أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

 

مُنذُ النهضة العلمية، استطاعت علوم الطبيعة أن ترفع الكثير من الغموض حول الظواهر الطبيعة، وتقوم بتفسيرها تفسيرًا علميًا مدعومًا بتجارب علمية دقيقة، إلّا أن من أكبر التحديات التي ما زالت تواجه هذه العلوم بصورة خاصة هي القدرات الخارقة التي تظهر عند بعض الأشخاص؛ كقدرتهم على التخاطر مع الآخرين، أو قدرتهم على تنبؤ المستقبل، أو قدرتهم على التأثير على جسم مادي من خلال التركيز أو مشاهدة الأشباح والتخاطب مع الموتى، وغيرها من هذه الظواهر الخارقة التي يعتقد البعض منا بأنه يمتلكها.

فقد لفتت هذه القدرات الخارقة بعض الباحثين مما جعل بوصلة البحث العلمي تتجه لدراسة هذه الظواهر والتحقق منها، من خلال علم يعرف بعلم "البارا سيكولوجي"، ومنذ منتصف القرن الماضي أُعِدَتْ مراكز بحثية في عدد من الجامعات، للكشف عن حقيقة خوارق القدرات البشرية إلّا أن أغلب تلك المراكز البحثية أُغلِقَت فيما بعد، وهناك عدد منها ما زال موجودًا ومن أشهرها مركز بحثي في جامعة إدنبرة، وآخر في جامعة لندن، كما إن هناك عددًا من الجامعات تدرس مقررات دراسية حول خوارق القدرات البشرية.

غير أن وجود هذه المراكز ووجود علماء متخصصين في هذا المجال لا يعني أنهم يؤمنون بوجود هذه القدرات الخارقة، فأغلب الباحثين يشككون أو ينفون وجود هذه القدرات، ويرون أن البحث العلمي وبعد قرابة أكثر من 5 عقود لم يثبت وجود هذه القدرات الخارقة، إلّا أن الكثير منهم ما زال يعتقد بأهمية مواصلة البحث في هذا المجال لأنه يكشف عن الكثير من الجوانب الغامضة عند الإنسان، مما يساعد في تطوير علم النفس كثيرًا.

ولاحظ الكثير من هؤلاء الباحثين، أن أولى التحديات التي تواجههم هو أن الكثير ممن يدعون امتلاك قدرات خارقة يرفضون الخضوع للبحث العلمي والتجارب العلمية، كما أن البعض منهم كان يقوم بحركات كثيرة وسريعة أثناء ملاحظته، مما يشكك في أنه يقوم بخدع معينة، وأنه لا يمتلك تلك القدرات في الواقع!

هذا ما جعل هذه البحوث تنتقل الى مرحلة أخرى، يراها البعض أكثر تطورًا؛ وهي مرحلة التجارب المخبرية، ففي البحوث السابقة كان الباحثون يقومون بالتجارب في الأماكن التي يتواجد بها من يدّعي أنه يمتلك تلك القدرات، أما في التجارب المخبرية، فإن التجارب تتم في مختبرات مُعدة ومُخصصة للقيام بذلك، وبها أدوات رصد ومراقبة دقيقة، وقد لاحظ هؤلاء الباحثون أن الكثير من المدعين يمارسون خُدعًا أقرب الى الخدع السحرية يصعب الكشف عنها إلّا من خلال أدوات مراقبة دقيقة.

لكن التحدي الكبير الذي تواجهه هذه المراكز البحثية يتمثل في مدى حيادها في تقييم نتائج البحوث؛ فهناك تخوف كبير من الماديين من اثبات بعض القدرات البشرية الخارقة والتي لا يُمكن تفسيرها بالتفسير المادي، وهي بذلك تُثبت وجود بعد لا مادي في الإنسان، وهو ما يعرف في الثقافات الدينية بـ"عالم الأرواح"، ومن هنا فإن هؤلاء الماديين يشنون حملات عنيفة على العلماء الذي  يقرون بوجود أبعاد لا مادية في الإنسان، بحيث أنهم يتهمونهم بأنهم يُخرجون البحث العلمي الرصين عن مساره الصحيح، ولذا هناك تخوف من قبل بعض الباحثين من اقراره بوجود هذه القدرات الخارقة.

كما إن هناك تحديًا من نوع آخر؛ فالنتائج التي توصّلت إليها عدد كبير من الأبحاث أن نسب النجاح في التجارب التي يخضع لها أصحاب هذه القدرات الخارقة لا تزيد عن نسب احتمال الصُدف في صدق التوقع، فمثلًا في عدد من تجارب عملية التخاطر الذهني فإن أصحاب هذه القدرات لم تتجاوز نسب نجاحهم في تلك التجارب، نسب الصدف المتوقعة، وفي بعض التجارب الأخرى ارتفعت هذه النسبة بهامش بسيط جدًا عن نسب الصدفة المتوقعة! مما يعني أن الباحث سيصل الى نتيجة مفادها أن هؤلاء يمتلكون قدرات خارقة، لكن هناك من العلماء من يرى أن ذلك لا يكفي لإثبات وجود هذه القوى الخارقة، ويطالبون بأدلة دامغة وقوية لإثبات ذلك؛ فالادعاء بوجود قوى خارقة للطبيعة يحتاج الى دليل يُضاهي قوة الادعاء، ولذا فلا يمكننا الاعتماد على هكذا أدلة.

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، فإن البحث العلمي مستمر ومراكز الأبحاث ما زالت تحاول الغوص في هذا العالم الغامض.. فهل ستزيل الستار عنه في يوم ما؟ أم سيزداد غموضًا؟!

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أبرز التعديلات في قوانين الفورمولا1 لعام 2025

الرياض – هاني البشر
تواصل الفورمولا1، باعتبارها واحدة من أكثر الرياضات تطورًا وابتكارًا، تحديث قوانينها لتواكب التغيرات السريعة في مجال التكنولوجيا، والسلامة، والعدالة في المنافسة، فقد أعلنت اللجنة المنظمة عن سلسلة من التغييرات الرئيسية في القوانين لعام 2025 لجعل هذه الرياضة أكثر أمانًا، وإثارة، وعدالة، سنتناول في هذا التقرير كافة التفاصيل حول هذه التعديلات.

1- تعديل في نظام النقاط

في خطوة تهدف إلى إعادة تنظيم المنافسة والتركيز على الأداء العام، تم إلغاء النقطة الإضافية التي كانت تمنح للسائق الذي يسجل أسرع لفة في السباق، هذا التغيير يعكس رغبة الفورمولا1 في جعل النقاط تركز على إنجاز السباق بشكل كامل بدلاً من منحها بناءً على أداء منفصل في أسرع لفة، وسيظل باقي نظام النقاط كما هو، حيث يحصل صاحب المركز الأول على 25 نقطة، والثاني 18 نقطة، والثالث 15 نقطة، والرابع 12 نقطة، والخامس 10 نقاط، والسادس 8 نقاط، والسابع 6 نقاط، والثامن 4 نقاط، والتاسع نقطتان، والمركز العاشر نقطة واحدة.

2- أنظمة تبريد الإلزامية في الأجواء الحارة

من أبرز التعديلات التي تم إدخالها في قوانين الفورمولا1 لعام 2025 هو فرض تركيب أنظمة تبريد إلزامية للسائقين، خصوصًا في السباقات التي تتم في بيئات حارة، ففي حال تجاوزت درجة حرارة الجو 31 درجة مئوية، سيتم الإعلان عن خطر ارتفاع الحرارة، وتلزم القوانين الجديدة الفرق بتثبيت أنظمة تبريد في جميع السيارات، بهدف الحفاظ على راحة وسلامة السائقين طوال السباق، وسيؤدي هذا التعديل إلى زيادة الوزن بمقدار 2 كجم في التجارب والتصفيات، و5 كجم في السباقات.

3- قيود على تجارب السائقين

من أجل تحقيق مزيد من العدالة في التجارب والتصفيات بين الفرق قررت الفورمولا1 وضع قيود على تجارب السائقين للسيارات القديمة، وفقًا للقوانين الجديدة، يحق للسائقين الأساسيين المشاركة في 4 أيام فقط من التجارب سنويًا، وبحد أقصى 1000 كم، كما يسمح للفرق بتشغيل سيارة واحدة فقط من الجيل القديم أثناء التجارب.

4- مزيد من التجارب الحرة للمواهب الجديدة

تأخذ الفورمولا1 خطوة أخرى لتعزيز الفرص المتاحة للسائقين الشباب والمواهب الجديدة من خلال إلزام الفرق بإشراك السائقين الناشئين في التجارب، حيث أصبح يتعين على الفرق أن تمنح السائقين الناشئين الفرصة للمشاركة 4 مرات على الأقل خلال الموسم، مرتين لكل سيارة.

تعد هذه التغييرات جزءًا من جهود الفورمولا1 المستمرة لتطوير سباقاتها وتحقيق التوازن بين الابتكار، والأمان، والتنافسية، وهذه الخطوات ستساهم بلا شك في تحسين البطولة وجعلها أكثر عدلاً وتوازنًا، ويبقى أن نرى كيف ستؤثر هذه التعديلات على الأداء العام للفرق والسائقين في موسم 2025، ولكن من المؤكد أن الفورمولا1 ستكون أكثر إثارة وابتكارًا في السنوات القادمة.

مقالات مشابهة

  • بروتوكول تعاون بين وكالة الفضاء المصرية وأكاديمية الشروق لتعزيز البحث العلمي وتطبيقات تكنولوجيا الفضاء
  • الكثير من الفظاعات التي مارسها الجنجويد في السودان مارسها اهل الخليج ضد اقرب الاقربين (1)
  • عمران القيب: سندعم البحث العلمي والابتكار في مختلف المجالات
  • أبرز التعديلات في قوانين الفورمولا1 لعام 2025
  • "تقنية عبري" تنظم معرضا لإبراز القدرات البحثية وربطها بالقطاعين الاقتصادي والاجتماعي
  • وزارة التعليم العالي: البحث العلمي رافعة أساسية لإعادة الإعمار
  • ملتقى الجامعات المصرية الفرنسية.. عقد جلسة نقاشية حول تعزيز قدرات البحث العلمي والابتكار من خلال الشراكات
  • "تأثير الذكاء الاصطناعي على البحث العلمي وتدريس اللغات".. ندوة بمعهد ثربانتس في القاهرة
  • ملتقى الجامعات المصرية الفرنسية.. جلسة نقاشية حول تعزيز قدرات البحث العلمي والابتكار
  • مؤسسة نظر ترى النور لتعزيز البحث العلمي وتجديد الفكر في المغرب