حين صام السفير الألماني السابق، والكاتب المعروف مراد هوفمان لأول مرة بعد إسلامه، قدَّم رؤيته للصيام بأنه التحرر من الشهوات، واستعادة النفس لسيادتها، بل وأبدى فرحه الكبير بذلك لدرجة أنه خشي أن فرحه باستعادة نفسه حريتها وسيادتها سيذهب عنه أجر الصيام، وهو في الحقيقة ملمح غير بعيد عن الحكمة من فريضة الصيام، فالله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه بعد فرض الصيام (لعلكم تتقون)، فالتحرر من الشهوات والغرائز في فترة الصيام امتثالا لأمر الله هو التقوى، وهو تمرين للنفوس للسيطرة على تلك الشهوات والغرائز ومنها حب المال وشهوة التمسك به.
فالصيام من العبادات المساعدة على السيطرة على غريزة حب المال، والمحفزة على الإنفاق في سبيل الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم: «كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان»، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به محفز آخر للإنفاق في رمضان، كما أن ثواب تفطير الصائم الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا» محفز آخر للإنفاق، إضافة إلى ما ذكر من فضل الأعمال الصالحة وفعل الخيرات في هذا الشهر عموما عن غيره من شهور السنة لما فيه من مضاعفة للأجور، كما أن الحرص على الصيام الصحيح، والاحتياط لذلك في الوصايا حافز آخر من محفزات الإنفاق في سبيل الله، لذلك كله سجلت صحائف الوقف في سلطنة عمان تنوعا للأوقاف المرتبطة بالصيام، فقد تنوعت بين أوقاف للصائمين أنفسهم، وأوقاف للصيام، وأوقاف لكفارات الصيام.
من أبرز الأوقاف المرتبطة بالصائمين أوقاف فطرة الصائمين، وهي من الأوقاف المنتشرة في مدن عمان وقراها من أقصى شمال عمان إلى أقصى جنوبها، وقلما تخلو منها قرية أو وصية من وصايا الموسرين خاصة، وغيرهم ممن يوقف القليل من ماله للفطرة، وقد ارتبطت أوقاف الفطرة بالمساجد في المدن والقرى، إضافة إلى المساجد التي تقع على الطرق التي تربط مناطق سلطنة عمان المختلفة، وقد برز بعض التفصيل الدقيق في بعض أوقاف الفطرة، وقد حفظت لنا المصادر وصية يزيد بن عزيز بن راشد العماني (ق7هـ/13م) الذي وقف لإفطار الصائمين العمانيين في المسجد الحرام، إذ أوصى بأن ينقل التمر من عمان إلى مكة شرفها الله سنويا، كما حددت أوقاف أخرى الكميات المخصصة للفطرة في بعض المساجد بالوزن، ففي مسجد (الصبارة) بولاية أدم مثلا: حُدِّدَت الفطرة باثني عشر منًّا من تمر (الفرض) كل ليلة من ليالي الشهر الكريم، كما تميزت بعض الأوقاف بأنها مخصصة لفطرة النساء، سواء تلك التي خصصت للفطرة بالقرب من (مجائز) النساء أم في المصليات الخاصة بهن، ومن أوقاف الصائمين أيضا أوقاف السحور، وهي ليست بمستوى انتشار أوقاف الفطرة، وقد حُدِّد في بعضها بأن يقدم فيها الخبز والحلوى. إضافة إلى ذلك فهناك وقف اشتهر في بعض المناطق من سلطنة عمان وهو ما يعرف بوقف ليلة النصف من رمضان.
أما أوقاف الصيام، فهي نابعة من أمرين اثنين، الأول هو صيام القضاء احتياطا عما يمكن أن يكون قد فسد من صيام الواقف، أو صيام الأيام التي ورد بها أثر في فضل صيامها، وقد اشتهر عند أهل عمان قديما صيام شهر رجب لما ذكر له من فضل -قبل أن تستقر الفتوى بغير ذلك-، لذلك وُقِفت أوقاف كثيرة لصيامه، وصفة أوقاف الصيام أنها عن أصول موقوفة، يؤجر بعائدها من يصوم عن الواقف بحسب شرطه، إما قضاء عما فاته من صيام، أو أداء للصيام في الأيام أو الأشهر التي حددها ولا سيما شهر رجب الأصم، أما ما يتعلق بأوقاف كفارات الصيام، وهي «تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا»، فقد ارتبطت الأوقاف بالإطعام، إذ وقف كثير من أهل عمان أوقافا لأداء الكفارة المغلظة، وقد خصُّوا في بعض الأحيان بتوزيعها يوم التاسع من ذي الحجة.
إن سماحة النفوس في هذا الشهر الفضيل، وتحفزها للإنفاق بما تجود به الأيدي رغبة منها في نيل الثواب العظيم في أيامه المباركة، تستدعي من القائمين على الأوقاف تهيئة البيئة المناسبة لإنفاقهم، وذلك بتقديم الأفكار الوقفية، وتسهيل الإجراءات للوقف ولو بالمبالغ البسيطة لمراعاة رغبة الناس في الإنفاق من جهة ووضعهم المعيشي من جهة أخرى.
* لم يحدد المصدر مقدار المنّ المراد هنا، فكما هو معلوم هناك اختلاف في أوزان المنّ قديما في عمان، فعلى سبيل المثال: يُقَدَّر (منّ نزوى) بأقل من كيلو جرام واحد بقليل، بينما يصل وزن (منّ مسقط) إلى 4 كيلو جرام.
** المجازة غرفة صغيرة تقام على ساقية الفلج يدخلها الفلج ويخرج منها على حسب مجراه، كانت تستخدم للاستحمام. وهناك مجائز مخصصة للنساء ومجائز مخصصة للرجال.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان فی بعض
إقرأ أيضاً:
"الدولة" ينهي مناقشة 3 مشروعات قوانين "السجل التجاري" و"المنازعات" ومؤسسات المجتمع المدني"
مسقط- الرؤية
ناقش مجلس الدولة، الثلاثاء، "مشروع قانون السجل العقاري" و"مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (47/97)"، ومشروع قانون "مؤسسات المجتمع المدني"، ودراسة اللجنة الخاصة بشأن "آلية تنويع مصادر الدخل في سلطنة عُمان"، واستعرض تقرير الأمانة العامة حول أنشطة المجلس، وذلك خلال أعمال الجلسة الثامنة لدور الانعقاد العادي الثاني من الفترة الثامنة، برئاسة معالي الشيخ عبدالملك بن عبدالله الخليلي رئيس المجلس، بحضور المكرمين أعضاء المجلس، وسعادة الأمين العام.
بدأت الجلسة أعمالها بكلمة لمعالي الشيخ رئيس المجلس حول جدول أعمال الجلسة، كما قدم الشكر للأعضاء وللأمانة العامة ولموظفي إدارة شؤون منشآت مجلس عمان وشرطة عُمان السلطانية ووسائل الإعلام.
عقب ذلك ناقشت الجلسة رأي اللجنة القانونية حول "مشروع قانون السجل العقاري" المحال من مجلس الوزراء، حيث أوضح المكرَّم الشيخ سلطان بن مطر العزيزي رئيس اللجنة أن مشروع القانون يأتي استجابة لحاجة وطنية ملحة إلى تطوير الإطار القانوني المنظم لتسجيل وتوثيق العقارات في سلطنة عمان، وذلك في ظل التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد على مدى العقود الماضية، فمنذ صدور نظام السجل العقاري السابق بموجب المرسوم السلطاني رقم (47/97) الذي استمر العمل به لأكثر من خمسة وعشرين عاما، وقد طرأت مستجدات عمرانية واقتصادية وتشريعية متسارعة جعلت من الضروري إعادة النظر في منظومة التسجيل العقاري، وأدى تنامي الحركة العمرانية وازدهار سوق العقار إلى بروز تحديات جديدة تستلزم قانونا عصريا قادرا على مواكبة هذه التحديثات عليه.
وأضاف يرتكز المشروع على عدة محاور، من بينها تعزيز الحماية القانونية للملاك والمستفيدين، وتنظيم إجراءات التسجيل والتصرفات العقارية، إضافة الى تمكين التوثيق الرقمي، وإصدار سندات ملكية إلكترونية ترتبط بالأنظمة الحكومية ذات العلاقة بما يواكب التوجه الوطني نحو التحول الرقمي.
بعد ذلك ناقشت الجلسة رأي اللجنة الاجتماعية والثقافية بشأن مشروع قانون "مؤسسات المجتمع المدني"، حيث أوضح المكرَّم الدكتور محمد بن سعيد الحجري رئيس اللجنة الاجتماعية والثقافية بالمجلس، أن أهمية مشروع القانون تأتي من خلال جملة من المعطيات والمتغيرات من أهمها أن القانون الحالي مضى عليه خمسة وعشرون عاماً وهو قانون الجمعيات الأهلية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ١٤ لعام 2000م، ومن هنا تكمن أهمية إصدار قانون حديث يتماشى مع التحديات والمتغيرات التي تواجهها مؤسسات المجتمع المدني ولما يعطي من الفاعلية والحوكمة لهذا القطاع المدني المهم الذي يلعب دوراً محورياً في العمل التطوعي والخيري والمهني في سلطنة عمان، ويتسم بالشفافية والحوكمة بما يتماشى مع المتغيرات المختلفة التي يشهدها المجتمع العماني.
وأضاف رئيس اللجنة الاجتماعية والثقافية أن مشروع القانون تضمن عددا من الأحكام الموضوعية المتعلقة بعمل مؤسسات المجتمع المدني وأهدافها التي تعزز من مكانتها ودورها الحيوي المنوط بها في خدمة المجتمع من خلال عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية والجمعيات المهنية والفرق التطوعية وأندية الجاليات، كما عالج مشروع القانون التحديات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني من خلال ممارسة القانون الحالي.
بعد ذلك ناقشت اللجنة "مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (47/97)" حيث أوضح المكرم الشيخ سلطان بن مطر العزيزي رئيس اللجنة القانونية في بيان اللجنة أن التعديل يأتي استجابة للتحولات المتسارعة في البيئة القانونية والاستثمارية وما تقتضيه من تحديث النصوص المنظمة للتحكيم، بوصفه وسيلة فعالة لتسوية النزاعات خارج نطاق المحاكم، خاصة في ظل توسع الأنشطة التجارية والاستثمارية وتنامي الحاجة إلى آليات مرنة وسريعة للفصل في المنازعات.
وأشار إلى أنَّ اللجنة تدارست الأبعاد العملية للتعديلات المقترحة، ومدى تأثيرها على أطراف التحكيم ومراكز التحكيم المحلية والدولية، مع مراعاة التوجهات الحديثة في قوانين التحكيم المقارنة، بما يعزز من مكانة سلطنة عمان كمركز جاذب لفض النزاعات التجارية، ويمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الثقة في نظام التحكيم، وتهيئة بيئة قانونية محفزة للاستثمار وتدعم توجه سلطنة عمان نحو تبني أفضل الممارسات في مجالات العدالة والتقاضي بما ينسجم مع مستهدفات رؤية عمان 2040".
وفي ختام الجلسة، تمت مناقشة دراسة اللجنة الخاصة بشأن "آلية تنويع مصادر الدخل في سلطنة عُمان"، والتي تهدف إلى الوقوف على التحديات التي تواجه الاستدامة المالية وتنويع مصادر الدخل والتعرف على مكامن الهدر وضعف الكفاءة، وإيجاد الحلول الممكنة للتعامل مع التحديات التي تواجه التقدم المأمول في تنويع مصادر الدخل والاستدامة المالية، وتقديم مقترحات لدعم استقرار المالية العامة في الخطة الخمسية الحادية عشرة بما في ذلك التشريعات والحوكمة.
كما تمت مناقشة عدد من التقارير المقدمة من اللجان والمكرمين الأعضاء، واستعراض تقرير الأمانة العامة حول أنشطة المجلس.