تحضيرا لاستقبال السودانيين العائدين إلى منازلهم التي هجروها تحت وقع المعارك العنيفة التي استمرت لأكثر من 11 شهرا، شرعت حكومة الخرطوم بالتنسيق مع الجيش السوداني ووزارة الصحة والمنظمات والمتطوعين في إزالة الجثث من وسط أم درمان، ثاني أكبر مدينة في السودان.

وخضعت أجزاء واسعة من مدينة أم درمان مؤخرا للجيش بعد اشتباكات مستمرة مع قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر على أم درمان القديمة ومقر الإذاعة والتلفزيون، وأظهرت الصور الملتقطة للمعارك سقوط أعداد كبيرة من القتلى، علاوة على دمار واسع لحق بالمواقع التي استهدفها الجيش بالمسيّرات في أثناء ملاحقته عناصر الدعم السريع.

وحسب ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن ما لا يقل عن ألف جثة تم جمعها خلال الأيام الماضية في أحياء بأم درمان، بينما لم تصل الفرق الطبية والعسكرية لمواقع أخرى في أم درمان القديمة يتردد أن بها أعدادا كبيرة من الجثث المتحللة لقوات الدعم السريع، مما يفاقم من التلوث وانبعاث الروائح الكريهة.

مسيّرات الجيش تستهدف رتلا من سيارات الدعم السريع في أم درمان (الإعلام العسكري) تطمينات ولكن

ورغم التطمينات التي تسعى السلطات السودانية لبثها وسط المواطنين وتحفيزهم للرجوع بتأمين مواقع عديدة في أم درمان وإعادة قوات الشرطة والمرور الأسواق والمحال التجارية للعمل وفتح المصارف، فإن خبراء في البيئة أطلقوا تحذيرات جدية من خطورة تشجيع العودة للمناطق السكنية قبل اتخاذ حزمة تدابير تؤكد صلاحية المنازل والأعيان المدنية للحياة ومن دون تعريض العائدين لمخاطر جسيمة.

وتتلخص المخاوف البيئية من التلوث الحاد الذي لحق بالمواقع التي شهدت مواجهات ضارية استخدمت خلالها جميع أنواع الأسلحة المميتة بنحو يتطلب آليات لقياس مستوى السموم التي لحقت بالهواء والأرض والمياه قبل استقبال المواطنين وعودة الحياة لطبيعتها.

ويتحدث الخبراء عن تشبع الهواء بتفاعلات الرصاص والقذائف الكثيفة التي أطلقت في سماء العاصمة لعام كامل، علاوة على تدمير واسع أصاب المعامل والمختبرات في المستشفيات والكليات الطبية، وجميعها كانت تحتوي على عينات لبكتيريا وفيروسات محفوظة بمواصفات علمية محددة، لكنها فسدت بفعل انقطاع التيار الكهربائي وتسربت وباتت مهددا صحيا وبيئيا في غاية الخطورة.

وطبقا لشهادات حصلت عليها الجزيرة نت من عائدين إلى أم درمان القديمة لتفقد منازلهم بعد سيطرة الجيش، فإن تراكم الجثث وتزايد الكلاب والقطط الضالة أدى لوضع بيئي كارثي تصعب معه عودة الأسر والحياة بشكل طبيعي، وتحدثوا عن انبعاث الروائح وتهدم جزئي لبعض المنازل بما يهدد ما تبقى، إلى جانب تناثر القذائف غير المتفجرة داخل المنازل وفي عديد من المواقع التي اتخذتها قوات الدعم السريع مقرا لعملياتها القتالية.

وبجانب الوضع البيئي المتردي، يواجه العاملون في القطاع الصحي مهددات أمنية، إذ دانت وزارة الصحة -في بيان- استهداف قوات الدعم السريع هذا الأسبوع فريقها الذي كان يعمل على جمع الجثث قرب مستشفى التجاني الماحي بأم درمان، مما أدى لمقتل سائق عربة الطوارئ وإصابة آخرين.

وضع كارثي

من جانبه، يصف الخبير في شؤون البيئة البروفيسور طلعت دفع الله الوضع في أم درمان القديمة بالكارثي، ويرى في حديثه للجزيرة نت أن الدعوات لعودة السكان من دون تخطيط وتوفير الخدمات فيها زيادة للمعاناة، ولن تجد آذانا صاغية.

ويتابع "الوضع البيئي كارثي، ليس فقط بسبب مخلفات الموتى ولكن من مخلفات القذائف والرصاص، فهناك تلوث في الهواء والمياه وتلوث ضوضائي جراء أصوات المدافع القذائف وحركة المسيرات، إضافة إلى آثار أخرى لم يتم رصدها بطريقة مهنية لانعدام الأمن".

ويشدد دفع الله على أهمية تحرك منظمات المجتمع المدني حال استتباب الأمن وأن تتضافر جهود الأجهزة الرسمية لنظافة المخلفات والتخلص من بقايا المخلفات العسكرية وتوفير الكهرباء والمياه وخدمات الاتصال، وتهيئة المؤسسات التعليمية والخدمية والصحية، ومن ثم الدعوة للعودة وبطريقة منظمة.

وتطرق الخبير البيئي إلى التدمير الذي طال المستشفيات المحتوية على العينات المعملية والمواد الخطرة والآثار الوخيمة المترتبة على ذلك، علاوة على تدمير التصريف الصحي بجانب تسرب الإشعاعات التي قال إنها لم تحصر بعد لعدم وجود الأجهزة والكوادر المدربة، لافتا إلى أن انقطاع الكهرباء والمياه تسبب كذلك في تلوث كبير أصاب حتى الأغذية.

ويضيف أن "الوضع يحتاج إلى خطة طوارئ عاجلة للرصد العلمي الدقيق للآثار، وإشراك ذوي الاختصاص والجهد الرسمي والشعبي ممثلا في منظمات المجتمع المدني كأذرع مهمة داعمة للعمل الرسمي، خاصة منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى التي بها كوادر مدربة للتعامل مع هذه الحالات".

ولا يغيب الوضع بخطورته هذه عن المسؤولين في وزارة الصحة الاتحادية، إذ يؤكد مسؤول رفيع في الوزارة للجزيرة نت الانتهاء من إعداد خطة متكاملة للتعامل مع الأوضاع في المستشفيات والمختبرات عبر لجنة الطوارئ الصحية، مشيرا إلى أن الخطة أجيزت باللجنة العليا للإسناد برئاسة والي الخرطوم وبدأ تطبيقها الخميس الماضي.

تحوطات واجبة

في السياق، ينصح الأستاذ والباحث في قضايا البيئة والكيميائيات الخطرة الفاتح يسن بأن تكون عودة المواطنين تدريجية بعد التأكد من صلاحية المواقع وفحصها على يد فرق متخصصة من سلاح المهندسين، للتأكد من عدم زراعة ألغام حول المساكن والأحياء، وأن تعمل فرق من سلاح الكيمياء على البحث عن احتمالات وجود مواد مشتعلة وقذائف غير متفجرة في المنازل والأعيان التي كان يقيم فيها عناصر المليشيا، كما يجب نشر أفراد من شرطة الدفاع المدني للتأكد من صلاحية المباني وعدم تعرضها للانهيار وسلامة خطوط الكهرباء وغيرها.

ويشدد يسن، في حديثه للجزيرة نت، على ضرورة إجراء قياسات لجودة المياه والهواء ويتحدث عن أن دخول فصل الصيف يمكن أن يكون عاملا حاسما في تنقية الأجواء من الميكروبات، لكنه لا يمنع الاحتياط بالتعامل مع الواقع.

وبشأن التعامل مع الجثث، يرى الباحث ضرورة أن تتم عمليات الجمع في الصباح الباكر، وأن يتم الدفن بشكل جماعي وفي مكان خال من الملوثات الكيميائية ومن الزراعة والمياه والنفايات العضوية، وأن تحاط المقبرة بمواد عازلة من الجهات الأربع وتحتوي مستقبلا لعصارة الجثث لمنع التلوث والتسرب للمياه الجوفية وللأرض نفسها.

وينوه يسن في هذا الاتجاه إلى أن توقف شبكات المياه عن الضخ لفترة طويلة يجعلها معرضة للبكتيريا والطحالب بما يستوجب زيادة جرعات التعقيم عند إعادتها للعمل.

معضلة الكلاب

وإلى جانب الوضع البيئي المثير للقلق، تبرز مشكلة الكلاب والقطط التي اتخذت من الجثث المتناثرة طعاما على مدى 11 شهرا، وهو ما يجعل احتمالات إصابتها بمرض السعار مرجحا لحد كبير، ويثير وجودها وسط الأحياء السكنية قلقا بالغا بعد أن تحولت إلى حيوانات متوحشة، ويقول خبراء إن جيلين من الكلاب والقطط التي ولدت في أشهر الحرب الطويلة لم يألفوا البشر، واستطعمت أعضاء بشرية بما يعضد فرضية مهاجمتها العائدين إلى منازلهم.

ويقترح الباحث الفاتح يسن -في هذا السياق- استعمال مصائد ضخمة لجذب الكلاب الضالة وتعقيم أماكن وجودها وقتل المتوحش منها، ثم دفنها بعيدا عن مصادر المياه والزراعة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات قوات الدعم السریع أم درمان القدیمة فی أم درمان

إقرأ أيضاً:

فُقَّاعَة الدعم السريع!!

قد لا يعلم كثيرٌ من النَّاسِ أن أشهر المعارك التی (كسبها) الدعم السريع ضد حركة العدل والمساواة، ونقصد معركة قوز دنقو، هذه المعركة قد قام بالتخطیط لها وتوفير المعلومات عن قوة العدو وتسليحه وآلياته وخط سيره ومحطات إرتكازه وساعة الصفر المناسبة لمهاجمته، قام بها الجيش السوداني بعقول جنرالاته ودقة إستخباراته وحركة طيرانه في مجال الإستطلاع والتصوير الجوي، فَيَد الجيش كانت هي الأعلیٰ ثم أُوكل إلی قوات الدعم السريع تنفيذ المهمة، تساندها قوة سيطرة وتحكم من جهاز الأمن والمخابرات، وقد تمكنت فی تلك المعركة بالفعل من سحق قوة كبيرة جداً من قوات حركة العدل والمساواة، وبذلك (شَالَت الشَّكْرَة) ونال قاٸدها ترقيةً إلی رتبةٍ أعلیٰ!!

هذه المقدمة تقودنا إلی النظر فی سٶال مُلِح جدا: أيُّهما أهم،الجيش أم الأسلحة؟
فالجيش يعنی (التدريب والتنظيم والتسليح) بكل مافي هذه الكلمات الثلاث من تفاصيل وما بينهما من لوجستيات، والأسلحة هی مختلفة الأنواع والقدرات وقد تتوفر لدی أي جهة دولة كانت أو مليشيا أو تنظيم أو عصابة، لكن وفرة السلاح وجودته وحداثته لا تعني بالضرورة أن يُحقق به النصر في اّی معركة!! والدليل أن أحدث الأسلحة وأشدَّها فتكاً وأطولها مَدیً، وذراعاً،كتلك المتوفرة لدی الولايات المتحدة الأمريكية،لم تحقق لها النصر فی فيتنام ولا فی أفغانستان ولا الصومال،وإلیٰ حدٍّ ما في العراق بل يمكن القول إن أمريكا لم تحقق النصر الصريح فی جميع حروبها الخارجية.

وحتَّیٰ لا نذهب بعيداً عن موضوعنا الأساس، فقد إمتلكت مليشيا الدعم السريع من الأسلحة ما لم يتوفر لدی الجيش السوداني،وجنَّدت في صفوفها مِٸات آلاف من المرتزقة الأجانب أو من أبناء القباٸل المتحالفة معها، لكن مليشيا آل دقلو لم تُحسِن تدريبهم أو لم تهتم بتدريبهم أصلاً،بعد أن توفرت لديها الملابس والمركبات والمرتبات، وكان منظر الدعامة علی ظهور التاتشرات التي تنتصب فوقها الدوشكات يكاد لا يغيب عن عينِ من يتجول في شوارع العاصمة المثلثة، وقد سألتُ صديقاً لی من عشيرة حميدتی وقلت له: عساكر الدعم السريع ديل ساكنين في التاتشرات دی كيف؟ فقال لی: ديل الواحد منهم زمنو كلو يحلم بأنه يلقیٰ ليهو ناقة،كيف ما يفرح بعد لِقیٰ ليهو تاتشر!!

هذه تخريمة ضرورية عن عساكر المليشيا تقودنا لقادتهم الذين فرحوا بالرتب الرفيعة علی أكتافهم وعلقوا النياشين علی صدورهم – وإسمها فی الجيش(اليومية) – دون وجه حق فی قانون الأوسمة والأنواط وهي في نظرهم زينة ونفخة وقَشْرَة وبس. ولم يكلفوا أنفسهم مشقة المعرفة؛ وقال كبيرهم في خطاب جماهيری وهو يهز أكتافه (الدبابير ديل ما دخلنا ليهن الكلية الحربية جاتنا كده من الله!!) واستعانوا بضباط من الجيش (ملحوقات) ليقوموا بسد النقص فی مهام القيادة والإدارة. وهذا يُفسِر لماذا تحولت مليشيا آل دقلو مجرد فقاعة بددتها أشعة شمس الحقيقة فی ميادين حرب الكرامة.

وقد إستغرب الناس أيُّما إستغراب من الجيش وهو يتصدیٰ لهذه القوة الغاشمة ويبدد أحلامها ويشتت عديدها بالرغم من القلة العددية للجيش مقارنة بالألوف المٶلفة للمليشيا والسلاح النوعي المتوفر لديها والمركبات القتالية والمدرعات الأماراتية ومنظومات التجسس الإسراٸيلية وأجهزة التشويش الأمريكية، والصواريخ الذكية، والذخاٸر المتنوعة !!

لو كانت الأسلحة تحارب إذاً لكان الفلنقاي أركان نهب دمباري حميدتي أميراً علی إمارة العطاوة القبلية، لتعترف به دويلة الشر كأول دولة رسمياً، ولكان حمد الجنيبي هو المندوب السامي الأماراتي في دولة العطاوة الجنيدية السودانية، ولكان الفلنقاي الأهطل عبد الرحيم قاٸداً عاماً للقوات المسلحة السودانية ولكان إبراهيم سرج بغل والياً علی ولاية الخرطوم.

أما وقد أعلن الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان رٸيس مجلس السيادة الإنتقالی القاٸد العام للقوات المسلحة الخرطوم خالية من المليشيا، فإن ذلك يأتي إيذاناً بإستصال شأفتها من ساٸر الأرض السودانية بإذن الله

-النصر لجيشنا الباسل.
-العزة والمنعة لشعبنا المقاتل.
-الخزی والعار لأعداٸنا وللعملاء.

محجوب فضل بدري

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • فُقَّاعَة الدعم السريع!!
  • شاهد بالفيديو.. الجيش السوداني ينجح في الوصول إلى المدافع التي يتم بها قصف المواطنين بمدينة أم درمان بعد أن تركتها مليشيا الدعم السريع داخل المنازل وهربت
  • 10 قتلى في قرى الجموعية.. انتهاكات واسعة. لقوات الدعم السريع جنوب أم درمان 
  • االجيش السوداني يقصف أم درمان لإخراج قوات الدعم السريع من محيط العاصمة
  • بعد تحرير الخرطوم.. الجيش السوداني يقصف أم درمان لطرد "الدعم السريع"
  • محاكمة نتنياهو ولجنة القضاة.. تعرّف على الأزمات التي تهدد بانهيار النظام القضائي الإسرائيلي
  • السودان.. “الدعم السريع” تقلل من أهمية عودة البرهان للخرطوم، قالت إنها أعادت تموضع قواتها في أم درمان واعتبرت أن الجيش لم يحقق أي نصر عليها
  • بنك الخرطوم يعلن عودة أحد فروعه في العاصمة للعمل
  • احتفالات السودانيين في فيصل بتحرير الخرطوم: "جيشً واحد.. شعبً واحد".. شاهد
  • البرهان يعلن استعادة الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم بالكامل