لجريدة عمان:
2025-04-10@08:39:43 GMT

«كثيرة جدا هذه اليابسة» لعبدالله حبيب

تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT

«كثيرة جدا هذه اليابسة» لعبدالله حبيب

يندرج كتاب «كثيرةٌ جدًا هذه اليابسة» للكاتب والسينمائي العماني عبدالله حبيب -الصادر حديثا عن دار روايات بالشارقة- تحت مظلة (أدب الشذرات) أو (الكتابة الشذرية)، لكن هل هي فعلًا مجرّد شذرات؟ لا يبدو الأمر هكذا على إطلاقه؛ فالكاتب نفسه لم يكن ليحسم الأمر بهذه البساطة وإلا لم يكن ليضعها تحت ثلاثة أجناس مختلفة هي «شذرات، تأمُّلات، نصوص» في العنوان الفرعي الذي يلي العنوان الرئيس.

في الحوار الذي أجرته الكاتبة والإعلامية أمل السعيدية مع عبدالله حبيب في برنامج (الفهرس) سعى الكاتب إلى تفكيك مصطلح (الشذرة Fragment) الذي يختلف تماما -من وجهة نظره- عن مفهوم آخر قد يتداخل معه ألا وهو (الحكمة aphorism)، ومن ثَمَّ اقترح عبدالله حبيب مصطلح (شَظَرَة) -كعادته في صَكَّ كلمات جديدة واجتراح مصطلحات منحوتة أخرى- لتُعبّر عن تشظّي الشكل والمضمون معًا وتشذُّرهما؛ لينتج ذلك النص المُكَثّف دلاليًا والمُختَزَل نصيًّا والعميق شعريًا وفلسفيًا، وهو قد مارس هذا النوع من الكتابة باحترافٍ عالٍ في كتبه الأخرى.

لِنَعُد مرة أخرى إلى العنوان -باعتباره شفرة الكتاب وعتبته الأولى- لنجد أنه يحيلنا إلى اليابسة، بل وإلى الكثير منها لكننا حين نعيد البصر كرتين لن نجد في الغلاف الخارجي ما يشير إليها (أي إلى اليابسة) أو يومئ إلى أيٍّ من علاماتها، على العكس من ذلك سنجد أن الغلاف يحتوي على صورة محارة كبيرة تضم أصدافا بحرية، وبلغة السيميائيين فإن صورة المحارة هي أيقونة دالة على البحر، والبحر نقيض اليابسة، وعلى هذا الأساس فإن عنوان الكتاب المخاتل ليس كما يبدو لنا على ظاهره، وإنما يتضمن معنى دلاليا محتجبا عن القارئ. فأين يتوارى ذلك المعنى؟

سنحتاج للإجابة عن هذا السؤال إلى الانتقالَ إلى العتبة الثانية للكتاب وهي هنا (فهرس المحتويات) لنجد أن الكاتب قد عنونه بـ«خريطة اليابسة»، وإذن فلن يجد القارئ في هذا الكتاب سوى اليابسة، والدليل على ذلك أن المؤلف وضع ثلاث عتبات أخرى مُتَضَمّنة في هذه الخريطة؛ ليُدلّل بها على التنويعات النصية التي يشتمل عليها الكتاب، وهي التي كانت على غلاف الكتاب عنوانا فرعيا، وقد قسَّمها كالآتي: «شذرة أولى، تأمُّل ثانٍ، نصُّ ثالث»؛ ليعطي ملمحًا عمّا يمكن أن يشي بأمثلة لها، (مع ملاحظة أن مصطلح «نصوص» ينفتح على أجناس أدبية مختلفة فهي قد تشمل «القصيدة النثرية، والهايكو، والومضة، وق.ق.ج... إلخ»). هذه الأقسام الثلاثة تحتلُّ ثلاث ورقات من الكتاب -في فهرس خريطة اليابسة- ثم لا شيء آخر سوى (اليابسة) التي تحتلُّ الكتاب بأكمله -«فهرسيا» على الأقل- ابتداء من الصفحة (13)، وانتهاء بالصفحة (186) التي يُختَم بها الكتاب.

وإذن فما علاقة البحر بأصدافه في كتاب ينفتح على اليابسة في جميع صفحاته؟ قد لا يتمكن القارئ من الحصول على إجابة لهذا السؤال الذي سيظلُّ يشغل باله وهو يقرأ الكتاب بأناةٍ وتأمُّل ومتعةٍ إلى حين يعثر على الشذرة التي اقتُطِعَ منها عنوان الكتاب، وهي الشذرة رقم (318) في صفحة (130)، يقول فيها عبدالله حبيب: «كثيرةٌ جدًا هذه اليابسة على القواقع وسكان المياه»، وهنا تماما تنحلُّ إحدى عُقَد العنوان، فاليابسة من زاوية الرؤية هذه كثيرة جدا بالنسبة إلى أهل البحر وسكّانه، أما بالمعنى الطبوغرافي فهي ليست كبيرة إذ لا تشكل سوى 29% من مساحة الأرض، ومع ذلك فهي خواء وخلاء ويابسة حقا- بالمعنى اللغوي والفلسفي- لمن يعشق البحر ويراه كونيا ويجد فيه خلاصه وامتداده الأنطولوجي.

لِنَعُد مرة أخرى إلى العنوان، ماذا أراد الكاتب أن يقول حين اقتطع من هذه الشذرة عنوانًا كبيرًا لكتابه، ووسم به فهرس محتوياته؟ إن قراءة فاحصة ومتمعّنة في مضامين الكتاب وميكانزماته الظاهرة والخفية بكل ما فيها من أفكار ورؤى ودلالات، وعمق فلسفي، وإيقاع وصدى موسيقي، واقتباسات وتعالقات نصية...إلخ يشعر بها القارئ كلما تقدّم في قراءته، ويحسُّ بها وهي تهزّ وجدانه شعريا، بل وتزلزل مسلّماته وقناعاته، وتفتح ذهنه ووعيه على قضايا مختلفة كل ذلك -يقول الكاتب دون أن ينطق به لسانه- مجرد يابسة (لا ماء فيها ولا رواء بالمعنى اللغوي لليباس). وإذن فأين هو الماء؟ وأين هو البحر مع كل هذا العمق الدلالي الذي تكتنز به شذرات الكتاب وتأمُّلاته ونصوصه؟ يردّ الكاتب دون أن ينبس: هو هناك خارج جلدتي الكتاب، هو ذاك البحر بأصدافه وقواقعه وأرواحه وعمقه اللانهائي، هناك خارج حدود هذا الكتاب يقع الكون اللامحدود بكل اتساعه وغموضه واكتناز مدلولاته، فما يقع خارج هذه اليابسة هو أجدى نفعًا وأعمق أثرا؛ لأنه ينفتح على الحياة بأسرها.

في الحوار الذي أجراه الكاتب والإعلامي سليمان المعمري معه بمناسبة حصوله على جائزة الإنجاز الثقافي البارز في عمان لعام 2011، والمُضَمَّن في كتاب «ليس من زماننا، عبدالله حبيب» يسأل سليمان صديقه عبدالله حبيب عن علاقته بالبحر، فيجيب عبدالله: «كلا. أخشى أنني لا أستطيع ذلك. قد يمكن الحديث عن البحر حين أكون فيه وحدي. أنت تسألني هذا السؤال ونحن على اليابسة. حين أكون وحدي في البحر فإن سؤالك ملغى من الأساس. أرجوك سامحني. لا تسألني عن البحر».

وإذا كان كل ما سبق هو تأمُّلٌ في عتبة العنوان، ونحن نحاول أن نَلِجَ إلى عوالم عبدالله حبيب الرحبة والمنفتحة على فضاءاتٍ ورؤىً في شتى الموضوعات والقضايا والمواقف التي يحتشد بها الكتاب فما بالنا إذا توقفنا عند كل شذرة أو تأمُّل أو نصٍّ بالفهم والتحليل، لا بد لنا والحال كذلك إلى دراسة مُعَمَّقة مُطوَّلة لصيد اللقى الدلالية والفلسفية التي يزخر بها الكتاب، وقد قال تزفتان تودورف يوما: «إن النص الأدبي يجب أن يُنتج زلزالا دلاليا»، فما بالنا بنص تتفجر براكينه الدلالية في كل (شظرة)، وإذن فالقارئ على موعد مع وجبة ذهنية وثقافية وروحية دسمة تحتاج إلى التشمير عن ساعد الذهن للغوص في أعماق هذه اليابسة الكثيرة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عبدالله حبیب هذه الیابسة

إقرأ أيضاً:

ورشة عمل بـ"زراعة القناة" لتدريب أعضاء هيئة التدريس على إعداد الكتاب الإلكتروني التفاعلي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نظمت كلية الزراعة جامعة قناة السويس، ورشة عمل حول إعداد الكتاب الإلكتروني التفاعلي، وذلك في إطار استعدادات الجامعة لتنفيذ قرارات المجلس الأعلى للجامعات بشأن تحويل الكتب الإلكترونية إلى كتب إلكترونية تفاعلية بدءًا من العام الدراسي المقبل 2025/2026.

تحت إشراف عام من الدكتور محمد عبد النعيم نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب وبإشراف الدكتور محمود فرج، عميد كلية الزراعة، وبإشراف تنفيذي الدكتور إيهاب محمد ربيع، وكيل الكلية لشؤون التعليم والطلاب، والدكتور أحمد يحيى، مدير وحدة تكنولوجيا المعلومات، وبالتنسيق والدعم الفني من الأستاذة ريهام بلاش، عضو وحدة تكنولوجيا المعلومات بالكلية، تم تدريب أكثر من 50 عضو هيئة تدريس من كلية الزراعة على كيفية إعداد الكتاب الإلكتروني التفاعلي.

وقد أكد الدكتور ناصر مندور، رئيس الجامعة، أن هذه الورش تأتي في إطار التزام الجامعة بتوجيهات المجلس الأعلى للجامعات بهدف تطوير العملية التعليمية وتوفير محتوى تعليمي تفاعلي يمكن أن يسهم في رفع مستوى الطلاب الأكاديمي.

وأوضح أن الجامعة تسعى لتوفير بيئة تعليمية مبتكرة تراعي احتياجات العصر وتواكب التطورات التكنولوجية، مع التأكيد على أهمية الاستعداد المبكر لضمان تطبيق هذه التكنولوجيا بشكل فعال في العام الدراسي المقبل.

فيما أشار الدكتور محمد عبد النعيم نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب أن الجامعة بجميع كلياتها ستواصل تنظيم ورش تدريبية لاحقة لجميع أعضاء هيئة التدريس وفقًا للخطة الزمنية المحددة.

كما أفاد الدكتور محمود فرج، عميد كلية الزراعة، بأن إطلاق هذه الورشة جاء بهدف تأهيل أعضاء هيئة التدريس وتجهيزهم للعمل على الكتاب الإلكتروني التفاعلي.

ومن جانبه، أوضح السيدة الدكتور إيهاب ربيع أن الورشة توفر للمتدربين الفرصة لتعلم كيفية تحويل المناهج الدراسية إلى كتب إلكترونية تفاعلية، مما سيمكن الطلاب من التفاعل مع المحتوى التعليمي بطريقة جديدة ومبتكرة.

وأضاف الدكتور إيهاب محمد ربيع، أن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية الجامعة في تطوير التعليم وتبني التقنيات الحديثة لتعزيز التجربة التعليمية للطلاب، مشيرًا إلى أن الكلية ستواصل تنظيم هذه الدورات التدريبية لتغطية كافة الكليات بالجامعة.

مقالات مشابهة

  • مجلة أمريكية: علينا ان نستذكر “المرة الوحيدة” التي أوقف فيها “الحوثيون” هجماتهم في البحر 
  • هيئة الكتاب تقدم تخفيضات على أعمال نجيب محفوظ
  • حزب الكتاب: الدعم الأمريكي لمقترح الحكم الذاتي سيساهم في طي ملف الصحراء نهائياً
  • تحليل أمريكي: ما أبرز التحديات التي ستواجه ترامب بشأن القضاء على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • الإجازات كثيرة والفريق سيئ.. شوبير ينتقد كولر قبل مباراة الهلال
  • ورشة عمل بـ"زراعة القناة" لتدريب أعضاء هيئة التدريس على إعداد الكتاب الإلكتروني التفاعلي
  • الكرملين: مسائل كثيرة «يفترض حلها» للتوصل إلى هدنة مع كييف
  • بنسعيد وجدل صفقات معرض الكتاب: مابغيناش تنظيم عشوائي (فيديو)
  • بول مكارثي: محمد صلاح متفوق بفارق كبير في سباق جائزة رابطة الكتاب
  • محمد صلاح الأقرب لحصد جائزة رابطة الكتاب | تفاصيل