الفضاء الثقافي لمدينة العُلا والمحيط الإبداعي الطبيعي
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
نوف الموسى (الرياض)
إعادة التفكير بالفضاء الثقافي، باعتباره المشكل الأساسي للمساحات الاجتماعية، ذات التأثير الحيّ والمباشر لإحداث الحالة الإبداعية في التجربة الإنسانية، تمثل محوراً جوهرياً في جّل المناقشات المعرفية والفكرية والعلمية، وجاءت بمثابة بحث مستدام حول رمزية القيم والمعاني الإنسانية المرتبطة بالبيئة الطبيعية، ضمن جلسات «قمة العُلا لمستقبل الثقافة» لعام 2024، الذي أقيم في فبراير الماضي، بموقع «ديمومة» في محافظة العُلا بالمملكة العربية السعودية، وذلك بتنظيم من الهيئة الملكية لمحافظة العُلا بالشراكة مع وزارة الثقافة السعودية، فلا يُمكن بشكل ما التفكير بالثقافة بمعزل عن الطبيعة الأم، بل وتكاد تكون الطبيعة مصدراً مهماً لإدراك الإمكانات الناتجة عن العلاقة الممتدة بين الديناميكية الجغرافية للغة الأرض والأشكال التعبيرية للهوية الإنسانية وتنوعها.
المحيط الإبداعي الطبيعي
الحديث عن المصالح البشرية وغير البشرية، وربطها بمقومات البنى التحتية الثقافية، وآلية صياغة حوار فني يحدث في ما يمكن أن نسميه بالمحيط الإبداعي الطبيعي، تصدر مشهد الرؤى الثقافية لمستقبل محافظة العُلا السعودية، ما يهدي القائمين على الثقافة، في منطقة الخليج العربي، نقاطاً ثقافية تنموية مشتركة، ففي دولة الإمارات، وتحديداً في العاصمة أبوظبي، وضمن فعاليات القمة الثقافية، التي أقيمت مؤخراً بمنارة السعديات، جاءت الموضوعات الرئيسية لإدراك لحظة التحوّل التاريخية التي نتعامل بها مع مفهوم «الوقت»، وتمثل السؤال المحوري للحدث حول «الزمن الثقافي» وكيفية تنسيقه على إيقاع «الوعي البشري» و«الطبيعة»، فالأخير بمثابة محرك وجودي ومرجعية إبداعية لمشهدية النمو الفني والثقافي، وأغلب ما يتم تداوله في المنصات النقاشية الإقليمية والدولية يدور هو مسألة الحفاظ على استدامة فعل الحياة الطبيعية، في ظل متغيرات الهوية الثقافية، ذات الارتباط التفاعلي بالتقنية ومنهجية الاقتصاد الإبداعي.
تكمن أهمية القراءة النوعية لمضامين «قمة العُلا لمستقبل الثقافة»، لاستشفاف أبعاد التفاعل اللحظي للفعل الثقافي، سواءً على مستوى التبادل البحثي والمعرفي في الجلسات النقاشية، إلى جانب الورش العملية، في كونها تعكس حضور «المحفزات الثقافية» في البيئة الطبيعية لجغرافيا العُلا، التي تمتاز بشكل رئيسي بالأراضي الزراعية، وتشهد بذلك مزارع النخيل الممتدة، إضافة إلى الإرث التاريخي والجمالي لآثارها، أبرزها «مدائن صالح»، و«منطقة الحجر» المسجلة لدى منظمة اليونسكو، وغيرها من المواقع الأثرية المفتوحة، واتصالها جميعها بالمجتمعات الفنية الجديدة في مدينة العُلا، مثل «مساحة العُلا للتصميم»، «حي الجديدة للفنون».
تفسيرات فنية وإبداعية
واللافت في «قمة العُلا لمستقبل الثقافة»، ما سعى إليه القائمون على الحدث، بتقديم تفسيرات فنية وإبداعية للغة الحوارية بين المتخصصين أنفسهم والمبدعين والإعلامين والجمهور العام، وذلك من خلال الزيارات الميدانية لأبرز المواقع الفنية، وتنظيم عروض أداء حيّة، وتسجيل ملاحظات التفاعلات الإنسانية بين الزائر والأرض، ويبرز ذلك في مشروع «وادي الفن»، ومهرجان العُلا للفنون، ومعرض «رمي عيني» في قاعة مرايا، والمشروع الفني الأهم معرض «صحراء x العُلا».
بين الحوارات العامة في «قمة العُلا لمستقبل الثقافة» حول «تأثير وسائل الإعلام والإبداع على التواصل الثقافي» و«تعزيز الإبداع من خلال ريادة الأعمال والتعاون بين الثقافات»، أثارت نقاشات جلسة «البيئة الطبيعية: التنمية الثقافية والبيئة»، مسألة مهمة فيما يمكن أن تثيره أزمة المناخ العالمية من لقاءات بين الفن والمناظر الطبيعية، حيث أشارت أكيكو ميكي، المديرة الفنية الدولية لموقع بينيس للفنون ناوشيما في اليابان، إلى أنه من خلال تمازج الفن والهندسة المعمارية وسط الطبيعة اليابانية، أتيحت فرصة استثنائية لسكان المحليين لبناء علاقات جديدة وممتدة مع الطبيعية الأم، فمن خلال موقع بينيس للفنون ناوشيما، المصنف كأول حديقة وطنية في اليابان بمناظرها الطبيعية ضمن المدينة التاريخية، شهد المجتمع الثقافي والفني، تشجيعاً واسعاً نحو التفكير النقدي للمجتمع المعاصر، خاصةً أن الموقع بتضاريسه نتاج مسؤولية ثقافية واجتماعية وفنية، لمواجهة تحديات بيئية تضمنت الموروثات السلبية للتوسع الحضري المفرط والتلوث وانخفاض معدل المواليد.
ذاكرة جمعية
ودعماً للمناقشات العلمية فيما يتعلق بالتجارب البحثية في مجال دعم التنمية الثقافية والبيئة الطبيعية، شارك وائل الأعور، المعماري والمؤسس المشارك لوكالة واي واي للبحث والتصميم، في قمة العُلا لمستقبل الثقافة، بتجربته في مشروع «أرضٌ لَدِنة»، ضمن مشاركة الجناح الوطني لدولة الإمارات، الذي أقيم ضمن فعاليات بينالي البندقية لعام 2020، باعتباره قيماً على المعرض بالتعاون مع القيّم كينيتشي تيراموتو، موضحين وقتها أنه يمكن تسخير المكتشفات الطبيعية للأراضي المالحة في تطوير مواد بناء مستدامة، إلا أن المفهوم الأكثر إلتقاءً مع الموضوعات الرئيسية للقمة هو أن السبخات في مشروع «أرضٌ لَدِنة»، تحمل ذاكرة جمعية للمنطقة المحلية لدولة الإمارات مشكلةً مساحة اجتماعية تفاعلية، وعرض هذه التجربة يثري الفلسفة الفكرية والثقافية لمشروع الرؤية الثقافية لمدينة «العُلا»، والتي تتركز على المنظومة المجتمعية في كونها تساهم في بناء الهوية انطلاقاً من الطبيعة الجغرافية للمكان، والسعي لإدماج المجتمع المحلي في مشروعات تطوير الفضاءات الثقافية عبر البيئات الطبيعية، يُعد ركيزة أساسية لاستدامتها وتطورها.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
مصر تسجل “آلة السمسمية.. العزف عليها وتصنيعها” في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي
نجحت جمهورية مصر العربية في تسجيل عنصر “آلة السمسمية: العزف عليها وتصنيعها” في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو، جاء هذا الإنجاز نتيجة التعاون المثمر بين وزارتي الثقافة والخارجية خلال اجتماع اللجنة الحكومية الدولية لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي المنعقد في باراجواي.
وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة: “بتسجيل السمسمية، يصل عدد العناصر التراثية المصرية المسجلة إلى 10 عناصر، مما يعكس غنى التراث المصري وأهميته على الساحة العالمية.
وأضاف: “تعد آلة السمسمية رمزًا ثقافيًا حيًا يعبر عن الهوية المصرية، حيث صاحبت المصريين في أفراحهم ونضالهم، خاصة في منطقة قناة السويس، وحملت معاني الكفاح والبهجة”.
وأشار الوزير إلى أن هذه الآلة أصبحت مصدر إلهام لجيل جديد من الأطفال الذين يتعلمون فنونها على أيدي الفنانين المهرة، مما يضمن استمرار هذا التراث عبر الأجيال.
وأكد أن لجنة صياغة ملف السمسمية استغرقت عامين من العمل الدؤوب بقيادة الأستاذ الدكتور محمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون ومقرر لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة.
كما شارك في هذا الجهد جهات ثقافية متعددة، منها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وصندوق التنمية الثقافية، والمركز القومي للسينما، في إطار حرص الدولة على صون تراثها الثقافي.
من جانبها، قالت الدكتورة نهلة إمام، مستشار وزير الثقافة للتراث الثقافي غير المادي ورئيسة الوفد المصري المشارك في اجتماعات لجنة اليونسكو في باراجواي:”أتوجه بالشكر لكل عازف وصانع للسمسمية الذين حافظوا على تراثهم بالرغم من التحديات، واليوم هو يوم للاحتفال والفخر بهذه الآلة المحببة، والاعتزاز باعتراف اليونسكو بهذا الإرث الثقافي الفريد”.
وتابعت: هذا الإنجاز يؤكد التزام مصر بالحفاظ على تراثها الثقافي كجزء أصيل من هويتها الوطنية وكنز إنساني مشترك للعالم أجمع.
بوابة روز اليوسف
إنضم لقناة النيلين على واتساب