صورة العربي في سرديات الواقعية السحرية
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
يبدو عنوان المقال مغريا بل مثيرا للفضول لمعرفة صورة العربي في واحدة من أهم السرديات الأدبية في العالم، ولكن قبل ذلك لا بد من الاعتراف بأن هذا العنوان مقتبس من كتاب «صورة العربي في سرديات أمريكا اللاتينية» للكاتب الكوبي ريجوبيرتو إرنانديث باريديس (1963) الصادر عن دار كلمة بترجمة المترجم المصري المبدع أحمد عبداللطيف (1978).
غنيّ عن التذكير بأن الأسباب التي دفعت بالعرب في بلاد الشام إلى الهجرة إلى قارات العالم الجديد تعود لأسباب سياسية واقتصادية، أما السياسية فنتيجة لاضطهاد العثمانيين للعرب وتجنيدهم الإجباري في الجيش لخوض صراعات الأتراك الخاسرة، وأما الأسباب الاقتصادية فنظرا للمجاعة الكبرى التي وقعت في عام 1915م، وحسبما يورد باريديس في كتابه فقد بدأت هجرات فردية عربية إلى الأمريكيتين «منذ بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ففي سنة 1854 وصل إلى بوسطن بالولايات المتحدة، طالب اللاهوت أنطونيو فريحة البشحلاني، وفي سنة 1859 وصل إلى البرازيل اللبناني يوسف موسى، ثم دخلت هجرات عربية جماعية كانت وجهتهم الأولى الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وتشيلي، أما الوجهة الثانية فكانت فنزويلا وكولومبيا والإكوادور».
ويذكر باريديس في مقدمة كتابه أنه «استطاع كُتّاب أمريكيا اللاتينية عبر الأدب، أن يستعيدوا صورا خاصة بهم، صورا عايشوها وعادة ما ظهر فيها بائع جوال سُمي (عربي) أو طبيب بلقب عربي. ليس غريبا إذن أن نجد في العالم السردي شخصيات، مثل سانتياجو نصار، ابن رجل عربي، أو ناثيب سعد سوري يحمل الجنسية البرازيلية، ولعل جابرييل جارثيا ماركيز (1927-2014)، وجورجي أمادو (1912-2001)، مثار فخر الآداب الأمريكية اللاتينية، كانا شاهدين في عالمهما الواقعي على الحضور المستمر للمهاجر القادم من المشرق أو لنسله».
استعرض الكاتب نماذج من صور المهاجر العربي الذي يسمى مرة بالتركي ومرة بالسوري، وكان العربي في هيئة بائع متجول كما هو مدوّن في السرد الكوبي، أو متعدد المهام والمهن في روايات الكولومبي ماركيز «ساعة نحس»، و«الكولونيل لا يجد من يكاتبه»، و«مئة عام من العزلة»، و«سرد أحداث موت معلن».
أما الكاتب البرازيلي جورجي أمادو -فهو كما يصفه المؤلف الكوبي- الكاتب الأمريكي اللاتيني الذي تناول العربي في رواياته بشكل أوسع، خاصة عمليه «جابرييلا والمسمار والقرفة» و«عن كيف اكتشف العرب أمريكا» وفيهما منح البطولة لصورة المهاجر العربي.
يحضر العربي، وتحديدا الدرزي، في واحدة من أجمل القصص البوليسية التي ابتدعها الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخس ( 1899-1986) في كتاب «ست مشكلات تواجه السيد إيسيدرو بارودي». أما في تشيلي فتأتي أعمال الكاتبة إيزابيل الليندي (1942) التي تتخذ من شخصية رياض الحلبي تميمة في أعمالها الروائية والقصصية، سواء في رواية «بيت الأرواح»، أو قصص أيفا لونا «ذهب توماس بارجس» و«ضيف المدرسة». وعن التشيلي أيضا يقول الباحث الكوبي: «إنها أكثر بلدان أمريكا اللاتينية في عدد المؤلفين من أصول عربية -فلسطينيون بالأساس- الذين عالجوا في أعمالهم السردية موضوع الهجرة العربية، وأشهرهم والتر غريب (1933)».
يختم باريديس كتابه برواية «حفلة التيس» للكاتب البيروفي ماريو بارغاس يوسا (1936)، ويتحدث فيها عن الوجود العربي في الدومينيكان. ذكر يوسا في الرواية التي تتحدث عن ديكتاتورية رافائيل توروخيو (1891-1961) رئيس جمهورية الدومينكان، شخصية تركية/ لبنانية هو سلفادور إسترييا سعد الله «الذي يحلم من آن إلى آخر باليوم الذي فيه يزور جبل لبنان، يزور هذه المدينة وربما القرية المسماة باسكينته، مسقط رأس عائلة سعد الله التي انحدر منها أسلافه من جهة أمه».
يوسا أيضا ذكر العرب في باريس ومدريد ودبي، في روايته «شيطنات الطفلة الخبيثة» التي ترجمها المرحوم صالح علماني (1949-2019)، والصادرة عن منشورات الجمل في عام 2021م، وقبلها صدرت عن دار المدى للمترجم ذاته في عام 2014م. في هذه الرواية يتحدث البطل ريكارديتو سوموكوريثو عن زيارته لمدينة الإسكندرية، إذ يقول: «قمت بجولة في المدينة القديمة التي أسسها الإسكندر، وزرت متحفها الذي يضم آثارا رومانية، وبقايا مدرجها الروماني، وقمت بنزهة طويلة على كورنيشها البحري الجميل الممتلئ بالمقاهي، والمطاعم، والفنادق، ومتاجر السياح، حيث تمور حشود صاخبة وكوزموبوليتية، وبينما أنا جالس في أحد مقاهي الرصيف تلك جعلتني أفكر في الشاعر كافاني -لم يكن بالإمكان زيارة بيته في الحي اليوناني المختفي والمتعرب الآن- فهناك لافتة بالإنجليزية تشير إلى أن البيت يخضع للترميم من قبل القنصلية اليونانية».
تبقى صورة الإنسان العربي المنفلتة من التأطير النمطي كأي إنسان آخر في الكون لا يُقدس ولا يُدنس، بل إنسان له سلوكيات وأفعال يتخذها وفق قناعات ورغبات معينة، ولكن سعينا إلى الإنصاف يجعلنا نبحث عمن يكتب عن الشخصية العربية دون زيف مثلما هي بألقها وكبريائها وهزائمها وخيباتها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العربی فی فی عام
إقرأ أيضاً:
منح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري كمال داود جائزة غونكور عن روايته الحوريات
منح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري كمال داود أمس الاثنين جائزة غونكور التي تعد أبرز المكافآت الأدبية الفرنكوفونية عن روايته "الحوريات" الصادرة عن دار "غاليمار"، وتتناول الحرب الأهلية في الجزائر بين 1992 و2002 المعروفة بـ"العشرية السوداء".
وقال الكاتب البالغ (54 عاما) في مطعم "دروان" الذي أُعلن منه اسما الفائزين بجائزتَي غونكور ورونودو "أنا سعيد جدا. إنها عبارة مستهلكة، لكن لا توجد كلمات أخرى".
وكان داود من أكثر الأسماء التي حظيت باهتمام المراقبين هذا العام، خصوصا بعدما اقترب الكاتب الجزائري من نيل جائزة غونكور لعام 2014 عن روايته الصادرة بالفرنسية "ميرسو تحقيق مضاد" أو "معارضة الغريب" (Meursault, contre-enquete).
ونال داود 6 من أصوات أعضاء أكاديمية غونكور العشرة، في مقابل اثنين للفرنسية إيلين غودي وواحد لكلّ من مواطنتها ساندرين كوليت والفرنسي من أصل رواندي غاييل فاي الذي حصل على جائزة رونودو، وفق ما أعلن رئيس أكاديمية "غونكور" الكاتب فيليب كلوديل.
وأوضح كلوديل أن "أكاديمية غونكور توّجت كتابا تتنافس فيه القصائد الغنائية مع التراجيديا، ويعبّر عن العذابات المرتبطة بفترة مظلمة من تاريخ الجزائر، وخصوصا ما عانته النساء". وأضاف "تُظهر هذه الرواية إلى أي مدى يستطيع الأدب، في حريته العالية في معاينة الواقع، وكثافته العاطفية، أن يرسم إلى جانب القصة التاريخية لشعب ما، سبيلا آخر للذاكرة".
وتُعدُّ "الحوريات" (Houris) رواية سوداوية بطلتها الشابة أوب التي فقدت قدرتها على الكلام بعد ذبحها، وحرص داود على أن تكون شخصية امرأة هي الراوية للحبكة، واختار لبداية القصة مدينة وهران التي كان يعمل فيها صحفيا خلال "العشرية السوداء"، ثم تجري الأحدث في الصحراء الجزائرية التي تنتقل إليها أوب لتعود إلى قريتها.
وهذه الرواية هي الثالثة لكمال داود والأولى تصدر عن دار غاليمار. وسبق له أن فاز بجائزة لاندرنو للقراء في أكتوبر/تشرين الأول.
حصل داود على الجنسية الفرنسية، وذهب إلى حدّ القول، في إشارة إلى الشاعر غيوم أبولينير الذي ولد في بولندا وتجنّس في ذروة الحرب العالمية الأولى، "أنا مصاب بمتلازمة أبولينير، أنا فرنسي أكثر من الفرنسيين".