منال الشرقاوي تكتب: صاحب مفتاح الشقة
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
في لحظةٍ من الصمت، تقف أمام بابٍ مغلق، تمسك مفتاحَه بين أناملك، وتشعر بثقل المسؤولية وهو يغمرك. إنه ليس مجرد قطعة معدنية، بل هو رمزٌ لأمور أعمق، تمثل بدايةً جديدة، ونهايةً لفصلٍ ما.
"صاحب مفتاح الشقة" قد يبدو عنوان لقصة ،بدايتها عند باب منزلك.
المنزل، ليس مجرد مكان للمأوى، بل هو عالم متكامل تحيا فيه كل تلك اللحظات التي تبني هويتك.
إن مسؤولية امتلاك هذا المفتاح ليست بسيطة، فبينما تملك القدرة على فتح بابك كل يوم، تحمل أيضاً عبء اختياراتك وقراراتك التي ستحدد مسار حياتك. هذا المفتاح، الذي قد يبدو بسيطاً، هو أداة قوية تفتح لك مسارات الحياة وتغلق أخرى.
المفتاح، ليس مجرد قطعة معدنية تفتح بابًا ماديًا؛ بل هو أيضًا رمز للفرص، البدايات الجديدة، والأسرار التي تنتظر أن تُكشف. هذا المفتاح يمكن أن يمثل القوة والمسؤولية التي تأتي مع امتلاك مكان يُسمى بالمنزل، ولكنه أيضًا يفتح الباب للتفكير في معنى الانتماء والخصوصية.
مفتاح الشقة يُعتبر دعوة للتأمل في ما يعنيه أن تمتلك مكانًا تُسميه منزلك. في عالم يزداد اتساعًا وتعقيدًا، يُصبح المنزل ملاذًا شخصيًا يعكس هويتنا، أحلامنا، وأحيانًا تحدياتنا. من خلال مفتاح بسيط، ندخل إلى عالمنا الخاص، حيث الأمان والراحة والذكريات.
امتلاك مفتاح لشقة يحمل في طياته قوة كبيرة - قوة الدخول والخروج بحرية، وتحديد من يشاركنا هذا المكان. لكن مع هذه القوة تأتي المسؤولية أيضًا؛ المسؤولية عن صيانة هذا المكان، حمايته، وجعله مساحة ترحيب لأولئك الذين نختار مشاركتهم إياه. هذه الديناميكية تدعونا للتفكير في كيفية إدارة قوتنا ومسؤولياتنا في علاقاتنا مع الآخرين ومع المساحات التي نعيش فيها.
على نطاق أوسع، يمكن اعتبار كل مفتاح نحمله كرمز لجزء من حياتنا. مفاتيح العمل، السيارة، المكتب، كلها تفتح أبوابًا لجوانب مختلفة من وجودنا. في هذا السياق، يصبح مفتاح لأكثر من مجرد فتح الأبواب؛ إنها تُفتح أيضًا أبواب التأمل والفهم حول مسارات حياتنا. هذه الرمزية تدفعنا لاستكشاف وفهم الدروس والفرص التي تُقدمها كل مرحلة من مراحل حياتنا.
في كل مرة نغلق بابًا أو نتخلى عن مفتاح، نواجه نهاية لفصل ما في حياتنا. لكن، مثلما يقول المثل، "عندما تُغلق باباً، يفتح آخر". الأبواب المغلقة، على قدر ما قد تبدو نهائية، غالبًا ما تُمهد الطريق لبدايات جديدة وفرص غير متوقعة. هذا التأمل يُشجعنا على التفاؤل والانفتاح على التغييرات التي تجلبها الحياة.
"صاحب مفتاح الشقة" يدعونا لاستكشاف القيمة والمعنى في أبسط تفاصيل حياتنا اليومية. كل موقف، كل لحظة، تحمل إمكانية للتأمل والاكتشاف. من خلال النظر إلى ما وراء السطح والتساؤل عن القصص والمواقف التي تشكل تجاربنا، نُمكن أنفسنا من تقدير المزايا والنعم الموجودة في الروتين اليومي.
"صاحب مفتاح الشقة" يُمكن أن يكون بداية رحلة استكشافية تُعلمنا التأمل في الفرص والتغييرات التي تُقدمها الحياة. يذكرنا بأنه في كل مرة نفتح بابًا، نحن نختار التوجه نحو المجهول، المفتاح قد يكون بسيطاً بالمظهر، لكنه عميق بمعانيه، يفتح لنا بوابات الأمان والأحلام، ويرسم مسارات حياتنا بلمساته. في هذه الحياة المعقدة، يُعتبر المنزل ليس مجرد جدران تؤوينا، بل هو عالم يحمل بين طياته كل ما نحب، نخاف، ونحلم به.
امتلاك المفتاح يُمثل لحظة اختيار؛ اختيار كيف نعيش، مع من نشارك حياتنا، وأي أبواب نختار فتحها أو إغلاقها.
لا تفقد أملك عندما تصادف باب مغلق، فقد يكون هذا الباب ينتظر مفتاح أنت صاحبه.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
مونيكا ويليم تكتب.. المملكة وسياسة الحياد النشط .. مفاوضات متوازنة بين موسكو وواشنطن
يتعزز الدور الدبلوماسي والتفاوضي للملكة العربية السعودية خلال الفترة الحالية من خلال مساعيها لإدارة الصراعات الدولية والإقليمية الدائرة والتي تتفاقم تداعياتها في ظل الاختلالات الدولية وتراجع العقلانية السياسية ونشوب التباينات الاستراتيجية، وبالتالي تتحول قوة السعودية من قوة نفطية إلى قوة ناعمة.
علي هذا الأساس هنا تتلخص 3 تساؤلات رئيسة يحاول هذا المقال إبراز تحليلاتها والأطر النظرية المتعلقة بها.
فالأول يتعلق بأسباب اختيار المملكة لعقد هذه المباحثات المفصلية ، إذ تنامت التقديرات حول أهمية تنظيم قمة عربية موحدة تعقد في السعودية ولقاء الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي، وهناك دلالات وأسباب عدة على انعقاد هذا اللقاء في الرياض، لاسيما أن هناك دولتين قد عرضوا استضافة هذا الاجتماع سواء صربيا أو سويسرا، إلا أن ترامب يرى ضرورة اختيار واجهة محايدة بعيدة عن أية دولة من المعسكر الغربي، ولا سيما أن السعودية نجحت في نسج علاقات مصالح متبادلة مع بوتين، علاوة على ذلك تحقيق ما يخدم هدف الرئيس ترامب في تصدير الصورة بأن السعودية هي الوجهة الأولي لزيارته خلال الفترتين من جهة وأيضا التأكيد علي انتهاج سياسة مغايرة لبايدن الذي سعي في بداية فترته لعزل السعودية وجعلها منبوذة.
السبب الثالث الثقل الاقتصادي والمالي الذي تتمتع به السعودية داخل الولايات المتحدة وإتمام الصفقة المالية التي يطمح لها ترامب وهو ما برز جلياً في منتدى دافوس حين صرح بان السعودية تستثمر بحوالي تريليون دولار علاوة على ذلك 2 مليار دولار الذي أعطاه صندوق الاستثمار السعودي إلي جارت كوتشنر.
في حين أن السبب الرابع تنامي ثقة ترامب في المملكة خاصة على خلفية نجاحها في الوساطة بين روسيا والولايا المتحدة حيث استطاعت إقناع روسيا بالأفراج عن مارك فوجل وكذلك التوسط لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا وعلي هذا الاساس، قد استفادت المملكة من التزامها الحياد إزاء الحرب الروسية في أوكرانيا، ووفقا لتحليلات عدة، فإن المملكة حققت نجاحاً كبيراً باستطاعتها جمع قوتين عظيمتين في الرياض لتقريب وجهة النظر مما ساهم فى أثبات مكانتها كلاعب رئيسي في الدبلوماسية العالمية وأكسبها أرضية وثقل يمكنها من عرض الخطة العربية لإعادة الأعمار في غزة من ناحية أخري.
ومن جهة المملكة، فالمملكة راغبة في تعزيز العلاقات المتوازنة التي تربط السعودية بالقوى العظمى الدولية، حيث تعد السعودية حليفًا تاريخيًا للولايات المتحدة في المنطقة وخاصة الرئيس دونالد ترامب ، كما تعمل بشكل وثيق مع روسيا فيما يتصل بالسياسة النفطية، خاصة وأنها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم.
إلي جانبب ذلك، تعمل المملكة إلي استكمال تطبيع العلاقات مع إيران منذ 2023، لما انبثق عن ذلك من احتواء وتقويض لدور الميليشيات الشيعية في لبنان والعراق المدعومة من إيران.
فضلاً عن ذلك وبجانب السياسة الخارجية البراغماتية للملكة، ينصب اهتمامها حالياً حيال الجانب الاقتصادي وتنفيذ رؤية 2030 والتي تستند على دعم اقتصاد إنتاجي قوي وبالتالي توسع بؤر التوتر من شأنه التأثير على الاقتصاد العالمي ومن ثم أسعار الطاقة.
أما التساؤل الثاني فربما يتعلق بالملابسات والسياق السياسي العالمي، فمع مسح سريع لخريطة التفاعلات، واستقراء دقيق للتحركات تبين ان هناك تصاعد في درجة الاعتمادية بين الملفات وبالتالي أن نجاح القمة سيلقي بظلاله على كثير من مناطق التوتر حول العالم ومنها القضية الفلسطينية، ونتيجة لذلك قد عُقد اجتماع تحضيري في قصر الدرعية بالرياض يجمع وزير الخارجية مارك روبيو ومستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز مبعوث ترامب لشئون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية سيرجي لافروف ورئيس صندوق الاستثمار الروسي وهذا الاجتماع وضع حجر الأساس للمفاوضات بشأن أوكرانيا وعدد من القضايا التقاطعية على الصعيد الدولي وذلك قبيل اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي بوتين.
كما أنه بالتزامن مع عقد هذا التشاور بين الولايات المتحدة وروسيا، فقد ارتفعت أسعار النفط العالمي نتيجة التسريبات المتعلقة بفرض عقوبات على حاويات النفط الإيراني المصدرة.
وعلي الجانب الأخر هناك مناقشات عُقدت في باريس لمجموعة من الدول الأوربية منها ألمانيا وإيطاليا وبولندا والدنمارك التي تنتظر مخرجات الاجتماع الروسي الأمريكي.
إلي جانب ذلك، عقدت قمة عربية مصغرة غير رسمية وغير اعتيادية وذلك في إطار المساعي للاتفاق على موقف عربي موحد إزاء العديد من الإملاءات لخلط الأوراق في الإقليم العربي وتشكيل واقع عربي مغاير في المنطقة، سواء من حيث بناء تفاهمات حول آليات تمويل إعادة الأعمار في قطاع غزة أو من سيقوم بالتمويل وأخيرا تقديم رؤي وأطروحات حول شكل القطاع ومن سيتولى إدارته تباعاً وذلك تمهيداً لعرض تلك المرئيات في القمة العربية بالقاهرة.
أما التساؤل الثالث فيرتكز حول محاولة استقراء الطبيعة التفاوضية والملفات التوافقية بين الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي والتي تنطلق من نسق عقائدي مفاداه ضرورة أنهاء التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا الذي نشب خلال الثلاث السنوات الماضية.
ومع محاولة الوقوف على المعايير التي تستند عليها هذه المباحثات، خاصة في ظل بعض النقاط الخلافية بينهما والتي تتمثل في التواجد العسكري في منطقة الشرق الأوسط والعلاقات مع إيران وسوريا.
فالانسحاب من سوريا يعد أبرز القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط، إذ تحافظ كل من الجانبين على وجود عسكري في الأراضي السورية منذ سنوات.
ومنذ الإطاحة بالرئيس السوري السابق في 8 ديسمبر 2024، بدأت روسيا في سحب أصولها العسكرية من سوريا، مما أثار تساؤلات بشأن دورها المستقبلي في المنطقة. ومع ذلك، تسعى روسيا إلى الحفاظ على الوصول إلى قاعدتي "طرطوس" البحرية و"حميميم" الجوية، وهما موقعان استراتيجيان شكّلا نقاط ارتكاز رئيسة للنفوذ العسكري الروسي في المنطقة. وبالتالي هناك تقديرات تشير أن روسيا تقترب من التوصل إلى اتفاق مع سوريا للحفاظ على وجود عسكري محدود في البلاد بعد سقوط الأسد.
وعلي الجانب الآخر وفي ظل عدم إعلان ترامب عن استراتيجية واضحة حيال مستقبل سوريا، فقد تختلف التأويلات في هذا الشأن حول الشروط التي قد يسعي ترامب لفرضها علي روسيا فيما يخص تواجدها في سوريا ، سواء الانسحاب الكامل أو التفاوض علي التعاون لمواجهة داعش بعد اقناع ترامب ان الوجود الروسي من شأنه تعزيز الاستقرار .
أما القاعدة العسكرية الروسية في السودان تبرز كأحدث الملفات الخلافية وذلك على خلفية مساعي روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية في مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، وتأسيساً على ذلك من المرجح إن إدارة ترامب قد تدفع بشرط الانسحاب الكامل لروسيا من سوريا من أجل إفشال مخطط روسيا مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، نظراً لأن روسيا تستخدم قواعدها في سوريا لإرسال الأسلحة والقوات إلى عملياتها العسكرية في إفريقيا.
وأخيرا تعد العلاقات الروسية الإيرانية من اهم الملفات النقاشية خاصة مع تنامي درجة الاعتمادية الإيرانية علي روسيا عقب تنامي التقارب بينهما على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية حيث الدعم الإيراني لها بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة و8 آلاف مسيرة إيرانية أثناء حرب في أوكرانيا مما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على طهران.
واتصالاً من المرجح أن تفاوض روسيا خلال محادثاتها مع الولايات المتحدة برفع العقوبات عن إيران كجزء من اتفاق سلام في أوكرانيا، وذلك بالنظر لما يمكن أن تساهم به زيادة صادرات النفط الإيراني في استقرار أسعار الطاقة، مما سيسهم بشكل مباشر في التعافي الاقتصادي الروسي بعد الحرب.
ورغم أن الإطاحة بالأسد من الرئاسة في سوريا، أضعفت بشكل كبير نفوذ روسيا وإيران على حد سواء في الشرق الأوسط، وساهم في تفكك محور المقاومة الإيراني إلا أن ذلك لم يوقف اهتمام روسيا وإيران بالحفاظ على وجودهما بالمنطقة.، خاصة انه بدون سوريا سيجد النظام الإيراني صعوبة في إعادة بناء قوة حزب الله.
من منظور إسرائيل والولايات المتحدة، لابد من التوصل إلى وضوح استراتيجي يتعلق بطبيعة التعاون بين إيران وروسيا، كما أنها تسعي إلي إيصال رسائل مهمة إلى ايران عبر موسكو.
ختاماً: تلعب المملكة دورًا محوريًا في المشهد الدبلوماسي الدولي، حيث توازن بين المصالح الاستراتيجية لروسيا والولايات المتحدة، مما يعزز موقعها كوسيط موثوق. ومع تصاعد التوترات بين القوتين، يظل دورها عاملاً حاسمًا في تعزيز الاستقرار العالمي وضمان استمرار قنوات الحوار بما يخدم المصالح الدولية والإقليمية خاصة في ظل تصاعد درجة الاعتمادية بين الملفات .