من مجموعات فانو؟ وما علاقتها بالتمرد في إقليم أمهرة الإثيوبي؟
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
يمثل التمرد المندلع في إقليم أمهرة وجها من وجوه العلاقة الملتبسة بين هذه القومية ذات التأثير العميق في تكوين إثيوبيا الحديثة وثاني كبرى المجموعات السكانية فيها، وبين السلطات الحاكمة المتعاقبة على البلاد منذ 1991.
ويكتسب الصراع في طوره الأخير بين الأمهرية والحكومة الفدرالية أهمية فائقة تتجلى في التركيز الذي حظي به في تقرير تقييم التهديدات السنوي الصادر عن مجتمع الاستخبارات الأميركي في فبراير/شباط 2024، حيث اضطرت السلطات الفدرالية إلى إعلان حالة الطوارئ في الإقليم لستة أشهر في أغسطس/آب 2023 قبل أن تمددها في فبراير/شباط 2024.
وتزداد خطورة تمرد مجموعات الفانو بالنظر إلى بروزه في سياق تزداد فيه الأزمات المحيطة بالحكومة الإثيوبية التي تعاني داخليا من أزمة اقتصادية ومن تمرد عنيف في إقليم أورومو، وبينما تلقي العديد من علامات الاستفهام بظلالها على مستقبل تطبيق اتفاقية السلام مع التيغراي، يظل التوتر مع الجوار الإقليمي مرشحا للتصعيد على خلفية مطالبة إثيوبيا بمنفذ بحري.
فانو من وسائل التواصل الاجتماعي إلى السلاح
مصطلح فانو ليس حديث النشأة، بل إنه ضارب في التاريخ الاجتماعي لأمهرة، حيث يشير تاريخيا إلى دلالات مختلفة، منها ما أورده مهدي لبزاي الباحث في المعهد الفرنسي للدراسات الإثيوبية في أديس أبابا بأنه مرتبط بـ"الفلاح الحر الذي يقاتل دفاعا عن وطنه الأم إثيوبيا"، كما قام آخر أباطرة إثيوبيا هيلا سيلاسي بحشد هؤلاء المقاتلين في مواجهة الغزو الإيطالي للحبشة بين عامي 1936 و1941.
في تجليها المعاصر، مثلت فانو النظير الشبابي لحركة قيرو الأورومية التي قادت الحراك الشعبي المناهض لحكم الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية (إي بي آر دي إف) التي حكمت إثيوبيا بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي بين عامي 1991 و2018، مفضية في النهاية إلى سقوط التيغراي وصعود آبي أحمد إلى سدة رئاسة الوزراء في أبريل/نيسان 2018.
غلب الطابع السلمي على حراك فانو في مرحلة 2016-2018 التي تميزت بالمظاهرات المنادية بالدفاع عن مصالح قومية الأمهرة في مواجهة ما يعتبرونه اضطهاد الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي لهم واستهدافهم من قبل أطراف مختلفة داخل إثيوبيا، ومن خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي امتلكت الحركة القدرة على التحشيد واكتساب أرضية شعبية داخل مجتمعات الأمهرة.
وفي السنوات التي سبقت تفجر الحرب في إقليم التيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بدأ الجانب العنيف لفانو بالبروز مع توسع قاعدتها الشعبية بشكل كبير، وصعود نجم قادة شعبيين يحشدون مجموعات من المقاتلين للدفاع عن الأمهرة وسط تقارير عن اعتداءات يتعرضون لها في مناطق كأورومية، حيث تم اتهامهم بهجمات على مجموعات أخرى منها القيمنت، كما وجهت إليهم أصابع الاتهام بالتورط في انتهاكات حقوقية، وهو ما ازداد لاحقا بشكل كبير في خضم الحرب على التيغراي.
حرب التيغراي منعطف حاسم
مثلت هذه الحرب نقطة هامة في نشاط جماعات فانو، حيث شاركت بفعالية في مواجهة الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي، مما أكسب نشاطاتها نوعا من الغطاء الشرعي الناتج عن قتالها إلى جانب القوات الفدرالية وقوات إقليم أمهرة الخاصة.
كما أتاحت الحرب لفانو الفرصة الذهبية لبناء المعسكرات، وتجنيد وتدريب المقاتلين، والاستفادة من الشبكات اللوجيستية والأمنية والإدارية للحكومة، وهذا بدوره مكنهم من توسيع شبكاتهم المجتمعية، وجذب أعضاء جدد، وتعزيز قدراتهم العسكرية، واكتساب خبرات قتالية ميدانية كبيرة.
بجانب ما سبق، وفرت مشاركة فانو في الحرب الفرصة لبسط سيطرتها على مناطق متنازع عليها تتمتع ببعد وجداني وعاطفي كبير لدى الأمهرة، الذين يعتبرون أن التيغراي استولوا عليها وضموها إلى إقليمهم وفق دستور 1995 الذي قسم أقاليم البلاد وفقا لخطوط اللغة والعرق، وهو ما لم يقبل به الأمهرة الذين ينظرون إليها باعتبارها "أرضهم التاريخية".
مساهمة مليشيات فانو بفعالية في كبح اندفاع قوات دفاع التيغراي إلى داخل إقليم أمهرة صيف 2022 منحتها تأييدا شعبيا واسعا كقوة حامية للأمهرة في مقابل الادعاءات بشأن تخاذل حكومي أتاح للقوات المعادية التوغل إلى عمق الإقليم.
وبنتيجة هذه الحرب ظهرت العديد من التقارير التي تشير إلى دعم تتلقاه فانو من إرتيريا المجاورة، حيث يجمع الطرفين العداوةُ للجبهة الشعبية لتحرير التيغراي ومشاركتهما الحاسمة في الحرب عليها، وفي النهاية استبعادهما من صياغة الحل النهائي في بريتوريا، مما أدى إلى خلاف متصاعد بينهما وبين أديس أبابا.
دوافع التمرد
يجمل مقال منشور في مجلة فورين بوليسي المرموقة رؤية الأمهرة إلى خلفيات هذا التمرد الذي يصفه بالمظهر المسلح للمظالم الطويلة الأمد لشعب الأمهرة، والتي تمتد جذورها إلى التهميش المنهجي منذ عقود، وعمليات القتل الجماعي وتهجير الأمهرة في مناطق مختلفة من البلاد.
وتعزى هذه الحالة جزئيا إلى السياسات العرقية التي تصاعدت في إثيوبيا نتيجة إقرار الفدرالية الإثنية نظاما للحكم تحت سلطة الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي وحلفائها (1991-2018)، مما أدى إلى شعور الأمهرة بالتهميش والقمع على أساس الهوية.
من جانب آخر، يسود النزاع العلاقة بين الأمهرة ومكونات إثنية أخرى على رأسها الأورومو كبرى القوميات الإثيوبية، وهو ما يعزى إلى عوامل تاريخية من جهة، وإلى صراعات على بعض المناطق من جهة أخرى، مما أدى إلى تصاعد الاستقطاب العرقي الدامي بين الطرفين.
هذا النزاع تطور إلى حالة من عدم الثقة في السلطة المركزية ومؤسساتها، حيث يتهم قوميو الأمهرة الحكومة الفدرالية وسلطات إقليم أوروميا بالتواطؤ في عمليات القتل والتهجير التي يتعرض لها الأمهرة، وسجلت جمعية أمهرة الأميركية أكثر من 3300 حالة قتل في عام 2021 معظمها في أوروميا، وقدرت هجرة أكثر من مليون أمهري من المنطقة نفسها هربا من الاضطهاد.
هذه الريبة امتدت إلى مخرجات الحرب مع التيغراي، حيث يشتكي الأمهرة من عدم النظر إلى مطالبهم بعين الاعتبار في المحادثات التي أفضت إلى اتفاق بريتوريا، كما أنهم يرتابون في أن الحكومة المركزية قد ترجع بعض الأراضي المتنازع عليها إلى إقليم التيغراي، وهي المناطق التي كان فرض السيطرة عليها أحد أهداف الأمهرة الرئيسية من مشاركتهم في هذه الحرب.
هذا المناخ من عدم الثقة كان أحد الدوافع وراء السخط الذي قوبل به قرار الحكومة الفدرالية في أبريل/نيسان 2023 بتسريح القوات الخاصة لإقليم أمهرة ضمن حملة شملت البلاد بأجمعها، حيث شعر الأمهرة أن تسريح هذه القوات سيتركهم دون حماية بعد تجربتهم المريرة في حرب التيغراي.
وفي ظل هذه الأجواء، لجأ الآلاف من أفراد القوات الخاصة إلى الأدغال، ويقدر وزير السلام الإثيوبي بينالف أندوالم نسبة الملتحقين من هذه القوات بفانو بـ50%، وهو ما ظهرت نتيجته سريعاً مع بلوغ التمرد إحدى ذراه العنيفة صيف عام 2023 إثر تداعيات هذه الخطوة.
تباينات داخل فانوتصف ورقة كتبها كل من أسراو نيتشو المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة أديس أبابا، وياريد دبيبي أستاذ العلوم السياسية بجامعة غوندر، فانو بأنها تشمل مجموعة واسعة من الجماعات غير المتحالفة، وأغلبها صغيرة وتعمل بشكل مستقل، حيث يتسم نشاط هذه المجموعات بعدم المركزية والتجزؤ، والتنظيم الممتد من القاعدة إلى القمة، والافتقار إلى هيكل تنظيمي رسمي يوحد المجموعات في الأجزاء المختلفة من منطقة أمهرة، حيث ينشط فانو بشكل أكبر: شوا، وغوندر، وغوجام، وولو.
ورغم أن الدفاع عن حقوق ومصالح الأمهرة يمثل الإطار العام لخطاب هذه المجموعات، فإن من الصعوبة بمكان إدراجها ضمن أيديولوجية سياسية واحدة، حيث تتباين الرؤى حول العديد من القضايا.
وضمن هذا الإطار، يذهب أكثر العناصر تطرفا إلى تبني خطاب قومي منغلق يحشد أبناء الأمهرة للالتفاف حول المصالح العرقية الضيقة لقوميتهم والتحذير من الهيمنة الوشيكة للأورومو الذين ينتمي إليهم رئيس الوزراء آبي أحمد، في حين تدعو أطراف أخرى إلى بناء هوية إثيوبية أوسع من خلال تجاوز نظام الفدرالية العرقية كما طبقته الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي، واعتباره الجذر الأساسي للانقسام العرقي العميق الذي تعانيه البلاد.
أهم مجموعات فانو
ومن أهم المجموعات المنضوية في تحالف فانو "الجبهة الشعبية للأمهرة"، التي أنشأها المعارض الأمهري البارز ورئيس حزب "بالديراس من أجل الديمقراطية الحقيقية" إسكندر نيغا، وتنشط الجبهة بشكل رئيسي في منطقة غوندر، وتحظى بدعم من الشتات الأمهري ذي الموارد الجيدة، ويبدو أنها توسع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة، مما يعزز روابطها مع قادة فانو والمجتمعات التي يعملون فيها.
كما تعد "القوة الشعبية للأمهرة" من أبرز القوى الأمهرية التي يقودها زيميني كاسي، وقد اكتسبت سمعتها كقوة مدافعة عن شعب الأمهرة من الهجمات العرقية التي يتعرض لها في أجزاء مختلفة من البلاد، حتى يُلقب كاسي من قبل بعض أنصاره بأنه "بطل قضية الدفاع عن الأمهرة"، ومع تصاعد الاشتباكات مع القوات الحكومية تمكنت هذه القوة مع حلفائها من السيطرة لفترة وجيزة على بحر دار، العاصمة الإقليمية.
وتمثل "فانو شرق أمهرة" كبرى مجموعات فانو المسلحة في منطقة والتي يقودها مهرت وداجو (أو ميرت وداجو)، وقد أسهمت بفعالية إلى جانب الجيش الإثيوبي في الحرب مع قوات دفاع التيغراي، لا سيما على "جبهة رايا".
في رصده للتباينات بين أجنحة فانو، يذهب تحليل لمرصد السلام الإثيوبي إلى أن الخلافات السياسية التي تسببت في عدم وجود جبهة موحدة واضحة ساهمت في النجاح الأولي لمليشيات فانو في السيطرة على أجزاء كثيرة من منطقة أمهرة، كما أن هذه اللامركزية منحت فانو مرونة في مواجهة اعتقالات الحكومة للعديد من رموزها.
غير أن افتقار هذه المجموعات إلى الوحدة أعاق جهودها لتوسيع مناطق نفوذها وللتنافس سياسيا مع الحكومة سواء داخل إثيوبيا أو بين مواطني أمهرة في الشتات، حيث برزت بعض المحاولات لتوحيد جهود مجموعات فانو تحت مظلات جامعة على مستوى مناطقي، في حين يبدو أن التباينات السياسية ستظل عائقا رئيسيا أمام توحيدها بشكل كامل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات إقلیم أمهرة فی مواجهة أمهرة فی فی إقلیم وهو ما
إقرأ أيضاً:
ترامب يجدد طموحه بالسيطرة على إقليم غرينلاند الدنماركي
أعاد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الأحد، إحياء رغبته خلال فترة ولايته الأولى بالحصول على غرينلاند من الدنمارك لصالح الولايات المتحدة، بحسب شبكة "سي ان ان".
وجدد ترامب التأكيد على الفكرة في بيان أعلن فيه عن تعيين كين هاوري، المؤسس المشارك لـ"PayPay" سفيرا له إلى الدنمارك.
وغرينلاند هي إقليم دنماركي يتمتع بالحكم الذاتي.
وقال ترامب في البيان: "لأغراض الأمن القومي والحرية في جميع أنحاء العالم، تشعر الولايات المتحدة الأمريكية أن امتلاك غرينلاند والسيطرة عليها ضرورة مطلقة. سيقوم كين بعمل رائع في تمثيل مصالح الولايات المتحدة".
وقد أصبح شراء غرينلاند من الدنمارك شغل ترامب الشاغل خلال ولايته الأولى في البيت الأبيض، وهي الفكرة التي ناقشها في البداية على انفراد ثم أكدها لاحقا بشكل علني.
وقال ترامب في عام 2019: "من الناحية الاستراتيجية، إنه أمر مثير للاهتمام، وسنكون مهتمين، لكننا سنتحدث معهم قليلاً". وأضاف: "إنها ليست رقم واحد على الطاولة، يمكنني أن أقول لكم ذلك".
وردت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتي فريدريكسن في ذلك الوقت بوصف اقتراح إمكانية شراء غرينلاند بأنه "سخيف".
وقالت فريدريكسن، التي تواصل قيادة البلاد حاليا: "غرينلاند ليست للبيع. غرينلاند ليست دنماركية. غرينلاند تنتمي إلى غرينلاند، آمل بشدة ألا يكون هذا (المقترح) مقصودا بجدية".
تقع غرينلاند، الجزيرة ذاتية الحكم، بين شمال المحيط الأطلسي والمحيط المتجمد الشمالي، وتكتسب اهتمام القوى العالمية، بما في ذلك الصين وروسيا.
ولطالما اعتبرت الولايات المتحدة غرينلاند موقعا استراتيجيا للأغراض العسكرية، حيث تبعد بأقل من 1600 كيلومتر عن القطب الشمالي.
ويضم الساحل الشمالي الغربي للجزيرة قاعدة "ثول" الجوية الأميركية، التي توفر إمكانية إطلاق تحذيرات للصواريخ ومراقبة الفضاء.
يذكر أن فكرة شراء غرينلاند ليست جديدة فقد تم طرح فكرة شرائها لأول مرة في ستينيات القرن التاسع عشر، في عهد أندرو جونسون.
وفي هذا الإطار يتحدث تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية يرجع تاريخه إلى عام 1867 عن الأهمية الاستراتيجية لغرينلاند مع الإشارة إلى مواردها الواعدة، وأن فكرة الاستحواذ عليها مثالية.
ولكن لم يحدث تحرك رسمي حتى عام 1946 عندما عرض هاري ترومان على الدنمارك 100 مليون دولار مقابل الجزيرة. وكان قد عرض في وقت سابق مقايضة أراض في ألاسكا مع مناطق استراتيجية في غرينلاند.