يعتبر الموسم الدرامى الأخير من أكثر مواسم رمضان غزارة فى الإنتاج الدرامى، فهناك ما يقرب من أربعين مسلسلاً تم تقديمها على الشاشة الصغيرة، منها ما يقارب الثلاثين مسلسلاً من إنتاج الشركة المتحدة والبقية هى إنتاج لشركات وقنوات خاصة، والملاحظ أن الوجبة الدرامية الدسمة التى قدمت هذا العام تنوعت ما بين الدراما الاجتماعية والكوميديا ومسلسلات المطاردات والهروب والانتقام، إضافة إلى عمل تاريخى وحيد، إذا جاز لنا أن نطلق عليه دراما تاريخية، وهو مسلسل «الحشاشين»، وهو أكثر المسلسلات التى أثارت الجدل هذا العام.
وقد تنوعت الأعمال ما بين مسلسلات الخمس عشرة حلقة والثلاثين حلقة.. ويلاحظ زيادة مسلسلات الخمس عشرة حلقة هذا العام عما قبله.. وهو اتجاه محمود.. ذلك لأن كثيراً من مسلسلات الثلاثين حلقة التى كانت تُنتج من قبل كانت لا تحتمل أكثر من خمس عشرة حلقة.. بل ومنها ما كان يجب ألا يزيد على سباعية.. ذلك لأن أغلب كتّاب المسلسلات فى الوقت الحالى هم من أصحاب ورش السيناريو.. والبعض منهم ذو خبرة قليلة.. ما يجعل أعمالهم تقع فريسة للمط والتطويل وعدم القدرة على رسم الشخصيات والأحداث وتتابعها وتدفقها فى إيقاع سريع، ولذلك جاءت مسلسلات الخمس عشرة حلقة لتعالج الكثير من هذه العيوب.. كما أنها تفسح المجال لأعمال أخرى قصيرة للعرض فى الموسم الرمضانى، وهو ما لاحظناه فى هذا العام.
كما وجدت الدراما الشبابية بقوة هذا الموسم.. وهى أعمال يكون أبطالها من الشباب وتُعنى بمناقشة قضاياهم وطموحهم وأحلامهم.. وهى ظاهرة جيدة، وأرى أن الفضل فيها يعود إلى المنصات التى تضاعف عددها واهتمت أن تقدم لجمهورها -وهو فى الغالب من الشباب- مسلسلات تخاطب هذا الجمهور.. والشىء المدهش والجيد فى هذا الأمر أن مسلسلين من هذه المسلسلات الشبابية، وهما «مسار إجبارى» و«أعلى نسبة مشاهدة»، كانا من ضمن أفضل الأعمال فى الموسم الرمضانى.. والأكثر جمالاً أنه ليس فقط أبطال هذين العملين من الشباب، بل وحتى كاتبا السيناريو ومخرجا المسلسلين من الشباب أيضاً.. وأعتقد أن نسبة المسلسلات المعنية بقضايا الشباب سوف تتضاعف فى السنوات المقبلة، خاصة أن الساحة الدرامية تبرز كل عام مزيداً من النجوم والنجمات الشباب.
وهناك ظاهرة أخرى برزت بقوة فى الموسم الدرامى الأخير؛ وهى مسلسلات المطاردات والانتقام، والبطل المظلوم المطارد طوال حلقات المسلسل.. فهناك ستة أو سبعة مسلسلات تعتمد على تيمة واحدة.. وهى الظلم الذى يقع على البطل أو البطلة، أو قتل أقرب الأقارب له.. ويتم اتهامه بارتكاب هذه الجريمة.. فيهرب من الاتهام والسجن، ويظل هارباً مطارداً طوال الحلقات حتى تأتى النهاية السعيدة فيتمكن البطل، أو البطلة، من إثبات براءته، والانتقام ممن كانوا وراء اتهامه الظالم.. وأغلب هذه المسلسلات جاءت متوسطة المستوى.. لا تقدم قضايا اجتماعية حقيقية.. ويغلب عليها النمطية والتكرار وحتى الاقتباس من أعمال أخرى.
أما المسلسلات الكوميدية فقد زادت جرعتها هذا العام، فهناك نحو خمسة أو ستة أعمال كوميدية؛ منها الجزء الثامن من «الكبير أوى»، الذى يصر صناعه على إضافة المزيد من الأجزاء له بالرغم من أن الكثيرين يرون أنه قد استنفد أغراضه ولم يعد بقوة الأجزاء الأولى، خاصة أن صناع العمل، وعلى رأسهم أحمد مكى، قادرون على ابتكار أعمال كوميدية طازجة.. وهذا هو ما فعله بالضبط صناع مسلسل «أشغال شقة» الذى قدم كوميديا هادفة راقية بسيطة كانت هى سر جمال العمل.. إضافة إلى تألق هشام ماجد وعدم سقوطه فى فخ المبالغة.. وساعده فى ذلك سيناريو محبوك وإخراج متميز.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الدراما السباق الرمضانى دراما تاريخية هذا العام من الشباب
إقرأ أيضاً:
جوهر الواقع الاجتماعي في دراما المسلسلات
تنقسم الآراء حول مسلسلات رمضان منطلقة من موقعين متباينين لأنواع الكتّاب الذين يُسند إليهم كتابة المعالجة الدرامية للسيناريو؛ الأول هو السيناريست المخضرم صاحب التجربة الطويلة والنتاجات الدرامية الكثيرة المتميزة. والنوع الثاني هم الصحفـيون ومنتجو الورش الجماعية الذين يلتقطهم بعض المختصين بالدراما، فـيلتقون ويعقدون جلساتهم، ويوزعون أفكار العمل فـيما بينهم، أو غيرهم الذين يقرأون إعلانًا عن عقد ورشة فـي كتابة السيناريو عبر وسائط التواصل الافتراضي. ويمكن أن يتصدر من بين هؤلاء بعض الصحفـيين وأنصاف الموهوبين وغيرهم. يُشغل هؤلاء «الكتبة» لتمييزهم عن الكتّاب والأدباء الموهوبين الجيدين، لتناول التأثيرات الاجتماعية والمتغيرات الاقتصادية التي تؤثر فـي أحوال الناس وتبدل مواقعهم. فـينشأ الصراع حول هذا المجتمع، إما لإعادة تعريفه، فمن يكون؟ وكيف كان؟ وإلى ماذا صار؟ أو يسعون إلى تثبيت رؤية أحادية الطرح وساذجة، ترى أنه ينبغي التعبير عنها والعزف على تشكلاتها الناشئة عليها. قليل من الأعمال الفنية التي ترقى إلى درجة المقبولية لاعتناء السيناريو فـيها بتحولات الزمان والمكان، يتضافر معها موقف نقدي وارتباط وجداني بالناس وطبقات المجتمع، بينما تتجه البقية المتبقية منها إلى الرفض والاستهجان.
لن يحتاج المشاهد المعاصر المزدحم بالقنوات وشاشات العرض والمنصّات إلى قدر كبير من الاجتهاد ليكتشف أن صورة الواقع الاجتماعي التي يقدمها هؤلاء الكتّاب أو «الكتبة» عبر ثلاثين حلقة يتخللها المط غير المبرر للحبكة الدرامية، أن الصورة المتصدرة عنه لا تشبهه، ولا تخصه، فإذا هي ليست جميلة تمامًا، أو متوهجة، أو منصفة، أو متمردة فهي أيضًا ليست عنيفة، ومبتذلة، ووقحة، ومنافقة إلى الحد الذي يشاهده. فما جوهر الواقع الاجتماعي؟ وهل أساليب المعالجة تتوخى تجليات الواقعية النقدية أم أنها غير ذلك؟
الواقع الاجتماعي فـي سيناريوهات مسلسلات الأعمال الرمضانية فـي هذه الدورة، ليس بالضرورة هو الواقع الذي نعيشه أو تعيشه الطبقات الاجتماعية بمختلف الشرائح، والطوائف، والأقليات، والانتماءات. إن أغلبها سيناريوهات فجة لا تتوخى تقديم لغة جديدة تبحث فـي أعماق الواقع. يثير الطرح حول جوهر الواقع الاجتماعي عودة إلى الواقعية النقدية، واهتمامها بالنزعة الإنسانية فـي المقام الأول.
لا يعي هؤلاء «الكتبة» أن الواقعية النقدية وتجلياتها ترفض الحشو الزائد للمشاهد وللشخصيات، وتستهجن إقحام ما حاجة إليه. فعلى السيناريو توخي عدم الإسراف والمبالغة فـي تصميم المشاهد و«الكادرات» وكذلك على الممثل الوعي بدرجات الانفعال التي يحتاجها الموقف الدرامي. فالنفور يزداد من شخصيات يرتفع صراخها بلا داع درامي، ومن شخصيات شريرة تعتقد أن الشرير يجب أن يفتح عينيه على اتساعهما، ويمط شفتيه بطريقة عفا عليها الزمن، فبدل أن يتأثر المشاهد ويخاف مثلا، فإذا به يضحك من مقدار الهبل، وأبسط مثال على ذلك، يمكن العودة إلى مشاهد الشخصيات الشريرة فـي بعض الأفلام التي تُظهر الشرير فـي هيئة أقرب إلى الساحر! ولا يقتصر الحال على ممثلي الصف الثاني، بل يمكن قياسه على أنواع الأبطال الذين تسعى المسلسلات إلى إظهارهم فـي قمة الفتوة والعنف والرومانسية والشجاعة بأجساد عارية تارة، وسلاسل فـي رقابهم وأساور فـي أيديهم! إزاء هؤلاء تغيب الشخصيات الطيبة، أو الصالحة فـي أحسن الأحوال، لكن السيناريو لا يتركها على حالها، بل يظل يركض وراءها حتى يقذف بها فـي وحل الآخرين وفسادهم ووحشيتهم، فلا يملك الإنسان الطيب إلا التحول القسري، فـيصير مجرما بالفعل!
هناك من يرى أن قضية المعالجة الدرامية غير مستقلة على وعي كاتب السيناريو وأهدافه وثقافته بمفرده، إذ بات رأس المال يتحكم فـي توجيه الفن والأخلاق معًا، مثلما صار اجتهاد الممثل على الشخصية التي سيلعبها يحتكم هو الآخر إلى المال نفسه! فـيغيب الإبداع ويتوارى وراء الشمس، ليشاهد المتفرج شخصيات ضعيفة فـي بنيتها الدرامية، ومهلهلة ومفككة ثقافـيا. وهذا يشير بوضوح كبير إلى تبعية عناصر العمل الدرامي كله إلى هيمنة رأس المال عليها. إن جوهر الواقع الاجتماعي يتطلّب أن يصف السيناريو المجتمع «بكل فصائله وفئاته، بكل جوانبه الرفـيعة والوضيعة، بتشابك مبادئه وتعقيدها، بمتطلباته واحتياجاته وتناقضاته»، لا الوقوف عند القشور وتهييج الغرائز والسخرية من عالم البسطاء والطاهرين.
خلاصة هذا الطرح، أن «الكتبة» يرون جوهر المجتمع كلّه من زاوية معينة تتصدرها شركة الإنتاج التي ستتولى تأمين الميزانية الضخمة لتوفـير المُخرج واختيار أماكن التصوير وشلة الأبطال التي ستجسّد العمل. إن الانطلاق فـي كتابة السيناريو من هذه النظرة القاصرة ستكتفـي بجعل رأس المال المحرّك الأول والأخير للحياة وللشخصيات ولمصائرها، سيكون رأس المال مقياس الأشياء جميعها، وبناء عليه ستصبح العوائل الكبيرة والأسر الصغيرة مشوهة فـي مشاعرها وعلاقاتها وناقمة، فكل ما يهمها الكسب السريع، وعندئذ سيتساوى لديها مبدأ «إن الغاية تبرر الوسيلة»، حيث الأشياء والأفكار والعلاقات والمشاعر تباع وتشترى!
الناظر إلى الحال يسأل نفسه عن الأسباب الواقفة وراء مستوى التردي والهوان والابتذال والعهر الذي تحرص الدراما العربية والخليجية فـي تقديمه وعرضه على قنوات شاشاتها، وعلى المنصات الرقمية. ويتضمن السؤال، البحث عن أنواع كتّاب السيناريو الذي يظهرون لنا فـي كل موسم، ومَن الذي يساندهم ويدعمهم! وهل وحده كاتب السيناريو يتحمل ما يقدمه من واقع المجتمعات؟ هناك من يرى أن كاتب السيناريو لا يتحمّل المسؤولية كاملة وحده؛ بوجود لجنة فنية للفحص، مهمتها مشاهدة العمل وتسجيل ملاحظاتها عليه بالتفصيل الكامل، وكتابة تقريرها إما المنع أو الموافقة بعد الأخذ بالملاحظات!
ويعلم العارفون بكواليس هذه القضايا ألا كاتب السيناريو سيعيد النظر فـي الملاحظات، ويعمل على تعديل الملاحظات، ولا الشركة المنتجة التي تصدت لإنتاج العمل ستتراجع هي الأخرى عن مشهد واحد يمكنه أن يؤجج حفـيظة المشاهدين! وقد نجحت الكثير من وسائل التلاعب والاحتيال، حيث تقوم الشركة المنتجة بتقديم سيناريو رديف غير السيناريو الأصلي إلى لجنة الفحص، فتوافق اللجنة عليه وتجيزه للعرض، ثم تكتشف فـي أثناء العرض على الشاشة أو المنصة أنها قد وقعت فـي الفخ، فإمّا أن تنشر بيانًا تعترض فـيه على مشاهد العمل أو أن تكتفـي بالصمت. وسلوك شركة الإنتاج بالطبع هو سلوك تعرفه دوائر الرقابة واللجان فـي الفن عموما. ما زال المتفرج العربي أمامه الكثير من القضايا الاستهلاكية اليومية، والمعارك غير الثقافـية، ولكنها معارك طاحنة، والمؤامرات وتبدد الأحلام، وفشل خطط الديمقراطية، وغياب العدالة الاجتماعية سواء كان هناك عدو حقيقي يقف وراء الأبواب، أو مجازي تحت الشمس، وإزاء هذا سيظل السؤال المشتبك مع الإبداع والنقد والدراما مستمرا: هل ما تعرضه المسلسلات هو جوهر الواقع الاجتماعي؟