حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

الإبداع مطلوب في أي عمل يقدمه الإنسان في هذه الحياة، والأعمال الإبداعية المتقنة هي التي تحتفظ بها البشرية وتتناقلها جيلا بعد جيل وتحفظها لتبقى معها للأبد. والإبداع والإتقان في العمل مبدأ قرآني قبل كل شيء، أما الأعمال الهابطة فتندثر مهما كان محتواها وحجمها وشكلها لأنها لا تحتوي على اللمسات الجمالية والإبداعية المُتقنة والمطلوبة في تلك الأعمال.

ومن هذا المنطلق، توجهت وزارة الثقافة والرياضة والشباب مؤخرًا وعلى مدار يومين متتالين لتقديم خطة مختبرات خارطة الصناعات الإبداعية بمشاركة 170 شخصًا ضمت 17 قطاعاً تتعلق أعمالهم بالصناعات الإبداعية. وتعد هذه الخارطة الأولى من نوعها للصناعات الإبداعية يتم تقديمها في أول محاولة ممنهجة لتعريف وقياس هذه الصناعات عبر فهم أبعاد القطاع الإبداعي وجمع البيانات المتعلقة به، وبالمبدعين في السلطنة بهدف توفير صورة شاملة وواقعية لمتخذي القرار تمكنّهم من وضع سياسات وتشريعات تعزز القطاعات الإبداعية.

الوزارة المعنية تهدف من عمل خارطة للصناعات الابداعية زيادة الحوار والتبادل المعرفي حول السياسات وتحقيق أفضل الممارسات الإبداعية، إضافة إلى وضع أسس للاقتصاد الإبداعي في السلطنة، وتعزيز التكامل والتآزر بين الثقافة والفنون والتعليم لضمان مسارات مهنية ثقافية مستدامة، وتطوير سياسات دعم المواهب، وأفضل الممارسات وتعزيز حماية الملكية الفكرية، وتوفير الأطر المطلوبة لدعم الأنشطة الإبداعية المتزايدة في المنصات الرقمية.

خارطة الصناعات الإبداعية تشمل العديد من المبادرات تهم قطاعات اقتصادية عدة تشمل قطاع النشر والمطبوع الالكتروني والدعاية والتسويق والموسيقى والمسرح والسينما والعاب الكمبيوتر والفنون التشكيلية والتصوير الضوئي والفنون الرقمية، بجانب قطاع الأزياء وفنون الطهي وفنون العمارة والمكتبات والمتاحف والآداب والترجمة والتراث وكل ما يتعلق بالانتاج الفني والمعلوماتي.

ناقشت الحلقات المختصة بالصناعات الإبداعية العديد من تلك المحاور وما يهمها، وأفضل الممارسات والتدابير اللازمة لتقويتها، بجانب التشريعات والقوانين المتعلقة بها، بالإضافة إلى التعرض للتجارب الدولية في هذه القطاعات الإبداعية، وكيفية تحقيق القيمة المضافة منه في العمل التجاري بالإضافة إلى ضرورة تأهيل العاملين بها ودعم المواهب التي ترغب في تقديم أفضل الممارسات في إنتاج أعمالهم اليومية.

وهناك اليوم العديد من مؤسسات المجتمع المدني في البلاد من الجمعيات المهنية المعروفة في تقديم تلك الأعمال، والتي من المفترض أن تكون نشطة في تقديمها للمجتمع العماني وفق أهدافها وتخصص كل منها، خاصة وأن بعضها تستلم مبالغ مالية سنوية كبيرة من الجهات المعنية كدعم مالي بالإضافة إلى ما تحصل عليه من مبالغ مالية أخرى مختصصة لدعم خدمات المجتمع سواء من الشركات الحكومية أو مؤسسات وشركات القطاع الخاص، الأمر الذي يمكنّها من التوجه نحو العمل في هذه الصناعات الإبداعية، إلا أن معظم تلك المصروفات السنوية تتجه في أمور تتعلق بسفر بعض الأعضاء إلى الخارج، وقيامهم بتنظيم أنشطة العلاقات العامة لأعضائها لضمان استمرار بعضهم في تلك الجمعيات، وتحسين صورتهم بدلًا من التوجه نحو تنفيذ أعمال الصناعات الإبداعية التي تخص معظم الأعضاء كما ورد في خارطة تلك الصناعات. 

وعليه فإنَّ جميع القطاعات تحتاج إلى وضع استراتيجية ثقافية لتنميتها مع العمل على مزجها بفنون التعليم والمهن الإبداعية لتقديم أفضل أعمال مهنية وثقافية مستدامة، بالإضافة إلى تأهيل المُبدعين في مجالات التكنولوجيا والابتكار في العالم الرقمي، والحد من  التحديات التي قد تواجههم في مختلف مراحل الإنتاج والإبداع لتلك الأعمال. كما إن جميع هذه المبادرات تحتاج إلى وضع قانون ينظم أعمال الممارسات الإبداعية بحيث يمكن من خلالها تنظيم تلك الأعمال والارتقاء بالفنون المتعددة؛ فالصناعات الإبداعية تشكّل اليوم قوة اقتصادية وثقافية ومجتمعية في أية دولة. ومن هنا تُعطى أهمية خاصة في سياسات الدول والاقتصادات المحلية.

البرنامج الأخير لهذه الحلقات خرج بمبادرات جيدة ومهمة لتنفيذ بعض المشروعات بقيمة استثمارية قدرها 15.4 مليون ريال عُماني، بينما هناك فرص أخرى لتنفيذ مشاريع استثمارية أخرى في الفترة المقبلة، وتحقيق العديد من المبادرات الجديدة في هذه القطاعات؛ الأمر الذي يتطلب بذل المزيد من الجهود لاستغلال كل ما يُمكن تقديمه في هذه المجالات. كما يتطلب استغلال التنوُّع الثقافي للسلطنة في كل القطاعات الممكنة والمتاحة في ظل وجود كوادر بشرية فنية متعلمة، ومؤسسات كبيرة للمجتمع المدني؛ الأمر الذي سوف يُحقق الكثير من النجاح الفني والاقتصادي للبلاد، بجانب تشغيل المزيد من الكوادر الوطنية الباحثة عن العمل في تلك المجالات، مع العمل بالاستفادة من التجارب الدولية التي سبقتنا في إنتاج الكثير من الصناعات والفنون الإبداعية. 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزيرة التخطيط تشارك في ورشة العمل الوطنية حول تعزيز التحول الرقمي

شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في ورشة العمل الوطنية حول تعزيز التحول الرقمي، التي نظمتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتعاون مع مجموعة البنك الدولي، بحضور الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وسانجبو كيم، نائب رئيس البنك الدولي للتحول الرقمي، وستيفان جيمبير، المدير القطري للبنك الدولي، وغيرهم من الأطراف ذات الصلة، حيث استهدفت الورشة تعزيز الحوار حول رؤية مصر في مجال التحول الرقمي، بما يُسرع جهود التنمية والنمو الاقتصادي المُستدام.

وفي كلمتها، أكدت الدكتورة رانيا المشاط، الحكومة المصرية أولت اهتمامًا كبيرًا بتطوير قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والابتكارات ورياد الأعمال، باعتبارها قطاعات رئيسية لتحفيز للنمو المستدام، وتلعب دورًا حيويًا في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، كما أنها تُسهم في تحقيق الأولويات الوطنية، وخلق فرص العمل.

ونوهت بأنه رغم تباطؤ النمو الاقتصادي في العام المالي الماضي بسبب التطورات الإقليمية والعالمية المحيط بالاقتصاد المصري، إلا أن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كان من القطاعات التي حققت معدلات نمو إيجابية، بل كان من أكثر القطاعات نموًا بنسبة 14.4% على مدار العام، وهو ما يُمثل انعكاسًا للجهود التي تقوم بها الدولة في مجال التحول الرقمي.

وذكرت أن التحول الرقمي يُعد محركًا رئيسيًا للتنمية الاقتصادية، ولذلك تعمل وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، على تعزيز استراتيجيات الدولة في هذا المجال سواء من خلال الخطة الاستثمارية، أو الشراكات مع الشركاء لدوليين، بما يُعزز زيادة الإنتاجية والكفاءة عبر جميع القطاعات، ويسهم في تزويد الشباب بالمهارات المستقبلية وصولًا إلى تعزيز بيئة ملائمة لرواد الأعمال والشركات الصغيرة، مع دفع النمو القائم على الابتكار وجذب الاستثمارات في القطاعات ذات الإمكانات العالية.

وفي هذا السياق، أشادت «المشاط» بالدور الحيوي الذي يقوم به البنك الدولي، من خلال المُساهمة في تنفيذ العديد من المشروعات والبرامج الداعمة للتحول الرقمي بالتعاون مع الجهات الوطنية، سواء من خلال الدعم الفني أو التمويل الميسر؛ ومن بينها التحول الرقمي وتنمية القدرات في مجال التعليم الذي يحظى بأهمية كبيرة من الدولة، من أجل دمج مفاهيم التعليم عن بعد، وإتاحة الأدوات التكنولوجية في العملية التعليمية.

وأشارت إلى إطلاق الوزارة بالشراكة مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مبادرة فريق العمل الأممي المشترك حول التكنولوجيا والابتكار، والتي تستهدف تعزيز التعاون بين الجهات الوطنية ووكالات الأمم المتحدة العاملة في مصر، لصياغة مشروعات حكومية غير نمطية ومبتكرة تكون قائمة على التكنولوجيا، وتتسم بالابتكار، بالقطاعات ذات الأولوية.

وذكرت أن الحكومة المصرية تتبنى منهجًا داعمًا لريادة الأعمال والابتكار، ولذلك دشنت المجموعة الوزارية لريادة الأعمال التي تستهدف تعزيز قدرة الشركات الناشئة وبيئة ريادة الأعمال على تحقيق نمو اقتصادي مستدام ومتسارع قائم على التنافسية والمعرفة، بما يسهم في خلق فرص عمل لائقة، وتسعى المجموعة الوزارية إلى ربط التحديات الملحة في قطاعات الدولة المختلفة بالحلول المبتكرة التي تقدمها الشركات الناشئة.

واختتمت كلمتها بالإشارة إلى تقرير "فخ الدخل المتوسط" الصادر عن مجموعة البنك الدولي مؤخرًا، والذي يؤكد أنه حتى تتمكن الدول من التطور والخروج من دائرة الدخل المتوسط إلى الدخل المرتفع، فإنه يجب عليها أن تتبنى العديد من الركائز، من اهمها استراتيجيات متكاملة تقوم على الاستثمار والتكنولوجيا والابتكار.

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي يجتمع مع وزير الطيران المدني لبحث تطوير المنظومة
  • أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة
  • وزير التعليم العالي: أهمية التعاون بين الجامعات ومجتمع الصناعة لدعم التنمية
  • تجديد الثقة في اللواء دكتور محمد عقل سكرتيرا عاما مساعدا لشمال سيناء
  • أرحومة يتفقد الأضرار التي لحقت بمبنى وزراة العمل جراء الأمطار في سرت
  • أهمية العمل والحث على إتقانه في الشرع الشريف
  • إنجازات «العمل».. ترسيخ ثقافة الأعمال الحرة والتركيز على الحرف ومهن المستقبل
  • خبير: أهمية قمة دول الثماني تنبع من العمل على حل الأزمات بالمنطقة
  • وزيرة التخطيط تشارك في ورشة العمل الوطنية حول تعزيز التحول الرقمي
  • الدفاع المدني يعود للبحث في مكان اغتيال نصرالله