطباء، لكنني لست متأكدًا مما إذا كان بإمكاني تقديم سبب وجيه لفعل ذلك في البداية، بخلاف أن والديّ علماني الثقة بالأطباء، وهي ممارسة متأصلة اجتماعيًّا. حيث نفقد الكثير من التفاصيل التحليلية إذا أغفلنا هذه السمة المهمة لكيفية تأثير العلم علينا.
ساهو: أنت لا تدّعي أنه لا توجد قصة تبريرية تُروى عن المعرفة العلمية، بل إن هذه هي الطريقة التي تعمل بها الممارسة العلمية.
بصيري: هذا صحيح؛ هذا هو نفس التمييز الذي يُجريه شخص مثل بول فايرابند. لقد اتُّهم باستمرار بمعاداة العلم، لكنه لم يكن كذلك. كان يحاول التمييز بين
1) معنى إنتاج المعرفة العلمية؛
هناك افتراض بأن شيئًا مثل الحقيقة العلمية هو مفهوم ديمقراطي بطبيعته، والعلاقة بين الديمقراطية والحقيقة راسخة في العصر الحديث. ولكن هناك مفارقة هنا يُشير إليها فايرابند وآخرون: إن افتراض الطبيعة الديمقراطية للحقيقة يقوم على فكرة أن الحقيقة عالمية ويمكن للجميع الوصول إليها. ومع ذلك، لا يتمتع الجميع بنفس شكل الوصول إلى الحقيقة العلمية، حيث إن بعض الناس فقط هم من يستطيعون إنتاجها والتحدث عنها بطريقة سلطوية. لذا، فإن الحقيقة في الواقع لها بنية هرمية محدودة للغاية؛ إنها تفترض الديمقراطية ولكنها ليست ديمقراطية، حيث إن فكرة تصويتنا جميعًا على مبدأ علمي تتعارض جذريًّا مع الطريقة التي يعمل بها العلم. من ناحية أخرى، أدرك فايرابند في الواقع، المخاطر المترتبة على المقاومة التافهة للطب على سبيل المثال. لقد أقر، بعد كل شيء، بأهمية أن تكون لدينا أشياء مثل اللقاحات؛ فقد مات ملايين الأشخاص بسبب جائحة، وملايين الوفيات التي لا معنى لها. ولكنك لن تغير آراء أولئك الذين يعارضون اللقاحات، مع ذلك، بإخبارهم أنهم أغبياء أو غير أخلاقيين أو تهديدهم بالغرامات أو إجراءات الشرطة. يجادل فايرابند بأنه لا يمكننا إلا أن نأمل في مواجهة معارضة العلاج الطبي إذا فهمنا أنه ليس العلم في حد ذاته هو ما يعارضه دعاة مكافحة اللقاحات ولكن التسلسل الهرمي الضمني للعلم الذي يدعم تلك الادعاءات العلمية. نعم، يبدو أن معارضي التطعيم يعارضون مزايا العلم، ولكن هذا يرجع فقط إلى أن الصلاحية العلمية يتم فرضها من خلال تسلسل هرمي غير ديمقراطي، وفقًا لفايرابند.
ساهو: إذن، بدلًا من فهم الخطاب العلمي كمجموعة من القضايا التي تُقدم ادعاءات معرفية بحتة، يُفضل فهمه كخطاب حوكمة.
بصيري: نعم. يمكن النظر إلى الأمر بطريقة أخرى على أنه يُروج لادعاءات الحقيقة وفقًا لما يُمكن تسميته بالنموذج القانوني. وهذا منطقي بالطبع، إذ يُعدّ هذا أحد الأساليب العملية التي تُستخدم بها سلطة الدولة. وبعبارة أكثر تفصيلًا، فإن «الخروج» عن الحقيقة لا يعني فقط أن يكون المرء مخطئًا، بل أن يكون نوعًا مُخالفًا وقع في حالة خاطئة ويجب معاقبته إلى حد ما. أعتقد أن هذه هي الطريقة التي تعمل بها السلطة العلمية، ولأنها تعمل بهذه الطريقة -بطريقة قانونية، كهراوة تُعاقب المُخالفين- أعتقد أنها تضمن تقريبًا درجة معينة من المقاومة؛ ليس بالضرورة مقاومة للعلم بحد ذاته، بل للطبيعة شبه القانونية للسلطة التي تستخدم هذا العلم.
ساهو: هل تعتقد أن معاداة العلم لها نفس الطابع القانوني؟
بصيري: ربما يكون أفضل سبيل للتفكير في هذا هو من خلال المفهوم الفلسفي الفرنسي «الإبستيم»episteme»، الذي قدمه ميشيل فوكو على نحوٍ شهير. من المثير للاهتمام أنه عندما تُحدد الإبستيم الطريق الصحيح للصدق في لحظة تاريخية معينة، فإنها تُحدد أيضًا الطريق الصحيح للكذب. أي شيء لا يندرج ضمن هذه الإبستيم (نمط المعرفة) ليس صحيحًا ولا خاطئًا، إنه مجرد هراء. لقد بدأتُ أفكر في معاداة العلم على أنها الطريق الصحيح للخطأ في التمسك بالعلم - الطريق الصحيح للعصيان. وبالطريق الصحيح، أعني الطريق الأكثر وضوحًا لنا؛ ويمكننا قياس مدى وضوح المواقف المناهضة للعلم من خلال الغضب الذي تثيره والشعور بالخطورة التي تثيرها. أعتقد أن الالتزام والمقاومة العلمية يشكلان جزءًا لا يتجزأ من نفس مفهوم الحوكمة العلمية، ويرتبطان وفقًا لقرب عميق أو بالأحرى «تناسق» (باستخدام المصطلح الذي روج له باحثا الدراسات العلمية ديفيد بلور وباري بارنز).
ساهو: يؤدي مفهوم الثقة دورًا مهمًّا في قصتك. قد يعتقد المرء، على سبيل المثال، أن خطأ المشككين في اللقاحات هو أنهم يثقون بالأشخاص الخطأ. هذا المفهوم للثقة مشحون أخلاقيًّا للغاية؛ فمن المفترض أن يكون لمن تثق به تداعيات عميقة على شخصيتك وعلى كيفية لومك.
بصيري: نعم، مع أن ما أقترحه هو أن الفرق بين ثقة أتباع العلم وثقة منكريه ليس في شكل الثقة، بل في مضمونها فقط. إذن، هناك ثقة في كلتا الحالتين. تعتمد الأعمال الحالية حول مفهوم الثقة، والتي كُتبت استجابةً لتنامي الحركات المناهضة للعلم في السنوات العشر الماضية، بشكل كبير على تفسير عقلاني للثقة كشكل من أشكال السلوك. ومع ذلك، يُلفت انتباهي أن المبررات التي نميل إلى تطويرها بشأن من نثق به هي في الغالب بأثر رجعي؛ فنحن نُبرر سلوكنا بعد وقوعه. ليس من باب المنطق أن يثق أحدهم بموقع يوتيوب أكثر من طبيب، بل إنهم يثقون به لأسباب خاصة جدًا، أو حتى تعسفية أو متقلبة، ثم يُبررون هذه الثقة فيما بعد. بالنسبة للمجتمعات التي تعرضت للعنف المتقاطع في الممارسة الطبية والحوكمة -المجتمعات السوداء، والمجتمعات الأصلية، والمهاجرون- فإن عدم ثقتهم بالدولة منطقي للغاية. نغفل الكثير عندما نفكر في الثقة من منظور معرفي بحت؛ في الواقع، تُفهم العديد من هذه المقولات التي نعتبرها معرفية على أفضل وجه على أنها تعبيرات أخلاقية وإدارية وعاطفية عن السلوك، لا تعبيرات منطقية.
ساهو: يبدو مفهوم الثقة هذا مشابهًا لفكرة الموافقة في تقاليد العقد الاجتماعي، حيث يُعد الشخص ملتزمًا بنوع مميز من الالتزام عندما يخضع لسلطة الحاكم. وبذلك، يصبح عضوًا في نظام سياسي ذي صلة، وبالتالي يخضع لمجموعة من القوانين، ويصبح شخصًا قانونيًّا. أعتقد أن هذا التشابه ليس عرضيًّا، وأنك تعتبر السلطة العلمية بمثابة عضوية في مجتمع علمي، أي نوعًا من النظام السياسي.
بصيري: هذا صحيح. أود أن أضيف أن الموافقة ليست دائمًا تعبيرًا عقلانيًّا عن الفاعلية؛ ففي بعض النواحي، نُوضع في نطاق الموافقة، ثم نجد أنفسنا إما موافقين أو غير موافقين على الموافقة التي طُلبت منا بالفعل. على الرغم من كتابته بأسلوب مختلف، حذّر سبينوزا من أن «حكم الشخص قد يخضع لحكم شخص آخر بطرق مختلفة، بل تكاد تكون غير معقولة أحيانًا، لدرجة أنه، حتى وإن لم يكن خاضعًا لسيطرة هذا الشخص مباشرةً، فقد يكون معتمدًا عليه لدرجة أنه يُقال إنه يخضع لسلطته إلى هذا الحد». لذا، ثمة مسارٌ من سبينوزا إلى فوكو في فكرة أن هياكل السلطة والقوة تعمل باستمرار، وأن الموافقة أمرٌ قد يحدث لك، وليس شيئًا تفعله.
ساهو: أحد الفروقات بين علاقتنا بالدولة وعلاقتنا بالعلم والخطاب العلمي هو أنه في حالة الدولة، توجد على الأقل، مفردات يُمكننا من خلالها البدء في استنطاق مفهوم الشرعية. ما تُشير إليه في حالة العلم هو وجود نوع مماثل من التعلق، ولكن ليس نوعًا مماثلًا من المفردات النقدية؛ لا يُمكننا استنطاق العلم بنفس الطريقة التي يُمكننا بها استنطاق سلطة الدولة.
بصيري: نعم، هذا صحيح تمامًا. يُمكنك استنطاق العلم، لكنك تُخاطر بأن تُوصف بمُناصرٍ لمُعاداة العلم وغير عقلاني. هذه هي وجهة نظر فايرابند تحديدًا؛ فهو لا يقول إنه يجب علينا أن نقول «لا» للعلم، بل إن اتخاذ مثل هذا الموقف النقدي فيما يتعلق بالعلوم أمرٌ صعبٌ للغاية ومحفوفٌ بالمخاطر.
حتى مسألة التمييز بين النقد الدقيق والمدروس للعلم والمعارضة الأكثر صبيانيةً، ومعارضةً عمياءً للسلطة العلمية هي في حد ذاتها مسألةٌ محظورة؛ فالأولى تميل إلى الانهيار في الثانية. هذا تحديدًا ما نراه في مختلف الانتقادات الموجهة لمفكرين يُسمون ما بعد البنيويين، مثل جاك دريدا وفوكو، اللذين يُتهمان بالنسبية وتأجيج نيران إنكار العلم (وكلاهما وجهتا نظر خاطئتان تمامًا في مواجهة هذين المفكرين). وقد شهدنا مؤخرًا أيضًا قدرًا لا بأس به من التراجع والتعديل والإنكار في مجال الدراسات العلمية لبعض الأفكار المبكرة والجذرية في هذا المجال (مثل أعمال فايرابند، أو كتابات بلور وبارنز). لذا، حتى الانتقادات الدقيقة والمنهجية للعلم وسلطته تُعتبر محفوفة بالمخاطر، ومُبالغًا في تضخيمها، ومُهاجمة بشدة.
ساهو: عندما نفكر في نموذج العلم، وخاصةً في أمريكا والمملكة المتحدة، نجد تسلسلًا هرميًا، تترأسه العلوم الفيزيائية (وخاصةً الفيزياء). غالبًا ما لا تتمتع الموضوعات التي تُناقش في المجال العام بعمومية الفيزياء، وليست حتى نظريةً بحتة؛ بل هي تخصصات تطبيقية في السياسات العامة، والطب، وما شابه. الطب ليس تخصصًا تنبؤيًا بحتًا؛ بل هو تخصص تدخلي في جوهره. السلطة العلمية التي تُدّعى في النقاشات العامة هي سلطة فيزياء الكم، على سبيل المثال، ولكن التخصصات المعنية غالبًا ما تكون علومًا تطبيقية.
بصيري: هذه نقطة مهمة ذات أهمية بالغة في التراث الفرنسي لفلسفة العلم. يجادل جورج كانغيلهم بأن علوم الحياة تنفصل عن العلوم الفيزيائية بسبب هذا الاختلاف الجوهري بين العالم العضوي وغير العضوي. يتمتع عالم الفيزياء والعلوم الطبيعية الأخرى بقدرة رياضية، وشرعية لا وجود لها فيما يتعلق بما يمكن تسميته علوم الحياة، وفي نهاية المطاف، العلوم الإنسانية. مع أننا قد نطمح لاكتشاف قوانين ومبادئ تنطبق على سلوك البشر أو كيفية عمل الفيروسات، إلا أن هذه ليست بالضرورة الطريقة التي تبدو بها هذه القوانين وكأنها تعمل. في الواقع، تصبح هذه المجالات عرضة للتسييس. لهذا السبب، كان شخص مثل فوكو مهتمًا جدًا بالطب النفسي وعلم الجنس، على سبيل المثال؛ فهما دائمًا أكثر عرضة للاستغلال كتعبير عن المنطق الاجتماعي، بطريقة لا يمكن للفيزياء أن تكون عليها تمامًا. نقطة أخرى تجدر الإشارة إليها هنا هي أنه فيما يتعلق بمسألة الحوكمة، قد يكون ما نعرفه عن الكون المادي معرفة مفيدة، لكن ما نعتقد أننا نعرفه عن طبيعة الطبيعة البشرية يثبت صحته في تطبيقات سياسية أكثر مباشرة.
ساهو: ما نوع الإصلاحات التي تقترحها للعلم؟
بصيري: هذا سؤال صعب، ولا أستطيع الإجابة عليه بالكامل. أعتقد أن هناك جانبًا مهمًا في اقتراح فايرابند، وهو أن العلم ليس سوى شكل من أشكال الحياة، ولا ينبغي اعتباره الآلية السائدة في صنع الحقيقة. للعلم قيمٌ مهمة، على سبيل المثال، يجب أن نطور لقاحات، وأن نطور بنىً تحتية تقنية، لكن القول بأنه الشكل الوحيد للحياة، وأن كل ما لا يدخل فيه هو خطأ، لن يُنشئ المجتمع الديمقراطي والعادل الذي ننشده. يقترح فايرابند أيضًا أنه إذا أصبح العلم مجرد شكل من أشكال الحياة، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من الامتثال العلمي. أريد أن أسأل: ماذا يعني تصور المعرفة العلمية والحقيقة منعزلتين عن ضرورات الحكم، منفصلتين عن السلطة القضائية؟ يُظهر لنا تاريخ العلم مدى زوال المفاهيم السابقة للحقيقة العلمية، والحقيقة بشكل عام. ما هي الأشكال الأخرى لصنع الحقيقة؟ بطريقة غريبة - وهذا ما يقوله فايرابند أيضًا - لا يحتاج العلم إلى الحقيقة ليعمل. الحقيقة هي مُكمّل قوة يُضاف إلى ما كان ليكون لولا ذلك مجموعة من المعارف والممارسات القابلة للتطبيق والتنفيذ. نعتقد أن الحقيقة هي ما يضمن فعالية التجربة أو إمكانية تكرارها أو صحة ادعاء المعرفة؛ نقول إن التجربة تنجح لأنها صحيحة. لكنني لا أعتقد أن الحقيقة، أو أي مبدأ واقعي، هو ما يُؤسس لجدوى التجربة أو ادعاء المعرفة. ليست التجربة هي ما تُثبّت الحقيقة، بل سلوكي تجاه التجربة أو ادعاء المعرفة هو ما تسعى الحقيقة إلى السيطرة عليه. بمعنى آخر، الحقيقة لا تحكم الواقع العلمي للعالم؛ إنها تحكم سلوكي تجاه ذلك الواقع المزعوم. يجب أن أقبل نتائج التجربة أو صحة ادعاء المعرفة لأنها صحيحة؛ هكذا تعمل الحقيقة. وهذا لا يقتصر على نطاق الحوكمة العلمية، إذ إن هذا الشعور بالحقيقة هو ما يُؤسِّس ادعاءات المعرفة السياسية، وكذلك العلمية. ولكن ما معنى أن نتخيل المعرفة والممارسات العلمية منزوعةً من هذا التعلق بالحقيقة؟ أعتقد أن هناك قلقًا من أن العلم بدون الحقيقة يتعثر؛ لكنني أتفق مع فايرابند هنا في اقتراحه بأنه ربما، بدون الحقيقة، قد يزدهر العلم بطرق لم نكن لنتخيلها بعد.
ساهو: هناك قصة أخرى قد ترويها، وهي أن السلطة العلمية تملأ فراغًا نتج عن الشك الأخلاقي في السياسة الليبرالية. فالليبرالية مشبعة بالشك في أي خطاب سياسي متين وغني بالقيم، مما يخلق فجوة في المجال العام، يملأها العلم.
بصيري: أتفق تمامًا. فالعلم يملأ جزئيًا الفراغ الناتج عن غياب أخلاقيات عامة في عالم يزداد علمانية. فعندما تتراجع الأخلاقيات العامة الدينية في الغرب العلماني، لا بد من استبدالها بأساليب أخرى للحكم على القيم الأخلاقية. وهذا موضوع أتناوله في كتابي «الجنون والمغامرةMadness and Enterprise، 2024». ما هي النماذج التي نستخدمها عادةً عند محاولة حل المعضلات الاجتماعية والأخلاقية اليوم؟ من ناحية، غالبًا ما نلجأ إلى النماذج القانونية ونفترض أن القانون بمثابة نظير للعدالة الأخلاقية - وهذا بالطبع جوهر التقليد الليبرالي، وإن كان ينطوي على إشكاليات محتملة خاصة به، والتي لخصها المنظر الثقافي فالتر بنيامين في مقالته المهمة عام ١٩٢١ «نقد العنف». ونحن نستخدم أيضًا نماذج مستمدة من العلوم الإنسانية ــ وخاصة الاقتصاد والطب النفسي ــ لنفترض أن السلوك الأخلاقي السليم هو في الوقت نفسه صحي ومفيد للمجتمع، وفقًا لبعض المعايير الاقتصادية المجردة.
ساهو: هل أنت متعاطف مع الموقف المناهض للعلموية؟
بصيري: أحاول ألا أتحدث كثيرًا عن العلموية. حتى أقوى أشكال التمسك بالعلموية ليست بالضرورة علمية. العلموية هي قول أحدهم: «أعتقد أنه يجب علينا الحصول على اللقاحات، وأعتقد أيضًا أن المنطق العلمي يجب أن يكون هو المنطق الذي نتخيل به كل شيء آخر». لكن لماذا نعتقد أن العلموية خطيرة؟ إذا كنا نعتقد أن الإفراط في التمادي العلمي مشكلة، فما الذي نريد حمايته؟ على سبيل المثال، كان الاقتصادي فريدريك هايك مناهضًا للعلموية لأنه عارض صياغة قواعد السلوك الاجتماعي بشكل مفرط في نماذج رياضية للفعل. تتطلب فكرته عن السوق الليبرالية الجديدة وجود روح لا تُوصف في الفعل البشري قادرة على إنتاج ابتكارات سوقية عفوية. هذا القرب من التفكير الليبرالي الجديد المبكر هو ما يجعلني أشك في تبني موقف مناهض للعلموية بقوة. ولكن أيضًا، أعتقد أن مسألة العلموية تغفل عن جوهر الموضوع. إذا تجاوز العلم حدوده، فإنه لا يفعل ذلك تفسيريًا، بل إداريًا - إنه تجاوزٌ للحكم. أعتقد أن هذا نوعٌ مختلفٌ من التجاوز، وربما نرغب في إعادة النظر في معنى العلموية تحديدًا.
ساهو: يبدو أن البعض، وخاصةً في الولايات المتحدة، يعتبرون معاداة العلم شكلاً من أشكال الممارسة السياسية الإيجابية، أي سياسة تحررية تتخذ موقفًا ضد العلم الكبير. هل تعتقد أن هناك أي إمكانات سياسية في الحركة المناهضة للعلم؟
بصيري: عندما نربط العلم بالحوكمة، كما حدث في الولايات المتحدة، ستكون هناك دائمًا أشكال من المقاومة. وهذا يؤكد وجهة نظر فايرابند القائلة بأنه إذا جعلت العلم شكلًا من أشكال الحياة من بين أشكال أخرى، فإنك تقلل من هيمنته على النظام السياسي، ومن المرجح أن يمتثل المزيد من الناس لأن مسألة الطاعة أو المقاومة لم تعد ذات صلة بالعلم. لا أعرف أي نوع من البرامج الإيجابية يمكن فصله عن الحركة المناهضة للعلم، ولكن مهما بلغت خطورتها، فإن السلوكيات المناهضة للعلم ليست غير عقلانية، لأن سلوكها مفهوم. كما أشرتُ سابقًا، ما أراه مثيرًا للاهتمام، وما أعتقد أن العديد من هذه الأشكال من السلوكيات المناهضة للعلم تُظهره لنا - وهي في معظمها أشكالٌ مبتذلة وطائشة وصبيانية - هو أننا لا نملك في الواقع ممارسةً ثاقبةً ودقيقةً لنقد العلم اليوم. أي شكل من أشكال المقاومة (غير المتخصصة) يُنظر إليه على أنه تجاوزٌ للحدود، وكما ذكرتُ، فقد تجنب العديد من باحثي الدراسات العلمية المواقفَ السابقة والأكثر تطرفًا في هذا المجال - وهو نوعٌ من عقلية «لقد تجاوزنا الحدود». قد يتساءل البعض الآن، ولكن لماذا نحتاج إلى نقدٍ دقيقٍ للعلم اليوم؟ ألا يُعدّ هذا موقفًا سياسيًا محفوفًا بالمخاطر؟ أجيب على ذلك بأنه إذا لم يكن هناك سبيلٌ للمقاومة، فهذه إشارةٌ إلى أن العلم ليس «حقيقةً»، بل فرضٌ مُفرط. هذا ما قصده فايرابند عندما وصف العلم بوقاحةٍ بأنه «طغيان»؛ يجب أن يُتيح كل شيءٍ إمكانيةَ المقاومة؛ لأن هذه هي السمة المميزة للديمقراطية. ليس لدينا خيار ديمقراطي لمعارضة العلم، مما يُشير إلى طبيعة العلم غير الديمقراطية. وننتهي إلى مفارقة من نوع ما: الحقيقة (العلمية) ضرورية للديمقراطية، ما دام الشخص العادي غير مسموح له أو غير قادر على معارضة الحقيقة (العلمية).
ساهو: هل يأخذ ناشرو العلوم الزائفة العلم على محمل الجد أكثر من الحركة المناهضة له؟ إنهم على الأقل يحاولون العمل ضمن تقاليد العلم.
بصيري: تكمن الصعوبة في مصطلح «العلوم الزائفة» في أنه قد يعني أشياءً كثيرة مختلفة. على سبيل المثال، يُشير كارل بوبر إلى التحليل النفسي على أنه علم زائف؛ لأنه لا يتمتع بقابلية التكذيب الصارمة التي يتمتع بها البرنامج العلمي التجريبي. ومع ذلك، يُمكن قول الشيء نفسه عن الطب بشكل عام؛ فكثير من الأبحاث الطبية، من تجارب فعالية اللقاحات إلى العلاجات النفسية التجريبية، لا تتمتع بالضرورة بهذه الصفة القابلة للتكذيب. الطب ليس دائمًا علمًا تجريبيًا قابلًا للتكذيب بدقة. في بعض الأحيان، لا يُمكن التأكد من فعالية العلاج إلا من خلال ما إذا كانت الأعراض تبدو في انحسار؛ وغالبًا ما تُحدد القرارات بأثر رجعي لطبيعة المرض بناءً على استجابة المريض لشكل من أشكال العلاج الطبي بدلاً من آخر. أحاول تجنب التصنيف المصطلحي للأشياء باعتبارها «علمًا زائفًا» أو غير ذلك وأفضل استخدام مصطلح «معاداة العلم» لأنني أريد أن أفكر في مقاومة السلطة العلمية.
ساهو: تتجلى القوة الأخلاقية للسلطة العلمية جليةً عند استخدام العلم للدفاع عن آراء عنصرية أو معادية للنساء، مثل الإشارة إلى وجود صلة علمية بين العرق والذكاء. ماذا تقول روايتك عن هذه الأنواع من الحالات؟
بصيري: في مثل هذه الحالات، يُجمع الجميع على أننا لا نتعامل مع علم، بل مجرد عنصرية متخفية في زيّ المعرفة المتخصصة (وهي ليست كذلك). لا أركز على مثل هذه الحالات، فحتى العلوم المؤسسية الجيدة والسليمة لا تزال متواطئة بعمق مع أشكال من العنصرية الهيكلية. كما نعلم، فإن معدلات وفيات النساء السود في مجال الطب الإنجابي مرتفعة بشكل مرعب. لا يوجد تفسير آخر سوى وجود أشكال ضمنية من العنصرية الهيكلية قيد التطبيق. يمكننا قول الشيء نفسه عن كل شكل من أشكال الطب تقريبًا، وخاصة الطب النفسي. الطب التقليدي، رغمًا عنه، قد يعمل بطرق مدمرة، ولهذا الغرض، أود أن أُولي هذا الأمر اهتمامًا بدلًا من النظر إلى حالات قد لا تُعتبر علمًا في المقام الأول.
علي بن سليمان الرواحي كاتب ومترجم عماني