أزمات باكستان الاقتصادية تمزق الطبقة الوسطى
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
تتجه باكستان إلى فرض المزيد من الإجراءات التي ستمس بشكل مباشر الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وذلك لمواجهة الضغوط الاقتصادية المتزايدة، وتطبيقا لشروط صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج إقراض، ومن هذه الإجراءات فرض المزيد من الضرائب وتخصيص الشركات الحكومية.
في عام 2017، خلال فترة نادرة من الاستقرار، كان يُنظر إلى الطبقة الوسطى في باكستان على أنها صاعدة، وقدرت إحدى الدراسات أنها تشكل نحو 40% من السكان.
بيد أن البيانات الرسمية لعام 2019، تشير إلى أن حوالي 30% من الباكستانيين لديهم دخل يزيد عن 10 دولارات في اليوم، وهو معيار يستخدمه بعض الاقتصاديين كعتبة للدخول إلى الطبقة المتوسطة العالمية.
الطبقة الوسطى تكافحونقلت صحيفة أميركية عن جاويد غني نائب مستشار جامعة الغزالي في كراتشي، الذي أجرى أبحاثا حول الطبقة المتوسطة في باكستان، "لقد تضررت الطبقة المتوسطة بشدة في السنوات القليلة الماضية".
وتقول أسر كثيرة في الدولة التي يبلغ عدد سكانها نحو 250 مليون نسمة، إنها تكافح للتشبث بالطبقة المتوسطة وسط معاناة من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وفق تقرير توجهات المستهلك الصادر عن مجموعة أبحاث السوق "إبسوس"، التي وجدت أن واحدا فقط من بين كل 10 باكستانيين يرى أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح.
وفي الوقت نفسه -وفق الصحيفة- فقدت الأسر التي لم تعد فقيرة، لكنها ليست من الطبقة المتوسطة، كذلك وضعها. ففي السنة المالية الباكستانية التي انتهت في يونيو/حزيران الماضي، سقط أكثر من 12 مليون شخص في براثن الفقر، بحسب البنك الدولي، قياسا بمعيار الدخل اليومي (3.65 دولارات في اليوم). ويعكس عدد الأشخاص أيضا تأثير الفيضانات المدمرة في عام 2022.
ويمثل إصلاح الاقتصاد المنهار أولوية الحكومة الجديدة التي يرأسها رئيس الوزراء شهباز شريف، الذي تولى منصبه هذا الشهر بعد الانتخابات التي يزعم المرشحون السياسيون ومراقبو المجتمع المدني أنها شهدت تزويرا، فقد توقف النمو الاقتصادي وبلغ متوسط التضخم ما يقرب من 30% في السنة المالية الحالية في باكستان، كما أن الديون تتصاعد.
وقال إعجاز نبي، المدير التنفيذي لاتحاد أبحاث سياسات التنمية، وهو مركز أبحاث اقتصادي في باكستان، "النمو الاقتصادي الحقيقي، بعد أخذ الزيادات السكانية في الاعتبار، قد يكون بالسالب"، داعيا الحكومة إلى التركيز على السيطرة على التضخم وكسب مجال للمناورة من خلال خفض العجز.
وأضاف أن "الاقتصاد لا يولد فرص العمل، وليس لديك الحيز المالي لإصلاح المشاكل الطويلة الأجل".
وفي اعتراف بالضائقة الصعبة التي تمر بها البلاد، عين محمد أورنغزيب وزيرا للمالية، وهو شخصية من خارج الأحزاب السياسية. وقال شريف في أول اجتماع لمجلس الوزراء "نحن بحاجة لعملية جراحية، ولا يمكننا الاكتفاء بالمضادات الحيوية".
وأورنغزيب، الذي عمل سابقا في بنك "جيه بي مورغان" وترأس أحد أكبر البنوك الخاصة في باكستان، مكلف بوضع برنامج إنقاذ طويل الأجل مع صندوق النقد الدولي، الذي تعتبر قروضه أساسية لتمكين باكستان من سداد ديونها.
ولدى باكستان احتياطات من العملات الأجنبية تبلغ 8 مليارات دولار، في حين يتعين عليها توفير 22 مليار دولار لمدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري للسنة المالية المقبلة، التي تبدأ في يوليو/تموز المقبل، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وحصلت باكستان على قروض من صندوق النقد في غير مرة، وتسعى البلاد الآن إلى الحصول على خطة الإنقاذ الـ24، وينتهي قرض صندوق النقد المؤقت الحالي في أبريل/نيسان المقبل.
ويفرض برامج صندوق النقد الدولي دواء اقتصاديا مرا، كافحت الإدارات الباكستانية السابقة للتمسك به في مواجهة المعارضة الشعبية، وفي ظل رئاسة شريف حكومة ائتلافية "هشة"، وفق الصحيفة، ومواجهته معارضة ضخمة وغاضبة، فإن ابتلاع هذا الدواء سيكون أصعب هذه المرة، وقد دفع صندوق النقد الحكومة بالفعل إلى زيادة الضرائب وخفض الدعم عن المرافق والوقود.
وارتفعت فواتير الكهرباء في الصيف، كما زادت فواتير الغاز الطبيعي، المستخدم لتدفئة المنازل في الشتاء، بأكثر من 900% في فبراير/شباط الماضي مقارنة بالعام السابق، ومن المقرر أن ترتفع الأسعار مجددا في الأسابيع المقبلة.
تزويروفي خطاب ألقاه في البرلمان في وقت سابق من هذا الشهر، قال زعيم كتلة المعارضة عمر أيوب خان إن شريف هو رئيس وزراء "محتال وليس له الحق في تنفيذ إصلاحات أو فرض ضرائب جديدة".
وزعم مرشحون سياسيون مرتبطون بزعيم المعارضة المسجون عمران خان أنهم كانوا سيفوزون بأغلبية في البرلمان لولا تزوير الانتخابات، في حين تنفي السلطات الباكستانية تزويرها.
وحث حزب خان صندوق النقد على ربط الإقراض المستقبلي بمراجعة مستقلة لنتائج الانتخابات، لكن الصندوق الذي يعمل بالفعل مع الحكومة الجديدة، قال إن السلطات يجب أن تعمل على إيجاد حل سلمي للنزاعات الانتخابية.
صندوق النقد مجدداوقال الصندوق الأربعاء الماضي إن باكستان استوفت المعايير اللازمة لإتمام برنامج الإقراض المؤقت الذي ينتهي في أبريل/نيسان القادم، مضيفا أن الوضع الاقتصادي للبلاد تحسن في الأشهر الأخيرة، لكن النمو سيكون متواضعا.
ولخفض العجز في باكستان، يريد الصندوق منها أن تخصخص الشركات الخاسرة المملوكة للدولة، مثل الخطوط الجوية الباكستانية (بي آي إيه)، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان عشرات آلاف الوظائف.
كما يريد الصندوق توسيع القاعدة الضريبية لتشمل قطاعات التجزئة والعقارات والزراعة، وهي قواعد دعم مهمة للحكومة الائتلافية، وتبلغ نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي في باكستان أقل من 10%.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات صندوق النقد الدولی الطبقة المتوسطة فی باکستان
إقرأ أيضاً:
الإفطار بالماء.. رمضان يحل على اليمنيين وسط أزمات غير مسبوقة
صنعاء ـ "لم يستطع زوجي شراء التمر خلال شهر رمضان المبارك، وأصبحنا نفطر على الماء، وصنف واحد من الطعام"، بهذه الكلمات تشكو اليمنية أم عبد الله الأحمدي وضعها المعيشي الصعب في الشهر الفضيل الذي يحل على البلد المصنف من بين أفقر بلدان العالم.
تضيف أم عبد الله المقيمة في تعز -أكبر المحافظات اليمنية سكانا- أن أسرتها المكونة من 8 أفراد لا تملك سوى قليل من الدقيق والزيت، أما التمر والأرز والسكر والشاي فهي مواد غير متوفرة، بسبب الفقر والبطالة التي يعاني منها زوجها".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2فيديو.. ماذا يفتقد الغزيون في رمضان؟list 2 of 2سنة أولى صيام.. كيف تحفزين طفلك لشهر رمضان؟end of listويأتي شهر رمضان في وقت يعاني فيه معظم سكان اليمن من الفقر الذي تسبب في العيش من دون أدنى متطلبات الشهر المبارك.
ويوم الأربعاء 5 مارس/آذار الجاري أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في بيان مقتضب عبر منصة "إكس"، بأن أكثر من نصف سكان اليمن بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، مع دخول البلاد عامها العاشر من الصراع.
وأضاف أن معدلات الجوع في البلاد شهدت ارتفاعًا نتيجة الانقطاعات في المساعدات الغذائية والتراجع الاقتصادي المستمر والصراع والصدمات المناخية.
أكثر من نصف سكان #اليمن بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، مع دخول البلاد عامها العاشر من الصراع.
وشهدت معدلات الجوع في البلاد ارتفاعًا نتيجة التقلصات والانقطاعات في المساعدات الغذائية والتراجع الاقتصادي المستمر، والصراع، والصدمات المناخية. pic.twitter.com/yjlj8FePQe
— OCHA MENA (@ocharomena) March 5, 2025
إعلانوتواصل الأحمدي نقل معاناتها جراء الفقر، قائلة "في أول أيام رمضان قررت ترك منزل زوجي إلى بيت أبي نتيجة عدم توفر متطلبات الشهر الكريم، لكن بعض الأهل والجيران قدموا لي القليل من المساعدات وبقيت في منزلي".
وأردفت "زوجي عامل بالأجر اليومي، ومع غياب فرص العمل هذا العام ساء وضعنا وأصبحنا لا يهمنا توفير التمور أو تحسين الوجبات بقدر الاهتمام بمكافحة الجوع".
بدوره، يصف المواطن اليمني علي سعيد الذي يعمل بمهنة البناء في العاصمة صنعاء وضع أسرته في رمضان هذا العام بالمأساوي للغاية، جراء غياب فرص العمل، وتوقف المساعدات الإنسانية والمبادرات الخيرية التي كانت تنشط في الشهر الفضيل خلال الأعوام الماضية.
وأضاف الرجل الأربعيني للجزيرة نت أن أسرته المكونة من 5 أفراد تفطر على الماء بدلا من التمر الذي ارتفع سعره كثيرا، وتمتلك فقط نصف كيس دقيق وجالون زيت سعته 4 لترات ونزرا يسيرا من المتطلبات الأساسية الأخرى.
وتابع "لا أعلم أين كان هذا الوضع مخبأ لي، وقفت عاجزا عن توفير أدنى مقومات الحياة لأسرتي بسبب شح الأعمال بشكل كبير. نتمنى فقط أن نستطع توفير المقومات الأساسية لأطفالنا، أما المتطلبات الأخرى فقد استغنينا عنها".
تنتشر في بعض المدن اليمنية مبادرات رمضانية تحاول تخفيف المعاناة لدى الفقراء في شهر رمضان، فيعدّ مشروع "شباب التمكين" من المبادرات الشبابية الإنسانية التي تنشط في الشهر الفضيل بمدينة تعز.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول مدير المشروع ضياء إسماعيل إنه يقوم مع فريقه بتقديم وجبات يومية خلال رمضان تستهدف 250 أسرة من النازحين والمحتاجين.
وأضاف إسماعيل أن المشروع إنساني بحت يهدف إلى تخفيف معاناة الفقراء والمساكين في الشهر الكريم، بدعم من فاعلي خير، خصوصا في ظل تراجع المعونات واستمرار تدهور الأوضاع المعيشية.
وفي العاصمة صنعاء، أسست السيدة حنان علي مطبخا رمضانيا يقدم الوجبات للأسر المتعففة خلال شهر رمضان.
إعلانوتقول حنان للجزيرة نت إنها تقدم 200 وجبة يومية خلال أيام رمضان الحالي للأسر المتعففة داخل البيوت والحارات، وجزء منها لعابري السبيل وممن يزورون المطبخ ويطلبونها.
وأضافت السيدة اليمنية أن الوجبات المقدمة تشمل الأرز والخبز والشوربة، بدعم من فاعلي خير، مشيرة إلى أنه بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة "شهد هذا العام تراجعا ملحوظا في المبادرات الإنسانية والمطابخ الخيرية في العاصمة صنعاء، والتي كانت تحظى بمنافسة كبيرة خلال السنوات الماضية. ونتيجة لذلك، أصبحنا نقدم 200 وجبة فقط من أصل 600 وجبة خلال السنوات الماضية".
يحل رمضان على اليمنيين ونسبة البطالة وصلت إلى 60% بينما ما يقارب 80% تحت خط الفقر، حسب تقارير حكومية.
ويرى الباحث الاجتماعي عيبان محمد السامعي أن رمضان يأتي واليمنيون يعانون من تردّ غير مسبوق في الوضع المعيشي بسبب استمرار الحرب وما أفرزته من تدهور بالأوضاع الاقتصادية وتراجع حاد في قيمة العملة المحلية.
وأضاف السامعي للجزيرة نت أن هذا الأمر انعكس سلبا على القيمة الحقيقية للأجور والرواتب لموظفي القطاع الحكومي، إذ كان متوسط الأجر الشهري للموظف في عام 2015 ما يعادل 250 دولارا في حين أصبح في عام 2025 أدنى من 50 دولارا وهو أجر هزيل لا يغطي الحد الأدنى من معيشة الأسرة اليمنية التي تتكون في متوسطها العام من 6 أفراد.
وأشار إلى أن الحرب تسببت في ارتفاع مخيف لنسبة الفقر والبطالة، إذ تشير تقارير أممية إلى أن نسبة اليمنيين ممن باتوا يعيشون تحت خط الفقر الدولي تتجاوز 85%، وذلك يعني تآكل الطبقة الوسطى واتساع طبقة الفقراء والمعوزين واستمرار غياب الحلول التي من شأنها أن تحد من هذا التدهور المتسارع.
ولفت إلى أن هناك مبادرات يقوم بها فاعلو خير ومنظمات مجتمع مدني، تقدم بعض المساعدات الغذائية للأسر الفقيرة، لكنها تبقى محدودة ولا تغطي إلا نزرًا يسيرًا من الاحتياجات نظرًا لاتساع رقعة الفقر.
بدوره، يقول الصحفي المهتم بالشؤون الإنسانية محمد جمال الطياري إن الوضع في اليمن يعد من أكثر الأزمات تعقيدًا وتدهورًا على مستوى العالم نتيجة عقد من الصراع المرير.
إعلانوأضاف الطياري للجزيرة نت أن ملايين اليمنيين يصومون وهم يعانون من تبعات الحرب التي طال أمدها، مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ومحدودية الأجور وتقلص القدرة الشرائية، وانحسار المبادرات الخيرية، وشح فرص العمل وتوقف الدعم الإنساني من المنظمات الدولية.
وشدد على أن الوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي لتوفير الدعم المالي والإنساني اللازم لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة، معتبرا أنه من دون حل سياسي شامل للصراع ستستمر الأزمة الإنسانية في التفاقم وتهدد مستقبل أجيال كاملة.