لجريدة عمان:
2025-01-09@00:33:57 GMT

أوقاف الصيام في سلطنة عمان

تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT

أوقاف الصيام في سلطنة عمان

حين صام السفير الألماني السابق، والكاتب المعروف مراد هوفمان لأول مرة بعد إسلامه، قدَّم رؤيته للصيام بأنه التحرر من الشهوات، واستعادة النفس لسيادتها، بل وأبدى فرحه الكبير بذلك لدرجة أنه خشي أن فرحه باستعادة نفسه حريتها وسيادتها سيذهب عنه أجر الصيام، وهو في الحقيقة ملمح غير بعيد عن الحكمة من فريضة الصيام، فالله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه بعد فرض الصيام (لعلكم تتقون)، فالتحرر من الشهوات والغرائز في فترة الصيام امتثالا لأمر الله هو التقوى، وهو تمرين للنفوس للسيطرة على تلك الشهوات والغرائز ومنها حب المال وشهوة التمسك به.

فالصيام من العبادات المساعدة على السيطرة على غريزة حب المال، والمحفزة على الإنفاق في سبيل الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم: «كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان»، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به محفز آخر للإنفاق في رمضان، كما أن ثواب تفطير الصائم الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا» محفز آخر للإنفاق، إضافة إلى ما ذكر من فضل الأعمال الصالحة وفعل الخيرات في هذا الشهر عموما عن غيره من شهور السنة لما فيه من مضاعفة للأجور، كما أن الحرص على الصيام الصحيح، والاحتياط لذلك في الوصايا حافز آخر من محفزات الإنفاق في سبيل الله، لذلك كله سجلت صحائف الوقف في سلطنة عمان تنوعا للأوقاف المرتبطة بالصيام، فقد تنوعت بين أوقاف للصائمين أنفسهم، وأوقاف للصيام، وأوقاف لكفارات الصيام.

من أبرز الأوقاف المرتبطة بالصائمين أوقاف فطرة الصائمين، وهي من الأوقاف المنتشرة في مدن عمان وقراها من أقصى شمال عمان إلى أقصى جنوبها، وقلما تخلو منها قرية أو وصية من وصايا الموسرين خاصة، وغيرهم ممن يوقف القليل من ماله للفطرة، وقد ارتبطت أوقاف الفطرة بالمساجد في المدن والقرى، إضافة إلى المساجد التي تقع على الطرق التي تربط مناطق سلطنة عمان المختلفة، وقد برز بعض التفصيل الدقيق في بعض أوقاف الفطرة، وقد حفظت لنا المصادر وصية يزيد بن عزيز بن راشد العماني (ق7هـ/13م) الذي وقف لإفطار الصائمين العمانيين في المسجد الحرام، إذ أوصى بأن ينقل التمر من عمان إلى مكة شرفها الله سنويا، كما حددت أوقاف أخرى الكميات المخصصة للفطرة في بعض المساجد بالوزن، ففي مسجد (الصبارة) بولاية أدم مثلا: حُدِّدَت الفطرة باثني عشر منًّا من تمر (الفرض) كل ليلة من ليالي الشهر الكريم، كما تميزت بعض الأوقاف بأنها مخصصة لفطرة النساء، سواء تلك التي خصصت للفطرة بالقرب من (مجائز) النساء أم في المصليات الخاصة بهن، ومن أوقاف الصائمين أيضا أوقاف السحور، وهي ليست بمستوى انتشار أوقاف الفطرة، وقد حُدِّد في بعضها بأن يقدم فيها الخبز والحلوى. إضافة إلى ذلك فهناك وقف اشتهر في بعض المناطق من سلطنة عمان وهو ما يعرف بوقف ليلة النصف من رمضان.

أما أوقاف الصيام، فهي نابعة من أمرين اثنين، الأول هو صيام القضاء احتياطا عما يمكن أن يكون قد فسد من صيام الواقف، أو صيام الأيام التي ورد بها أثر في فضل صيامها، وقد اشتهر عند أهل عمان قديما صيام شهر رجب لما ذكر له من فضل -قبل أن تستقر الفتوى بغير ذلك-، لذلك وُقِفت أوقاف كثيرة لصيامه، وصفة أوقاف الصيام أنها عن أصول موقوفة، يؤجر بعائدها من يصوم عن الواقف بحسب شرطه، إما قضاء عما فاته من صيام، أو أداء للصيام في الأيام أو الأشهر التي حددها ولا سيما شهر رجب الأصم، أما ما يتعلق بأوقاف كفارات الصيام، وهي «تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا»، فقد ارتبطت الأوقاف بالإطعام، إذ وقف كثير من أهل عمان أوقافا لأداء الكفارة المغلظة، وقد خصُّوا في بعض الأحيان بتوزيعها يوم التاسع من ذي الحجة.

إن سماحة النفوس في هذا الشهر الفضيل، وتحفزها للإنفاق بما تجود به الأيدي رغبة منها في نيل الثواب العظيم في أيامه المباركة، تستدعي من القائمين على الأوقاف تهيئة البيئة المناسبة لإنفاقهم، وذلك بتقديم الأفكار الوقفية، وتسهيل الإجراءات للوقف ولو بالمبالغ البسيطة لمراعاة رغبة الناس في الإنفاق من جهة ووضعهم المعيشي من جهة أخرى.

* لم يحدد المصدر مقدار المنّ المراد هنا، فكما هو معلوم هناك اختلاف في أوزان المنّ قديما في عمان، فعلى سبيل المثال: يُقَدَّر (منّ نزوى) بأقل من كيلو جرام واحد بقليل، بينما يصل وزن (منّ مسقط) إلى 4 كيلو جرام.

** المجازة غرفة صغيرة تقام على ساقية الفلج يدخلها الفلج ويخرج منها على حسب مجراه، كانت تستخدم للاستحمام. وهناك مجائز مخصصة للنساء ومجائز مخصصة للرجال.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: سلطنة عمان فی بعض

إقرأ أيضاً:

«الشراكة».. الهُوية التي نذهب بها نحو العالم

أبرز أمرين في تدشين الهوية الترويجية الموحدة لسلطنة عمان اليوم تمثلا في أن يدشن الهُوية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بنفسه؛ وفي ذلك تقدير كبير واهتمام من جلالته بالمشروع والدور المنوط به في رسم صورة ذهنية إيجابية عن سلطنة عمان. وهذا المشروع هو جزء من استراتيجية تم تطويرها لتقود المنظومة الترويجية المتكاملة لسلطنة عمان.

أما الأمر الثاني، وهو لا يقل أهمية عن الأمر الأول، فيتعلق بالمواطنين والمقيمين على أرض سلطنة عُمان أو من صوتوا من خارجها حيث إنهم اختاروا الهُوية التي تشير إلى دلالة «الشراكة» وفي هذا تأكيد جديد على أن العمانيين يحتفون «بالشراكة» مع الآخر ويقدرون العلاقات الاستراتيجية القائمة على فكرة الشراكة المنبثقة من أصولهم الحضارية، ولكن الساعية نحو مستقبل أكثر حداثة ووضوحا. والمثير في الأمر أن يصوت غير العمانيين لهذا الشعار في إشارة إلى الصورة المتشكلة في أذهانهم عن عُمان أنها بلد «الشراكة» وبلد «التسامح» و«تقبل الآخر».. وهذا أمر مبشر بالخير للهُوية نفسها وقبول الآخر لها حيث إن نجاحها بدأ من لحظة التصويت عليها وعلى القائمين على الأمر والمعنيين بموضوع رسم الصورة الذهنية في وعي الآخر عن عُمان أن ينطلقوا من هذا النجاح.

والموضوع برمته متأصل في الثقافة العمانية، فالعمانيون شعب يملك قيم الترابط والاندماج مع شعوب العالم، بل هو شعب قادر على التأثير المقبول في الآخر لأسباب تتعلق بالشخصية والثقافة العمانيتين وأصولهما الحضارية.

وإذا كانت الهوية الجديدة معنية في المقام الأول بالترويج التجاري والاستثماري إلا أن هذا لا يتحقق عبر الخطاب الاقتصادي أو الاستثماري وحده ولكن يتحقق عبر كل الخطابات بما في ذلك الخطاب السياسي والدبلوماسي والثقافي، وهذه الخطابات الأخيرة يمكن أن تنضوي تحت مصطلح «القوة الناعمة» التي شكلها العمانيون عبر قرون طويلة وحان الوقت لتحويلها إلى قيمة مضافة للمسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ومن الصعب النظر إلى مشروع الهوية الترويجية الموحدة لسلطنة عُمان في معزل عن جهود كبيرة وعميقة تبذل في سلطنة عمان ليس من أجل بناء صورة ذهنية عن عُمان فقط، ولكن -وهذا مهم جدا- من أجل بناء صورة عُمان الجديدة الدولة الحديثة ولكنها المتمسكة بأصولها الحضارية، الدولة المنفتحة على الآخر ولكن دون أن تنْبتَّ عن قيمها ومبادئها السياسية والثقافية، الدولة الذاهبة لبناء علاقات استراتيجية مع العالم ولكن القائمة في الوقت نفسه على مبدأ الشراكة التي تعود بالنفع على الوطن والمواطنين.

ومع تنامي هذا الجهد وبدء بروزه شامخا فوق السطح بفضل الفكر والجهود التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم بنفسه سيستطيع العالم أن يعيد رسم الصورة الذهنية عن عُمان عبر تجميع الكثير من المقولات والصور والمبادئ والسرديات التاريخية والثقافية والسياسية التي ستشكل مجتمعة الصورة التي هي نحن، والقصة التي هي قصتنا، والسردية التي تمثل أمجاد قرون من العمل الإنساني الحضاري. وحين ذاك، وهو قريب لا شك، سيعرف العالم عُمان الجديدة القادمة من أصولنا الحضارية والذاهبة باطمئنان نحو المستقبل الذي نريده.

مقالات مشابهة

  • «الشراكة».. الهُوية التي نذهب بها نحو العالم
  • 11 يناير.. و5 سنوات من أجل عُمان
  • يومان فقط.. تأثر أجواء سلطنة عمان بأخدود من منخفض جوي .. عاجل
  • حكم صيام شهر رجب.. الإفتاء تجيب
  • هل السواك يبطل الصيام؟.. أمين الفتوى يجيب
  • نهضة سلطنة عمان المتجددة.. خمس سنوات مثمرة
  • موعد صيام الأيام البيض في شهر رجب 2025.. الفضل والأجر كما ورد عن النبي
  • نقل 11 معتقلا من غوانتانامو إلى سلطنة عمان
  • علماء أوقاف الفيوم:تسرب التلاميذ من أخطر الآفات التي تواجه العملية التعليمية
  • السفير الرحبي: زيارة الدكتور بدر عبد العاطي إلى مسقط تؤكد عمق الروابط الأخوية التي تجمع البلدين