د. على جمعة يكتب: «نور الدين» وإرشاد الحائرين
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذا مقال ليس ككل مقال، فإنه ليس لعرض فكرة جديدة أو الكلام عن مبدأ مهم أو موضوع لحضور، لكنه شكر واجب لكل من ساهم فى البيان والتبيين لحقائق الدين، فى عصر اشتدت فيه الفتنة، وكثر فيه الهرج واختلط فيه الأمر. الشكر لجريدة «الوطن» التى قادت هذه الردود الرصينة العلمية، والتى ساهمت مساهمة تذكر، فتشكر للدفاع عن الدين الصحيح، وللدفاع عن الحياة المستقرة، وللدفاع عن النفسية والعقلية، التى تكوّن الشخصية القوية السليمة، وفى حديث سيدنا أبى هريرة الذى أخرجه الإمام مسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».
والشكر موصول لكل الأساتذة والعلماء والمفكرين وأصحاب الرأى الذين ساهموا فى عطاءاتهم ومقالاتهم حول برنامج «نور الدين».
برنامج «نور الدين» أعددنا له إعداداً طيباً، وقررنا أن نشتبك مع أسئلة الأطفال والشباب والرجال والنساء فيما يختص بعصرنا الحاضر، وهو خطوة فى طريق طويل، وقطرة من غيث منهمر «وأول الغيث قطر ثم ينهمر»، القصد منه هو إرشاد الحائرين، وهو الإجابة التى توصل إليها العلماء عبر القرون، لكنها ظلت مختفية ومغلفة بمصطلحات لا تصل إلى أسماع ولا عقول ولا قلوب الناس، وعندما كان الأطفال يسألون -بل والكبار- كانت الإجابات باهتة ومحيرة، ويزداد الأمر صعوبة فى التطبيق العملى، ولذلك قررنا ونزلنا وسمعنا من طائفة كبيرة من هذه الشريحة (الأطفال والشباب والرجال والنساء)، ما الذى يشغل البال؟ وما الذى يلفت الأذهان؟ وخرجنا بأكثر من مائة وخمسين سؤالاً لم تتسع أوقات حلقات برنامج «نور الدين» أن تستوعب كل هذه الأسئلة، فكانت الشرارة الأولى التى تحرك المحرك فى السيارة حتى تنطلق إلى هدفها، والحمد لله أحدث البرنامج ردود فعل طيبة وردود فعل متشنجة وردود فعل مستحسنة وردود فعل مستاءة، وهذا أمر طبيعى، ودائماً ما يكون عندما يأتى جديد.
الاشتباك مع الأطفال فى أسئلتهم الوجودية ومع الرجال والنساء فى أسئلتهم الفقهية ومع الشباب فى أسئلتهم الحياتية، كل ذلك أمر وكأنه جديد على الساحة بهذه الكيفية، ومن توفيق الله تعالى أننا التزمنا بمذهب أهل السنَّة والجماعة، كثير من الناس يريد أن يحمل كل الناس وكل المسلمين على رأيه، بحيث إنه يرى نفسه الصواب فقط، وهذا نعاه الله سبحانه وتعالى علينا، ودائماً ما يحيل رفع الخلاف إلى يوم القيامة، فيقول سبحانه «ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (سورة الأنعام).
أما فى الحياة الدنيا، فهو اجتهاد مع إخلاص النية، فإن للمخطئ أجراً وللمصيب عشراً، كما أخرجه الدارقطنى وفى «الصحيحين»: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، فإن أصاب فله أجران»، والشائع هو حديث «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله عشرة أجور» رواه الدارقطنى، ولكننا مع رواية الدارقطنى طمعاً فى فضل الله وجزيل ثوابه سبحانه وتعالى.
برنامج «نور الدين» أحدث حراكاً فى الحياة الثقافية، لكنه ينبغى أن يكون نموذجاً، وأن تتحرك الأمة فى هذا الاتجاه، ونرى مشكلات العصر، ونرى كيف نطبق دين الله سبحانه وتعالى دون تفريط ودون تعنت، فدين الله سبحانه وتعالى واسع، ويكفينا منه قوله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» (سورة البقرة)، يكفينا منه «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» (سورة الشرح)، يكفينا منه أن الله سبحانه وتعالى بدأ كتابه وخطابه للبشر فقال: «بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم» (سورة الفاتحة)، فاختار صفتين من صفات الجمال ولم يختر صفة أو صفتين من صفات الجلال، فلم يقل «بسم الله المنتقم الجبار» ولم يقل «بسم الله الرحمن المنتقم» بل جعلها جمالاً فى جمال، يكفينا قول النبى صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، ما كان الرفق فى شىء إلا زانه، ولا نُزع من شىء إلا شانه» صحيح مسلم، يكفينا أن يأمرنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نتخلق بأخلاق الله فيقول: «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء» أخرجه أبوداود والترمذى وأحمد عن عبدالله بن عمرو.
فهذه آيات وأحاديث كلها تبنى الشخصية.. تبنى نفسية سالمة مسالمة، آمنة مؤمنة مطمئنة، وتبنى عقلية واضحة عميقة مبتهجة، فتتكون تلك الشخصية القوية التى يريدها منا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كل هذا وأكثر ظهر فى هذا الكم الكبير من الأقلام النيرة المؤمنة التى نهضت لتقوم بواجب عصرها للدفاع عن الحياة، وللدفاع عن الدين، أما الذين تسافهوا فأولئك وراءهم ما وراءهم، وربنا سبحانه وتعالى علمنا أن من يكون على هذه الصفة أن نواجهه بالعفو والصفح، «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (سورة البقرة)، وأن نشتغل بعد ذلك بالصلاة وبالزكاة والعبادة، وبعمارة الأرض وتزكية النفس، وألا نقف عن أولئك، فبعضهم يعرف الحق ويحيد عنه، وبعضهم يضل عن الحق ولا يعرفه، ولكن دعونا نسِر فى طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى، نرفع لواء أهل السنة والجماعة، ونطبق تلك البرامج التى تؤدى إلى سعادة الدارين.. سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
كل حركة وسكنة فى هذا الكون وفى تلك الحياة على قلَّة ما فيها مرتبطة بالآخرة، فلا تحزن ولا تيأس، كل ما تلاقيه من نصب ومن تعب ومن كد فى الدنيا له علاقة بالآخرة، والله سبحانه وتعالى يقول: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرهُ» (سورة الزلزلة).
ويقول سبحانه: «وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (سورة العنكبوت)، ويقول سبحانه: «كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (سورة المؤمنون). وهكذا يوجه الله سبحانه وتعالى إلى أنه «وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ» (سورة القصص).
الشكر مكرر وموصول لصحيفة «الوطن» الغراء ولكل أستاذ وعالم وعَلم وعلَّامة كتب فيها نصرة للحق، لا يسعنى إلا أن أقول: «جزاك الله خيراً».
* عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: نورالدين الدين الصحيح الله سبحانه وتعالى صلى الله علیه وسلم نور الدین
إقرأ أيضاً:
عادل عزام يكتب: «يا كولر ارفع إيدك.. شعب مصر هو سيدك»
«نكران الجميل من شيم اللئام»، لم أجد بداية للمدعو مارسيل كولر أفضل من الرجوع لأقوال من سبقونا في وصف «اللئام»، المدرب المجهول -قبل أن يأتي للمحروسة- منحه الأهلي الشهرة، فطار عقله وصدّق نفسه أنه من العظماء، من كثرة زيادة رصيده في البنك المحفظي والكروي، تناسى أن مصر الآن صاحبة فضل عليه وعلى أهله، يأكل ويشرب من خيرها، يلهف منها الدولارات، وبسببها أصبح له سعر في سوق المدربين بعدما كان عاطلاً لم يجد له عملاً.
المدرب السويسري ظل في بلده عاطلاً لمدة 24 شهراً بعدما لفظه نادي بازل، وقبل أن يأتى به «أولاد الحلال» للقلعة الحمراء، شهرته قبل أن يرتبط اسمه بالأهلي والمحروسة لم تعبر حدود «بيرن وجنيف»، وحتى نكون منصفين أجزاء صغيرة جداً من النمسا وألمانيا، المدرب عمل مع فيل، وسانت جالين، وجراسهوبرز، وكولن الألماني، وبوخوم الألماني، ومنتخب النمسا، وبازل السويسري، وكلها محطات لم تصنع منه أسطورة، ولم تمنحه يوماً فرصة تصدر أغلفة الصحف وكبرى المجلات كما يحدث معه حالياً.
كولر «يتنطط» على شعب ينحت في الصخر، وبلد يتحدى طعنات الداخل والخارج، يهاجم ويلمح بالظروف الاقتصادية الصعبة في دولة يعيش فيها ويتمرمغ في عزها وهو «الجاهل» بأنه لا مكان للفقراء في بلده، في المحروسة كلنا سواسية، نتقاسم رغيف العيش، ونحمد الله على نعمة الستر، وفي بلده «الغنية» معدل الفقر ارتفع وطال 8.7% من السكان، فقير المحروسة يعيش بكرامته، وفقيرهم منبوذ بينهم وليس له وطن، الإحصائيات والدراسات الرسمية الموثقة التى تخرج من عندهم تقول إن مجتمعهم لا يزال ينظر إلى الأشخاص الذين يعيشون في فقر على أنهم يتحملون مسئولية وضعهم، الناس هناك يكافحون للخروج من هذه الدائرة المفرغة، والأفراد الذين هم عرضة لهذه الظاهرة يشعرون بالخجل الشديد من طلب المساعدة، ما يزيد في تهميشهم، والأشخاص الذين لديهم القليل من المال لا يكافحون فقط لدفع الفواتير، ولكنهم يعانون أيضاً من حياة اجتماعية وثقافية سيئة، هكذا تقول تقاريركم يا «عبقرينو»، وعليك أن تعود لوكالة أنباء بلدك الرسمية Keystone/SDA للتأكد من ذلك.
«عبقرينو»، خرجت في تصريحات هزلية من منطقة الكرة والتدريب لمناطق أخرى، قد نكون فقراء من وجهة نظرك وبحساباتك البنكية، ولكننا بلد الأمن والأمان، تعيش في مصر، تسكن فنادقها، وتسير في شوارعها ليلاً دون مشكلات، فيما الجريمة في بلدك تسجل معدلاً مرتفعاً في عدد الجرائم بنسبة 14 في المائة على أساس سنوى، الرقم إذا لم تكن تعرفه 523 ألف فعل إجرامي، الجرائم الرقمية 31.5 في المائة، والجرائم ضد الممتلكات 17.6 في المائة، هكذا حالكم الذي أفادت به المعطيات ونشرتها مكاتب الإحصاء.
يا «عبقرينو» زمانك، قلت وليتك ما قلت «ليس كل شيء منظماً هنا في مصر كما هو الحال في أوروبا»، وتتناسى أنك قادم لنا من موطن وصلت به السرقة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وجرائم القتل أعلى من المتوسط، وخطر الجريمة ضد الممتلكات العامة، بما في ذلك السرقات، تمثل ما يقرب من 70 في المائة من الجرائم المسجلة في قانون العقوبات، الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، جريمة السرقة عبر الاقتحام والتسلل السرى (+15.9 في المائة) 41 ألفاً و429 جريمة، وسرقات المركبات 54 ألفاً و517 سرقة، المخدرات 54 ألف جريمة، وجرائم ضد قانون الأجانب والاندماج 43 ألف مخالفة، أي نظام هذا؟ هل تريد المزيد «ولّا تخليك في الكرة التى تفهم من فنياتها القليل وتصمت»؟!
اعتذرت واعتذارك غير مقبول، والغريب يا «عبقرينو» أنك تحدثت خارج المستطيل عن الفقر والصلاة والصوم، وكل المناطق التى طال بها لسانك، ولم تسأل نفسك: مَن أنا قبل 9 سبتمبر 2022 يوم قدومك للمحروسة والتوقيع للنادى الأهلى؟ مَن حوّلك من مدرب «نصف لبّة» لمدرب بطولات؟ مَن جعلك رقماً في بورصة وسوق المدربين؟ أليس هو الأهلى المصرى؟ أليس هو جمهور القلعة الحمراء الجزء الأصيل الذى لا يتجزأ من شعب هذا البلد؟ تقول عنهم إنهم لا يجدون ما يشترون به «تى شيرت»، ولا تدرى عن أى جمهور أو شعب تتحدث، تعاير بالفقر، ولم يصلك معنى ومفهوم «اديله عمرى وبرضو قليل»، جمهور رفعك على الأعناق وصنع منك أسطورة لا تستحقها، هتفوا لك بأجمل الجمل والألحان، وفاتهم أن يقولوا لك: «يا كولر ارفع إيدك.. شعب مصر هو سيدك».