لجريدة عمان:
2024-12-27@03:33:51 GMT

صورة العربي في سرديات الواقعية السحرية

تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT

يبدو عنوان المقال مغريا بل مثيرا للفضول لمعرفة صورة العربي في واحدة من أهم السرديات الأدبية في العالم، ولكن قبل ذلك لا بد من الاعتراف بأن هذا العنوان مقتبس من كتاب «صورة العربي في سرديات أمريكا اللاتينية» للكاتب الكوبي ريجوبيرتو إرنانديث باريديس (1963) الصادر عن دار كلمة بترجمة المترجم المصري المبدع أحمد عبداللطيف (1978).

والكاتب الكوبي -حسب النبذة المكتوبة عنه في الكتاب- باحث وأكاديمي تولى إدارة «متحف بيت العرب» التابع لإدارة مؤرخ هافانا، وعني منذ بداية مساره البحثي بالكثير من جوانب الثقافة العربية ومسارها وتفاعلها في كوبا. نشر العديد من الأبحاث حول الموضوع نفسه منها كتاب بعنوان «العرب في كوبا» نشر في عام 2007م.

غنيّ عن التذكير بأن الأسباب التي دفعت بالعرب في بلاد الشام إلى الهجرة إلى قارات العالم الجديد تعود لأسباب سياسية واقتصادية، أما السياسية فنتيجة لاضطهاد العثمانيين للعرب وتجنيدهم الإجباري في الجيش لخوض صراعات الأتراك الخاسرة، وأما الأسباب الاقتصادية فنظرا للمجاعة الكبرى التي وقعت في عام 1915م، وحسبما يورد باريديس في كتابه فقد بدأت هجرات فردية عربية إلى الأمريكيتين «منذ بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ففي سنة 1854 وصل إلى بوسطن بالولايات المتحدة، طالب اللاهوت أنطونيو فريحة البشحلاني، وفي سنة 1859 وصل إلى البرازيل اللبناني يوسف موسى، ثم دخلت هجرات عربية جماعية كانت وجهتهم الأولى الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وتشيلي، أما الوجهة الثانية فكانت فنزويلا وكولومبيا والإكوادور».

ويذكر باريديس في مقدمة كتابه أنه «استطاع كُتّاب أمريكيا اللاتينية عبر الأدب، أن يستعيدوا صورا خاصة بهم، صورا عايشوها وعادة ما ظهر فيها بائع جوال سُمي (عربي) أو طبيب بلقب عربي. ليس غريبا إذن أن نجد في العالم السردي شخصيات، مثل سانتياجو نصار، ابن رجل عربي، أو ناثيب سعد سوري يحمل الجنسية البرازيلية، ولعل جابرييل جارثيا ماركيز (1927-2014)، وجورجي أمادو (1912-2001)، مثار فخر الآداب الأمريكية اللاتينية، كانا شاهدين في عالمهما الواقعي على الحضور المستمر للمهاجر القادم من المشرق أو لنسله».

استعرض الكاتب نماذج من صور المهاجر العربي الذي يسمى مرة بالتركي ومرة بالسوري، وكان العربي في هيئة بائع متجول كما هو مدوّن في السرد الكوبي، أو متعدد المهام والمهن في روايات الكولومبي ماركيز «ساعة نحس»، و«الكولونيل لا يجد من يكاتبه»، و«مئة عام من العزلة»، و«سرد أحداث موت معلن».

أما الكاتب البرازيلي جورجي أمادو -فهو كما يصفه المؤلف الكوبي- الكاتب الأمريكي اللاتيني الذي تناول العربي في رواياته بشكل أوسع، خاصة عمليه «جابرييلا والمسمار والقرفة» و«عن كيف اكتشف العرب أمريكا» وفيهما منح البطولة لصورة المهاجر العربي.

يحضر العربي، وتحديدا الدرزي، في واحدة من أجمل القصص البوليسية التي ابتدعها الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخس ( 1899-1986) في كتاب «ست مشكلات تواجه السيد إيسيدرو بارودي». أما في تشيلي فتأتي أعمال الكاتبة إيزابيل الليندي (1942) التي تتخذ من شخصية رياض الحلبي تميمة في أعمالها الروائية والقصصية، سواء في رواية «بيت الأرواح»، أو قصص أيفا لونا «ذهب توماس بارجس» و«ضيف المدرسة». وعن التشيلي أيضا يقول الباحث الكوبي: «إنها أكثر بلدان أمريكا اللاتينية في عدد المؤلفين من أصول عربية -فلسطينيون بالأساس- الذين عالجوا في أعمالهم السردية موضوع الهجرة العربية، وأشهرهم والتر غريب (1933)».

يختم باريديس كتابه برواية «حفلة التيس» للكاتب البيروفي ماريو بارغاس يوسا (1936)، ويتحدث فيها عن الوجود العربي في الدومينيكان. ذكر يوسا في الرواية التي تتحدث عن ديكتاتورية رافائيل توروخيو (1891-1961) رئيس جمهورية الدومينكان، شخصية تركية/ لبنانية هو سلفادور إسترييا سعد الله «الذي يحلم من آن إلى آخر باليوم الذي فيه يزور جبل لبنان، يزور هذه المدينة وربما القرية المسماة باسكينته، مسقط رأس عائلة سعد الله التي انحدر منها أسلافه من جهة أمه».

يوسا أيضا ذكر العرب في باريس ومدريد ودبي، في روايته «شيطنات الطفلة الخبيثة» التي ترجمها المرحوم صالح علماني (1949-2019)، والصادرة عن منشورات الجمل في عام 2021م، وقبلها صدرت عن دار المدى للمترجم ذاته في عام 2014م. في هذه الرواية يتحدث البطل ريكارديتو سوموكوريثو عن زيارته لمدينة الإسكندرية، إذ يقول: «قمت بجولة في المدينة القديمة التي أسسها الإسكندر، وزرت متحفها الذي يضم آثارا رومانية، وبقايا مدرجها الروماني، وقمت بنزهة طويلة على كورنيشها البحري الجميل الممتلئ بالمقاهي، والمطاعم، والفنادق، ومتاجر السياح، حيث تمور حشود صاخبة وكوزموبوليتية، وبينما أنا جالس في أحد مقاهي الرصيف تلك جعلتني أفكر في الشاعر كافاني -لم يكن بالإمكان زيارة بيته في الحي اليوناني المختفي والمتعرب الآن- فهناك لافتة بالإنجليزية تشير إلى أن البيت يخضع للترميم من قبل القنصلية اليونانية».

تبقى صورة الإنسان العربي المنفلتة من التأطير النمطي كأي إنسان آخر في الكون لا يُقدس ولا يُدنس، بل إنسان له سلوكيات وأفعال يتخذها وفق قناعات ورغبات معينة، ولكن سعينا إلى الإنصاف يجعلنا نبحث عمن يكتب عن الشخصية العربية دون زيف مثلما هي بألقها وكبريائها وهزائمها وخيباتها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العربی فی فی عام

إقرأ أيضاً:

عزاء الكاتب الراحل محمد طعيمة غدا في «عمر مكرم».. و«الوطن» تنعى الفقيد

توفي الكاتب الصحفي محمد طعيمة أمس، وتستقبل الأسرة العزاء عقب صلاة المغرب غدا في مسجد عمر مكرم بميدان التحرير.

وتنعى جريدة «الوطن» الكاتب الصحفي القدير محمد طعيمة، الذي وافته المنية بعد مسيرة صحفية حافلة بالعطاء والإبداع، فكان الراحل أحد الأسماء اللامعة في مجال الصحافة المصرية، قدّم العديد من المقالات والتحقيقات التي أثرت المشهد الإعلامي المصري وأضاءت قضايا مهمة في المجتمع.

وتتقدم جريدة «الوطن» بخالص التعازي لأسرته وأصدقائه وزملائه في جميع أنحاء مصر، سائلين الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

مقالات مشابهة

  • سعد الدين حسن .. الكاتب الذي حادثه الوزير على تليفون المقهى
  • محمد فاضل: عاطف الطيب رمز للسينما الواقعية وجيل جديد من المبدعين
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … ونحن أيضا
  • ” الهُدهُد ” .. قصيدة من الشاعر محمد المجالي مُهداة لِلسجين الحُرّ الكاتب أحمد حسن الزّعبي
  • عزاء الكاتب الراحل محمد طعيمة غدا في «عمر مكرم».. و«الوطن» تنعى الفقيد
  • الأحدب: لتتوقف التركيبات الأمنية التي تهدف لتشويه صورة طرابلس
  • تقنيات "روساتوم" تساعد في مكافحة بعوض الحمى الصفراء في أمريكا اللاتينية
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. أحياء في قاع المدينة
  • صخر الشارخ.. قصة العربي الذي جعل الحواسيب تتحدث بالعربية
  • نيجيرفان بارزاني يعزي بوفاة الكاتب الكوردي فتاح أميري