لجريدة عمان:
2025-04-08@15:51:41 GMT

الاكتشاف الرهيب..

تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT

ذات يوم؛ وقبل أكثر من عقد كنت طالبا جديدا في الكلية، ولم تكن عندي رخصة قيادة فضلا عن امتلاكي لسيارة، ومما زاد الطين بلة أنني كنت قد دخلت في جمعيات مالية أهلية جراء الضغط الاجتماعي وبعض الأقارب والأقران، فهي أحلام زهرية (ستتخرج ويكون عندك وظيفة وتتزوج مباشرة أو تشتري سيارة جديدة بما جمعته من مبالغ)، وبسبب تلك الجمعيات -لا أتذكر فيم صرفت المبلغ، لكنني لم أتزوج بها قطعا- لم أتمكن حينها من استئجار مكان أريح فيه جسدي بعد يوم جامعي طويل.

فبحثت عن الخلاص الذي يعيدني إلى البيت ويوصلني إلى الكلية كل يوم، وكان ابن عمي ذلك المنقذ. فأن تجد من يوصلك مِن وإلى الكلية دون أن تدفع فلسا في وقت تعاني فيه تقشفا أشد مما تفرضه الحكومات خشية صندوق النقد الدولي؛ فتلك نعمة بالغة حينها.

حسنا، كان من الجيد أنني علمت أن ابن عمي يعمل على مقربة من الكلية، وكان من حسن الطالع أنه لا يزال أعزب بلا مسؤوليات تجعله لا يستطيع الوفاء بأخذي وردي معه لدى ذهابه وعودته من عمله. وافق ابن عمي إذن على أن أكون رفيقه اليومي في رحلته اليومية إلى مسقط البعيدة آنذاك. كان كل شيء يجري على ما يرام، لكن جدول الطلاب الجدد كان يشبه أحلام النائم عصرًا؛ فمحاضرة في الثامنة صباحا، تتلوها محاضرة في الخامسة عصرا، وما بين هاتين المحاضرتين؟ اللاشيء!. بدأت تلك السويعات تقتلني ضجرا؛ يا إلهي! سأنتظر كل هذا الوقت دون أن أجد خلاصا أو مهربا منه..

حينها، ولا أدري هل من حسن الطالع أم من شقاوة النفس أنني اخترت كتابا فكريا أقرؤه في تلك الفترة المضطربة جرَّاء ما يعرف بـ«الربيع العربي» وتداعياته. شرعت في القراءة إذن، وبشغف الحالم المنطلق إلى الحياة بصدر عار وكف صِفرٍ إلا من قلم وكتاب؛ قلتُ القراءة منقذتي!. لدى فراغي من قراءة الكتاب الذي كان سهلا في بعض أجزائه، موعرا في أجزاء أخرى، شعرت بنشوة لا تضاهيها نشوة. قلتُ، سأقرأ ألف كتاب!. نعم، فالطالب الذي كان يقرأ على فترات متباعدة كتابا هنا وآخر هناك، اكتشف أنه يستطيع قراءة الكتب في فترة وجيزة -مكره أخاك لا بطل- هروبا من التسكع مع الأقران المنفلتين أو هروبا من المقصف الكبير «الكانتين»، كي لا تأتي الساعة الخامسة وأشعر أنني نقعت ملابسي في قِدر مليء بالثوم والبصل وروائح مشكَّلة من المطبخ الذي كان يدير ذلك المقصف الجامعي. بل ربما كنت أهرب من المذاكرة!، فقد كانت بعض تلك الكتب تشبه من يريد خوض الحرب العالمية الثالثة بحِراب وسيوف مثلومة، كتب ومناهج عفا عليها الزمن وتجاوزتها المرحلة.

حسنا، مهما يكن السبب الذي دفعني لأن أشرع بالقراءة الجادة، فإنه -رغم وعورة الطريق- كان طريقا جديرا بأن يُسلك وتُكتَشف كهوفه ومغاراته. مثلت لي تجربة القراءة في ساعات انتظار ابن العم أولا، ثم القراءة في الطريق مِن وإلى الكلية؛ ملاذا جعل ذلك الهدير الهائج من الأفكار والآمال والأسئلة التي لا حد لها تهدأ قليلا. ربما لن تنتهي أسئلة الإنسان ما دام يتنفس بتاتا ألبتة، ولن تنتهي أسئلة القرّاء خصوصا حتى ولو أتوا على كل الكتب منذ فجر التاريخ حتى يومهم ذاك؛ لكن القراءة تشذِّب الأغصان المتطاولة المائلة على الشارع، فتبقى الثمرة يانعة مفيدة للاستهلاك داخل سور العقل حتى وإن لم يظهر على تلك الشجرة أنها كثيرة الأوراق للمارة خلف السور، ثم ما نفع الأوراق إن كانت لا تؤكل ولا يُستفاد منها؟

بدأ جرس القطار يدق مؤذنا بتحركه، والنداء الأخير لركوب الطائرة يملأ المطار؛ هل سيتراجع ذلك الشاب الذي اكتشف لذة القراءة ومتعة المعرفة؟ أم سيكمل الطريق بوعورته ويكتشف أشجار الثمار وأشجار الزينة في غابة القراءة الشاسعة؟ كان أمام مفترق طرق ضبابي، والقافلة توشك على المسير. قررتُ المجازفة، وسلوك الدرب الشائك، طمعا في اللآلئ المتناثرة خلف الأجمات وفي ثنايا الالتفافات الحادة في جبال الفكر، بل وفي الكنوز التي وجدتها في ديوان شعري أو رواية ضاهت ما شعرت به لسنوات، هكذا تفعل القراءة فعلتها بضحاياها، تمتعهم وتقتلهم في آن.

بدأتُ رحلة الألف كتاب حينها، لكنني وبعد فترة وجيزة اكتشفت «الكتالوج» الخاص بالقراءة (لا يهم عدد الكتب التي تقرؤها، المهم ما تجنيه من تلك الكتب، والأهم أن تقرأ الكتب المفيدة النافعة بتأن وتروٍ وتَفَكُّر ولو أخذَتْ من وقتك ما يعدل قراءة عشرة كتب). هنا اكتشفت أن العدد وهم، ليس مهما أن تقرأ ألف كتاب ولا مليون كتاب؛ المهم ما تجنيه من تلك الكتب، العدد مهم حين تدرك -وفقط حين تدرك- ماذا تقرأ، ولماذا تقرأ. تفتح القراءة للمرء آفاقا جديدة، وأعتقد أن القراءة كالحب تماما. يعرّفها الشعراء، المفكرون، الفلاسفة، المتدينون، البوهيميون والعاديون، لكل امرئ تعريفه للحب وفق معارفه التجريبية أو التي تحصَّل عليها من مصادر أخرى، فهي واسعة جدا، لا محدودة، وغير مُتَّفَق عليها؛ لكن الجميع يتفقون بأنهما -الحب والقراءة- لا يدخل فيهما امرؤ، ويخرج منهما كما دخل، مهما كانت تجربتهما.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«أعراض وعلاج مرض التوحد».. ندوة تثقيفية في دار الكتب بطنطا

نظمت مكتبة دار الكتب بطنطا اليوم الاثنين 7 أبريل، ندوة بعنوان "أعراض وعلاج مرض التوحد"، أدارتها نيفين زايد، مديرة دار الكتب.

ألقت الدكتورة إيناس البنداري، مدرس الصحة النفسية والتربية الخاصة بكلية التربية جامعة طنطا، محاضرة تناولت فيها تعريف مرض التوحد كاضطراب نمائي يمكن اكتشافه خلال أول ثلاث سنوات من عمر الطفل.

بدأت الدكتورة إيناس حديثها بتوضيح أبرز أعراض مرض التوحد، مثل مشاكل التواصل التي تشمل التواصل اللفظي والبصري، وصعوبة التفاعل الاجتماعي وعدم القدرة على الاندماج مع الآخرين. كما أشارت إلى السلوكيات النمطية مثل حركات الدوران أو الرفرفة، وأوضحت أن فرط النشاط ليس سمة عامة بين جميع الأطفال المصابين بالتوحد.كما تحدثت عن الاضطرابات المعرفية، مثل مشاكل الإدراك والحواس التي قد تظهر عند الأطفال منذ الشهور الأولى.

أشارت إلى أهمية القياس التشخيصي عند ملاحظة الأعراض المبكرة، لضمان التدخل السريع وتقديم الدعم اللازم.

وذكرت أن التوحد يُصنف إلى نوعين: التوحد الناطق والتوحد غير الناطق. وأكدت أنه رغم عدم وجود علاج شافٍ، فإن التدخلات السلوكية يمكن أن تحسن من حالة الطفل.

تناولت الأسباب المحتملة للتوحد، مثل العوامل الوراثية والتعرض للتلوث البيئي أو العدوى الفيروسية أثناء الحمل، بالإضافة إلى نقص الأوكسجين أثناء الولادة الذي قد يؤثر على الدماغ. كما أكدت أن الولادة المبكرة قد تؤدي إلى خلل في فسيولوجيا الدماغ.

وذكرت أن الإصابة بالتوحد تحدث في حالة من كل 500 شخص، لكن النسبة أصبحت في ازدياد بسبب التلوث. وأوضحت أن التوحد يختلف تمامًا عن التخلف العقلي، حيث أن بعض الأطفال المصابين بالتوحد قد يمتلكون ذكاءً عاليًا وقدرات إبداعية.

مقالات مشابهة

  • الخميس.. دار الكتب والوثائق تحتفل بمرور 155 عامًا على إنشائها
  • انقرض منذ 12500 عام..الذئب الرهيب يعود إلى الحياة
  • إعادة الذئب الرهيب إلى الحياة بعد انقراض دام آلاف السنين!
  • شهيدان ومصابون في قصف مدفعي إسرائيلي على محيط الكلية الجامعية بغزة
  • علماء يعيدون الذئب الرهيب للحياة بعد 10 آلاف سنة من الانقراض
  • عودة الذئب الرهيب "Dire Wolf" من الانقراض.. كيف فعلها العلماء؟
  • مكتبة مصر العامة تنظم معرضا لبيع الكتب بأسعار رمزية
  • «أعراض وعلاج مرض التوحد».. ندوة تثقيفية في دار الكتب بطنطا
  • مرموش: أعتقد أنني أشكل تهديدا للمنافسين من أي مكان في الملعب
  • مكتبة مصر العامة تنظم معرضًا لبيع الكتب بأسعار رمزية